لعبة
إسرائيلية قذرة ومكشوفة
د.
محمد الغزي
أدركت
حكومة شارون والإدارة
الأمريكية مدى صعوبة تغييب
حركة المقاومة الإسلامية عن
ساحة العملية السياسية بما في
ذلك خطة الطريق الأمريكية التي
أحكمت الإدارة الأمريكية
والحكومة الإسرائيلية الإعداد
لها وتهيئة الظروف لإتمامها،
والذي زاد حكومة شارون وإدارة
بوش يأسا من النجاح في تهميش
حركة حماس التي تعمل باستمرار
على إفشال المخططات الأمريكية
والإسرائيلية الرامية إلى
تصفية القضية الفلسطينية هو عدم
استجابة رئيس السلطة
الفلسطينية لدعوات التصادم مع
الحركة وشن حرب ضدها وتغييب
قادتها وكوادرها في السجون
الفلسطينية، أضف إلى ذلك تحديد
محمود عباس موعدا لإجراء
الانتخابات التشريعية دون
الاستجابة للدعوات الأمريكية
والإسرائيلية بعدم إشراك حماس
في العملية الانتخابية
الفلسطينية.
ونتيجة لهذا اليأس بدأت
(إسرائيل) في استخدام إجراءات
وأساليب إجرامية (ليست جديدة)
على الساحة الفلسطينية لإحداث
انقلاب شعبي على حماس تمهيدا
لسلبها القدرة على التأثير
والفاعلية.
لقد
استيقنت حكومة شارون وإدارة بوش
أن قوة التحام حماس بالجماهير
الفلسطينية وقدرتها على حمل
آلامهم وأمالهم وتطلعاتهم إلى
حد كبير، ونجاحها في تحقيق
إنجازات عسكرية وسياسية
واجتماعية هي أهم العراقيل التي
تحول دون تهميشها، فقد نجحت
حماس في تعبئة الجماهير
الفلسطينية وكسب تأييدها ليس
فقط في مواجهتها للاحتلال
الإسرائيلي بل أيضا في إدارة
المؤسسات وإطلاق حملة الإصلاح
والتغيير التي أصبحت من أكثر
المطالب الشعبية إلحاحا في ظل
فساد يؤدي إلى معاناة لا تقل عن
المعاناة التي يسببها الاحتلال
الإسرائيلي.
وظهرت
لحكومة شارون وإدارة بوش دلائل
جلية ومؤشرات كثيرة على قوة هذا
التلاحم ومدى نجاح حركة حماس في
تحقيق برامجها السياسية
والاجتماعية والتعليمية بما لا
يدع مجالا للشك في استحالة
تهميشها أو القضاء عليها، فقد
حققت الحركة نجاها كبيرا في
الانتخابات البلدية وبينت
الأحداث التي شهدها حي الزيتون
مدى هذا التلاحم بين الجماهير
الفلسطينية وحركة حماس، فقد
خرجت الجماهير لصد المدرعات
التي ظلت مختفية طيلة انتفاضة
الأقصى ولم تخرج يوما قط دفاعا
عن الشعب أثناء الاجتياحات
الإسرائيلية المتكررة لحي
الزيتون وغيره من الأحياء.
ولهذا
ترى واشنطن وتل أبيت أنه لابد من
كسر هذا التلاحم وسلب حماس تلك
الإنجازات وإظهارها بمظهر
العابث الذي لا يهمه مصلحة
الشعب ولا يكترث بما يصيبه من
سقوط مزيد من الضحايا سواء
كانوا شهداء أو جرحى، ولهذا
تقوم الوحدات الاستخباراتية
الإسرائيلية بضرب تجمعات لحماس
في مناطق مدنية مكتظة بالسكان
وفي تجمعات للمدنيين لإيقاع
أكبر عدد ممكن من الضحايا دون
الإعلان عن مسؤوليتها في ذلك
لإلقاء التبعية على حماس، وبهذه
الطريقة يظن مرتكبي هذه الجرائم
أن الشعب سينبذ حماس أو أنه
سيتخلى عنها ويطمئن إلى وعود
الإدارة الأمريكية بحياة واعدة
واقتصاد مزدهر.
وهذه
اللعبة القذرة مكشوفة لدى الشعب
الفلسطيني ولن يسمح بمرورها،
وقد أبطل هذا الشعب المجاهد كل
المحاولات الإسرائيلية للإيقاع
بينه وبين المقاومين من كل
الفصائل وذلك بصموده وصبره
وتحمله الأسطوري للتضحيات، فقد
هدم جيش الاحتلال البيوت ودمر
الجسور وكسر الطرق وجرف الأراضي
الزراعية واقتلع منها الأشجار
عقب كل عملية ضده وضد
المستوطنات اليهودية لتحقيق
نواياه الخبيثة في عزل المقاومة
عن الشعب واتهام المقاومين في
التسبب بالمعاناة القاسية التي
يمر بها الشعب الفلسطيني، ولكن
لم تؤت أي من جهود جيش الاحتلال
إلا الخزي والعار لهذا الجيش
ووصمة العار والهمجية والإجرام
للدولة العبرية الهالكة.
وللإنصاف
والحقيقة يجب القول أنه ليس من
الحكمة القيام في هذا الوقت
باستعراضات عسكرية بهذا الحجم
الذي شاهدناه بشكل متكرر على
مدار الأسبوع، فالعدو مازال
يتربص بنا ويتحين الفرصة للميل
على شعبنا المقاوم ميلة واحدة
ليمعن في قتلنا والنيل من شعبنا.
وأعتقد أنه مازال على شعبنا
الفلسطيني القيام بعمل الكثير
قبل أن يحتفل بالنصر،
والاستعراضات العسكرية ليست
طريقا جيدة للتنافس بين الفصائل
المختلفة وإظهار القوة
العسكرية، فمازالت الضفة محتلة
والقدس تعاني التهويد ومازال
الأسرى يعانون من سلبهم حقهم في
الحرية والعيش بين أهليهم،
ومازالت (إسرائيل) تبتلع الأرض
وتقيم المستوطنات وتمد جسور
التطبيع مع العرب وتفتح الأبواب
للهجرة اليهودية إلى فلسطين،
ومازال جيش الاحتلال
الإسرائيلي يقتل إخواننا
وأهلنا في الضفة الغربية
المحتلة.
ومن
الذي يضمن التزام (إسرائيل)
بالمعاهدات أو الهدنة؟ لقد
علمنا القرآن الكريم أن لا عهد
لليهود وأنهم يتفننون في نقض
العهود، ولقد قامت طائرات
الاستطلاع بضرب منازل تابعة
لأعضاء من كتائب القسام قبل ذلك
في مناطق عديدة منها حي
الشجاعية متسببة في وقوع العديد
من الضحايا، ولم تتوقف طائرات
الاستطلاع لحظة واحدة عن
الطيران في أجواء قطاع غزة،
وكلنا يرى منطاد التجسس
والاستطلاع الذي وضعه جيش
الاحتلال قبالة مدينة غزة ليرقب
الحدود وكل ما زوي للتكنولوجيا
الإسرائيلية من أرض فلسطينية،
فلماذا إذاً الشعور بالأمان
وعدم التعلم من دروس سابقة
مؤلمة.
وللأسف
الشديد فإن وزارة الداخلية
الفلسطينية تقوم بالدفاع عن
أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية
وتبرر جرائمها بوضع اللوم على
حماس وإلصاق تهمة العبث
بكتائبها العسكرية بدلا من جمع
الأدلة على جرائم حكومة شارون
وفضحها، فلماذا تصدر هذه
الوزارة التصريحات المريبة
مباشرة دون أن تعاين الحدث
ميدانيا وتتحقق من هذه
الاتهامات والتصريحات؟ ألا
يعتبر هذا استهتارا واستخفافا
بكامل الشعب الفلسطيني الذي
أذهل العالم بصموده؟
لماذا
تلتزم قوات الأمن الفلسطيني
بالصمت حيال قيام (إسرائيل)
بإنشاء حزام أمني حول القطاع
لتحويله إلى سجن كبير على حساب
الأراضي الفلسطينية؟ لماذا
تسكت السلطة عن السلوك
الإسرائيلي المتمثل في تسيير
طائرات التجسس على مدار الساعة
وتنصب منطادا لنفس الغرض؟ على
الأقل تستطيع السلطة أن تحتج
رسميا وتفضح هذه الممارسات اللا
إنسانية أمام الصحافة ووسائل
الإعلام المحلية والعالمية،
ولكن يبدوا أن السلطة تسهر الآن
على حماية حدود القطاع مع
اليهود في دور يفوق دور الدول
العربية التي حمت حدود الكيان
الصهيوني على مدار أكثر من نصف
قرن.
على
السلطة الفلسطينية أن تقف في صف
الشعب الفلسطيني في مسيرة نضاله
ورفع المعاناة عنه، فهناك بطالة
وفساد واحتكار واستغلال وتطاول
على القوانين ونهب للأموال،
وهناك بنية تحتية مدمرة وأراض
تحتاج إلى استغلال ومؤسسات
تحتاج إلى إصلاح، كل هذا وغيره
الكثير أولى بجهود السلطة
واهتمامها من محاولة كسر شوكة
المقاومة والخضوع للمطالب
الأمريكية والإسرائيلية.
نأمل
أن يقف المخلصون من أبناء الشعب
الفلسطيني والشعوب العربية وقف
جادة للحؤولة دون تمكين الإدارة
الأمريكية من الإيقاع بين الشعب
والمقاومة في فلسطين، علينا
جميعا أن نقوض جهود تلك الإدارة
في إنشاء نظام فلسطيني لا دور له
إلا السير على الوصفة الأمريكية
التقليدية للأنظمة في محاربة
الشعوب، فلا لمنع أي فئة من
الشعب الفلسطيني من خوض
الانتخابات التشريعية القادمة،
ولا لتغييب أي فئة من الشعب
الفلسطيني وعزلها عن معترك
الأحداث والتأثير، ولا لفرض
الحالة المصرية أو الأردنية على
الأحزاب الإسلامية في فلسطين،
ولا لفرض الحالة الجزائرية على
الانتخابات الفلسطينية، ونعم
لانتخابات فلسطينية حرة نزيهة
دون أي تدخل خارجي.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|