ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 23/10/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إشكالية العلاقة بين النظام الشمولي

ومؤسسات المجتمع المدني

-1 -

تشير التجربة التاريخية للأنظمة الشمولية , التي عاشت في ظلها العديد من الأمم والشعوب , وخاصة منها ما كان سائداً على امتداد القرن الماضي , أنها كانت , وما يزال العديد منها , يستمد وجوده واستمراره في الحكم والتحكم برقاب الشعوب على اختراق الدائرة السياسية التي تبنى عادة في الدول المدنية المتقدمة , على العقد الاجتماعي والتعاقد المدني بين أبناء المجتمع المعني , كما تستمد تكيفها السلبي في العلاقات الداخلية على انتهاك حقوق الانسان لديها وتحويل المؤسسات الاجتماعية والثقافية والسياسية والعلمية , إلى مجرد مواقع معزولة ومحاصرة , ومقبوض عليها بإرادة القوة القمعية الطاغية التي تستهدف وضع هذه المؤسسات في خدمة الفئات الحاكمة والمتحكمة بمصيرها ومصير الوطن والمجتمع .

إلاَ أنَ هذه الأنظمة الآخذة بالأفول والانحسار , في أعقاب المتغيرات الدولية العاصفة في الاقتصاد والتكنولوجيا والمعلوماتية والثقافة , وأيضاً في العلاقات الدولية المعولمة , وفي مجال السياسة المدنية الحديثة التي وجهت نقدها العام والشامل للمنظومة المعرفية للإيديولوجيات التي كانت سائدة , وما قام باسمها من أنظمة مارست التسلط والاستبداد , لم يزل بعضها يحاول جاهداً , عبر الأزمنة القاتلة , أن يجعل من يومه أطول كثيراً مما ارتسم على محور الزمن , وعلى حركة التطور التاريخي للبشرية .

وفي سبيل ذلك تلجأ هذه الأنظمة المنكفئة على ذاتها , والمحاصرة لشعوبها , والمخَيبة لآمالها وطموحاتها , إلى اتباع العديد من الأساليب واستخدام الوسائل التي اعتادتها , للحفاظ على هيمنتها الكلية والشاملة على مفاصل الدولة المقبوض عليها بقوة الأجهزة الأمنية , حيث يتم اختراق كافة القوانين والدساتير التي يفترض أن تشكل الناظم الرئيس للعلاقات بين الدولة والمجتمع , وبين كافة المواطنين .

ففي أعقاب الإخفاق التاريخي , والعجز الفاضح الذي أسقط معظم هذه الأنظمة ذات الطبيعة الستالينية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي , وأضحى التطور التاريخي المتسارع , ونزوع الشعوب المتعاظم للحرية والديمقراطية , يهدد ما بقي منها بصورة جدَية , تحاول الآن وبصورة مثيرة للسخرية , أن تعيد إنتاج منظومتها الاستبدادية , والتلاعب على عامل الزمن , وانحيازها لأجندة القوى الخارجية التي يمكن أن ترضى التوافق معها والقبول باستمرارها , وذلك عبر التزين بتلاوين موسومة بالنفاق السياسي , لا يكمن لها أن تستر طبيعتها الأساسية , مهما تعددت أشكال السجال لأشباه المثقفين المنضوين تحت لواءها , في ابتداع أشكال قديمة / جديدة للخطاب السياسي والديماغوجي الذي أضحى مبتذلاً ومثيراً للاشمئزاز .

ففي الوقت الذي أضحت فيه قضية حقوق الانسان , والمواطنة بكامل أبعادها , الصوت المدوي في الوطن العربي ما تزال معظم الأنظمة العربية , وفي مقدمها النظام السوري , تناهض بكافة الوسائل والأساليب الهيئات المدنية التي تعمل على إعلاء شأن الانسان وكرامته , وتبادر للدفاع عن حقوقه التي استلبت على امتداد العقود الماضية في مختلف الميادين , فمن المعروف أن الجهات المختصة , وبناء على تعليمات خارجة عن إطار المؤسسة المعنية ,قامت برفض الترخيص لثلاث منظمات تم تشكيلها للدفاع عن حقوق الانسان في سورية , بالرغم من توافر كافة الشروط المنصوص عليها في القوانين النافذة , مما يدلل بصورة لا لبس فيها على طغيان الأجهزة الحاكمة واختراقها لأبرز الحقوق المجتمعية المتعلقة بالسيادة الوطنية و ونعني بها سيادة القانون المدني المنبثق من الدستور , حتى بدون التعديلات التي ندعو لضرورة إدخالها عليه وفقاً لمتطلبات الانتقال لمرحلة جديدة في العلاقات الداخلية , مما لا مجال للبحث فيه في هذا المقال , وقد وصل الأمر في الممارسات اليومية إلى حد الخروج حتى عن قانون الطوارئ , وتجاوز أحكامه ومقتضياته , والأسباب الأولى الداعية للعمل به , من قبل هذه الأجهزة وفقاً للذرائع والحجج التي لا رابط بينها ولا ناظم يؤسس لما يبنى عليها من ممارسات منفلتة من عقالها , سوى أنها تنطلق من الرؤية التوتاليتارية للعقل " الأمني " المناهض والمتعارض في معظم الأحيان مع الفكر السياسي وتحولاته العميقة والدائمة على محور التغير والتطور الدائمين للفكر الإنساني المتقدم بصورة لا حدود لها لتحسين شروط العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل الدول , وفيما بينها على مستوى العالم .

ثمة , إذن , مفارقة تصل إلى حدود الإشكالية التي أسست على امتداد العقود الأربعة السابقة للعلاقات الداخلية بين السلطة والمجتمع في سورية , وأنتجت سياسة القمع والتخارج الذي ما يزال قائما , إضافة لاحتجاز السياسة عن المجتمع , ومحاولة إقصاء القوى الوطنية والديمقراطية عن ممارسة السياسة , وتحكم فئة معينة بمصير الشعب والوطن , تكمن " هذه المفارقة " في طغيان العقل " الأمني " على الفكر السياسي في تسيير أمور كافة مؤسسات الدولة ,وما قام باسم المجتمع وفاعلياته المتعددة من تنظيمات مهنية ونقابية وحتى سياسية ارتضت لنفسها التوافق مع معطيات هذه المعادلة الخاطئة في السياسة الداخلية , وفي الجانب الأبرز من السياسة العربية والخارجية .

والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد او تحصى , ولسنا الآن في مجال البحث في الماضي وما تختزنه الذاكرة الوطنية من أخطاء وخطايا اقترفت باسم الشعارات والقضايا الكبرى التي لم يكن لها رصيد في واقع التوجهات الرئيسة التي وسمت تطورات المرحلة السابقة ,

-2 -

يبدو لنا , ان السبب الرئيس لذلك الموقف الإشكالي من مؤسسات المجتمع المدني التي يسعى أصحابها , والمؤمنون بأهميتها في المرحلة الانتقالية من تطورنا في مختلف الميادين , استعداداً للانتقال إلى لحظة التقدم التاريخية المرتسمة في أفق المستقبل ,يكمن " السبب " في ان هذه المؤسسات تشكل في الواقع , وفي الارتباط فيما بينها من منظمات وهيئات وقوى وطنية ديمقراطية , بمثابة الحامل الاجتماعي والثقافي والسياسي لآليات التغيير الديمقراطي , وتنفيذه بصورة متدرجة وثابتة , ومحاصرة لأركان النظام الشمولي .

فمفهوم " الحامل الاجتماعي " لاحتياجات ومتطلبات التغيير المدني في المجتمع والدولة , لم يعد ذلك المفهوم التقليدي الذي يحيل مضمونه إلى طبقة او تحالف طبقي معين , ليجري بعد ذلك , كما حدث فعلاً , توظيفه من قبل فئةٍ معينة حاكمة ومتحكمة بمصيره ومصير المجتمع والوطن , فقد ولَى ذلك الزمن الذي حاولت فيه هذه الفئة أو تلك الإدعاء باحتكار " الحقيقة " التي كانت في معظم الأحيان حقيقة زائفة , وستاراً لفرض الوصاية الاستبدادية على " الرعيَة " المغيَبة عن المساهمة في بناء مستقبلها , والتي تشكو من حالة التأخر التاريخي أيضاً . نحن , إذن , الآن في مرحلة أخرى تتغير فيها منظومة المعارف والقيم , والعلاقات الداخلية والإقليمية والدولية , بصورة متسارعة , وتتبلور عبر هذا التغير المبادئ والأهداف بصورة أكثر وضوحاً , وتتضح فيها لائحة التحالفات الاجتماعية والسياسية والمدنية , وفقاً للرؤية المعرفية الجديدة لأسس وأهداف بناء المجتمعات الحديثة والمعاصرة , وكيفية إطلاق مفاعيل التنمية والتقدم في أوساطها المتعددة .

وعلى محور السفح الآخر لهذا التغير المتسارع , تتخذ العولمة الإمبريالية المتأمركة أبعادها , وتجلياتها الاقتصادية والسياسية , وسعيها الحثيث عبر التنافس القاتل بين أقطابها , وآلياتها وقاطراتها متعددة الجنسيات التي تجوب كافة القارات والمحيطات , إلى الهيمنة الكاملة على مصير البشرية ومستقبل مكوناتها من دولٍ وأمم وشعوب وأقاليم الجدوى الاقتصادية , من اجل المزيد من الاستغلال , حيث تبرز سوءات الليبرالية المتوحشة , والتي ينحو أصحابها إلى العمل على سيادة نظام اقتصادي / سياسي معولم , من نمطٍ آخر لا يقل سوءاً عن سابقه . في هذا الزمن الحديث , أو المرحلة الراهنة والقادمة بآن واحد , حيث تتباين مراحل التطور والتقدم بصورة متناقضة بين مواقع ما قبل الحداثة والتأخر التاريخي , وما بعد الحداثة للقوى الكبرى المنفلتة من كل عقلٍ وعقال , وما دون هذا وذاك من أصوليات ظلامية متطرفة , تعبث بالتقاطع مع الإدارة الأمريكية والصهيونية العالمية بأمن العالم والدول , وتنتهك حقوق الناس من الأطفال والأبرياء والمدنيين في الحياة والوجود بصورة وحشية غير مسبوقة .

وسط هذا المناخ الدولي والإقليمي والعربي , نلاحظ بوضوحٍ تام , أن الإخفاقات المتعاقبة على امتداد العقود الأربعة السابقة في سورية , بفعل نظامها القائم على قانون الطوارئ , والمسكون بهاجس المشروعية الدستورية , , قد أدت بالتالي إلى افتقاد الدولة لمعظم وظائفها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية , و لتمكين الشعب من الدفاع عن الوطن , وحماية سيادته واستقلاله وبالتالي أضحت تفتقد للدوافع الأساسية والمبررات والأسباب التي أدت لتنظيم وقيام الدولة تاريخياً في الاجتماع الإنساني , ,كما تحولت السلطة المتحكمة عقبةً كأداء في طريق إعادة بناء مقومات التنمية والتقدم العلمي والتقني والاقتصادي , وتوفير أسباب الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي . وتجدر الإشارة , إلى أنَ الفئات الوسطى التي تصدرت العمل الوطني في سورية في مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي , قد تم استبعادها عن الدائرة السياسية كفئاتٍ اجتماعية متماسكة , وذلك عن طريق إفقار معظم أبناءها وتحويلهم إلى طبقة كادحة مغيبة عن المساهمة في صوغ القرار السياسي , بينما تحولت النسبة الضئيلة إلى مجموعة من المرتزقة التي أثرت , وعلا شأنها الاقتصادي والسياسي وسط عملية النهب المنظم للثروة الوطنية , وانتشار ظاهرة الإفساد والفساد غير المسيطر عليها في الاقتصاد والإدارة ومواقع السلطة المختلفة .

وفي سبيل المحافظة على معادلة الضبط التوتاليتارية , وإدامة مجموعة العوامل والمقومات التي تؤدي إلى استمرار النظام القائم , وعدم تعرضه للتغير في بنيته الأساسية , يجري العمل من قبل كافة الأجهزة التي ما تزال ممسكة بخناق الدولة والمجتمع , على محاصرة كافة أشكال النشاط الثقافي والسياسي الذي يمكن أن يتحول في لحظةٍ ما إلى حالة غير مسيطر عليها , وذلك من خلال عملية التحول الاجتماعي التي تصبح فيها معظم فئات وفاعليات المجتمع مكونة للكتلة الرئيسة للتغيير الديمقراطي , وفي هذا يرى النظام القائم مكمن الخطورة على وجوده واستمراره , ومن هذه الرؤية " الأمنية " ينبثق الموقف السلطوي المناهض لكل هيئات ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني ومنها المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية , والتي تؤدي جهوداً مضاعفة للكشف عن اختراقات حقوق الانسان السائدة والمستمرة .

-3 -

لذلك كله وغيره , ثمة ما يدعونا لمحاولة رصد المحطات الرئيسة للسياسة السورية الداخلية والإقليمية في مرحلة السنوات الخمس الأخيرة من وجود هذا النظام الذي ما يزال مستمراً , حتى يتبين لنا حقيقة المعادلة التي ما تزال موجهاً وناظماً لهذه السياسة , و يتسنى لنا تحديد المواقف بصورة موضوعية ,لعل في ذلك ما يمكننا من محاولة الإجابة عن التساؤل التاريخي لما هو العمل ؟ وما هي آلياته وأهدافه في هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا الوطني والقومي

ونستبق هنا لنقول , أنه من الخطأ المنهجي في علم الاجتماع السياسي النظر إلى الحوادث والأحداث المنفردة أو المتباعدة في الزمن والحالات الخاصة , على أنها حالات جزئية لا رابط بينها , ففي السياسة وفي مجال حقوق الانسان لا تحسب الأمور هكذا , وإنما هي محطات لنهج معين يجري تنفيذه في مفرداته الزمنية , وفي آفاقه المستقبلية التي ترتسم من خلالها حقيقة العلاقة التي يجري التأكيد عليها , بعد الالتفاف الذي حدث في السنة الأخيرة , وخاصةً بعد المؤتمر العاشر لحزب البعثيين الحاكم

ما يحدث في الآونة الأخيرة , إذن , ليس مجرد حوادث منعزلة ومعزولة وإنما هي تعينات موضوعية للطبيعة البنيوية لهذا النظام , عبر تصاعد الانتهاكات المستمرة والسافرة لحقوق الانسان والمجتمع وهيئاته المدنية , لذلك يمكن لنا أن نعتبرها محطات متتابعة ,ومرتبطة فيما بينها , تشكل عناوين رئيسة للمرحلة القادمة , وما يعتزم النظام تنفيذه في إعادة إنتاج الهيمنة والتفرد بأساليب قديمة / جديدة

ولعل أبرز هذه العناوين ما جاء به مؤتمر الحزب الحاكم من توصيات , تخالف تماماً الإدعاء في انه لم يأت بشيءٍ جديد , فالشيء الهام والأساسي الذي أتى به هو إعادة التأكيد على مقومات وبنية النظام السياسي القائم , والإجهاز على كل ما يتعلق بشعار التحديث والتطوير المزعوم في المجال السياسي والدستوري , وبالتالي فإن ما جاء به المؤتمر يغري بالارتداد إلى مرحلة كان العديد من الباحثين والمفكرين السياسيين يعتبرونها أضحت من الماضي , وما جاء به هذا المؤتمر هو انكشاف العجز عن تجاوز الذات , وعدم القدرة على تحمل المسؤولية التاريخية في مواجهة القوى الخارجية من خلال الاستقواء بالداخل الوطني , وليس البحث عن وسائل وتنازلات جديدة للتوافق مع أجندة القوى الخارجية

وما جاء به هذا المؤتمر - ثالثاً -, هو تحويل قانون الطوارئ من حالة استثنائية ومؤقتة إلى حالة دائمة , تضمن استمراره سيفاً مسلطاً فوق رقاب الشعب وقواه الحية , بعد أن تم التأكيد فيه على أولوية حماية السلطة , بعيداً عن المقاصد الأساسية التي وضع من أجلها في دول العالم

ومن التوصيات سيئة الصيت – رابعاً- هو الإعلان صراحةً ووضوحاً رفض التداول السلمي للسلطة , من خلال الإعلان عن احتكار الحزب الحاكم لرئاسة السلطتين التشريعية والتنفيذية إضافة لمؤسسة الرئاسة , مما يؤدي إلى عدم البحث في إمكانية حياد السلطة القضائية ونزاهتها

ونتساءل – خامساً - عن أي قانون للأحزاب السياسية أوصى هذا المؤتمر في ظل قانون الطوارئ والتأكيد على حكم الحزب الواحد بعد اعتبار المادة الثامنة للدستور من " المقدسات " التي لا تقبل النقاش أو الجدل حولها , وأي قانون لانتخابات السلطة التشريعية والإدارة المحلية يمكن اجتراحه في ظل ذلك كله . أليس الاقتصار على مناقشة قانون الأحزاب المنتظر على أطراف ما يدعى " الجبهة الوطنية التقدمية " خير دليل على عدم اهتمام السلطة بالموضوع برمته , وان الأمر لا يتعدى خطة سياسية معينة لقوننة مصادرة الحريات السياسية في البلاد " في صورة القانون " ؟؟

وقبل ذلك و وبعده , فإن الممارسات القمعية , التي جاءت هذه التوصيات لنؤكد إمكانية الاستمرار بها , ما تزال تتصاعد , فالاعتقالات التعسفية الجائرة لم تتوقف يوماً , ومن أبرزها اعتقال المحامي الأستاذ محمد رعدون رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية , الذي يشكل اعتقاله عنواناً بارزاً لتأكيد الموقف السلطوي المناهض لجمعيات حقوق الانسان , إلى اعتقال مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي ومن ثمَ إغلاقه يشكل أيضاً محطةً أولى لمصادرة الحق الوطني للشعب السوري في توسيع دائرة حراكه الثقافي والاجتماعي وممارسة حرياته العامة , وما قامت به السلطة أخيراً من إغلاق للمنتديات الوليدة على مستوى القطر إلاَ تأكيداً على إعادة إنتاج احتجاز السياسة والثقافة , ومنع التواصل بين قطاعات وفاعليات المجتمع المتعددة

. من الملاحظ إذن , أن الدلالات السياسية والقانونية للتوصيات الآنفة الذكر , وما سبقها وأعقبها من ممارسات تعسفية , تعيد لإشكالية المفارقة بين العقل الأمني والفكر السياسي المدني حضورها البارز في المشهد السياسي السوري , في الوقت الذي يشير فيه استشراف المستقبل إلى أننا أحوج ما نكون إليه الآن , وأكثر من أي وقتٍ مضى , هو المبادرة لبناء الوحدة الوطنية الديمقراطية التي يتم بها ومن خلالها إعادة إنتاج الموقف الوطني في مواجهة الأخطار الماثلة أمامنا , فضلاً عن كونها السبيل الوحيد لإنجاز الاستحقاقات الوطنية الصائرة والمتحولة إلى مجموعة من الأسس والمقومات للانتقال من سيطرة السلطة على الدولة والمجتمع , إلى بناء الدولة السياسية الديمقراطية الحديثة

والسؤال الذي يطرح نفسه , تبعاً لمنطلق هذه الممارسات التي أتينا على ذكر نماذج معينة منها , وتبعاً لآفاقها المستقبلية الكارثية , هل هناك مغامرة في المجهول , أم ان هناك توافقات معينة بحيث تبرز هذه الممارسات بوصفها إعادة للتعبير عن الطبيعة البنيوية التي كان هناك نوع من الأمل لتغييرها ولو بصورة متدرجة ؟؟

إذا كانت الإجابة تتحدد في الشق الأول من السؤال , لا يمكن في هذه الحالة ان ينتج العقل المغامر صموداً حقيقياً في مواجهة القوى المعادية , وسينقلب الأمر في صورة الكارثة الوطنية التي يفترض إعادة تصويب السياسة الداخلية لدرئها ومعالجتها

أما الإجابة التي يمكن ان تتضمن الشق الآخر من التساؤل , فلن تقل سوءاً في آفاقها المستقبلية عن الإجابة الأولى , وذلك من خلال إعادة إدخال البلاد في نفق مظلم لا يستطيع أحد التكهن بنتائجه السياسية الداخلية والإقليمية , وذلك في حضور المشاريع والسيناريوهات المعادية والمعدة من قبل الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني

ولعل إجابة التاريخ وتجارب الشعوب التي تتجاوز هذه الثنائية القاتلة إنما تكمن في حل المسألة الديمقراطية , والمبادرة إلى عقد مؤتمر وطني عام وشامل , يمكن من خلاله لكافة القوى الحية وفاعليات المجتمع السوري بكافة أطيافه أن تسهم بفاعلية , في تقرير اتجاهات المستقبل الذي نصبو إليه ونسعى لتحقيقه .

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ