سياسة
للسيادة .. وسياسة للعبادة
عبد
الله القحطاني
أ-
السياسة في العصر الراهن هي أمّ
المَسائل ، لأنّ أكثرَ الدول
تحوّلت من دول
"حارِسَة " إلى دول "
تَدخليّة " على حدّ تعبير
فقهاء القانون الدستوري .
فالسلطة
الحاكمة اليوم – في أكثر الدول
– تمسِك بمفاتيح كلّ شيء في
الدولة : الاقتصاد – التربية –
الجيش – الثقافة ـ الصحة..
ب-
وبناء على هذا ، كثُر العاملون
في الحقل السياسي ، عَبر
الأحزاب ، والمنظّمات ، ومجالس
النوّاب ..وغيرها .
ج-
والساسة في عالمنا الإسلاميّ
عامّة – ومنه العالم العربيّ –
ينقسمون إلى فريقين كبيرين، كلّ
منهما يريد خدمة بلاده – حسبَما
يعلن من مبادىء وشعارات - :
الأول
: السياسيّ الوطنيّ : وهذا
العنوان يندرج تحته كلّ سياسيّ
غير إسلاميّ، أيّاً كان مذهبه ،
أو برنامجه السياسي . ويدخل تحت
هذا العنوان : القوميّ ،
واليساريّ ، والليبراليّ ..
وهمّ
هذا الفريق من الساسة ، تحقيق
السيادة لنفسه ، من خلال تحقيق
المصالح الوطنيّة ، لدولته
وشعبه ..
وقد
تتحقّق السيادة للسياسيّ ، في
استلام أعلى منصب في الدولة،أو
في منصب وزير،أو نائب ، أو موظّف
كبير في إحدى دوائر الدولة ..كلّ
حسبَ طموحِه، وقدرته، وظروفه ..!
ـ.
فإذا
لم يحقّق السياسي لنفسه هذا
المكسب ، غيّر طريقه باتجاه
الهدف ، فانضمّ إلى حزب جديد
غيرِ حزبِه – إذا كان حزبيّاً -
، أو شكّل لنفسه حزباً منافساً
لحزبه الذي انشقّ عنه ..
وفي
المحصّلة : لا بدّ أن تؤدّي –
خدمةُ الوطن- للسياسيّ الوطنيّ
مصلحةً خاصّة ..
وإلاّ
، فلمَ العمل في السياسة ،التي
ليس فيها سوى تضحيات، وتكاليف،
ووجع رأس ..!؟
وهذا
لا يمنع بالطبع ، من أن يكون بعض
هؤلاء الساسة، مِن ذوي المبادىء
والقيم الشخصيّة ، التي يعتزّون
بها . إلاّ أن هذه المبادئ
والقيم، غالباً ما تَعركها
السياسة فتَلين ، وتكتسِب
مرونةً تساعد صاحبَها على
تشكيلِها حسبَ الظروف
وتقلّباتها ..
نقول
: هذا يشمل الأغلبيّة الساحقة ،
من هذا الطراز من الساسة . وهناك
قلّة قليلة – وربّما
ندرة
– في كلّ بلد ، تظلّ مبادئُها هي
البوصلة التي توجّه حركتَها
باتجاه أهدافها الوطنيّة ، كما
تتصورها من خلال مبادئها وقيمها
.
الثاني
: السياسيّ الإسلاميّ : وهذا
يَعدّ العملَ في السياسة
تعبّداً للّه وتقرّباً إليه –
بحسَب الأصل - والمصلحةُ
الشخصيّة التي يريدها لنفسه من
العمل الوطنيّ ، ومن البرامج
التي يضعها ويسعى إلى تطبيقها،
لرفع شأن الوطن وتعزيز قوّته ..هذه
المصلحة إنّماهي الثواب الذي
يرجوه من الله سبحانه وتعالى في
الآخرة ، دون أن يَخلط بهذا
مصلحة دينويّة ماديّة ، ممّا
يتعلّق بمال ، أو منصب ، أو
سيادة ،أو زعامة ، أو وَجاهة ..
أو نحو ذلك .
ونعود فنذكّر بأنّ هذا هو
الأصل في السياسيّ الإسلاميّ –
ولا نقول : المسلم ، لأنّ كلمة
مسلم تشمل أصنافاً كثيرة من
البشر ، يدخل فيها البرّ
والفاجر ، وصاحب الفكر المنحرف
وصاحب السلوك الفاسد . ولا
يستطيع أحد إسقاط هذه الصفة "
المسلم " عن أحد يدّعيها
لنفسه، إلاّ
وفق معايير منضبطة دقيقة، يلتزم
بها القضاء الإسلاميّ العادل،
ويطبّقها على الناس، حسب
موازيين الشرع الإسلاميّ
وآلياته ..-
د-
فإذا حصل خلل في فكر السياسيّ
الإسلامي ، أو سلوكه .. فتبنّى
منهجاً منحرفاً عن الإسلام
انحرافاً بيّناً لا يقبل
التأويل .. أو سلَك مسلكاً
سيّئاً في عمله السياسيّ ،
لخدمة مصالح ماديّة له
ولمقرّبيه ، أو نحو ذلك .. كانت
إساءتُه بالغة ، لأنه يعكس صورة
السياسيّ الإسلاميّ – الذي هو
داعيَة يتقرّب إلى الله بعمله
الوطنيّ العامّ – أمامَ الناس
بطريقة بشعة ، تنفّر الناس من
الإسلام وأتباعه، وتعطي أعداءَ
الإسلام وخصومَه ، ذرائع وحججاً
لتشويه الإسلام نفسه ، إضافةً
إلى تشويه سمعة العمل الإسلاميّ
والجهاتِ التي تقوم عليه .
هـ-
أمّا السياسيّ غير الإسلاميّ ،
فقلّما يحدِث انحرافُه عن
السلوك القويم ، ضجّة مِن حوله ،
لأن الشائع والدارج هو هكذا –
بحسب الأصل – إلاّ في الحالات
النادرة التي أشرنا إليها من
قبل إذ ما أسهلَ أن يستشهد أحد
الفصحاء ، إزاءَ زلّة يرتكبها
أحد الساسة، بقول المسيح عليه
السلام : " من كان منكم بلا
خطيئة فليرمِها بحجر " . ولا
ينسحب هذا القول على السياسيّ
المسلم ، الذي يَتوقّع منه
الناس البراءةَ التامّة
والنقاء الكامل ، فإذا لَوّث
فِكرَه أو نفسَه، بوحل المادّة،
مستغِلاّ في ذلك عملَه السياسيّ
، تَهاوت عليه الأحجار الضخمة
القاتلة، حتّى من أشدّ الناس
فساداً وفسوقاً ومروقاً ..!
و-
نصل من هذا كلّه، إلى صعوبة
العمل السياسيّ الإسلاميّ ، وسط
الأمواج الهائلة ، من الفساد
والانحراف . وننصح مَن يُبتلى
بشيء من هذا العمل ، أن يَعتصم
بحبل الله المتين ، وأن يراقب
قولَه وسلوكه مراقبةً شديدة ،
وألاّ يعطي أعداءَ الإسلام
وخصومه ، ذريعةً ينالون بها من
الإسلام وأنصاره ، وهو الذي هبّ
للعمل السياسيّ الإسلاميّ،
خدمةً للإسلام وتقرّباً إلى
الله ..
إلاّ
إذا كان منافقاً يتستّر
بالإسلام ، وهذا نعوذ بالله منه
ومن عمله ..!
وكيلا
يظنّ ظانّ أنّنا هنا نعطي درساً
وعظيّا، أو أنّنا نزهو على
الناس، بما أكرَمنا الله به، من
الالتزام بشريعته، والاقتداء
بنبيّه الكريم ،صاحب الخلق
العظيم، فإنّنا نحضّ شركاءنا في
العمل الوطنيّ ، سواء أكانوا
حلفاءً لنا، أم خصوماً، على أن
ينبّهوا كلّ إسلاميّ، من
العاملين معهم في الحقل
السياسيّ ، إلى زلّته إذا زلّ ،
وإلى انحرافه عن المنهج الذي
التزم به، إذا انحرف عن هذا
المنهج في قول أو سلوك .وإذا لم
يجدِ فيه التنبيه ـ ولا نقول:
النصح، فهذا لايأتي إلا مِن ذي
مودّة ـ فعندئذ يباح لهم الطعن
بهذا الشخص، وبالتنظيم الذي
ينتمي إليه، إذا لم يَردعه عن
خطئه أو يحاسبه عليه.( ونذكّر
بأنّ الطعن لايكون عند العقلاء
، إلاّ حين الإصرار على الخطأ.
أمّا الخطأ نفسه ، فيكفي فيه
التنبيه ، أو التذكير، لأنّ
البشر جميعاً،عرضة للوقوع فيه.
وقد قال نبّينا محمّد عليه
الصلاة والسلام : كلّ ابن آدمَ
خطاّء، وخير الخطّائين
التوّابون) .أمّا التشكيك في
نيّات الإسلاميّين ابتداءً ،
واتّهامُهم برفع شعارات
يتستّرون بها ـ
كالديموقراطيّة، والحريّة ،
وحقوق الإنسان ـ ليَصلوا تَحتها
إلى السلطة، ثمّ يَضربوا بها
عرضَ الحائط، أمّا هذا كلّه،
فضَرب من العبَث، الذي تأباه
شيَم الرجال ..!
ولابدّ
من التأكيد هنا، بأنّ مانلتزم
به، نحن الإسلاميّين، لانلزِم
به أحداً غيرَنا، وأنّ كلّ
شاذّ، أو منحرف ،أو سفيه، في
صفّنا، هو حجّة علينا، حتّى
نطهّرصفّنا منه. أمّا الآخرون
فلا نلزِمهم إلاّ بما يلزِمون
أنفسَهم به. والمشترَك بيننا
وبينهم ، في إطار العمل الوطنيّ
، هو مانتّـفق معهم عليه..(ولكلّ
وجهَةٌ هوَ مُولّيها..).
إنّ
الفرقاء السياسيّين في الوطن
الواحد، كلّهم يتغنّون بليلى
واحدة ، هي الوطن ذاته. أمّا على
مستوى المصالح الفرديّة ،
الكامنة وراء خدمةِ كلّ منهم
للوطن ، فلكلّ ليلاه..! وما أجملَ
ماقال الشاعر:
كلّ
يغنّي على لَيلاه.. متّخِذاً
لَيلى مِن
الرِيمِ ،أو لَيلى مِن البَشَرِ
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|