قلعة
النظام السوري ستنهار ....
مع
أول درجات سلم التغيير
الطاهر
إبراهيم*
تابع
العالم العربي كله بشغف
"سيناريو" الانتخابات
المصرية التي جرت على ثلاث
مراحل ، وكان أكثر ما لفت
الانتباه محاولة بعض المواطنين
المصريين التواقين لممارسة
حقهم في التعبير عن اختيارهم،
هو صعودهم فوق السلالم والدخول
من النوافذ للإدلاء بأصواتهم
بعد أن حالت صفوف الشرطة من
دخولهم عن طريق باب غرف
الاقتراع.
وقد
نشرت جريدة "الوفد"
المصرية في 8 ديسمبر الجاري خبرا
مقتضبا جاء فيه : ( كشف "مركز
سواسية لحقوق الإنسان" قيام
الشرطة بمصادرة السلالم
الخشبية التي يستخدمها
الناخبون في تسلق الأسوار
الخلفية للجان بكفر الشيخ. كان
الناخبون قد لجأوا لاستخدام
السلالم الخشبية في الجولة
الأولى من المرحلة الثالثة
للانتخابات البرلمانية لعبور
الاسوار بعد قيام قوات الأمن
بإغلاق أبواب اللجان لمنع أنصار
"الإخوان المسلمين" من
الإدلاء بأصواتهم.) ... انتهى
الاقتباس.
هذا
الخبر المقتضب أعلاه، يلقي
بغمامة قاتمة على صناديق
الاقتراع الشفافة التي وضع فيها
الناخبون المصريون أوراقهم، ما
يجعل المراقب يتردد كثيرا قبل
أن يصف تلك الانتخابات بالنزاهة
.
هناك
أكثر من علامة استفهام حول سبب
إحجام وزير الداخلية عن كبح
"الفتوات" الذين استأجرهم
بعضُ مرشحي الحزب الوطني أو بعض
المرشحين المنشقين عن هذا
الحزب، فأساءوا إلى مصر وشعبها،
أمام عدسات المصورين، وما رافق
ذلك من بلطجة وسقوط ضحايا بريئة
أُزهقت أرواحها، لا يبررها نجاح
هذا المرشح وسقوط ذاك .
وفي
المنقلب الآخر، فقد جرت عمليات
تغيير لنتائج الفرز، جعلت
الفائز خاسرا والخاسر فائزا،
كما حصل في دمنهور، عندما أظهرت
عمليات الفرز الكاملة أن الفائز
هو القطب الإخواني "جمال
حشمة"، وأن الخاسر هو الدكتور
"مصطفى الفقي" من الحزب
الوطني. أما ما أعلنه وزير العدل
فكان عكس ذلك تماما. وقد شهدت ضد
هذا التزوير ،وذلك أمام إحدى
القنوات الفضائية، قاضيةٌ كانت
تشرف على عمليات الفرز وجمع
النتائج .
ما
ذكرناه كله صحيح. وهناك أمور
أخرى، لا نذكرها خوف الإطالة.
ولكن الصحيح أيضا أن ما جرى في
مصر كان انتخابات حقيقية بشهادة
الكثيرين، ومنهم أقطاب من جماعة
الإخوان المسلمين، نددوا بما
شاب العمليات الانتخابية من
خروقات، ولكنهم ذكروا أيضا أن
مجمل العملية كانت تسير على سكة
الانتخابات وأن الخروقات كانت
هي الاستثناء وليست القاعدة .
ولقد
كان لافتا للنظر أن الحكومة
المصرية تركت المرشحين من جماعة
الإخوان لمسلمين
-المحظورة حزبيا- يمارسون
دورهم في الدعاية والإعلان ولصق
الصور، وزيارة الأحياء والقرى،
وإقامة المهرجانات الخطابية.
كما قبلت المحاكم المصرية الطعن
ضد خرق الهيئة الانتخابية
العليا لبعض القوانين المنظمة
للانتخابات، بل وألغت تلك
المحاكم الانتخابات في عدة
دوائر لأنها لم تنضبط مع تلك
القوانين.
ونحن
إذ نشيد بانتخابات مجلس الشعب
المصري الأخيرة مع ما شابها
وماحصل فيها، فإننا كنا نتمنى
أن يحصل مثل تلك الانتخابات في
سورية ، برغم ما لهذه
الانتخابات وما عليها. فما حصل
في مصر "عمش"، أما ما يحصل
في سورية من انتخابات فهو
"عمى كامل"، وكما يقول
المثل "العمش أهون من
العمى" .
فسورية
،ومنذ أن اغتصب حزب البعث
السلطة بعد انقلاب آذار 1963 ،لم
تشهد أي شكل من الممارسة
الانتخابية الحرة، سواء ما تعلق
منها بما يسمى تعسفا "مجلس
الشعب"، الذي يتم تعيين ثلثي
أعضائه من قبل القيادة القطرية
أو فروع حزب البعث في
المحافظات، أو النقابات التي
ألغيت فيها الانتخابات تماما
بعد مجزرة النقابات في 31 آذار 1980
حيث أعلنوا الاعتصام،فتم
اعتقال أعضاء مجالس النقابات
المهنية من مهندسين ومحامين
وأطباء، ولبثوا في المعتقلات
اثني عشر عاما، وصدر مرسوم يحصر
تعيين أعضاء النقابات برئيس
مجلس الوزراء حصرا. .... وحتى
تاريخه .
مجلس
الشعب في سورية، أعضاؤه
مستنسخون طبق الأصل عن شخص
واحد، هو على الأغلب رئيس ذلك
المجلس. فليس هناك قوانين
وقرارات تسقط بنتيجة التصويت،
بل كلها يوافَق عليها،طالما
أنها جاءت من عند "المعلم"
–الرئيس- كما كان يزعم "عبد
القادر قدورة" رئيس مجلس
الشعب الأسبق. وليس هناك قرارات
تصدر بأغلبية الأعضاء، بل
بإجماعهم، كما حصل يوم 10
"يونيو" 2000 ، غداة وفاة
الرئيس حافظ الأسد،عندما تم
تعديل الدستور ،ليصبح فيه عمر
المرشح لرئاسة الجمهورية 34 بدلا
من 40 عاما .
وإذا
اعترض أحدهم ،لا سمح الله، فإن
رئيس المجلس يوبخه توبيخا
شديدا، كما حصل مع "منذر
موصللي" عندما اعترض على
التعديل أعلاه ،شكلا لا موضوعا،
لأن التعديل لم يرفق بمذكرة
تفسيرية تسوّغه، كما ينص على
ذلك الدستور السوري نفسه.
فقد
شهدنا في تلك الجلسة صورة قبيحة
لما يمكن أن يصدر من رئيس مجلس
النواب تجاه أحد أعضاء المجلس،
لا يختلف كثيرا عما يصدر من رئيس
عصابة، بل إنه نزل عن ذلك
،مستوىً وسوءَ قدر، عندما قال
له رئيس المجلس "قدورة"
(بأن نفسه –الموصللي- الأمّارة
بالسوء هي التي زينت له أن يقول
ما قال وإنه ..... وإنه .....) .
أماإذا
وقف أحد النواب تحت قبة
البرلمان واستعمل حقه –بل
واجبه الذي من أجله انتخب- في
نقد ما يرى من مخالفات تحصل تحت
سمع وبصر الحكومة، بل وقد يكون
بمباركة من منها، فإنه يعتقل
وترفع عنه الحصانة، كما حصل مع
النائب "رياض سيف" الذي
أشار إلى ترسية "الخليوي"
على شركتين يملكهما "رامي
مخلوف" –وما أدراك من رامي
مخلوف؟- فقد نزع "قدورة"
الحصانة عنه، وحُكِم عليه
بالسجن خمس سنوات،ولا يزال حتى
الآن يقبع في السجن بعد أن قضى
أكثر من ثلاثة أرباع المدة،
التي توجب إطلاق سراحه.
كما
حكم على النائب "مأمون
الحمصي" أيضا بالسجن خمس
سنوات، لأنه انتقد كثرة أجهزة
الأمن حيث زاد عددها عن سبعة عشر
جهازا. كما طالب بتحويل الأبنية
الحكومية التي تحتلها تلك
الأجهزة إلى معاهد وجامعات
تستوعب الطلاب الذين أصبحوا
بدون تعليم بعد أن ضاقت عنهم
المعاهد والجامعات.
ولمن
لا يعلم كيف يتم تغيير 250 عضوا
تحت قبة مبنى البرلمان في دمشق
كل أربع سنوات فتلك قصة طريفة،
نبسطها هنا ليزداد القارئ
الكريم من ثقافة الديموقراطية
المعلبة عند النظام السوري،
الذي ما يزال لا يعترف بأن شعبه
يمكنه أن يختار، فنصّب نفسه
قيما ،وصادر كل حق تتيحه
الديموقراطية في بلدان العالم
المختلفة.
الحزب
الوطني في مصر يصر على حصوله على
ثلثي أعضاء مجلس الشعب
بالانتخاب، على طريقته الخاصة
التي رأيناها. أما حزب البعث فقد
اختصر الأمر وعدل إلى التعيين
،حيث يتم تعيين أكثر من ثلثي
الأعضاء الذين تختارهم القيادة
القطرية من البعثيين ومن أعضاء
في الجبهة التقدمية المنضوية
تحت جناح حزب البعث.وأما الثلث
الباقي فمن بعض المستقلين الذين
ترضى عنهم قيادات فروع حزب
البعث في المحافظات.
سلالم
الديموقراطية قد نصبت في
مصر،وقد بدأ الشعب المصري رحلة
الصعود. وما يلبث
الشعب السوري أن تجد أقدامه
طريقها إلى درجات تلك السلالم.
ومهما اعتصم حزب البعث في قلعة
السلطة، فستطاله تلك السلالم،
بعد أن يبدأ
الشعب السوري رحلة الصعود
إليه، بعد طول قهر واستبداد،
وسيصل إليه عاجلا أو أجلا.
وعندها سيجد البعث نفسه مرغما
على الهبوط إلى حيث ألقت .....
*كاتب
سوري يعيش في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|