سورية
بين طُغيان حُكّامِها
ومَطامِع
أعدائِها
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
النظام الحاكم في
دمشق وحدَه يتحمّل كامل
المسؤولية عن أي أذىً يلحق
بسورية الوطن والشعب، بسبب
التداعيات التي أفرزتها قضية
اغتيال الرئيس الحريري رحمه
الله، لأنّ ممارساته
الدكتاتورية الإرهابية هي التي
ساقت سورية إلى هذا المأزق
الأخطر في تاريخها، وعلى النظام
وحده دفع ثمن الجرائم التي لطّخ
(بارتكابه لها) سُمعة سورية
ومكانتها المرموقة في المنطقة
والعالَم، واحدةً من الدول
المؤثرة، بموقعها وأهمية دورها
الحضاري والسياسي عربياً
وإقليمياً، في أسخن منطقةٍ
عالمية.
على مدى أربعين
عاماً.. فشل النظام في كل شيءٍ
يحقق الخير للشعب السوري وللأمة
وقضاياها المصيرية، لكنه نجح
بامتيازٍ في جَرّ البلاد إلى
شَرَك التدخلات الدولية
والصهيونية السافرة في شؤون
الوطن الداخلية.. وهكذا هي
الأنظمة الاستبدادية دائماً،
تنتهك حرمات الوطن بأبشع صورة،
ثم تُغرقه وشعبه بجرائر جرائمها
وانتهاكاتها، وتخوض المعارك
الشخصية الخارجية من غير إعدادٍ
أو تفكيرٍ بالنتائج، فإن حقّقت
بعض النجاحات.. جيّرتها لصالح
النظام المحلي وأشخاصه
المتسلّطين، وإن هُزِمَت.. دفع
الوطن كله ثمن حماقتها ورعونتها
!.. وهكذا هو الوضع الذي تمر به
سورية الآن، فقد تنازل النظام
عن كل شيء، بما في ذلك الكرامة
الوطنية، لكنّ الوطن كله سيدفع
ثمن جرائم حُكّامه : عقوباتٍ
وحصاراتٍ وتدخلاتٍ سافرة، أو
هجوماتٍ عسكريةً سيكون النظام
أول الفارّين من مواجهتها.. فقد
صنع كل المبرّرات لذلك، ومنح
أعداء الوطن والأمة فرصتهم
الكاملة لتمرير مخططاتهم
المشبوهة في بلادنا، بعد أن
فتّت الوحدة الوطنية، وسحقَ
كرامة الوطن والمواطن، وهيأ
البيئة المناسبة جداً للعدوان
!..
ليس هناك عاقل يمكن
أن يقتنع بأن أميركة وفرنسة
وبريطانية وغيرها من دول الغرب
أو الشرق.. حريصون على العدالة
في قضية اغتيال الرئيس الحريري،
أو حريصون على دم زعيمٍ لبنانيٍ
عربيٍ بوزن الشهيد المقتول.. إلا
بمقدار ما يؤسّس لصناعة
المبرّرات اللازمة لفرض
الإرادة الاستعمارية على
بلادنا، فلهذه الدول تاريخ طويل
بتجاهل جرائم النظام بحق أبناء
شعبه وأبناء الشعب اللبناني منذ
أكثر من ثلث قرن، بل بالسكوت
عنها وتشجيع مرتكبيها وتأمين
الغطاء المناسب لهم مع الحماية
التامة، لأن النظام -بكل بساطةٍ-
كان إحدى أدواتهم الاستعمارية
في تنفيذ مخططاتهم وتحقيق
مصالحهم ومصالح العدو الصهيوني
!..
ليت القاضي
الألماني السيد (ميليس) يعلم،
أنّ دم الرئيس الحريري هو دفقة
واحدة من دفقات شلالات الدم
التي سفكها النظام وإرهابيّوه
على مدى عشرات السنين، فهل دم
الحريري (على مكانته وأهميته)..
هو دماء، ودم عشرات الآلاف من
ضحايا النظام.. ماء ؟!..
ليت السيد (ميليس)،
يعرّج على (آخن) في بلده
ألمانية، ليحقق في جريمة اغتيال
المخابرات السورية السيدةَ
السورية المهاجرة (بنان
الطنطاوي) منذ خمسةٍ وعشرين
عاماً، أليست آخن الألمانية
أقرب إليه من قصر بعبدا ؟!.. وليت
فرنسة التي تتباكى اليوم على دم
الحريري.. ليتها قامت بالتحقيق
في قضية اغتيال السيد (صلاح
البيطار) رئيس الوزراء السوري
الأسبق، الذي اغتيل في قلب
باريس، أليست باريس أقرب إلى
فرنسة من بيروت ؟!.. وليت
بريطانية وغيرها من دول الغرب
التي تملأ الدنيا اليوم صراخاً
ونحيباً على الحريري.. ليتها
تحقق مع السفّاح (رفعت الأسد)،
أحد جلاوزة النظام الدمويين
السابقين، الذي اغتال آلاف
المواطنين السوريين
واللبنانيين والفلسطينيين منذ
سنين طويلة.. فهل يكفي لرفعت مئة
(ميلس) ليحققوا معه في جرائمه
التي ارتكبها، وهو لا يزال
يُمنَح في بلاد الغرب الحمايةَ
والرعايةَ التامة ؟!.. أليس رفعت
الأسد أقرب إليهم من آصف شوكت أو
غيره من سفّاحي دمشق ؟!.. ليت
السيد (ميليس) يقوم بزيارةٍ
خاطفةٍ إلى إسبانية، الأقرب
إليه من لبنان، ليحقق في جريمة
اغتيال الشهيد (نزار الصباغ) منذ
خمسٍ وعشرين سنة، وقاتلِوه من
أركان النظام ما يزالون
يتمتّعون إلى هذا اليوم
بعلاقاتٍ فوق العادة، مع الدولة
التي تمت على أراضيها عملية
الاغتيال الآثمة تلك، أليست
مدريد أقرب إلى طاقم التحقيق
الأمميّ من دمشق ؟!..
ليتك يا سيد (ميليس)
حقّقتَ –أثناء زيارتك لبنان- في
قضايا اغتيال (سليم اللوزي) و(رياض
طه) و(رشيد كرامي) والشيخ (حسن
خالد)، والضابط السوري (محمد
عمران)، والعشرات غيرهم.. ليتكَ
حققتَ بدمشق في ملابسات اغتيال
الشهيد الشيخ (معشوق الخزنوي)،
وقبله اغتيال الشهيد (أمين يكن)..
وغيره.. أو حققتَ في المذابح
الجماعية التي اقترفتها قوات
النظام السوري بحق اللبنانيين
والفلسطينيين.. وليتكَ حققتَ في
المذابح التي اقترفها النظام
أيضاً داخل سورية.. ليتكَ عرّجتَ
على مدينة (حماة) فحققتَ في قضية
ذبح ثلاثين ألفاً من أبنائها،
بأيدي همج النظام الذين يعيش
بعضهم في بلدانكم الأوروبية
مُعَزَّزين مُكَرَّمين.. ليتك
عرّجتَ على (تدمر)، لتستقصي في
باطن صحرائها وجود عشرات الآلاف
من الهياكل العظمية لأبناء
سورية ولبنان وفلسطين والعراق،
بكل كفاءاتهم السياسية
والعلمية والفكرية، التي
اغتالها منذ سنين طويلةٍ
رعاديدُ النظام الذي يُحاكَم
اليوم على دم الحريري، مع
السكوت التام عن كل جرائم العصر
التي اقترفها بحق أبناء شعبنا
طوال ثلث قرنٍ أو يزيد، فهل دم
الرئيس الحريري من دماء.. ودماء
هؤلاء الأبرياء جميعاً من ماء ؟!..
نفس الدول التي
تملأ الدنيا نحيباً على دماء
الشهيد الحريري.. كانت تدعم
النظام الغارق في دماء
اللبنانيين والسوريين
والفلسطينيين.. دعماً غير
محدود، وتُطلِق يده الملوثة في
كل الاتجاهات.. لكنها اليوم تبدو
حريصةً أشد الحرص على العدالة
والنـزاهة، فالعدالة والنـزاهة
في عصرنا لهما مواسم، تحرّكها
المطامع الاستعمارية لا
المبادئ الإنسانية، والعبيد من
شخوص النظام لم يعودوا قادرين
على تحقيق مصالح الأرباب
المزيّفين والأولياء الأوصياء،
لذلك كانت جريمة اغتيال شخصٍ
واحدٍ كالحريري رحمه الله..
كافيةً لانتفاضة المنافقين،
فيما كل الجرائم التي ارتكبها
نفس النظام على الساحة السورية
وغيرها من ساحات الدول، وراح
ضحيتها عشرات الآلاف من
الأبرياء.. لم تحرِّك ساكناً في
قلوب المنتفضين الآن، وذلك خلال
السنين الآفلة من عمر نظام دمشق
الطويل.. ولم تحرِّك عقولهم، ولا
دماءهم التي وصلت اليوم فجأةً
إلى درجة الغليان بشكلٍ مدهش !..
كل سورية وشعبها
على أملٍ عريضٍ بسقوط هذا
النظام الفاسد، لكنّ أحداً في
سورية ليس مستعداً لتجيير ذلك
السقوط لصالح القوى الدولية
المعادية، لأنّ أبناء شعبنا
يفهمون اللعبة جيداً، ويعرفون
كيف يحافظون على وطنهم ووحدته
وأصالته واستقلاله !..
هذه هي جرائم
النظام الدمويّ ماثلةً على
الملأ، يُحاكَمُ على واحدةٍ
منها اليوم، فأين كان القضاة
الأمميّون طوال أربعين عاماً من
استبداد النظام واضطهاده
واقترافه لكل مُحَرَّمٍ بحقِ
شعبه وحق الإنسانية ؟!..
هذه هي حقيقة
النظام الإرهابية سافرةً
اليوم، فنحن نعرفها جيداً حق
المعرفة، لأننا مثل أبناء شعبنا
السوري اكتوينا بنارها، مع أنه
كان لا يملّ من التطبيل
والتزمير بأنه يحارب الإرهاب
ويكافحه، ويجد من دول الغرب
الاستعمارية مَن يدعمه ويسانده
بالسكوت المطبق على إرهابه،
فيما يوصَف ضحاياه بالإرهابيين
!..
هل بقي التباس أو
شك، بأنّ (غازي كنعان) مات
منحوراً لا منتحراً ؟!.. لأنه على
ما يبدو كان الحصان الأسود
لأميركة والغرب، للانقلاب على
النظام، والدخول في لعبة
التغيير والانفتاح المزعوم..
فالسفّاح غازي كنعان منتهِك
حقوق الإنسان على نحوٍ مذهل،
وحاكم لبنان مدة عشرين سنة.. لم
يرد اسمه في التحقيق بقضية
اغتيال الحريري، بل ربما كان
أحد أطراف صفقةٍ مشبوهةٍ مع
أميركة والغرب، ولهذا السبب تمت
تصفيته على أيدي منافسيه من
رؤوس النظام !..
أما أنتم أيها
الهتّافون بحياة النظام،
والصارخون في شوارع دمشق وغيرها
من المحافظات السورية بالتحايا
والتبريكات لجلاوزته ورأسه..
فماذا لو وفّرتم حناجركم
وجهودكم وأوقاتكم، للهتاف
لسورية يوم يمنّ الله عليها
بالتحرّر من تسلّط البعث
والأسرة الأسدية الحاكمة، فما
يزال هناك متسع من الوقت للصحوة
من هذا الهراء الذي تمارسونه،
ومن هذه العبودية التي
تَسِمُكُم بالعار والفضيحة ؟!..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|