معارضون
.. يعارضون المعارضة
ومعارضةُ
الاستبداد والفساد أَولى وأجدى
عبد
الله القحطاني
أ ـ منذ صدرَ إعلان
دمشق ، وأصوات معيّنة تنطلق من
هنا وهناك ، تنتـقده وتفنّد
ماجاء به ـ كلّه أو جلّه ـ بل
وتَغمز منه بأساليب شتّى.. كلّ
يَغمز بالأسلوب الذي يجيده،
وبعضها يغمز بأساليب لايجيدها!
وكلّ من هذه الأصوات يَعد نفسه
معارضاً ! أمّا أصوات السلطة
وعملائها فخارجةعن سياقنا هذا
..!
ب ـ
ولدَى تمحيص الأصوات وما
صدرَعنها حتّى الآن ، يكتشف
المحلّل الموضوعيّ أموراً
أساسيّة محدّدة.. مِن أهمّها:
*بعض هذه الأصوات
مرتبط بالنظام الحاكم ، خاضع
لتوجيهات أجهزته الأمنيّة
والإعلاميّة في السر، ويتظاهر
في العلن بأنّه معارض ـ
وأحياناً معارض صلب عنيد ـ !
* وبعض الأصوات
المعارضة تدّعي الحرص على قوّة
المعارضة أو تماسكها،أو نَقاء
صورتها ..غافلةً – أو متغافلة –
عن أنّ هذا النوع من الحرص ،
إنّما يعبَّر عنه من خلال
العلاقة الخاصّة بالحهة
المعنيّة ..أي داخل البيت الواحد
،عبرالنصح الهادىء والتوجيه
المناسب ، ولا يعبَّر عنه
بأسلوب القدح والتشهير ..!
* وبعض هذه الأصوات
، تنتقد فصيلاً معيّناً من
فصائل المعارضة ، لأسباب "
أيديولوجيّة " ، أو مشاعر (
ثأريّة ) ، أو مخاوف متَوهَّمة ..!
* وبعضها يحسّ
بالتهميش وانعدام الوزن ،
فيَصبّ شآبيب سخطه على الآخرين
، ليلفت أنظارهم إليه ، ويحظى
باهتمام بعضِ أقلامهم ، ولو
بصورة سلبيّة توضح هَوانَ شأنِه
، محقّقاً بنفسه على نفسه ، دون
أن يدري ، قول المتنبّي :
صَغُرتَ عن المديحِ فقلتَ:
أُهْجَى
كأنّك ما صَغُرتَ عن
الهجاءِ
* وبعضها يبحث عن
موضوع لمقالته اليوميّة في
زاويته أو عموده ، في الجريدة
التي يكتب فيها ، فلا يجدْ سوى
هذا الموضوع الدسم " اعلان
دمشق " ، فيسلّط الضوء كلّ يوم
على فكرة – ممّا له علاقة
بالإعلان وموقّعيه – ، يدير
حولها حديثاً يؤدّي به واجبَه
اليوميّ الذي يكسب منه لقمة
عيشه ..! دون أن يسأل نفسه عمّا
يريد بالضبط ، ودون أن يتبيّن
مواطن الخطأ والصواب في كلامه ،
أو مواقعَ كلامه في عقول الناس
وقلوبهم ، وميادين عملهم..!
* وبعضها أدمَن
السبّ والقدح والغمز واللمز ،
لأمراض أو عاهات نفسيّة كامنة
في أعماقه ، لا يستطيع التخلّص
منها ، ولا يستطيع التخفيف من
آلامها ، إلاّ بصبّ الشتائم
والنقدات اللاذعة ، على رؤوس
عباد الله ، ولاسيما الذين
شَغلوا أنفسهم بالجد والعمل ،
فلم يعودوا يجدون لديهم متّسعا
للثرثرة واللغو والجدل..!
ج- وإذا كان مِن عتب
يوجّه إلى أحد من هؤلاء جميعاً ،
فإنّ العتب يوجّه إلى المعارضين
العقلاء الشرفاء – غيرِ
المرتزقة والمرضَى النفسيّين -
..! لأنّ هؤلاء العقلاء الشرفاء
من المعارضين ، يدركون جيّداً ،
ما معنى أن يكون المرء معارضاً
سياسيّاً ، صاحبَ رأي، ومؤمناً
بقضيّة جادّة شريفة خطيرة ، في
وطن تستبيحه شراذم من اللصوص
والأفّاقين ، تخرّب البلاد
وتذلّ العباد ، وتبيع الأوطان
بالمناصب والأموال الحرام ..!
وهؤلاء العقلاء
الشرفاء من المعارضين، هم
وحدَهم بين الأصناف المذكورة ،
الذين يدركون معنى العمل
السياسيّ الجادّ الفاعل ،
وضروراتِه ومقتضياتِه .. ومعنى
الحساب السياسيّ الدقيق العميق
، وموازناتِه ومعادلاتِه ..
ويدركون كيف تَقوى معارضة
الأنظمة المستبدّة ، وبمَ تَقوى
، وكيف تَضعف المعارضة وما الذي
يضعفها ، في كلّ مرحلة من مراحل
عملها ، وفي كلّ موقف من مواقفها
..
هؤلاء المعارضون
العقلاء الشرفاء ، هم وحدَهم
الذين يمكن أن يوجّه إليهم عتب ،
أو لوم ،أو نصح ، فيقال لهم : ما
هكذا ياقوم تكون المعارضة .. أو(
ما هكذا ياسعد تورَد الإبل ) !
إنَّ المعارضات السوريّة
الراهنة كلّها ، أفراداً
وجماعات ، لا تملك في مواجهة
القوّة الغاشمة التي تحكم
بلادنا بالحديد والنار ، سوى
أقلامها . فإذا شُغِلت هذه
الأقلام ، بعضُها ببعض ، فماذا
يبقى !؟ وهل ثمّة عمل للطاغية
المستبدّ ، أمتع وأجمل من أن
يِشغل خصومَه بعضَهم ببعض ،
ويجلس في قصره يتأملهم بنشوة
وهدوء ، وقد ذهلوا عنه، وعن
طغيانه وفساده وإجرامه ، بما
يقوله هذا الفريق منهم عن ذاك ،
أو هذا الشخص ضدّ ذاك ..!
وسبحان القائل : "
ومَن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتيَ
خيراً كثيراً " .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|