المستهدف
دور سوريا وليس نظامها
أحمد
شاهين
أصدر مجلس الامن
الدولي في 31 – 10 – 2005 قرارا
بالاجماع يدعو سوريا للتعاون مع
لجنة التحقيق الدولية التي تعمل
على كشف ملابسات اغتيال رئيس
الوزراء اللبناني الاسبق ، رفيق
الحريري ، وقد تقدمت بمشروع
القرار الولايات المتحدة
وفرنسا وبريطانيا . وتؤكد سوريا
باستمرار أنها تعاونت مع
المجتمع الدولي وأنها مستعدة
للتعاون بما توفره امكانيتها .
ومن
بين نقاط التعاون التي تطالب
بها الولايات المتحدة سوريا :
منع تسلل المقاتلين الاسلاميين
عبر حدودها الى العراق ؛ ولم
تقنع الاجراءات السورية في هذا
المجال حتى الآن الجانب
الاميركي ، على الرغم من أن
الادارة السورية تتعاون في كل
المجالات التي تطلبها منها
الادارة الاميركية في هذا الشأن
بما في ذلك التحقيق مع متهمين
بالانتماء الى تنظيمات اسلامية
، ومما صار معروفا في هذا المجال
تعذيب أربع كنديين ، تطالب كندا
بالتحقيق في ظروف اعتقالهم
والتعذيب الذي تعرضوا له . ومن
المشكوك فيه أن يكون موضوع
تسهيل سوريا لرجال المقاومة
الاسلامية هو موضوع الطلب
الاميركي ، فالاميركيون
والسوريون يعرفون أن المقاومة
الراهنة في العراق هي مقاومة
سنية ، والنظام في سوريا ،
بتركيبته الطائفية لايمكن أن
يدعم مقاومة سنية ، يعرف أنها قد
تنعكس عليه سلبا ، فالعنصر
المقاوم في العراق لايتشابه مع
عنصر المقاومة اللبناني الذي
دعمته سوريا ضد اسرائيل الذي
كان يتقارب مع النظام السوري
طائفيا . وكان لدى الرئيس السوري
الراحل ، حافظ الاسد ، في
السبعينات ، مشروعا
لتوحيد الطوائف الشيعية ،
على تنوعها ، في تجمع واحد
للتوازن مع التجمع السني ، وقد
أوكل لأخيه جميل الاسد متابعة
ذلك الموضوع ، وحدثنا ، في حينه
، عن جلسات الحوار الاولى بين
ممثلين عن الطائفة العلوية
والاسماعيلية والدرزية والاثني
عشرية ، الاستاذ اسماعيل عدرة ،
عضو المجلس الاسماعيلي الاعلى
الذي كان مشاركا في الحوار
ممثلا للطائفة الاسماعيلية .
واذا كان الامر
كذلك فما هو المطلوب من سوريا ؟
لقد أعلنت وزيرة الخارجية
الاميركية ، كوندليزا رايس ،
بعد صدور قرار مجلس الامن اياه
" أن على الحكومة السورية أن
تغير من سلوكها " . في أي مجال
؟
صار معروفا أن
الادارة الاميركية تعمل على
ترتيب أوضاع منطقة الشرق الاوسط
بما يخدم استراتيجيتها الكونية
. وتشكل سوريا في هذا المجال
موقعا استراتيجيا في المجال
الاقليمي المحيط بها . و ظهرت
أهمية هذا الموقع الجيوسياسي في
سبعينيات القرن الماضي ، فكانت
سوريا كابحا للتيار الوطني
اللبناني بدعمها للاتجاه
اليميني اللبناني في العام 1976
، ومقيدا للحركية
الفلسطينية التي كانت مؤثرة في
لبنان ،
وضاغطا على عراق صدام حسين
بالوقوف الى جانب ايران في
الحرب العراقية - الايرانية،
ومحرجا لتركيا بدعمها لحزب
العمال الكردي الذي يتزعمه
عبدالله أوجلان ( تخلت عنه عندما
اقتضت مصلحة السلطة السورية ذلك
، وتفاصيل القصة معروفة ) . ولأن
ترتيب أوضاع المنطقة يتطلب
تحديد الادوار في المجالات
اياها المذكورة أعلاه ، والحدود
التي تستطيع سوريا التحرك فيها
في حدود موقعها الاستراتيجي ،
يكون المطلوب من سوريا تقديم
عرض مفصل للادارة الاميركية بما
يمكن أن تقوم به عمليا . فعلى
الصعيد الفلسطيني ، مثلا ، يجري
الحديث عن اغلاق مكاتب المنظمات
الفلسطينية الموجودة في دمشق ،
في الوقت الذي يذهب قادة تلك
المنظمات الى القاهرة للتفاوض
مع السلطة الوطنية الفلسطينية ،
تحت مظلة النظام المصري ،
للاتفاق على ترتيبات تتعلق
بمسألة الحل على الجانب
الفلسطيني – الاسرائيلي . لكن
اذا انتقلنا الى الجانب الاهم
اقليميا على الجانب الفلسطيني
يبرز موضوع توطين اللاجئين
الفلسطينيين في أماكن تواجدهم ،
أو في مناطق ، خارج فلسطين قد
يتفق عليها أعضاء المجتمع
الدولي الممثلين في لجنة
اللاجئين التي تشكلت بعد مؤتمر
مدريد للسلام ، وقد رفضت سوريا ،
في حينه ، المشاركة في تلك
اللجان الدولية
معطية الاولوية للحل
الثنائي . والمطلوب الآن من
سوريا تحديد موقف من هذا
الموضوع ، واقرار المشاركة في
البرنامج العملي الذي قد يوضع
لحل هذا الاشكال الذي يحمل
عنوان " حق العودة " ، بما
يقطع الطريق على سوريا ، كسوريا
، من استعمال هذه الورقة لاحياء
عمل قومي عربي شكلت القضية
الفلسطينية فيه باستمرار رافعة
له.
في المجال العراقي ، ولان
الوضع الاميركي فيه وضع احتلال
، فان امكانية تطور المقاومة
العراقية من مقاومة سنية الى
مقاومة وطنية أمر قائم ، وفي هذا
الشأن تستطيع سوريا ، كسوريا ،
تقديم الكثير لمثل هذه المقاومة
خاصة اذا فشلت أميركا في ترتيب
وضع ايراني يعيق امكانية تحرك
شيعي عراقي وطني ، ولذا ، أيضا ،
مطلوب من السلطة السورية
التعاون مع الادارة الاميركية
لمنع احتمال حدوث ذلك
بالاستفادة من صفة النظام
الشيعية ، وحدها الادنى كشف
السياسة الايرانية في هذا
المجال ، ومعارضتها اذا تعارضت
مع التوجه الاميركي ، والعمل في
اطار الشيعة العراقية لمنع تطور
مقاومة داخلها للاحتلال
الاميركي ، وفي هذا المجال يمكن
لحزب الله اللبناي أن يلعب دورا
مؤثرا ، خاصة مع التيار الصدري
الذي ألمح الى امكانية الاتجاه
الى المقاومة ، ورأى في حزب الله
نموذجا له ، وتشبه مقتدى الصدر
بالشيخ المقاوم حسن نصرالله ،
زعيم حزب الله اللبناني الشيعي
، ولسوريا تأثير فعال على حزب
الله ورجاله .
وفي المجال
التقليدي للسياسة السورية الذي
تطلق عليه السلطة السورية
ومنظروها وصف " الدور القومي
" لسوريا ، فقد " ابتزت "
السلطة السورية دول الخليج
والمملكة السعودية لعقود ،
وفرضت عليها تقديم العون المادي
لها تحت عنوان " دعم الصمود
والتصدي " ، أما العنوان
الفعلي فكان خوف تلك الدول من
تحريض السلطة السورية ضد تلك
الدول وكشف وجود قواعد أميركية
سرية فيها . أما وقد أصبح الوجود
الاميركي في منطقة الخليج علنيا
، وبقرار عربي صدر عن قمة دول
الجامعة العربية في العام 1990 ،
بعد احتلال العراق للكويت ، فلم
تعد تلك الورقة قابلة للتشغيل ،
حيث شاركت السلطة السورية في
القرار ، وأرسلت قوات عسكرية
للحرب على العراق على خلاف
خطابها القومي ، وتغطت بشعار
" تحرير الكويت " هربا من
" الحرب على العراق " ؛ كما
أن " الصمود والتصدي " أصبح
ملفا مغلقا بعد دخول السلطة
السورية في مفاوضات مباشرة مع
اسرائيل ، وقبولها ، في الورقة
السورية التي قدمت في تلك
المفاوضات في العام 1993 ، بوجود
قوات أميركية في الجولان بعد
" استرجاعه " كقوات فصل ،
وهو أيضا عنوان للتعمية على
وجود قاعدة عسكرية أميركية في
سوريا .
السلطة السورية
مازالت تتعامل مع نفسها ومع
العالم وفق الخطاب السياسي
لمرحلة الحرب الباردة ، حيث
كانت ازدواجية الخطاب مسموحا
بها ، وهو مايمكن اطلاق وصف "
الانفصام السياسي " عليه ،
والذي وصف ، في حينه " أشعل
اليسار وانعطف نحو اليمين "
ذلك الخطاب الذي كان غرضه
تضليليا للمواطن الذي كان يخاطب
بشعارات وطنية أو اجتماعية
لايلمس منها في الوقع شيئا ؛ ولم
يعد الآن مسموحا الاستمرار في
توظيف مثل ذلك الخطاب ، فمبدأ
" الشراكة " الذي تعتمده
الادارة الاميركية بعد أن
انفردت بادارة شؤون العالم
يقتضي من الشركاء أن يكون شركاء
فعلا ، في الحدود التي يقررها
لهم " الأخ الاكبر " ، ويدخل
مطلب " الدمقرطة " الذي
تطالب به الادارة الاميركية
دولا مثل سوريا في اطار اشراك
المواطنين ( على الطريقة
المصرية ) في شراكة حكوماتهم
السياسية مع المشروع الاميركي (
نذكر برسالة ادارة بوش الاب الى
القمة العربية التي عقدت في
بغداد في العام 1990 التي طالبت
الحكام العرب بعدم ذكر أميركا
بسوء ، ونشر نصها النظام
العراقي في اطار التجاذب
والتنافر الذي حصل في تلك القمة
. راجع في هذا الخصوص تقريرنا عن
تلك القمة في :
شؤون فلسطينية ، العدد 207 ،
مركز الابحاث – م . ت . ف ،
نيكوسيا ، حزيران / يونيو 1990 ، ص
102 – 109 ) ، بمعنى أن على السلطة
السورية أن تخاطب مواطنيها بما
يؤهلهم لقبول المشروع الاميركي
للمنطقة و" اقناعهم " به،
وانهاء " الانفصام السياسي
" الذي طبع سياسة السلطة
السورية التي ورثها الاسد الابن
عن أبيه .
حين دخلت القوات
السورية لبنان في العام 1976 ،
تناقلت أوساط اعلامية اسرائلية
وجود " اتفاق جنتلمان " بين
سوريا واسرائيل ، رعته الادارة
الاميركية ، يقضي بوصول القوات
السورية الى الحدود اللبنانية
– الاسرائيلية لمنع المقاومة
الفلسطينية من النشاط ضد
اسرائيل عبر تلك الحدود ، لكن
شمعون بيرس ، وزير الدفاع في
حكومة رابين آنذاك ، اعترض على
وصول القوات السورية الى الحدود
، معللا ذلك بالقول : من يضمن
سوريا اذا أزيح الاسد عن السلطة
، وعلى ذلك توقف تقدم القوات
السورية جنوبا في لبنات على نهر
الليطاني ( نشرنا نص ذلك الاتفاق
في نشرة رصد اذاعة اسرائيل التي
كان يصدرها يوميا مركز الابحاث
حين كان مقره في بيروت ) .
والادارة الاميركية الآن ، في
ضغوطها على السلطة السورية ،
تريد ضمان دور سوريا في خدمتها ،
وعلى السلطة السورية التي هي في
جيبها أن تعمل دون مواربة
لتحقيق ذلك ، فظروف ممارسة
السلطة لم تعد تلك التي ورث فيها
بشار الاسد السلطة عن أبيه ، ولن
يسمح له بتطبيق الدروس التي
علمها له أبوه
، فذاك زمن وهذا زمن آخر .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|