حزب
البعث العربي
الحلقة
الرابعة
بقلم:
مصطفى محمد الطحان
soutahhan@hotmail.com
البعث
والاشتراكية
بقي أن نقول كلمة مختصرة حول موقف
البعث من الاشتراكية.. والبعث
حركة قومية نادت طويلاً بالوحدة
والحرية ثم بدأت تنادي
بالاشتراكية..
والاشتراكية أساساً نظام للحياة
يبتدأ بالتفسير المادي
للتاريخ، ويبني فلسفته في
الحياة على أساس الصراع الطبقي،
وإذا كانت كل من القومية
والاشتراكية من بنات أفكار
الغربيين.. فإن القومية مرحلة
أولية هلامية لا قوام لها على
وجه التحديد.. وهي تصلح كقضية
عاطفية تناشد الأقوام بأن
ينفضوا عنهم كابوس التخلف
والاحتلال، وأن يتقدموا أسوة
بالأمم المتحضرة.. فإذا جاءت هذه
الساعة وتحرر القوم، فماذا
تستطيع القومية أن تقدم لهم بعد
ذلك؟ هنا يأتي دور الفلسفات
العامة التي تمثل النظام الكامل
للحياة، كالإسلام أو
الرأسمالية أو الاشتراكية..
التي تعالج كل أوضاع الحياة ضمن
خطوط محددة مقدّرة.. ولقد حاول
البعث طويلاً أن يدعي بأن (اشتراكيته
عربية، وأنه لن ينشدها في كتب
ماركس ولينين، وإنما يرى أنها
دين الحياة، وظفرُ الحياة على
الموت، فهي بفتحها باب العمل
أمام الجميع، وسماحها لكل مواهب
البشر وفضائلهم أن تتفتح.. تحفظ
ملك الحياة، للحياة ولا تبقى
للموت إلا اللحم الجاف والعظام
النخرة)(1)..
وكلمات عفلق هذه عن الاشتاركية
العربية كلمات فضفاضة أدبية لا
معنى لها.. وكان عفلق يهاجم
الشيوعية فهي – على حد زعمه – (التي
تمنع العرب من التفكير في
اشتراكيتهم والاهتداء إليها
لأنها بادعائها أن الاشتراكية
هي الماركسية قد شوهت
الاشتراكية الصحيحة التي
يحتاجها العرب. والماركسية نظام
كلي أممي.. في
حين إن الاشتراكية ليست أكثر من
نظام اقتصادي مرن متكيف مع
حاجات كل أمة. وليس بعسير على
العرب إذا ما تخلصوا من كابوس
الشيوعية أن يهتدوا إلى
اشتراكيتهم(2).
وعندما اقترب البعث من الحكم
اضطر إلى اللجوء إلى الاشتراكية
بل إلى الشيوعية.. وفي أول حكومة
يشكلها صلاح البيطار بعد انقلاب
8 آذار 1963 البعثي، يصرح في جريدة
البعث أن الاشتراكية العلمية (أي
الشيوعية) هي دليلنا للعمل
الثوري.
ومنيف جورج الرزاز الذي أصبح
أميناً عاماً للحزب بعد عفلق
ألقى محاضرة بعنوان: (لماذا
الاشتراكية الآن؟) قال فيها: (الاشتراكية
ليست مذهباً اقتصادياً).
بالطبع إنها تقدم حلول لكثير من
المشاكل المتعلقة بالإنتاج
وإعادة توزيع الثروات،
والملكية... إلخ، غير أن جميع هذه
الحلول ليست سوى مظاهر
للاشتراكية. ويضيف: إن النظر إلى
الاشتراكية من ناحية اقتصادية
فقط يؤدي إلى فهم خاطئ لا ينفذ
إلى الأعماق فهي كالرأسمالية
والإقطاعية لا يمكن تقليصها إلى
مجرد أوضاع اقتصادية معينة..
إنها أوضاع حياة لا أوضاع
اقتصاد فحسب)(3).
وهكذا عاد البعث إلى أمه
الاشتراكية العلمية رفيقين في
درب واحد.. أهم أهدافهما محاربة
الإسلام، وتوطين أفكار
الغربيين أو الشرقيين في بلاد
المسلمين.
والاشتراكية البعثية من أكثر
الشعارات التي أرهقت الحزب
وفرقته.. ففي البداية كانت
اشتراكيته لا تعني أكثر من بعض
التأميمات مع صيانة الملكية
الفردية.. ثم بدأت (تتمركس) حتى
صار فلاسفة البعث يتفنّون
باشتراكيتهم العلمية.
ولقد استغلت أجنحة الحزب
المتصارعة اليمينية منها
واليسارية هذه الأوضاع فانقلبت
على بعضها.. ففي العراق انقلب
يمين البعث على يساره ورحّل
قادة اليسار بتاريخ 11 نوفمبر 1963
إلى خارج العراق.
وفي سوريا اعتبر انقلاب 23 شباط 1966
ردة يمينية، وتآمر على قيادته
القومية ومفاهيمه الماركسية..
أما في المؤتمر القومي السادس
الذي انعقد في دمشق في 5 تشرين
الأول (أكتوبر) 1963 فقد أقر
التقرير العقائدي (الذي كتبه
ياسين الحافظ) وهـو مـاركسي
سـوري.. الـذي بدّل جميع مفـاهيم
الحزب القومية إلى مفاهيم
ماركسية، على أن يعاد النظر في
كل كتب سابقا سواء ما نشر منه
داخل الحزب أو خارجه. وحول هذا
المؤتمر.. اشتد الجدل وسقطت هالة
الزعامة التقليدية للحزب وتبني
من بقي فيه مفاهيم ماركسية مائة
بالمائة.
وبدلاً من كلمة: (اشتراكية عربية)
التي اعتاد الحزب أن يسميها فقد
صارت كلمة: (الطريق العربي إلى
الاشتراكية) هي المستعملة.
فالاشتراكية ذات مضمون عالمي
واحد.. والطرق إليها قد تختلف من
بلد لآخر.
---------------------------
(1)
في سبيل البعث.
(2)
في سبيل البعث- ميشيل عفلق، ص-
(71-75).
(3)
محاضرات لمنيف الرزاز –
القاهرة – عام 1965.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|