فساد
قضاة أم فساد النظام
المحامي
محمد أحمد بكور
أصدر رئيس
الجمهورية السورية في 3/10/2005
مرسوماً تحت رقم (95) , تم
بموجبه تسريح (81) قاضياً , و
خـّول المرسوم لمدة 24 ساعة مجلس
الوزراء صلاحية تسريح القضاة , و
اشترط هذا القرار :-
1. أن لا يكون معللاً
.
2. و أن لا يتضمن
أسباب الصرف من الخدمة .
3. و أنه غير قابل
لأي طريق من طرق المراجعة أو
الطعن , أمام أي مرجع إداري أو
قضائي.
و قبل الدخول في
مناقشة هذا القرار الغريب
و البعيد عن المنطق
القانوني , نحب التوضيح بأننا لن
نمارس دور القاضي بإصدار أحكام
إدانة أو براءة , و لا دور محامي
دفاع , و إنما سنحاول أن يكون
عرضنا موضوعياً و قانونياً
لإلقاء الضوء على الممارسات
الشاذة التي تعتبر سمة من سمات
الأنظمة الإستبدادية .
لدى استعراضنا
للتاريخ السياسي و القضائي
للدولة السورية , و كذلك للدول
التي تخضع لسيادة القانون , لم
نرَ مثيلاً لمثل هذا المرسوم ,
الذي صــدر تحت ذريعة إصلاح
القضاء .
لقد نصّ الدستور
السوري على أن السلطة القضائية
مستقلة و يضمنها رئيس الجمهورية
و مجلس القضاء .
و المادة (136) من
الدستور خـّولت قانون السلطة
القضائية تحديد شروط تعيين
القضاة و ترفيعهم و نقلهم و
تأديبهم و عزلهم .
و لكن المرسوم (95)
أظهر صلافة السلطة التنفيذية
بإخضاعها السلطة القضائية و
تحكمها بها بشكل مطلق .
إن إدانة المسرّحين
و الحكم عليهم بالفصل يخالف
الفقرة الأولى من المادة (28)
التي تعتبر كل متهم برئ حتى
يـُدان بحكم قضائي مبرم , و أن
حرمانهم من حق التقاضي و سلوك
سبل الطعن و الدفاع يخالف
الفقرة (4) منها , و يخالف بنفس
الوقت قانون السلطة القضائية .
أن هذا المرسوم
يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان
المدنية و الطبيعية الواردة في
المادة (23) من الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان و التي تطالب بحق
العمل و الحماية من البطالة.
كما أن التسريح و
الحرمان من مصدر الدخل و الرزق
يخالف الفقرة (1) من المادة (36) من
الدستور و التي تحمّـل الدولة
مسؤولية توفير العمل لكل مواطن ,
مما يشكل تصرفاً تعسفياً يتناقض
مع قواعد العدالة و القانون , و
هذا يضعنا أمام التساؤل هل
الفساد في قضاة أم الفساد في
النظام و على كافة المستويات
السياسية و الاجتماعية و
الاقتصادية...؟
إن الفساد في طبيعة
النظام الشمولي و خضوع السلطة
التشريعية و القضائية للسلطة
التنفيذية التي تعتمد قراراتها
على التقارير السرية للأجهزة
الأمنية , فإذا كان القضاة
المسـّرحون فاسدون لماذا لم
يحالوا إلى التحقيق لفضحهم أمام
الرأي العام , و النظام الذي
أباد عشرات الألوف من الأبرياء ,
قادر على إحالتهم إلى المحاكم
.
إن الغموض و عدم
الشفافية , و التسريح دون تعليل
و بيان الأسباب و الحرمان من حق
الطعن , يجعل المواطن يشكك
بالدوافع , و يزيد من أزمة الثقة
بين النظام و المجتمع .
إن الفساد في
النظام الإستبدادي ينمو بداخله
نمواً ذاتياً متصاعداً , ولا
يمكن إصلاحه إلا بتغييره و
إقامة نظام ديموقراطي يقوم على
فصل السلطات و توازنها و سيادة
القانون التي تعتمد على
المشاركة الحقيقية للمواطن , و
سلطة تشريعية تقرر و تراقب , و
سلطة قضائية مستقلة لا تخضع
لحالة الطوارئ , و في ظل القضاء
العادي بالإضافة إلى الرقابة
عبر مؤسسات المجتمع المدني , و
ليس بأسلوب إعلامي و ديماغوجي
لتحسين سمعة النظام .
إن الإستمرار على
النهج القائم للنظام السوري وسط
التحولات الداخلية و الخارجية و
التخبط الذي يعيش فيه بات أمراً
صعباً للغاية , و مشكوكاً فيه
حتى عند صانعي القرار , و مظاهر
الهدوء النسبي الحالي لا يعبر
عن الحقائق الواقعية للوضع
السوري المستقبلي , و هذا يفرض
على المعارضة السورية بكافة
مكوناتها في الداخل و الخارج,
إسراع الخطى و لمّ شملها و
توحدها , استعداداً لبناء سورية
الجديدة الديموقراطية التي
تعتمد على الشعب غاية و وسيلة .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|