ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 04/06/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أفكار في الإصلاح والتغيير (4)

 التغييـر من الداخل

د . فواز القاسـم / سورية

إن صحة أية جماعة ، أو أمة ، أو مرضها ، أساسهما نابع من صحة الفكر أو مرضه ، قال تعالى :

(( إن الله لا يغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم )) الرعد(11) ... هذا في التغيير الإيجابي ، وقال :

(( ذلك بأن اللهَ لم يكُ مغيِّراً نعمة أنعمها على قوم ، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم )) الأنفال (53) ، وهذا في الجانب السلبي .

ولشرح هذا القانون نقول : إن كل مجتمع إنساني يتكون من ثلاثة عناصر رئيسيّة هي : ( الأفكار ) و ( الأشخاص ) و ( الأشياء ) . وترتبط هذه المكونات الثلاثة فيما بينها بعلاقة معينة ، تتبدل طبقاً للزمان والمكان .

وبحسب نوع العلاقة بين مكونات هذا الثالوث ، تتكون شبكة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الأفراد والجماعات ، ويتشكل محور الولاءات في المجتمع ، ويتحدد منهج الفهم والتفكير الذي يسود فيه ، ويترتب سلّم القيم الذي يوجه أنماط السلوك بين أفراده .

فإذا كان الولاء في الجماعة أو الأمة ( للأفكار ) ، فهي جماعة أو أمة ناضجة ومتحضِّرة ، وتكون في أعلى درجات صحتها وعافيتها ..

وفي هذه الحالة يتسلم مراكز القيادة والريادة ( الأذكياء ) ، الذين يحسنون مجابهة التحديات ، واتخاذ القرارات .

والذين يتسم منهج تفكيرهم بالعمق والدقة والعلمية والشمول ، فيسخرون طاقاتهم ، ويفنون أعمارهم ، في العمل للقضايا  الكبيرة  والخطيرة التي تهم أمتهم ، وتدور جل اهتماماتهم حول قضايا مجتمعاتهم ، ومصلحة أوطانهم .

وحين يكون الولاء في الجماعة أو الأمة ( للأشخاص ) هو المحور ، وتدور أفكار الناس في فلك الأشخاص ، فإن السمة الغالبة لمثل هذا المجتمع ، تصبح هيمنة محبي الجاه والنفوذ ، وسيطرة أصحاب القوة والسطوة ، الذين يسخِّرون (الأفكار والأشياء) معاً ، لمصالحهم الشخصيّة ، ورغباتهم الأنانية ...

وهنا ينحصر التفكير في مصلحة الذات أو الفئة ، لا غير ، ويتَّصف بالضحالة والتفاهة والسطحية ..

وتدور الاهتمامات حول القضايا التي تثيرها المنافسات والخصومات والمهاترات الحزبية .

وتسيطر هذه التفاهات على التفكير والتدبير ، إلى الحد الذي لا تترك فيه متّسعاً للقضايا الكبرى ، والتحديات المصيريّة .

أما حين يكون الولاء ( للأشياء ) ، وتدور ( الأفكار والأشخاص ) في فلكها ، فهنا الطامة الكبرى ، والمصيبة العظمى .! حيث تصبح الهيمنة في الجماعة أوالأمة لأرباب الأموال والتجارات والاستثمارات ، وتسود ثقافة الترف والاستهلاك ، وتُداس القيم والاعتبارات ، وتصبح الأفكار والمباديء ، مجرَّد سلع ومواد للاستهلاك المحلِّي .!!!

وهنا يتعطل الفهم والتفكير ويصابان بداء الشلل ، وينشغل المسلمون بأشيائهم وحاجاتهم ورواتبهم ، لا يعرفون معروفاً ، ولا ينكرون منكراً ، وفي النهاية تلفظ الجماعة أو الأمة أنفاسها الأخيرة ، مصداقاً لنبوءة الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ، الذي قال : (( والله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم ، فتنافسوها ، كما تنافسوها ، فتهلككم ، كما أهلكتهم )) مسلم .

وإذا أردنا أن نستعرض التطبيقات العملية لهذا القانون فهي كثيرة ، ففي عصر النبوة ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم  يعمّق الولاء للفكرة ( وهي العقيدة ) ويجعله محور العلاقات الخاصة والعامة في المجتمع المسلم ، وكانت ( أشخاص) المسلمين و( أشياؤهم ) ، تدور في فلك الولاء للفكرة الإسلامية ، تطبيقاً لقوله تعالى : (( إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )) التوبة(111)

وبعد عصر النبوة ، جسّد الخلفاء الراشدون هذا الولاء للفكرة الإسلامية أروع تجسيد ، ورصدوا أشخاصهم وأعمارهم وأشياءهم  لنشرها ، في الخارج : بالجهاد والتضحية والشهادة . وفي الداخل : بالعدل ، والقدوة ، والشورى .

ثم كان المنعطف الخطير بعد عهد الراشدين ، رضوان الله عليهم ، يوم بدأ رجال السياسة ، بتطويع رجال الفكر والشورى لأشخاصهم ، بحجة الحرص على الفكرة ، والغيرة على الدولة .

ثم ازداد هذا النهج وتفاقم ، يوم راح رجال السياسة يطاردون رجال الفكر ويضطهدونهم ، كلما استعصوا على الولاء للأشخاص .

ثم تلا ذلك تطور آخر ، حيث انتقل الولاء فيه للأشياء ، واشتغل المجتمع الإسلامي بالدنيا ، وتنافس الناس في جمع الثروات ، وتكديس الممتلكات ، وصارت علاقاتهم ومنازلهم تتحدَّد طبقاً لهذه التوافه .!!!

وهكذا وطبقاً لهذا المنهج ، فإننا نستطيع أن نميز بين ثلاثة مشاهد في التاريخ الإسلامي : ففي قرون الولاء للفكرة ، تجمعت كلمة الأشخاص ، وترسَّخت وحدتهم ، وازدهر أمرهم ، وبان عزهم ، وعزَّ نصرهم .

أما في قرون الولاء للأشخاص ، فقد برزت الصراعات الأسرية من أجل الخلافة ، وتشرذمت الأمة ، وتوزعت ولاءاتها حول الأشخاص والعوائل والمذاهب ، واشتغل المسلمون عن العدوّ الخارجي بالحروب والصراعات فيما بينهم .

وحين انتقل محور الولاء إلى الأشياء ، انحدر المجتمع الإسلامي إلى الحضيض ، وتمزَّقت شبكة العلاقات الاجتماعية  حتى داخل الأسرة الواحدة ، أو المذهب الواحد .

وصارت الشعارات الفكرية ، بعض سلع التجارة ، ووسائل الترف ...!!!

الأمر الذي أدى إلى وفاة المجتمع الإسلامي آنذاك ، ومجيء الجماعات الصليبيّة والمغوليّة ، لتعلن نبأ وفاة المشروع الإسلامي ، وتقوم بمراسيم دفنه وإهالة التراب عليه . !!!

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ