الشرق
وحمى
انفلونزا الانتخابات
بقلم
: محمد علي شاهين
يسجنون أبناء شعبهم
بالآلاف، ويعرّضوهم لأعتى
أنواع التعذيب ثم يطلقونهم
بالعشرات في كل مناسبة وطنيّة
أو قوميّة اخترعوها لتتحدّث
الصحف الصفراء عن قلبهم الرحيم
وأياديهم البيضاء، وتنهال
عليهم كلمات الثناء .
يخطفون
الدبلوماسيين الأجانب والسوّاح
في ظلام المدن المضطربة، فيمنون
على الدنيا بمساعيهم الحميدة
لفك أسر هؤلاء المساكين،
ويتلقون البرقيات والتهاني على
أعلى المستويات.
يرفعون شعار
الحريّة ولكنّهم يحرصون على منح
شعوبهم الحريّة بالقطارة،
لأنّهم يخشون عليها من الانبهار
بنور الحريّة، وقد فات شعوب
الشرق أنّ الحريّة تؤخذ ولا
تعطى .
يدّعون كلّما
انتقدوا في الغرب أنّهم بديل
الفوضى، وأنّ الشعوب الشرقيّة
لا تفهم معنى الحريّة، ولا تقاد
إلاّ بالاستبداد، ولا تروّض إلا
بالعصا، وأنّها تزداد عشقاً
لحاكميها كلّما تعسّفوا
واستبدّوا .
ولا يسأمون أن
يدّعوا بأنّ دولهم جنّة حقوق
الإنسان في دنيا المعذّبين،
ومهد منظمات المجتمع المدني،
ومرتع التعديّة الحزبيّة،
والبرلمانات المنتخبة
ديمقراطيّاً، وأن قوى المعارضة
تتمتّع بهامش من الحريّات
تحسدها عليه شعوب أوروبا .
وكل ما تراه من
أحزاب حاكمة صنعتها سطوة
الانقلاب العسكري، أو سلطة
الانتداب الأجنبي، ومن أحزاب
صغيرة صديقة منشقّة عن الأحزاب
الوطنيّة صنعت على أعين
الحكومات، لا تتمتّع بالشرعيّة
ولا بالمصداقيّة ولا تتصف
بالجرأة ولا تجرؤ على نقد
الممارسات الخاطئة وفضح الفساد
المستشري، وآخرون مردوا على
النفاق يدّعون الاستقلال وهم
تبع وأذناب، ما هي إلا مسرحيّة
تحركها يد الدكتاتوريّة
الخرقاء .
وإذا قرّر أحد
الأنظمة إجراء انتخابات
برلمانيّة حدّد شروط اللعبة
الانتخابيّة، وصاغها على هواه،
واختار توقيتها، ورتّب قوائمها
بشكل يضمن له السيطرة على
الهيئة التشريعيّة التي تمرّر
ما يحلو له من قوانين وصفقات .
وبلغ من جرأة بعض
الأنظمة أن تلغي نتائج الانتخاب
إذا لم تضمن لها السيطرة على
المجالس التشريعيّة كما حدث في
الجزائر، حتى ولو بلغت كلفة مثل
هذا القرار أرواح مئات الألوف
من أبناء الشعب موافقين
ومعارضين .
وإذا ما جرت
انتخابات تشريعيّة فجداول
الناخبين غير منضبطة تحتوي على
أخطاء كثيرة تمكّن الآلاف ممن
لا يحق لهم التصويت كالذين لا
يقيمون في الدائرة الانتخابية،
أو من الأموات والمسافرين من
الإدلاء بأصواتهم .
وابتكروا لتمزيق
لحمة المجتمع تقسيم المرشّحين
إلى فئات وعمّال وفلاحين
وأقليّات ومنحوا كوتات خاصّة
على هواهم، وقسّموا الدوائر
الانتخابيّة على أسس تفتقد
العدالة والموضوعيّة، وأعطوا
لأنفسهم الحق بتعيين عدد من
النوّاب في المجلس التشريعي
ليضمنوا رجحان حزب الحكومة على
ما سواه .
أمّا الجهات
الموكول إليها تطبيق النظام
وحفظه في الدوائر الانتخابيّة
فقد وقفت عاجزة عن انتهاك
القانون، ووضع حد لظاهرة الرشوى
العلنيّة و(الورقة الدوّارة)
ولم تحتجّ على استخدام سيّارات
القطاع العام في نقل الناخبين
إلى مراكز الاقتراع .
واستخدمت أجهزة
الإعلام التي يدفع المواطن من
جيبه نفقاتها للتأثير على
الناخبين والدعاية لمرشحي
القائمة الحكوميّة، وكأنّها
ملك لحزب الدولة، وجرى الضغط
على الناخبين وتهديدهم في القرى
والأرياف .
ووسط أعمال العنف
اليوميّة (البلطجيّة) وتحت
فوهات البنادق والمسدسات،
روّعت الحكومات الاستبداديّة
أحزاب المعارضة قبل التصويت،
وألقي القبض على عدد من رموز
المعارضة عشيّة الانتخابات كما
حدث في أذربيجان وغيرها، وداهمت
قوى الأمن مراكز الأحزاب وغابت
العدالة عن عمليّة التصويت،
وادّعى المراقبون وقوع تلاعب
انتخابي مفضوح.
وبدّلت الصناديق
أثناء نقلها، وجرى فرز الصناديق
في غياب مندوبي المرشّحين،
والقضاة المستقلين، ولم تعلن
نتائج الانتخابات إلاّ في الوقت
الذي تراه الجهة المنحازة
للسلطة مناسباً .
هذه الحالة المزرية
أصبحت مكشوفة، تنطبق على معظم
دول المنطقة، ولا يخجل ممارسوها
من تكريسها كحالة دائمة ميؤوس
منها، والاعتراف بأنّها
انتخابات مضلّلة أو مزيّفة.
حتى ولو انتقدتها
منظمات المجتمع المدني،
ومنظمات حقوق الإنسان، ووصفتها
بالمهزلة، وأكّدت مخالفتها لما
التزمت به الحكومات من عدالة و
شفافيّة .
صورة قاتمة مرسومة
بلون الدم رسمتها يد القهر
والاستبداد في بلدان الشرق
تغنيك عما يجري من تزييف
للحقيقة، ودجل سياسي مكشوف،
ونهب للثروة والمال العام،
واحتكار للسلطة .
ففي الشرق انتخابات
تنتقل جرثومة تزويرها من بلد
إلى آخر كالوباء، وصدامات مع
قوى الأمن بعد كلّ انتخابات
واحتجاجات ترتفع أصواتها وترفع
أعلامها البنفسجيّة تارة
وراياتها البرتقاليّة تارة
أخرى، ثم تختفي مثل انفلونزا
الطيور .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|