آصف
شوكت
يُلقي
خطاباً بلسان بشار الأسد !..
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
لم يكن بشار الأسد
هادئاً في يوم الخميس بتاريخ
العاشر من تشرين الثاني 2005م..
حسب ما كان يسوّقه الإعلام
البعثيّ والفئة الحاكمة، عندما
كانوا يتأهّبون لتتويجه حاكماً
وارثاً على سورية في عام 2000م.. بل
كان في خطابه متشنّجاً عصبياً،
مُهتَزَّاً كما يهتزّ كرسيّ
حُكمه المغتَصَب منذ خمس سنوات..
وهذه هي الملاحظة الأولى التي
يمكن تسجيلها على ذلك الخطاب
المتشنّج غير المسؤول !..
إننا نعي جيداً
ألاعيب النظام الحاكم،
وأساليبه الباطنية في معالجة
القضايا الهامة، خاصةً تلك التي
تتعلق بالحكم وأمجاد السلطة على
حساب الوطن والشعب، فقد شهدت
سورية سلوك النظام طوال عشرات
السنين، الذي يُظهِر للشعب غير
ما يُبطِن، ويُذيع على الناس
الحقائق معكوسةً تماماً،
ويرتدي قبّعة الصمود والتحدي
والمقاومة، بينما هو من وراء
الكواليس يعقد الصفقات،
ويتنازل ثم يتنازل عن كل شيء،
بما في ذلك عن المصلحة الوطنية
للوطن والشعب، وذلك لهدفٍ واحدٍ
فقط، هو احتفاظه بعرش الحكم،
ومَدّ عمره حاكماً متسلطاً على
سورية!.. لكن يبدو أن هذا النظام
الذي تنازل عن كل الثوابت
الوطنية التي يزعم التمسك بها..
يبدو أنه لم يعد يملك أي أمرٍ
يمكن التنازل عنه أو المساومة
عليه، فنفدت بضاعته ووصل إلى
درجة الإفلاس التام، وهذا في
الحقيقة هو مَبعث التشنج الذي
شهدناه مندهشين أثناء الخطاب
المذكور !..
من المؤسف أن تصدر
عن رئيس دولةٍ عبارات غير
لائقة، لا تليق بالموقع الذي
يَشغله رئيس الدولة، وهذه على
كل حالٍ ليست الدلالة الأولى،
على أنّ بشار الأسد لم يكن يوماً
مُقنِعاً بصلاحيته لحكم بلدٍ
عريقٍ حضاريٍ عربيٍ مسلمٍ له
وزنه المرموق.. مثل سورية، لكن
التشنج والعصبية والرعب من
المجهول القادم.. كلها أمور
تُفقِد صاحبَها التوازنَ
والحكمة في التصرّف، فيقع في
مغالطاتٍ لا يجوز لمن يحتل موقع
الرجل الأول في الدولة أن يقع
فيها !..
إنّ مهاجمة الأشقاء
اللبنانيين بذلك الشكل السوقيّ
الوارد في الخطاب.. لا يدل إلا
على أنّ هذا النظام قد فقد
الكثير من الأوراق، التي كان
يتلاعب بها على الساحة
اللبنانية بمنحةٍ أميركيةٍ
إسرائيليةٍ أوروبية، طوال
ثلاثين عاماً، من التسلط على
لبنان واللبنانيين، واستخدام
لبنان ساحةً لممارسة اللصوصية
وابتزاز الدول العربية، وتعميق
الفجوة بين الطوائف اللبنانية
وأحزابها، وضرب المقاومة
الفلسطينية والتآمر عليها.. وهي
كلها أوراق تَمتّع بها النظام
بموجب ضوءٍ أخضر أميركيٍ
إسرائيلي، إلى أن فقدت فعاليتها
وانقضت مدة صلاحيتها.. وعند هذه
النقطة حصراً، نكتشف كم كان
بشار الأسد يغالط نفسه، حين
اتهم اللبنانيين بأنهم حوّلوا
بلدهم إلى موقعٍ للتآمر على
سورية، تمويلاً وتمريراً
وتصنيعاً.. وهي في حقيقة الأمر،
السلوكيات التي مارسها النظام
السوري نفسه بلا رقيبٍ أو حسيبٍ
ضد لبنان، طوال ثلاثين عاماً من
التآمر والاحتلال الأسدي لبلد
الأرز، فما مارسه النظام
وزبانيته في لبنان.. وصفه بشار
بدقة، لكن بصورةٍ معكوسة، ولعلّ
وجه الدقة هنا، هو معرفته
التامة بخفايا ممارسات نظامه
وألاعيبه في لبنان !..
أما الزعم بزجّ اسم
سورية في قضية اغتيال الحريري،
فهي لا تقل سطحيةً عن غيرها في
الخطاب المذكور، وكأن دم
الحريري هو الدم الأول الوحيد
الذي يسفكه النظام السوري
وأجهزة مخابراته على أرض لبنان،
ولعل الذي وجّه بشار الأسد
ليقول هذا الكلام السطحي.. قد
نسي، أو ظن أننا نسينا دماء آلاف
الناس الذين سَفكت دماءَهم
قواتُ النظام ومخابراته.. فإن
كانت عصابة النظام لم ترتكب
جريمة اغتيال الحريري، فمَن
ارتكب جرائم تل الزعتر
والكرنتينا وطرابلس والمخيمات
؟!.. ومَن ارتكب جرائم
الاغتيالات المروّعة، من مثل :
اغتيال سليم اللوزي ورياض طه
ومحمد عمران والشيخ حسن خالد
ورشيد كرامي وكمال جنبلاط
ورينيه معوّض و.. فهل هذه الدماء
أيضاً تندرج في إطار السكوت عن
دم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات
كما يزعم بشار في خطابه،
محاولاً رسم صورةٍ مزاجيةٍ
انتقائيةٍ بريشة أجهزته
الأمنية، التي ارتكبت كل تلك
الجرائم وغيرها، وما تزال
تتنصّل منها ومن عواقبها ؟!..
هل يعتقد بشار
الأسد حقاً، أنّ هناك تلاحماً
بين نظامه والشعب السوري ؟!..
ليتبجّح بأنّ اللبنانيين
يتجنّون عليه وعلى نظامه، حين
يميّزون بين الشعب والنظام في
سورية، محاولاً أن يخفي أكبر
حقيقةٍ في الوطن، هي أن الشعب
السوري يقف في موقعٍ معاكسٍ
تماماً لنظامه، وأنّ هذا النظام
الذي يحكم بالحديد والنار
والأحكام العُرفية، وبالمجازر
والسجون والتسلّط العائلي
والفئوي والبعثيّ، وبقوانين
الغاب، وبالفساد بشتى أنواعه،
وبالنهب والسلب و.. أنّ هذا
النظام، لم يكن أبداً في تاريخه
يمثل هذا الشعب المنكوب به
وبعصابته، التي استولت على
الحكم بالانقلابات العسكرية،
وبقوة الأجهزة الأمنية !.. وهل
يصدّق بشار الأسد نفسه ويتناسى
كيف تمت مسرحية تنصيبه قهراً
وقسراً على عرش سورية ؟!..
أما حكاية براءة
سورية النظام من دم الحريري،
فهذا لا يقرّره المتهم أو
الجاني، ولا يمكن لبشار الأسد
أن يدّعيه، لأن كل تصرّفات
النظام وسلوكه، وكل ألاعيبه
ومراوغته في التعاون مع لجنة
ميليس، إلى درجة التضحية بأحد
أعتى أركانه (غازي كنعان)،
ومناوراته المكشوفة، وتشنّجه
في التعامل مع فصول هذه القضية..
كل ذلك لا يُعطي إلا انطباعاً
واحداً، هو أنه غير بريءٍ من دم
الحريري رحمه الله.. ولعل أوضح
ممارساته، تلك اللعبة الساذجة
المكشوفة، بتشكيل لجنةٍ
قضائيةٍ سوريةٍ للتحقيق بمقتل
الحريري، للمناورة وكسب الوقت
الذي لم يعد متسعاً !.. ولنستوعب
حجم المهزلة التي يمارسها بشار
وفئته الحاكمة، لا بد أن نتخيل (ضاحكين)
كيف دبّت فجأةً أعراض النـزاهة
ومزايا فصل السلطات.. في أوصال
القضاء السوري، وكيف مُنِحَ هذا
القضاء الغائب عن مهماته منذ
أربعين عاماً بسطوة القوانين
العُرفية وأحكام قانون الطوارئ..
كيف مُنِحَ بين ليلةٍ وضُحاها
صلاحياته المفقودة، فلا محاكم
عسكرية ولا محكمة أمن الدولة
ولا اعتقال ولا تعذيب ولا سجون
صحراوية ولا توقيف تعسّفيّ.. بل
محكمة قضائية تعمل بموجب
القانون، إلى درجة أنّ قاضيةً
مدنيّة، تجرؤ على منع سفر ستةٍ
من كبار الضباط، الذين هم في
الحقيقة المجموعة الرئيسة التي
تحكم سورية، وأولهم آصف شوكت
رئيس المخابرات العسكرية
والحاكم الحقيقي الفعلي للبلاد..
فلنتخيل كيف يمكن للقاضية (غادة
مراد) أن تمنع سفر اللواء (آصف
شوكت)، وما أدراكَ مَن هو آصف
شوكت !..
إننا نعي تماماً
كيف يشعر النظام بالتفاف الحبل
حول عنقه، ما دفعه ليتذكّر شعبه
بعد طول نسيان، وهذه أيضاً ليست
غريبةً عن الأنظمة الدكتاتورية
التي تبيع وتشتري على حساب
الشعب والوطن، لتحقيق مآربها
العائلية والفئوية الضيقة في
التسلط والنهب واللصوصية.. إلى
أن تقع في جرائر أعمالها
وممارساتها وجرائمها، فتتذكّر
عندئذٍ شعوبها، فتحثّها على
المقاومة والصمود، ليس دفاعاً
عن الوطن، بل دفاعاً عن العصابة
الحاكمة نفسها، لتستمرّ في
تسلّطها، ولتستمرّ مكاسبها
العائلية على حساب الوطن كله..
فمن هذه الزاوية وحسب، يمكن فهم
اندفاع بشار الأسد للتحدي
والصمود والمقاومة، وفي حقيقة
الأمر ليس لمثله خيار آخر، فهو
خيار كل مَن قطّع أوصال صلته
بشعبه، ودمّر بلده، وفكّك وحدته
الوطنية.. والشعب السوري يفهم
هذه الألاعيب جيداً، ويملك
الذكاء الكافي لفهم هذه
الأساليب الساذجة، في محاولات
جَرّه ليكون دريئةً لنظامٍ
استبداديٍ فاسدٍ قمعيّ، ولن
يذرف هذا الشعب دمعةً واحدةً
على سقوط نظام الحكم الوشيكِ
بإذن الله !..
إنّ مما لا ينقضي له
عجب، هو أن يتحدث حاكم دكتاتوري
مثل بشار الأسد عن العودة إلى
الشعب، للموافقة على عقد أو عدم
عقد الصفقات مع أميركة، وهنا
يقفز إلى الذهن سؤال مباشر : متى
كان النظام الأسديّ الحاكم يعود
إلى شعبه في أية قضية، لا سيما
قضايا الصفقات التي كان يُبرمها
مع أميركة وإسرائيل على حساب
الشعب والأمة والوطن ؟!.. وذلك
منذ أن قرّر هذا النظام إغراق
اليهود في البحر في ستينيات
القرن المنصرم.. إلى ساعة
التحالف مع أميركة فيما يسمى
بمكافحة الإرهاب، ثم مصافحة
رئيس الكيان الصهيوني العدو (كاتساف)،
مروراً باجتياح لبنان
واتفاقيات الخطوط الحمر مع
كيسنجر واتفاق الأسد-مورفي،
والتحالف مع إيران ضد العراق،
وحكايات حَفر الباطن ومؤتمر
مدريد ومفاوضات واشنطن
ونيويورك مع إسرائيل، والتنقل
بين الحرب والسلام مع العدو..
وما إلى ذلك من القضايا
المصيرية ؟!.. بل أين الشفافية في
عرض بشار الأسد خلال خطابه
الأخير الذي بين أيدينا، على
نفس هذا الشعب الذي لم يؤخَذ
رأيه أبداً.. في عرض قرارٍ جاهزٍ
بمقاومة المجتمع الدولي
وتحدّيه، وعدم التجاوب مع مطالب
لجنة القاضي ميليس بتقديم عُتاة
المخابرات المتَّهمين للتحقيق،
مع أنّ مثل هذا القرار الذي
يتحدى به المجتمع الدوليّ كله،
ستترتب عليه عواقب وخيمة على
الصعيد الوطني لسورية كلها
بأرضها وشعبها.. فهل نحن في (حُلمٍ)
أم (عِلمٍ) لكي نسمع مثل هذا
الهراء المضحك ؟!..
ثم أي لُحمَةٍ
وطنيةٍ يُجلجل بها بشار الأسد،
وسجونه ما تزال تُخفي عشرات
الآلاف من المفقودين مجهولي
المصير ؟!.. وكابوس أجهزته
المخابراتية ما يزال شديد
الوطأة على المواطن السوريّ،
وحيتان الفساد ما يزالون يسرحون
ويمرحون، بدءاً من ابن الخال
الملياردير الاستثنائي (رامي
مخلوف) وشريكه بشار نفسه،
وانتهاءً بأصغر ضابطٍ تاجرٍ لصٍ
ينهب من خيرات الوطن وثرواته ؟!..
عن أي وحدةٍ وطنيةٍ يتحدث بشار
الأسد في ظل حُكمٍ عائليٍ
يُفَصِّل دستورَ البلاد على
مقاسه ومقاس عصابته الحاكمة
للحصول على مكاسب خيالية ؟!.. عن
أي لُحمةٍ وطنيةٍ يتكلم بشار
الأسد، والسوريون المهجّرون من
ثلاثة أجيالٍ ما يزالون
متشرّدين في أصقاع الأرض،
محرَّماً عليهم وطنهم سورية،
يحاكَم جيلهم الثالث المولود
خارج الوطن، على اتهاماتٍ
لفّقها النظام بحق جيلهم الأول
؟!.. عن أي وحدةٍ وطنيةٍ يتحدث
بشار الأسد، في ظل حُكم الحزب
القائد الأوحد الواحد الشموليّ
الدكتاتوريّ، وفي ظل الأحكام
العُرفية وقوانين الطوارئ،
التي يُسحَق بها الإنسان السوري
على الهوية وعلى القرابة وصلة
الرحم ؟!.. ثم كيف يتحدّث بشار
بقضايا اللحمة الوطنية، وفي نفس
الوقت يرفض رفضاً قاطعاً أي
حوارٍ وطنيٍ للخروج من المأزق
الخانق الذي أوصل مع نظامه
سوريةَ إليه ؟!.. ويرفض أي عملية
إصلاحٍ سياسيّ، هذا الإصلاح
الذي يضعه خلال خطابه في قوالب
مضحكةٍ مثيرةٍ للشفقة : فالقضية
الكردية ليست بزعمه إلا (رتوشاً)
يمكن رسمها بكل بساطة.. وقضية
الأحزاب لا داعي لها لأنها
عويصة ومؤجَّلة.. وقضية المؤتمر
الوطني لا أهمية لها لأننا لسنا
في حربٍ أهلية.. وقضية المعارضة
ليست إلا من تصنيع العدو
الخارجي الذي لا يريد خيراً
للوطن.. والوطنية لا يملكها إلا
بشار الأسد مع عائلته وبَنيه،
وفصيلته التي تؤويه، فوحده –سليل
الأسرة الأسدية- يملك الحق
بتوزيعها على مَن يشاء،
وبنـزعها عمّن يشاء، بناءً على
نظرية المؤامرة التي تعشّش في
عقول أركان نظامه المتوجّسين من
كل طرفة عَين، لأنهم في الحقيقة
يعرفون ماذا اقترفوا بحق سورية
وشعبها، وبحق لبنان وشعبه، وبحق
الأمة كلها.. طوال أربعة عقود !..
لا يساورنا أدنى
شك، بأن خطاب بشار الأسد هو خطاب
يحمل بظاهره وباطنه تحدّياً
قمعياً استبدادياً، لا يتقنه
إلا عُتاة الأجهزة المخابراتية
القمعية، التي هي الخاسر الوحيد
من التحقيق بمقتل الرئيس
الحريري رحمه الله، لأنها
ببساطة، تعرف تماماً ما الذي
اقترفته، وتعرف ما يترتب على
نجاح عملية التحقيق، فقامت بوضع
الوطن وشعبه في إحدى كفّتي
الميزان، ووضع مصالحها
ومكاسبها الفئوية العائلية
الخاصة الضيقة في الكفّة
الثانية، فإن كان لابد من أن
يحترق أرباب القمع والاضطهاد..
فلا مانع لديهم من أن يحترق
الوطن كله، بشعبه وتاريخه
وحضارته ومستقبله واستقلاله
ومصالحه الوطنية !..
فعلاً، سورية.. الله
حاميها، كما قال بشار الأسد،
فهي كلمة حقٍ أريدَ بها باطل،
ولولا حماية الله لها لما كان
هناك وطن حتى الآن اسمه سورية،
في ظل نظامٍ جائرٍ عابثٍ مقامرٍ
فاسد، فلم يكن نظام البعث
العائليّ الفئويّ.. لم يكن يوماً
حامياً لسورية، بل كان دائماً
ذراعاً للعدو عليها، وسوطاً
مسلطاً على ظهور أبنائها،
وكابوساً رهيباً ضاغطاً على
رؤوس مواطنيها، ولصاً محترفاً
جشعاً يَعُبّ من خيراتها ويسرق
قوت فقرائها، وفاقداً للمروءة
يستنـزف ثرواتها، وجاهلاً
متخلّفاً يسيطر على مراكز
القوّة فيها، وحاقداً يسير على
خُطا خُرافات دجّاليها، ممّن
تقمّصوا ثوب السياسة، وركبوا
ظَهر البعث للوصول إلى مآربهم
الدنيئة !..
ليس الخطابُ خطابَ
بشار الأسد وحده.. وإنما هو كذلك
خطاب مَن نصّبوا بشار الأسد على
عرش سورية، ومَن لهم الأمر
والنهي والكلمة الأولى، ومَن
يَجنون من مواقعهم كل ثمرات
التسلّط والاستبداد والطغيان..
وأول أولئك هو (آصف شوكت)، صهر
بشار الأسد، والمتهم الأول
باغتيال الرئيس (رفيق الحريري)
رحمه الله !..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|