الرأسمالية
تنشر الفقر في العالم
طارق
حمدي
أصدرت
الأمم المتحدة التقرير السنوي
لعام 2005 عن التنمية واصفة فيه
حالة البشرية بالنسبة للفقر
والصحة والتعليم. وقد ذكر
التقرير أن الفجوة بين الأغنياء
والفقراء قد ازدادت وأن فئة
قليلة تسيطر على ثروات العالم،
فقط 20% من سكان العالم يحصلون
على 80%من الدخل العالمي، بينما
40% يعيشون على 5%، وبينما يستصغر
الشخص في الغرب دفع دولار واحد
لفنجان قهوة، فإن هذا
الدولار يمثل دخل الفرد من ربع
سكان العالم يوميا. وقد ازدادت
الفجوة بين الأغنياء والفقراء
داخل الدول، فمثلا في أميركا
يعيش 36% تحت خط الفقر.
وقد
أصبحنا نعيش في هذا الواقع
الفظيع بسبب هيمنة المبدأ
الرأسمالي على العالم. فهو مبدأ
يقدس الاقتصاد الحر فيكفل حرية
الفرد في كسب وزيادة ثروته
بشكلٍ مطلق ومن غير الأخذ بعين
الاعتبار أن ذلك قد يتسبب
بتدمير شريحة كبيرة من الناس.
ولا يحدد المبدأ طريقة عادلة في
توزيع الثروة في المجتمع ،
ونتيجة ذلك هو تكدس الثروة في يد
قلة بينما يعيش البقية في فقر.
والقيمة الوحيدة المعتبرة في
المبدأ هي القيمة المادية فلا
اعتبار للقيم الأخلاقية ولا
الإنسانية ولا الروحية فالجنس
سلعة مربحة حتى ولو أدى ذلك إلى
فساد الأخلاق وبيع الأسلحة
تجارة ناجحة حتى ولو أدى ذلك إلى
دمار الشعوب. والمبدأ الرأسمالي
يحط من قدر الفقراء ولا يبالي
بهم، ولقد رأينا مؤخرا كيف
أهملت أميركا ضحايا إعصار
كاترينا، كما أصبحنا نرى ملايين
الأطفال يموتون سنويا من الجوع،
بينما يعاني الغرب من مشاكل في
التخمة. وعندما أدرك
الرأسماليون أن وجود الفقر
سيثير القلاقل في المجتمع قرروا
معالجة ذلك بأن "يتبرعوا"
بجزء من ثروتهم لمساعدة الفقراء.
يقول تقرير الأمم المتحدة
الإنمائي صراحة أنه يجب على
الدول الغنية مساعدة الدول
الفقيرة لكي لا تصبح بؤر للتطرف
والإرهاب، فمساعدة الفقراء هي
لحفظ مصالح الأغنياء لكي لا
يثوروا على الوضع القائم في
العالم.
واستعملت
الدول الرأسمالية وسائل عديدة
"لتنمية ثرواتها" فقامت
دول كبريطانيا وأميركا
باستعمار بلاد العالم عسكريا
لنهب الثروات، واستعملت
القروض الربوية لاستعمار
الدول اقتصاديا ،ومؤخرا
استعملت الدول الرأسمالية "حرية
التجارة" لإغراق أسواق الدول
النامية ببضائعها بينما تمنعها
من دخول أسواقها بوضع جمركة
تعرفية عالية. وقد ظهرت حركات
قوية مناهضة لهذا المبدأ، ولذلك
اضطرت الدول الرأسمالية أن تضع
بعض الماكياج لتحسين صورتها،
فمثلا في عام 2000 أعلنوا عن
الأهداف التنموية للألفية ومن
بينها تحسين الصحة والتعليم
وتقليص الفقر إلى النصف بحلول
عام 2015 ولكن ذلك لم يحدث، بل على
العكس، ذكر التقرير أن الوضع في
تدهور، فازدادت حالة 450 مليون
شخصا سوءاً، على مدى الخمسة
عشرة سنة الماضية. وقامت الدول
الرأسمالية بنفس المسرحية في
قمة الثماني التي عقدت في
اسكتلندا بتاريخ 8/7/2005، ففي ضجة
إعلامية ضخمة أعلنت تلك الدول
أنها ستلغي ديون 18 دولة فقيرة،
ولكن خارج أضواء الإعلام، وبعد
أسابيع من هذا الإعلان، ذكرت
صحيفة الغارديان البريطانية في
7/9 أن
فرنسا وألمانيا قد تنصلت من هذا
الالتزام، واتضح أن الاتفاق ليس
لمحو الديون بل هو فقط إعفاء من
دفع خدمة الديون لمدة السنين
الثلاث القادمة!!!
فمشكلة
العالم هي التخلص من هذا النظام
الرأسمالي، والبديل له هو نظام
الإسلام. فالإسلام يختلف عن
الرأسمالية، فهو ينظم العلاقة
بين القيم، ولا يقدس القيمة
المادية، وقد شرع الله عز وجل
نظاماً اقتصادياً تفصيلياً حدد
فيه حقوق الفرد وحقوق المجتمع.
فللفرد الحق في أن ينمي ثروته
كما يشاء بالوسائل التي حددتها
الشريعة ولكن هذا الفرد مسئول
أيضا عن المجتمع، فللفقراء
والضعفاء حق في أموال الأغنياء،
ولكن ليس على النمط الاشتراكي،
وإنما يتقصد الإسلام ضمان
الملبس والمأكل والمشرب والصحة
والتعليم لكل شخص. والإسلام حدد
وسائل شرعية للتملك مثل الصناعة
والزراعة وحرم وسائل أخرى
مثل التعاملات الربوية التي
أثقلت كاهل الشعوب والأفراد،
كما حدد الإسلام أنواع الملكية،
فمثلا شركات النفط
والكهرباء والماء يجب أن تكون
شركات عامة تدار من قبل الدولة
حصراً، ولا يجوز لها أن تخصص
فتصبح ملكا لأفراد أو شركات كما
يحدث ألان في البلاد الإسلامية.
وإلى
أن نشهد قيام دولة الإسلام في
العالم، فستستمر البشرية تكتوي
بظلم الأنظمة الرأسمالية التي
تجتاح العالم من أقصاه إلى
أقصاه بما فيها تلك بلاد العالم
الإسلامي التي تتبجح بتطبيق
الإسلام زوراً وبهتاناً .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|