إلا
في سورية ... !
الطاهر
إبراهيم*
وسط
توافق عجيب من كل أحزاب وفئات
الشعب العراقي، تمت في العراق
انتخابات مجلس نواب، شاركت فيه
كل محافظات القطر العراقي. ففي
صبيحة يوم 15 كانون أول "ديسمبر"
توجه المواطنون العراقيون إلى
مراكز الاقتراع وصوتوا بكثافة
عالية، وصلت في مدينة "تكريت"
– معقل الرئيس العراقي السابق
صدام حسين- ،كما أذاعت القنوات
الفضائية، إلى أكثر من 90% ممن
يحق لهم التصويت.
ومع أن
العراق كله ما يزال يرزح تحت نير
الاحتلال الأمريكي،أي أن
البلاد تعيش وضعا استثنائيا،
فإن ذلك لم يمنع العراقيين من
إجراء تلك الانتخابات، التي
أسقطت المقولة التي يختبئ
وراءها النظام السوري، عندما
يؤكد في خطابه السياسي -على لسان
الرئيس بشار ومن خلال ماتبثه
أجهزة إعلام النظام- أن الإصلاح
السياسي يجب أن يتأخر عن
الإصلاح الاقتصادي والإداري،
علما أنه حتى في هذين المجالين
لم يطرأ أي إصلاح يمكن أن يُذكر
أو أن يحدّ من الفساد المستشري
في سورية .
وهكذا
رأينا -في ظل احتلال أمريكي شرس،
وفسادٍ في الصفوة الحاكمة في
بغداد، وانهيار في البنية
التحتية، وتردٍ في الاقتصاد-،كيف
استطاعت عزيمة الشعب العراقي
،مع اختلاف وتنافر مكوناته،
أن تتآلف على الحد الأدنى من
التوافق وتجري انتخابات
تشريعية ناجحة، جرت في جو أمني
قلق، يدحض مقولات الأنظمة
المستبدة التي لا تريد لشعوبها
أن تتمتع بالحد الأدنى من
الحرية في نظام تعددي تداولي،
يكون فيه اختيار نواب الشعب عن
طريق صناديق اقتراع شفافة نقطة
البدء في العملية الديموقراطية.
واستطرادا،
فإذا كان العراق يعيش آلام
الاحتلال والتمزق الطائفي
والإثني، لكنه استطاع شعبه
ممارسة حقه في اختيار ممثليه،
مهما قيل عن نواقص وثغرات في
العملية الانتخابية، فكم هي
سورية إذن متخلفة في هذا
المضمار حتى عن الدول المحتلة.
على أن
العراق لم يكن هو القطر العربي
الوحيد الذي تجري فيه انتخابات
اشتراعية في ظل ظرف استثنائي.
ففي نفس هذا اليوم 15 كانون الأول
"ديسمبر" أيضا، جرت
انتخابات في الضفة الغربية وغزة
وهي ما تزال تحت الاحتلال
الإسرائيلي. ليس هذا فحسب، فقد
سجلت هذه الانتخابات صعودا
لحركة "حماس" في مدن كبرى
مثل "نابلس و"البيرة"
وفي "جنين"، على حساب حركة
"فتح" التي تمثل النظام
الحاكم في الضفة والقطاع، تعتبر
فيه حماس في موقع المعارضة
إضافة لاستهدافها من قبل
إسرائيل.
ومرة
أخرى يُجري الشعب السوري -في
تفكيره فقط وليس علانية- مقارنة
لوضعه البائس مع وضع أشقائه في
دول عربية أخرى، حيث لا يحظى بأي
فرصة اختيار، ليس لنواب
البرلمان فحسب، بل حتى في
اختيار الأعضاء النقابيين
للنقابات المهنية،حيث يتم
تعيين قيادات تلك النقابات من
قبل رئاسة مجلس الوزراء حصرا،
منذ حصلت مذبحة النقابات في
آذار من عام 1980 بعد اعتقال
إداراتها على خلفية إضرابها في
31 آذار،كما هو معروف ،مايجعل
المواطن يتلفت يمينا ويسارا وهو
يرى ،في أقطار عربية شقيقة،
صناديق الاقتراع الشفافة تفرغ
منها أوراق الاقتراع، فيهمس "إلاّ
في سورية"! .
"فقهاء"
الإعلام البعثيون يجادلون بأن
هذه الانتخابات "عميلة" –أي
لأمريكا- على حد تعبير
السوريين، وتصب في مصلحة
المحتلين، وأجريت لغاية في نفس
"بوش" و"شارون"، وأن
هناك "أجندة" مخفية من وراء
تلك الانتخابات "المشبوهة!".
وعملا بالمثل المعروف "الحق
الكذاب إلى باب الدار"، نقول
لهم: فما بال "مصر" التي ما
يزال أثر حبر الانتخابات على
أصابع المصريين؟
ومع أن
هناك تشابها واضحا إلى حد بعيد
بين النظام المصري والنظام
السوري في كثير من مجالات الحكم:
حيث هناك حزب واحد يحكم "أمم"
كل شيء لصالحه بما فيها
السياسة، واحتكر النفوذ في شتى
دوائر الدولة، واستثمر موارد
الدولة لصالح المقربين الأخيار!
،(من الاختيار على عين
الحاكم،وليس من الصلاح الأخروي).وإذاكانت
سورية جمهورية وراثية
أو "جملكية"،على حد
تعبير المفكر التونسي "المنصف
المرزوقي"،فإن النظام المصري
يسير على درب التوريث، ومن سار
على الدرب وصل.
ورغم
كل أوجه التشابه بين القطرين
الشقيقين –اللذين شكلا أول
وحدة اندماجية في العصر الحديث
وهو ما يضيف تشابها آخر- ما
ذكرنا منها وما لم نذكر، فإن
النظام الحاكم في مصر أجرى
انتخابات برلمانية تعتبر بحق
أول انتخابات يفسح فيها لصناديق
الاقتراع أن تكون حكما بين
المشاركين من شتى الاتجاهات في
مصر رغم ما شاب تلك الانتخابات
من شوائب نزلت بها عن حد الكمال
ولكنها بقيت انتخابات حقيقية،
أما النظام السوري فهو ما زال
"مكانك سر" لا يعرف غير
الادعاء الإعلامي الفارغ من
المضمون .
وحتى
جماعة الإخوان المسلمين-المحكوم
على أعضائها في سورية بالإعدام
حسب شريعة النظام السوري -،
فإنها استطاعت ،من خلال
الانتخابات التي جرت مؤخرا في
مصر، أن تكون الرقم الثالث بعد
كتلة المنشقين عن الحزب وكتلة
الحزب الحاكم، ما جعل المواطن
السوري يفغر فاه ويقول "هاه"...انظروا
إلى مصر كيف كانت وكيف صارت!... ثم
يتلفت يمينا ويسارا ويقول ،في
نفسه طبعا: "إلا في سورية!....ثم
يردف متمثلا بالمثل المعروف ....
"كل ال ....... أحسن من ......" .
*كاتب
سوري يعيش في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|