الليرة
السورية تترنح
الباحث
الاقتصادي : هيكل هاني غريب
نصيحة لوجه الله
نقدمها للقائمين
على إدارة الأقتصاد الوطني
السوري أن يتركوا السياسة
جانباً في أحاديثهم عن تطورات
الأوضاع الأقتصادية في الوقت
الراهن، بينما سوريه والنظام
السياسي فيها يتعرضان لضغوط
خارجية تستهدف أولاً و أخراً
إمكانيات البلاد و ثرواتها و
مؤسساتها الأقتصادية قبل
أستهدافها مؤسسات النظام و
الأدوات السياسية الحاكمة.
في أخر ندوة
ابرزتها وسائل الأعلام تحدث
فيها محافظ البنك المركزي و
المسؤولين الماليين السوريين
عن وضع الليرة السورية و أسباب
تدني سعرها في الوقت الراهن،
لقد جاء حديثهم مراً و علقماً
بعيداً عن التحليل الصائب للوضع
النقدي للعملة الوطنية.
تحدثوا في السياسة
أكثر مما تحدثوا بالأفتصاد، و
تحدثوا عن أنتصارات النظام
الباهرة في شتى الميادين
بدلاً من أن يتحدثوا عن
الأسباب الجوهرية لتراجع سعر
العملة الوطنية امام العملات
الأجنبية، بل فسروا الماء بعد
الجهد بالماء، و كأن هناك في
البلاد من لا يزال يحن الى سياسة
التبرير و يحن للعودة إليها
فيبرر الهزيمة بالأنتصار، و
يفسر سياسة القمع و الأضطهاد
التي تمارس ضد خصوم الرأي وجهة
نظر.
و على كل كنا نتمنى
أن يساق حديث هؤلاء الجهابذة
الى الأسباب الحقيقية لإنحدار
سعر الليرة السورية، أو لم يخرج
علينا أحدهم بتوضيح الصورة
القاتمة للنتائج السلبية لأي
أنخفاض في القيمة الشرائية
للعملة و مردوداته التي لا تسر
احد، أو التأثيرات الجانبية على
أسعار السلع و الخدمات مع
أنفلات عقال غول التضخم الذي
يأكل الأخضر مع اليابس ؟
فالجميع يعلم، ان
سعر الليرة أنخفض مقابل الدولار
منذ بداية العام الحالي حتى
الآن من 50 ليرة للدولار الى 57
ليرة و في السوق السوداء 59 ليرة
أي ما يعادل (10)% و ان مؤشر
الأنخفاض مستمر، و يزداد القلق
عندما يتحدث المراقبون للوضع في
سوريه أن أنخفاض العملة الوطنية
قد يصل الى مستوى مخيف بحيث يصبح
مشكلة وطنية يصعب حلها.
الأخطر من ذلك، أن
إنفلات الوضع المالي و تدهور
القيمة الحقيقية للقوة
الشرائية للعملة السورية قد
يؤدي الى تخبط متزايد في
السياسة المالية للدولة بحيث من
الممكن ان تلجأ الدولة الى
تعويم العملة و تترك أقيامها في
مهب الرياح تتقاذفها كيفما
تشاء، و تخضع في أسوء
الأحوال لقوانين العرض
والطلب، و هنا الطامة الكبرى
كما يقال بحيث ان من الطبيعي
لهذا المقام ان يلجأ أصحاب
الدخول العالية
الى شراء العملات القوية لحماية
القوة الشرائية لهذه الدخول، و
تصبح عملتنا الوطنية عملة
منبوذة لا قيمة لها حسب قانون (غريشام)
الشهير "العملة الرديئة تطرد
العملة الجيدة من التداول..." .
أن القائمين على
الادارة المالية في البلاد لم
يحسبوا لهذه النتائج و
المردودات السلبية لإنخفاض
قيمة العملة السورية أي حساب و
هو الأمر البارز من خلال
الأحاديث التي أستمعنا مع غيرنا
اليها لأكثر من مرة خلال الفترة
القليلة الماضية، فقد أنصبت
الأحاديث بمعظمها حول طمانة
المستثمرين مع المواطنين على
متانة الأقتصاد الوطني و قوة
العملة السورية و كأن الأمور
محصورة فقط في هذا الشان، أو أن
هناك محاولة للتعمية لإغراض
سياسية، بينما واقع الحال هو
امر أخر.
و الأدهى من ذلك، أن
محافظ البنك المركزي في سوريه
تطرق في عبارة واحدة لا غيرها
الى التضخم كوباء يعاني منه
الأقتصاد السوري كما تعاني منه
بلدان أخرى، و كأن المسؤول
السوري يريد أن يقول سلفاً أن
تدهور القوة الشرائية للعملة
الوطنية سببه هو هذا التضخم،
والتضخم المستورد منه بشكل خاص.
ان السلطات السوريه
المالية في سوريه حينما أغفلت
هذا الموضع في برامجها كان الكل
يعلم ان أقتصاديات أوربا و
الولايات المتحدة و الدول
الصناعية الأخرى تتعرض لموجات
تضخمية عاتية، و انه لا أمل لبلد
نامِ يرغب في ترك ابوابه مفتوحه
على مصراعيها، وان يتلافى في
نفس الوقت أستيراد هذا
التضخم و يعمل على أستيعابه
على المستوى المحلي.
و ما تشير اليه
النظريات الأقتصادية كافة هو ان
الدول النامية عليها ان تعمل
بقوة على الحد من نزوح هذه
الأثار اليها و ذلك عن طريق
اتخطيط السليم لأنتاجها و
التحكم في صادراتها و وارداتها
و السعي بمسؤولية عالية
للمحافظة على مواردها الطبيعية
و على دخول المواطنين و رفع
القوة الشرائية للعملة الوطنية.
و لنكن أكثر
تحديداً في هذا الجانب لنقول أن
التضخم في سوريه الان يرجع الى
مجموعة من العوامل يأتي في
مقدمتها هذا العجز المستمر في
الموازنة العامة للدولة و تمويل
هذا العجز عن طريق الأصدار
النقدي بدون تغطية، أي الأقتراض
من الجهاز المصرفي المحلي، و
تشير الأرقام الى إرتفاع جملة
السيولة المحلية من الليرات
التي تستمد قوتها من المشروع و
ليس من وجود غطاء نقدي من
العملات الأجنبية او الذهب، فقد
وصلت مبالغ السيولة الى ما يزيد
عن (800) مليار ليرة سورية، و يعني
هذا ان معدل التوسع النقدي قد
تجاوز الحدود الملائمة
للأقتصاد السوري، و لمستوى
الدخل المحدود للمواطنين و
القوة الشرائية للعملة، كما أنه
يفوق معدل النمو الحقيقي في
الناتج المحلي الأجمالي.
وهكذا يتضح ان
سياسة التضخم التي تنتهجها
الحكومات المتعاقبة في سوريه،
أي التمويل بالعجز أنما تعكس
خياراً أجتماعياً معيناً و
ثابتاً لجهات الحكم و هو ما
أصطلح عليه "بالخيار الطفيلي"
الذي رسمته لنفسها و حددته و
أنتهجته الطبقة الطفيلية
المتنفذة التي أصبحت تتحكم
برقاب العباد بدون رحمة.
ان الخوف الذي
يساور أبناء سوريه نتيجة لهذا
الأنخفاض المتزايد في سعر
الليرة و تدني قوتها الشرائية و
أرتفاع الطلب على العملات
القوية .. هذا الخوف ناتج من حجم
المشكلة الأقتصادية برمتها، و
من مصاعب الحياة التيي تزداد
هولاً، لذلك كله، اليس من حقنا
دعوة القائمين على إدارة الشؤون
المالية للبلاد ان يكفوا تماماً
عن الحديث في السياسة، و ان تكون
مطالعاتهم عن الوضع الأقتصادي
أو العملة السورية دون تغليف او
دوران، و أن يدخلوا مباشرة لب
المشكلة أحتراماً على الأقل
لمشاعر الناس، كل الناس، في
سوريه .... !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|