المعارضة
السورية
و
إشكالية الداخل و الخارج
المحامي محمد
أحمد بكور
التغيير كمصطلح
فكري و سياسي و مفهوم تأريخي
أوسع من المعنى اللغوي, فهو
الدعوة إلى الحرية و
الديموقراطية و إقامة دولة
دستورية تعتمد على المؤسسات,
لضمان المساواة و سيادة القانون,
و التخلص من التسلط و الإستبداد
و الفساد و الحكم المطلق, و
التقدم الإقتصادي و الإجتماعي و
الثقافي, و في حركة الواقع
السياسي السوري, حدثت تحركات و
انتفاضات , قادتها المنظمات
النقابية و الشعبية خلال أربعة
عقود و حتى الآن, راح ضحيتها
عشرات الألوف من الضحايا و
المفقودين و الملاحقين و ممن
قضوا زهرة شبابهم في السجون, مما
يؤكد على أن إرادة التغيير
متجذرة في أعماق العقل و
الوجدان الوطني.
لقد كان أمام
النظام فرصة للمراجعة منذ
انهيار المعسكر الإشتراكي و
تفكك الإتحاد السوفيتي, و سقوط
التجربة الأم للحزب الواحد أو
القائد.
و شكل رحيل حافظ أسد
فرصة أخرى لسلوك نهج جديد
أضاعها ابنه وريث عرين سورية
رغم وعوده المتكررة بالإصلاح؛
لطي صفحة الماضي الملطخة
بالدماء البريئة و المآسي و
الجراحات التي خلـّـفتها
ممارسات النظام , ثم توالت أحداث
ٌ جُـلـُل, أهمها احتلال العراق,
اغتيال رفيق الحريري, قرار مجلس
الأمن 1559 و خروج النظام
ذليلاً صاغراً من لبنان , و
تشكيل لجنة ديتليف ميليس
للتحقيق في اغتيال المرحوم
الحريري.
و رغم جسامة هذه
الأحداث و تباين خطورتها و
تأثيراتها الفعلية و الجدية ,
فقد عجز النظام عن الإرتفاع إلى
مستواها حتى هذه اللحظة بإجراء
مصالحة و وفاق وطني و إلغاء حالة
الطوارئ و المادة 8 من الدستور و
فكرة الحزب
القائد و إحلال التعددية
السياسية و الفكرية و إعادة
تنظيم الدولة و السلطة على
أسس دستورية و قانونية تعتمد
على الحرية و مساهمة المواطن
الحقيقية.
لقد قامت الأنظمة
في السودان و الجزائر و اليمن
مؤخراً بمحاولات نتمنى أن تكون
جادة للخروج من مأزقها و لكن
قادة النظام السوري سادرين في
غيهم , فهم صم بكم عمي لا يعقلون.
كما أن المعارضة
رغم إجماعها على التغيير فهي
حتى الآن لم تستطع توحيد نفسها و
أفكارها و عملها و تنظيم حركتها
لتقنع الشارع السوري بأنها
البديل الديموقراطي, و علينا
الإعتراف بالحقيقة بأن ممارسات
النظام لأكثر من أربعة عقود قد
خلق فعلياً فراغاً سياسياً, فلا
يمكن لأي حزب أو تجمع أو تنظيم
أن يدعي بأن دوره حاسماً داخل
المجتمع.
وهذا يفرض على
المعارضة الإسراع لملأ هذا
الفراغ بجبهة وطنية لإنقاذ
سورية, إن بعض الطروحات لإيجاد
حواجز بين المعارضة في الداخل و
الخارج معظمها غير موضوعي, أما
بدافع عقلية التمركز على الذات,
و الغرور البعيد عن الواقع و ضيق
الأفق, أو لعدم الإدراك و الوعي
للمخاطر, أو لخطأ في حسابات
الواقع, أو تهرباً من العمل
الجماعي الجدي و تحمل مسؤولياته
و أعبائه إذ لا يجوز إعتبار
الجغرافيا معياراً للوطنية
فهذه نظرة خاطئة, و ليس كل من في
الداخل وطنياً أو من يقيم في
الخارج عميلاً, و الإدعاء
بإحتكار الوطنية أمر غير صحيح و
يؤدي لأضرار فادحة.
إن اعتبار محل
الإقامة معيار للوطنية نظرة
سطحية و ساذجة في حال توفر حسن
النية. و نحن نرى
أن هناك إرهاباً فكرياً و
جهداً مخابراتياً يمارس من
البعض لشلّ حركة المعارضة و
إبقائها مفككة مجزئة من خلال
الإتهامات و التشكيك و زرع عدم
الثقة, و هذا يتطلب الفرز
الموضوعي لحل الإشكالية بين
العمل الوطني و الإرتباط
الخارجي بين من باعوا أنفسهم و
بين الملتزمين بثوابتهم و قيمهم
الوطنية و المؤمنين بالحرية و
الديمواقرطية
و المساواة بين جميع أفراد
المجتمع الواحد دون تمييز و
يرفضون الغزو و التدخل الخارجي
و يتمسكون بوحدة الوطن و سيادته
و استقلاله, و يعملون على توظيف
كافة الظروف و العوامل التي
تساعد على التغيير تحقيقاًَ
للمصالح الوطنية العليا
انطلاقاً من الحصانة الوطنية و
الثقة بالنفس فالأمر ليس بين
أسود و أبيض أو بين الاستبداد و
الاحتلال و الاستعباد. و يجب
البحث عن الأسباب التي اضطرت
الآلاف للهرب خارج البلاد خوفاً
من القتل و السجن و البطش و
الإرهاب مجبرين و مكرهين و
ينطبق عليهم ما ورد في القرآن
الكريم " و لو كتبنا عليهم أن
اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من
دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم
" . ألم يهاجر المسلمون إلى
الحبشة الهجرة الأولى ثم الهجرة
الثانية إلى المدينة مع الرسول (ص)
؟ ألم
يعقد المتنورون العرب و دعاة
الإصلاح و التغيير في أواخر عهد
الدولة العثمانية مؤتمرهم في
باريس ؟ و من أين قاد الجنرال
ديكول حركة تحرير فرنسا أليس من
الخارج ؟
أليست جميع المعارضات في العالم
تتوزع في الداخل و الخارج؟ و هل
المعارضة السورية أستثناء من
القاعدة ؟
نحن نرى إن
الارتباط عضويٌ بين المعارضة في
الداخل و الخارج الذي يعتبر
امتداداً للداخل و لكل و ظائفه و
مهامه, و ليست المعارضة في
الخارج من كوكب آخر, لاسيما إذا
علمنا أن كثير منهم ممن تمت
ملاحقته و دخل سجون النظام مرات
عديدة, و محروم من حقوقه المدنية.
وهم يتمنون و يعملون من أجل
العودة الكريمة الشريفة و
العزيزة, لأن العزة لله و
للمؤمنين, و هم يرفضون العودة
الذليلة المسماة بتسهيل العودة
و المرتبطة بالإسترحام و
المراجعات الدورية لدوائر
الأجهزة الأمنية المتعددة و
التعهد بالعمل معها و الإمتناع
عن ممارسة حقوقهم السياسية.
فمعظم معارضتنا شريفة و وطنية و
لديها المناعة الذاتية المطلقة
من الإرتباط بأي جهة أجنبية ,
حتى أن رئيس النظام د. بشار
الأسد اعترف بوطنيتها في حديثه
مع الصحافه الأميركية لرفضها
التعاون مع أميركا,
و إن كانت هذه المعارضة لا
تحتاج إلى شهادة حسن سلوك لها من
شخص أو حزب أو منظمة.
إن الأوضاع السائدة
في سورية في ظل الظروف الدولية و
الإقليمية يتطلب تكثيف التشاور
و الحوار الصريح و الجدي للوصول
إلى أفضل صيغ العمل الوطني. إن
تقرير ديتليف ميليس الذي سيعلن
بعد انتهائه من التحقيقات مع
بعض المسؤولين السوريين سيضع
النظام السوري على مفترق الطرق
إذا تحولت الشهادة إلى إشتباه و
إتهام و ستؤدي إلى تسارع
الأحداث و تضع البلاد أمام كافة
الإحتمالات, و منها النموذج
الموريتاني, مما يوجب على
المعارضة الإسراع لتوحيد عملها
كفريق واحد و هذا يفرض معرفة
الواقع على حقيقته و ليس كما
نتمناه, و إشعار كافة مكونات
المجتمع بالطمأنينة و الأمان, و
بفقدهما سيكون الضعف و التمزق
للوحدة الوطنية التي يحرص عليها
كل غيور على وطنه و شعبه لكي لا
يكون العمل عبثياً.
إن الحريق أصبح
داخل بيت النظام بل في غرف نومه
و ليس في الحدائق الخارجية, و إن
استمراره يعود لعاملين رئيسيين
فشل النموذج العراقي المرفوض من
كل مواطن شريف و هذا ليس غريباًَ
عن أخلاقية شعبنا, و استغلال
النظام للمشاعر الوطنية
النبـيـلة بهدف الاستمرار على
كرسي الحكم و هو يعلم علم اليقين
بأن هذا الإحتمال غير وارد
نظرياً و عملياً. و العامل الآخر
و الأهم هو عدم قدرة المعارضة
على التوحد و تقديم بديل
ديموقراطي و وضع خطة عملية
لتحمل مسؤوليات التغيير.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|