الديموقراطية
..الثقافة ..السياسة..
واختلاط
الفهم والمفاهيم ..!.
الدكتور/
نصر حسن
nasrhm05@yahoo.de
من المسلمات أن الأمم التي تستمر
في التاريخ هي التي تمتلك
منظومة قيم ومعرفة أي منهج
فكري لفهم الواقع وحل
مشكلاته والمحافظة على الوجود ,والإطلال
من خلاله على المستقبل ,والمساهمة
في رفد الحضارة الإنسانية بما
هو مفيد ,والأمة العربية لها من
التاريخ ماهومعروف ,ومن الإسهام
الحضاري والإنساني الكبيرفي
حياة البشرية
,ومن مقومات النهوض
المتعلقة بالتاريخ والجغرافيا
والإمكانيات الذاتية ما يستحق
قراءة واقعية عقلانية له وطرد
اليأس , لكن مع كل هذا ! للأسف
ولعوامل كثيرة وأغلبها ذاتي ,يُراد
لهذه الأمة أن تبقى أطلالا ً
فكرية وثقافية وبشرية لمرحلة
مضت وأمة أو بقايا أمة اندثرت
وأصبحت خارج الزمن والتاريخ.
والغريب : أن الأمة العربية التي
من مخزونها الحضاري وقيمها
الروحية والأخلاقية والعلمية ,
و من رحمها ولدت العقلية
الغربية الثقافية والفلسفية ,التي
كانت الأساس لبناء وتقدم العالم
الحديث ,هي الآن على مفترق طرق
معرفي و حضاري مضطربة لا تستطيع
أن تحدد بأي اتجاه تسير ! مسلوبة
الإرادة مفككة ضائعة وتائهة ,تعصف
بها أعاصير تهز عقلها
ووجدانها
,وتهدد هويتها
وثقافتها وجغرافيتها ! هل أعطت
ماعندها واستنفذته
زمنيا ً ولم يبق في مخزونها
الحضاري من بقايا تحفزها على
الحياة والإنضمام إلى حركة
التاريخ والعصر من جديد ؟ .
إن مايدعو إلى التفاؤل قليلا ً هو
هذا الخطاب الفكري الثقافي
السياسي العربي الجديد , وهذه
الحركة الثقافية الفتية
الديناميكية الحرة والجريئة ,التي
تضخ إلى الفرد والمجتمع
والسياسة ,بمحاولات فكرية
متنوعة وغزيرة وجادة لملء
الفراغ الفكري القسري الذي فرضه
النظام السياسي العربي الرسمي
وفي سورية تحديدا ًلعقود ,و
لفترة حساسة من عملية
التطورالإنساني العام التي
حُرم منها الشعب في سورية ,وهي
المرحلة المجمدة زمنيا ً ,والمحاصرة
فكريا ًومعرفيا ًمن قبل أنظمة
الإستبداد, بعد خروج الإستعمار
بصورته القديمة من المنطقة
العربية ,هذه الفترة وللأسف
الشديد تمت خلالها أكبر نقلة
معرفية تاريخية في العالم
الحديث , نقلة من المرحلة
التقليدية بكافة معنىالكلمة
إلى حركية عصرالثورة
التكنولوجية والمعلوماتية وما
يعنيه من منظومة معارف وقوانين
ومعايير جديدة وقصر في المسافات
وسرعة في الإتصالات ,أصبحت ألف
باء الحياة المعاصرة ,تم ذلك
والقوى الحية في المجتمع في
سورية القادرة على أن تكون جسرا
ًللإنتقال من مرحلة تاريخية إلى
أخرى , مقموعة مبعدة ومغيبة كليا
ًعن مسرح الأحداث .
السبب الآخرالذي يدعو إلى هذا
القليل من التفاؤل هو أن الأمة
العربية في التاريخ الحديث لم
تدخل ساحة استمرارالفعل
الحضاري , أو بشكل أدق لم يُسمح
لها أن تدخل ,وتم اختطاف هذه
الفرصة منها وخاصة ً بعد
ظهوربوادر حركة سياسية
برلمانية حقيقية قي الشرق
العربي وغربة ,تم الإنقضاض
عليها بسرعة وإيقافها وحرف
المسار السياسي الوطني العام في
الوطن العربي في الخمسينات من
القرن الماضي , وهي الفترة
الواقعة بين خروج الإستعمار
القديم ودخول الإستبداد الذي
يمثل الإستعمار(قديمه وحديثه )
بكافة أبعاده وأسوأ صوره,ولأكثر
من نصف قرن وتكنولوجيا
" لعبة الأمم
" تطبق على أمة مكتوفة
اليدين ومعصوبة العينين ,وبصراع
دولي غير متكافئ وغير عادل لم
يستهدف الأمة في تاريخها
وتكوينها وحضارتها فحسب , بل وفي
جغرافيتها بزرع كيان غريب عنها
لتترافق مسيرة التفتيت الثقافي
والسياسي والجغرافي,وبالتالي
كان فصلا ً تخريبيا ً خطيرا ً
لنسيج الأمة , تحكمه بشكل ظالم
لعبة المصالح الخارجية ضاربة
ًعرض الحائط كل الإعتبارات
الإنسانية وحقوق الأمم والشعوب
في حريتها واختيار نمط حياتها
والتحكم بمصيرها , وأصبح حال
الأمة أشبه بمارد ٍ مقيد ٍسجين
.
وفي عالمنا الراهن الذي أصبح
وحيد الجذب والقطب ,يتلخص
مشروعه : بفكفكة البناء العالمي
بعد نهاية الحرب الباردة
والحفاظ على استمرارية سخونة
الظلم في كوكبنا ,بإعادة هيكلة
النظام الدولي بشكل كامل
وبأبعاده المعرفية والقيمية
والسلوكية وحتى الجغرافية ,والذي
يسير بوتيرة متسارعة واغتنام
الفرصة الحالية التي تتوافرله
نحو تحقيق هذا الهدف ,ورغم
الصورة الممزقة المقلقة التي
ترسمها اللحظة العربية الراهنة,
وبظل نظام عربي رسمي ليس له شبيه
أو صفة أو هيكلية سياسية محددة ,وفاشل
على كافة المسارات,والشعب
العربي نتيجة القمع والإستبداد
ونظام الفرد الواحد, وصل إلى
حالة الإعياء العام ,وأصبح
الوصي الدولي هو اللاعب الوحيد
والجميع خارج حلبة تحديد المصير.
.رغم ذلك لازالت الأمة
العربية موضوعيا ً في عداد
أحياء وليس أموات الحضارة
,وعقدة بمعنى الجمع وليس
بمعنى القطع والتوقف , ومركز
اهتمام العالم والقوى الفاعلة
فيه, مركز اهتمام
ونقطة انطلاق نحو تحقيق
النظام الدولي الجديد , لكن
حقائق التاريخ الخاص بالمنطقة
تقول : بأنها ليست مشاعا ًأو
وقفا ًدوليا
ً يُفعل به مايشاؤون ,وأن اللحظة
الراهنة الصفراء المبرقعة ليست
أبدية !
.
مما تقدم يمكن القول : أن عقل
الأمة قد غُيِّبْ خلال فترة
وصاية الإستبداد وأصبحت أمة بلا
عقل ,وبجسم ممزق أيضا ً,والتي
امتدت من بداية نصف القرن
الماضي وحتى الآن , هذا الفراغ
العقلي هو الذي أسس لكل محددات
الإنهيار التي تطبع صورة الوضع
العربي الراهن , الذي يمثل الوضع
في سورية أوضح أشكاله , ومع أن
الزمن لايعود إلى الوراء وأن
مسارالتاريخ هو متجه يتحرك
باتجاه وحيد إلى الأمام ,لكن من
الممكنات التاريخية أن بعض
اللحظات التاريخية تتماثل أي
تتشابه نسبيا ً في مفرداتها ,بحكم
توافر شروط واقعية وموضوعية
معينة متشابهة مع الإختلاف في
بعض الجزئيات ,الذي أريد قوله :
هو أن اللحظة التاريخية مع خروج
الإستعمارالقديم من سورية
والمنطقة العربية تتماثل مع
لحظة خروج الإستبداد والنظم
السياسية الفردية الآن ,أي هي
لحظة تحديد معالم طريق ورسم
صورة مستقبل جديد ,أو تمزق كبير
لانعرف مداه وأشكاله وسراديبه,وحتى
نقف على أسباب الفشل وعدم
القدرة سابقا ً من النجاح ,والذي
دفع ويدفع ثمنه الشعب العربي
وفي سورية على وجه التحديد ماهو
معروف من الخسائرالبشرية
والمعاناة الإنسانية والتخلف
المقلق في التنمية الإجتماعية
وهدرا ًكبيرا ًفي الثروة
القومية والتخلف الهائل عن
العصر بشكل عام , تلك الأسباب
يتحتم معرفتها ودراستها من قبل
المختصين والأكاديميين وأهل
الدراية والحل والربط المعرفي,
حتى نتجاوزالأخطاء الغير مبررة
سابقا ,لإعادة تثبيت وتقويم
العلاقات الوطنية بين أبناء
الوطن الواحد,والتأسيس
للتفكيرالمنهجي المعرفي
والسياسي الواقعي لوضع الأمور
في نصابها ,وتحليل اللحظة
الراهنة وفهمها عقلانيا
ًوعلميا ًوعصريا ً,حتى لانقع
في نفس
الحفرة
مرتين !.
المقلق في الأمر أن المسارات
متشابهة إلى حد التطابق ! وكل
مانخشاه أن تكون النهايات
والنتائج متتطابقة , وتكون
سورية محصورة في
ثنائية تبادلية بين
الإستعمار والإستبداد ,وحسب
مصلحة الأول ومهارة الثاني في
لعبة الظلم هذه ! ما العمل حتى
لايتكررالفشل وتكون النتائج
متشابهة ,ويصبح الفشل صفة
أساسية فينا وليس شيئا ً طارئا ً
علينا ؟
والتشابه في الحالة الميدانية
على الأرض من وجود احتلال وضغط
وتدخل خارجي هو أمر واقع
واضح وليس في مجال التوقعات,
والفرق الميداني في الحالة
المعنوية بين المرحلتين واضح
لصالح الأولى ,والمقلق أكثر أن
الخطاب الثقافي السياسي الحالي
رغم وفرته وجرأته , لكنه غير
منظم بل فوضوي
ونادرا ًما يكون عقلاني ,وهو
خطاب شأن عام
وليس خطاب مختصين , ممزق
ومنفعل وغير متفاعل مع بعضه ومع
الواقع ,وهوإفرازأزمة
محلية حينا ً ودولية في أغلب
الأحيان ,هل يتمسك بما هو مفيد
من ثوابته وتاريخه ويطوره ؟ أم
يرمي تاريخه جملة ً وتفصيلا ً
ويهرول إلى أندية موضى الثقافة
العصرية ؟
! هل هو
خطاب تناغمي أم
حاجة تطورذاتي ؟
هذا الخطاب يعاني من حالة
التباس في الهوية وا لمعرفة
والقيم إلى
حد ٍ كبير , الأمر الذي يؤدي به
إلى التناقض مع الذات ومع الآخر
ومع ضرورات وحاجات المرحلة
والإمساك بالحل الصحيح ! مثل هذا
الخطاب المرتبك
والتجزيئي والغيرعلمي
والمتناحر ,هو الذي أوصلنا
إلى كل هذه الإخفاقات التي
نشهدها الآن !.فهل هذا الخطاب
السياسي الجديد هو الذي سينقذ
سورية من هذا الإعصارالفريد ؟! .
هنا يجب التزام الصدق والصراحة
والإعتراف بجرأة : أن الحصيلة
التي خرج بها الخطاب القديم ,
والمشروع العربي التحرري بكل
واجهاته وأشكاله السياسية على
امتداده من المحيط إلى الخليج
في الستين سنة الماضية كانت
مزيج من الإخفاقات المهينة وعلى
كافة المسارات ,وهي حصيلة يمكن
وصفها بفشل مركب عنوانه العام
هو اليأس والإحباط لدى الشعب
العربي والذي لم يصل به إلى
الحرية ولا إلى الوحدة ولا
إلىالتطورولا إلى تحرير فلسطين
بل زادت مساحتة باحتلال العراق !
,والأسوأ مافي هذا الفشل هوأن
النظام السياسي العربي والذي
يتحمل النظام الحالي في سورية ,الذي
هو أوضح رموزه وحاضنته ,مسؤولية
فشله ,لازال رغم كل هذه الكوارث
يرتع ويقمع , وأن استمرارية
وجوده ليس له تفسير موضوعي سوى
تغذية ومرافقة ( حماية )
هذا الفشل حتى إنهاك سورية
وإيصالها منهارة ً,حيث يصبح
التفكيك والتفكك أمر واقع ,هنا
تتقاطع المسارات لتصب كلها في
النقطة الأساسية المطلوبة ,خدمة
النظام الدولي الجديد .
يبقى خيار الديموقراطية هو سيد
الموقف , المنقذ الوحيد لسورية ,ولحسن
الحظ هو ضالة الجميع , الحل الذي
غيبه الإستبداد والإستعمارمعا
ً ,ودفعت سورية ماهو معروف وغير
مألوف من ثمن مادي ومعنوي ,وأوصل
الجميع إلى مانحن فيه من"
وحدة وتقدم وازدهار" ! وبنظرة
حريصة وسريعة إلى هذا الخطاب
الحديث لرؤية ملامحه , ببساطة
تراه لفظيا ً صاخبا ًهنا , هادئا
خافتا ًهناك, مُمزَََّ قا
ًومُمزِّ قا منفعلا ً لدى البعض
,مهزوما ً من الماضي كله لدى بعض
آخر,إصلاحيا ًجريئا ناقدا ً
الماضي وامتداد له ويتعامل معه
بشكل حي وجديد وعصري لدى آخرين ,
نابعا ً من القمع وكرد عليه
وسلبي إلى حد كبير هناك, بعضه
موجه عن بعد وعبر الحدود, تناحري
سجالي إقصائي لدى الكثير ,
والقليل الذي أوصلته أستحقاقات
تاريخية وحضارية ووطنية إلى
الإقرار بضرورة الديموقراطية
على اعتبارها حلا ً لرفع الظلم
وتحقيق العدل ,الذي هو حلمْ
الأنبياء جميعا
ًلبني الإنسان
على مر
العصور .
....اللهم انفعنا
بما علمتنا ....فحوى هذه
العبارة ما تحتاحه سورية من هذا
الخطاب السياسي الجديد
ومانحتاجه كسوريين وبإلحاح
اليوم أيضا ً, وأن على الذين
توصلوا إلى الإيمان بأن
الديموقراطية هي الحل, أن
يعملوا على أن يكون هذا الخيار
مفيدا ً لسورية وشعبها ,لأنه
وحدة صيرورة وفهم ضرورة
, وإقرار حاجة مجتمع أرهقه
الإستبداد والإقصاء والفردية
التي عبثت بكل المحرمات , بيد أن
هذا الكل الحالم
بالديموقراطية , يفهمها
ويريدها كل طرفٍ كما يشتهي له
ويطيب ! وحسب المرجعية الوطنية
الفكرية الثقافية القومية
ولعبة المصالح التي يتقاطع فيها
الكثير من العوامل والإعتبارات
المفيدة للديموقراطية
والضارة بها .
وصلت متأخرة
أطراف المعارضة
الوطنية
في مرحلة
رحيل الإستبداد
الآن إلى
هذا الإستحقاق
" ضرورة الديموقراطية "
وهي الخطوة الأولية في الإتجاه
الصحيح , فيما فشلت أطراف الحركة
الوطنية في سورية أثناء رحيل
الإستعمار في النصف الثاني من
القرن الماضي من الوصول إلى ذلك
,لأنها سلكت طرق متعاكسه
متصادمة تحكمها العلاقة "
أسود قاتم أوأبيض ناصع " أي
كانت إيديولوجية سائبة إلى درجة
الفلتان ففقدت القدرة على تمييز
الألوان ومستقبل الأوطان ,
فكانت متلاطمة ! يسارها يصطدم
بيمينها ووسطها يصطدم بالإثنين
معا ً ,والكل في جهلهم وضياع
رشدهم تائهين, الشك تفكيرها ,والتخوين
سلوكها , والإقصاء هدفها
,فأنتجت الإستبداد الذي فتك
بها ذرافاتا ً ووحدانا .
إن الديموقراطية هي الأكثر جدوى
للجميع على الساحة الوطنية
السورية الآن, وهي تحبوا على
طريق مليء بالأشواك الذي يضعها
أعداء الديموقراطية مجتمعين ,
وبعضا ً من هواتها حسنيي النية
المنفعلين ,وبعضا ًمن الذين
ينشرون غسيل الإستبداد وفساد
النظام على المجتمع كله ,لينتقل
الأمر من محاكمة فساد وفاسدين ,إلى
اتهام ومحاكمة هوية أمة وثقافة
شعب ونسيج مجتمع ووحدة وطن ,وباختصار
تحكم حركتها " الفوضى المنظمة
" أو " الفوضى الخلاقة "
لافرق فكلتيهما من ألد أعداء
الديموقراطية
بل تمثلان قبرا ً لها , في
حين نحتاج إلى ضبطها على إيقاعٍ
الوطن الواحد وإنقاذ هذا الشعب
الجريح والوطن الكسيح ,
والتأسيس لمرحلة جديدة ومستقبل
جديد أساسه : الحوار والحوار ثم
الحوار, الذي يفتح العقول
والقلوب لسلوك يؤسس للثقة
والتسامح والمحبة والمصير
المشترك ,والخروج من عنق زجاجة
امتلاك الحق والحقيقة
والإستئثار والدائرة الفردية ,إلى
التفاعل والإيثار والدائرة
الكلية , الدائرة الوحيدة التي
يشعر فيها الفرد بإنسانيته
وكرامته ومعنى وجوده ,وهذا
لايمكن أن يتم دون تطوير طريقة
التعامل مع الديموقراطية
وتقوية فرص ازدهارها وتوفير
شروط نجاحها ,وأول هذه الشروط هو
الوعي الوطني المتفاعل الملتزم
المفيد , وليس الوعي العام
السائب السلبي في علاقته مع
واقعه ومع الآخرين,ونقل العلاقة
معها من إطار اللفظ الموسمي إلى
مستوى السلوك الدائم لتتطور إلى
منهج ينظم حياة المجتمع , وهذا
يتطلب احترام الواقع الذي نعيش
فيه وصواب الرؤية وصفاء الفهم
وسمو الهدف وعدم خلط المفاهيم
والمصطلحات الذي يربك كثيرا
ًالعملية الديموقراطية
والديموقراطيين على حد ٍ سواء .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|