ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 11/06/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مجـزرة 

طريق سـريحين

خالد الأحمد*

يقول فلاسفة التاريخ : الهدف من دراسة التاريخ ليس اجترار الآلام ، ونبش الماضي بروائحه المتعفنة ، وإنما هو أخذ العبرة من الماضي ، لنستفيد منها في الحاضر ، وعندما أتحدث عن المذابح الجماعية التي مارسها نظام حافظ الأسـد في سوريا ، لا أقصد منها سوى أن نعتبر من الماضي المؤلم ، وأن نتخذ كافة الاجراءات والاحتياطات كي لايعود هذا الماضي ، ونجتث الأسباب المؤدية لهذا الماضي المروع من جذورها ، وأهم تلك الجذور الحكم الفردي الديكتاتوري ، الذي استخدم الجيش ( جيش الشعب ) كما قالوا عنه ، استخدم جيش الشعب ليقتل الشعب بدلاً من أن يحميه ، يقتل الشعب بالأموال التي حرم الشعب أطفاله من كفايته من الخبز والطعام والماء والكهرباء .... واشترى أسلحة لجيش الشعب كي يحميه من إسرائيل ، وكي يحرر الجولان الذي تحتله إسرائيل منذ عام (1967م) ، وإذ بهذا الجيش يقتل بها الشعب نفسـه . وكي لانظلم الجيش فقد فرغ هذا الجيش من الشرفاء المخلصين الذين تطوعوا فيه لتحرير الجولان ، وأبعدوا عن مفاصل القرار في الجيش ، وكدسوا في [ الأركان ] ينتظرون إحالتهم إلى التقاعد بعد رتبة العميد ، أو كدسـوا في الشؤون الإدارية والصحية للقوات المسلحة ، كما سجن الكثير منهم ، وأعرف ضابطاً منهم لايهمه في الحياة سوى اتقان السلاح الذي يعمل فيه ، وهو الدبابات ، وكان متفوقاً في ميدان عمله ، لذلك أسندت له مهمة مدرب مادة التكتيك في دورة ضباط كذا ، وقد أبلى بلاء حسناً في عام (1973م) وكان قائد سرية دبابات ، وفيما بعد وفي عام (1981) تقريبا اعتقل ووضع في السجن حوالي أحد عشر عاماً ، ثم يفرج عنه ويحال إلى التقاعد .

أو نقلوا إلى الوزارات المدنية ، ليتسلموا أمين مستودع الأخشاب في مؤسسة كذا ... وغيرها . وترك في قيادات الجيش أزلام حافظ الأسد ، الذين باعوا ضمائرهم للدولار الذي أغدقه عليهم حافظ الأسد ، من أموال الشعب ، ومن عائدات النفط التي لم تكن تدخل الخزينة العامة للدولة ، ومن ملايين الدولارات التي كان يحصل عليها من الدول العربية ، ليبقى صامداً أمام إسرائيل .

 

في عام 1982م كانت مجزرة حمـاة الكبرى ، التي خطط لها نظام الأقلية في سوريا منذ عدة سنوات ، فقد نقل عن حافظ الأسـد قولـه في أحد مؤتمرات الحزب : ( ... أما الإخوان المسلمون فلاينفع معهم إلا التصفية الجسدية ) ، كما نقل عن شقيقه وساعده الأيمن في الحكم يومذاك رفعت الأسـد قولـه : ( .. سأجعل المؤرخين يكتبون : كانت هنا مدينة تسمى حماة ..) ...

وهذا الغضب والحقد على حماة سـببه أن هذه المدينة محافظة على دينها ، ترك فيها الشيخ محمد الحامد يرحمه الله ، وتلامذته أثراً طيباً في الالتزام بالإسلام ، والسلوك الإسلامي للرجال والنسـاء ، وقد كانت الفتيـات تخشـى أن تخرج سـافرة في الشـارع الحموي ، لأن الرجال في الشـارع سوف يكلمون والدها حالاً ، ينصحونه فإن لم يستجب وبخـــوه ، وكانت أي فتـاة يـزين لها الشيطان أن تخرج سـافرة تخاف إن شاهدها الشيخ محمد الحامد يرحمه الله الذي سيكلم والدها في الحال ، وكانت مساجد المدينة تعـج بدروس العلماء ، يحضرها الطلاب والشباب والكبار ، وتوجد دروس خاصة للنساء .

كل ذلك جعل حمـاة مدينة محافظـة على إسلامها ، لاتقبل أن تعيش السافرات المتبرجات بين أهلها ، ولاتقبل أن يسـكن فيها الفاسدون المفسدون المتحللون من دينهـم  ، ولهذا السبب كانت مدن سـوريا تعج بهجرة الريـف إليها ، ويشكل أهالي الريف أحياء بكاملها في حمص ودمشق خاصة ، أما حماة فكانت هجرة الريف لهـا محدودة جداً لهذا السبب ، وكانت مقصورة على فئات معينة من المواطنين ، وفئات أخرى يستحيل عليها العيش في حماة ، لأن الشـارع الحموي لايقبل فيـه مثل ذلك السلوك الذي تسلكه تلك الفئات .

وهذه البيئـة المحافظـة كانت مركزاً للإخوان المسلمين ، وقبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على مستوى سوريا عام (1945م) ، عندما اتحدت خمس جمعيات دينيـة من شـتى مـدن سوريا على يـد الشيخ مصطفى السباعي لتكون جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، قبل عام (1945م)كانت في حماة جمعية اسمها ( جمعية الإخوان المسلمين ) ، شكلت بمعرفة الشيخ محمد الحامد يرحمه الله الذي عرف الإمام حسن البنـا في مصـر ، وكان زميلاً للشيخ مصطفى السباعي يرحمهم الله جميعاً . وخلال الخمسينات والستينات نمت جماعة الإخوان المسلمين في حماة ، وبـرز في مدينة حمـاة بضع دعـاة قـادة منهم الشيخ سعيد حـوى يرحمه الله وغيره ، وكانوا من المدرسين فكان لهم أثر طيب في الشباب والبنات .

لهذه الأسباب وغيرها صارتدمير حماة هـدفـاً استراتيجياً عند نظام الأقلية الذي قاده حافظ وشقيقه رفعت . وقد تعهدوا للصهيونية العالمية بتدمير الحركة الإسلامية ، واجتثاثها من الجذور ، كما صرح حافظ الأسد نفسه  عام (1973م) بعد أن اعتقلت السلطة عدداً من مدرسي مدينة حماة ، وذهب وفد يرأسه الشيخ الشقفة يرحمه الله ( وهو ليس من تنظيم الإخوان ) ، ليشفع لهم عند الرئيس حافظ الأسد الذي واجه الوفد بغضب وقال : لأقطعن اليد التي لم يستطع عبدالناصر أن يقطعها .

      ومنذ الستينات صاروا يخططون لتدمير هذه المدينة ، كما ظهر واضحاً في مجزرة حماة الكبرى عام (1982) . 

قـريـة سـريحيـن :

تقع قرية سريحين شرق مدينة حماة على بعد خمسة كيلو مترات فقط ، وفي منتصف هذا الطريق وقعت واحدة من أبشع مجازر حماة الجماعية ، التي لم تعرف التفصيلات الكثيرة عنها ، لأن القتل الجماعي استحر فيها ، وما نجا إلا قليلون كأصابع اليد ، قدر لهم أن يكونوا شهادة حية على ذبح أناس ملأوا إحدى عشرة شاحنة طوتهم الأرض الطهور في طريق سريحين ، يقول ( أبو حيان الحموي ) أحد الناجين من إحدى هذه المجازر :

كنت ضمن أعداد كبيرة ملأت إحدى عشرة شاحنة بازدحام شديد ، كدسنا فيها كالغنم ، حتى كادت تتقطع أنفاسنا ، وسيق بنا إلى سـريحين ، حيث أمرنا بالنزول فنزلنا ، وكان أول مارأينا مناظر تشيب لها الولدان ، مئات الأحذية المتناثرة على الأرض ، وأدرك الجميع أنها تعني مقتل مئات المواطنين من أبناء بلدتنا ، وأننا على الموت مقبلون .

فتشنا بعد ذلك ، وأخذت منا الأموال التي معنا ، وجردنا من ساعاتنا ، ثم أمرتنا عناصر السلطة بالتقدم نحو الخندق العميق الذي يمتد أمامنا إلى مسافة طويلة ، وأمر قـسم منا بالنزول إلى خندق مجاور ، وعرفنا الهدف وهو أن نموت في أسفل الخندق فتطمرنا الجرافات بالتراب ، وبعضنا بين الحياة والموت .

وعندما تقدمت إلى موقعي أمام الخندق ، رأيت الجثث المتراكمة على بعضها البعض ، يلطخها الدم الحار ، وكان مشهداً رهيباً لم أستطع تحمله فأغمضت عيني ، وتحاملت على نفسي خشية الوقوع على الأرض ، وانطلق لساني يردد سراً في قلبي شهادة أن لاإله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وصرت أتذكر بعض آيات من كتاب الله عزوجل أصبر بها نفسي .

وحدث ماكان متوقعاً ، انهال الرصاص الغزير علينا ، وهوى الجميع إلى الخنادق مضرجين بدمائهم ، أما القسم الذي أنزل إلى الخنادق فقد أطلقت عليهم النار داخله .

ويضيف الراوي أبو حيان الحموي الذي نجا بقدر الله :

كانت إصاباتي خفيفة ، ومن نعم الله عليّ أنهم لم يطمرونا بالتراب حالاً ، بل ذهبوا مسرعين ، لمهمة جديدة ، وتركونا نلفظ أنفاسنا في الأخدود ،  وقدر الله لي أن أنجو بأن صبرت حتى خلا المكان من الجزارين ، وهربت متحاملاً على جراحي وأنقذني الله من ذلك المصير ، حيث يموت الجريح تحت الجثث الأخرى .

وبمعالجات بلدية ، قدر الله لي الشـفاء ، ولم أجرؤ على مراجعة المستشفى للعلاج ، لأن أزلام السلطة هناك يجهزون على كل من يتقدم ويطلب العلاج من المستشفى . كما فعلوا بالأستاذ فائز عاجوقة يرحمه الله ، الذي أصيب بعدة طلقات في مذبحة جنوب الملعب البلدي ، ولما أسعف إلأى المشفى الوطني للعلاج ، أجهز عليه هناك ، وقيل بقرت بطنه وأخرجت كبده يرحمه الله .

وقدر الله لي أن أعيش لاأرتجف كلما سمعت اسم سريحين ، ومازلت أصـر أن أتجنب المرور من ذلك الطريق ، لأنني أتصور أنني سيغمى عليّ لو مررت من ذلك المكان الذي شاهدت فيه الجثث ينزف منها الدم الحار في قاع الخندق .

وقد عرف من أسماء الشهداء في هذه المجزرة :

الشهيد ممدوح الوتار – الشهيد محمد علواني – الشهيد معن علواني – الشهيد محمد حلاق – الشهيد منير عدي – الشهيد عدنان زوزا – الشهيد عبد الغني ترو – الشهيد جبار عبد الغني ترو – الشهيد عبد الله خالد عدي – الشهيد منذ عثمان المصري . وكثيرون غيرهم . يرحمهم الله تعالى .

*كاتب سوري يعيش في المنفى

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ