الانفجار
الكبير قادم لا محالة
د.
محمد الغزي
تواصل
الهجمة الشريرة للإدارة
الأمريكية واتساعها ودعم "محور
الاستبداد"، الذي يضم
الولايات المتحدة الأمريكية
ودول غربية أوروبية أخرى، بلا
حدود للأنظمة الحاكمة المستبدة
ورعاية هذا المحور لفئة
المفسدين في بلادنا جعل انفجار
شعوبنا العربية قاب قوسين أو
أدنى، وقد تجلت إرهاصات هذا
الانفجار الكبير في مظاهر عديدة
تنتشر في مجتمعاتنا وتظهر على
سلوك وممارسات أفراد شعوبنا،
ولن ينفع الولايات المتحدة
الأمريكية والأنظمة الموالية
لها محاولة خطف مبادرات شعوبنا
للمطالبة بالإصلاح ومحاولة
خداعنا بانتخابات شكلية هنا
وهناك لا تؤدي إلا إلى إبقاء
أنظمة الحكم المستبدة واستمرار
التدهور والمعاناة وببرلمانات
انتقالية تافهة لا تسمن ولا
تغني من جوع، فقد باتت شعوبنا
تدرك جيدا أنه لا خلاص لها من
هذه الأوضاع المزرية التي
نعيشها إلا بإزالة هذه الأنظمة
وتوسيد السلطة إلى الشرفاء
المخلصين والأقوياء الأمينين
ممن ينتمون إلى أمتنا، وهذا حق
لشعوبنا لا يستطيع أحد أن يماري
فيه أو ينكره، وقد أصبح لدى
غالبية شعوبنا من الإيمان
والوعي ما يحميها من الخداع
والتضليل، فأدركت اللعبة
الأمريكية جيدا وآمنت أن الخرق
قد اتسع على الراقع فيئست من
إصلاح هذه الأنظمة بعد انتظار
طويل لا فائدة ترجا منه.
إن
أشد اللحظات قسوة على الشعوب هو
عندما لا تجد لها وسيلة لتحقيق
إرادتها والتخلص من القهر
والطغيان، وهذا هو حال كل
الشعوب العربية ومعظم الشعوب
الإسلامية في هذا القرن، حيث
وصل الأمر إلى حالة شبيهة
باليأس من التغيير بالأدوات
المتاحة لغيرنا من الشعوب، خاصة
الشعوب الغربية، فشعوبنا تعاني
من حرمان من آليات المشاركة
السياسية وانتخابات تؤدي إلى
تغيير أنظمة مستبدة لا تؤمن
بالتعددية السياسية وتداول
السلطة ولا تسمح بمشاركة
الحركات الإسلامية بتشكيل
أحزاب فاعلة وخوض انتخابات
نزيهة، بل على العكس من ذلك
تماما، فهذه الأنظمة تحارب
الشرفاء المخلصين من أبناء
وبنات شعوبنا، وتلقي بدعاة
الإصلاح ومقاومي الفساد
والاستبداد في غياهب السجون
لسنوات طويلة دون توجيه اتهامات
محددة أو تقديمهم إلى محاكم
عادلة ودن تمكين أهليهم من
معرفة مكان سجنهم وزيارتهم
والدفاع عنهم، والعجيب أن
المنظمات الحقوقية الأمريكية
والأوروبية لا تدس أنفها في مثل
هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق
الإنسان والمواثيق الدولية،
ولا يعنيها إلا الدفاع عن
المجرمين أو ابتزاز الحكومات
لتقديم مزيدا من الطاعة
والاستسلام للولايات المتحدة
الأمريكية؛ راعية حقوق الإنسان
وحاملة رسالة الديمقراطية في
العالم.
وحتى
الديمقراطية التي تؤمن بها
الولايات المتحدة الأمريكية
تستكثرها على شعوبنا، وهذه
عنصرية مقيتة وازدواجية في
المعايير، فما تطالب به
الولايات المتحدة الأمريكية في
ما يسمى "العالم المتحضر"
تحاربه في العالم الثالث، وهذه
هي عين العنصرية التي تتناقض مع
كل القيم الإنسانية، ولذا فإن
"العالم المتحضر" يقسم
العالم إلى عوالم كثيرة مثل
العالم الثالث والعالم العربي
والعالم الإسلامي ... ليبرروا
لأنفسهم عنصريتهم ونسبية
أخلاقهم ومبادئهم وحصرها على
شعوبهم وبلادهم، فيُباح للعالم
المتحضر أن يفعل بشعوب العالم
الثالث ما يعتبره من أشد الظلم
على "الشعوب المتحضرة"،
وفي العالم العربي يُحرَم الفرد
من أدنى الحقوق التي يملكها
المواطن الأمريكي والأوروبي،
بل حتى كلابهم وقططهم تنال من
الحقوق ما لم يحلم بنيله كثير من
مواطني العالم الثالث.
والولايات
المتحدة الأمريكية دائما
تستهدف إرادة الشباب من بنات
وأبناء شعوبنا وطموحهم وتنظر
إليهم على أنهم قوة هائلة يمكن
أن تطيح بالأنظمة الموالية لها
في أي لحظة مهددة بذلك "المصالح
الأمريكية" التي ما هي إلا
تعبير يخفي خلفه أشد وأقسى
أنواع الاحتلال والاستعمار
لبلادنا، فماذا يفعل الشباب
عندما لا يجد سبيلا لتغيير واقع
الأمة المتمثل في فساد يستشري
في كل مؤسسات الدولة ترعاه فئة
باعت وطنها وشعبها ودينها
للشيطان في ظل غياب كل سبل
الإصلاح ونيل الحقوق والحريات
وتحقيق الطموح؟ ماذا يتوقع
العالم من شعوب عاث الأمريكيون
في بلادها فسادا وأقاموا عليها
القواعد العسكرية ونهبوا
ثرواتها وخيراتها؟
إن
معركة الولايات المتحدة
الأمريكية الحقيقية هي مع
شعوبنا، ولكن المعركة قادمة لا
محالة وحينها لن تستطيع أن
تتجنب الولايات المتحدة
الأمريكية الالتحام المباشر مع
الشعوب وجها لوجه بعد عشرات
السنين من الاضطهاد لتلقى الموت
الزؤام والسم الزعاف الذي ينتظر
جنودها، وما يدور في العراق من
مقاومة باسلة للاحتلال
الأمريكي خير دليل على ما نقول،
وما حققته المقاومة الإسلامية
في فلسطين ولبنان يشهد على ذلك
أيضا.
والوضع
الفلسطيني الراهن يعطي لنا صورة
واضحة عن دور محور الاستبداد و(إسرائيل)
في التغلب على إرادة شعوبنا
العربية وقهرها، فممارسة
الولايات المتحدة الأمريكية
وحلفائها و(إسرائيل) وعملائها
تكاد أن توصل الشعب الفلسطيني
إلى حافة هاوية الصدام وقد
أشعلت هذه الممارسة شرارة جحيم
حرب أهلية، ومازال هؤلاء
الأشرار يستخدمون كل ما لديهم
من وسائل قذرة لينزلق شعبنا في
هذه الهاوية، ما يتيح لتلك
الدول تكوين سلطة فلسطينية
متحالفة معها في سبيل فرض
الحلول الجائرة على شعبنا
وإنهاء قضيته العادلة، ومن ثم،
التقدم إلى خطوة جديدة في
المشروع الأمريكي من أجل
الهيمنة الكاملة على شعوبنا
وأوطاننا.
ومما
يجدر الحديث عنه في هذا السياق
أن النظام الذي تقبل به
الولايات المتحدة الأمريكية يجب
أن يتمتع بثلاث صفات هي القدرة
على قمع الشعوب وكسر إرادتها،
والقدرة على حماية (إسرائيل)
ورعاية المصالح الأمريكية
والغربية والصهيونية في
بلادنا، وعدم قيام النظام بأي
دور إقليمي أو قومي داعم لحركات
مقاومة الاحتلال ومناهضة
المشروع الأمريكي، وإذا لم
تتحقق هذه الصفات في أي نظام فلن
تكف الولايات المتحدة
الأمريكية وحلفاؤها عن زعزعة
الاستقرار بإثارة الطائفية بين
أبناء الشعب الواحد وتسليط بعض
الفئات الخائنة والفاسدة على
فئات الإصلاح والتغيير
والتحرير حتى يتحقق لمحور
الاستبداد ما يريد من تكبيل
شعوبنا وسلبها حقوقها وكرامتها
وإرادتها.
الحكومات
الغربية تدعم وتوقر المفسدين
وتساعدهم على الوصول إلى السلطة
والنفوذ والتأثير، وتحتضنهم
عند أزماتهم وأوقاتهم الصعبة،
وتناديهم وتشير إليهم بما لا
يستحقونه من ألقاب العظمة
والسمو، ليس لأي سبب غير أن
فسادهم قد استمر لعشرات السنين
وأنهم سخروا كل جهودهم لتخريب
بلادنا وتمكين الأعداء من رقاب
شعوبنا، ولأنهم شاركوا في قتل
شعوبنا وإهدار مقاومات البلاد
والعباد ولم تقل جرائمهم عن
التهم التي يوجهونها لصدام
حسين، و"نموذج عبد الحليم
خدام" ماثل في الأذهان، وكذلك
أبناء الملوك والرؤساء والحكام
وبناتهم وزوجاتهم وأقاربهم.
أما
بالنسبة للانتخابات التي تزعم
الولايات المتحدة الأمريكية
وبعض الدول الغربية أنها تقبلها
وتشجعها طريقا لإرساء ما
يسمونها بالديمقراطية
والاستقرار، فهي إما تُزور
لصالح عملاء محور الاستبداد أو
تُرفض نتائجها إذا أدت إلى فوز
الصالحين من أبناء شعوبنا، أو
تمنع بتاتا في البلاد التي
تحكمها أنظمة تؤدي مهمتها بدقة
بالغة في تكبيل شعوبها وسحق
حرياتها وحقوقها وحماية
المصالح الأمريكية والغربية
والصهيونية.
ولإحكام
سيطرتها الكاملة على شعوبنا
تتبع الولايات المتحدة
الأمريكية بالإضافة إلى دعم
أنظمة مستبدة تقمع الشعوب وتلغي
إرادتها وسائل عديد مثل دعم
طابور خامس من المثبطين
والمبطئين والمشككين من
الإعلاميين والفنانين
والراقصين والسياسيين
والحقوقيين والمتثيقفين ...
الذين لا هدف لهم إلا الترويج
للدعاوي الشريرة الولايات
المتحدة الأمريكية والغرب
ومحاربة المبادئ الإسلامية
والصد عن سبيل الله جل وعلا
وإغراق الشباب والشابات في
مستنقع الرذيلة والفاحشة،
وأيضا مثل دعم أزلام لها
ليعيثوا في الأرض فسادا ونهبا
وليشكلوا عصابات الموت
والعربدة والسرقة تحت سمع وبصر
"العالم المتحضر" ومنظماته
الحقوقية والإنسانية، فلا يعني
الولايات المتحدة الأمريكية
والغرب حقوق ولا بطيخ ولا شيء
غير مصالحها.
وكثير
من الناس فقد الأمل في الشعوب
وظن أنها لم تعد قادرة على
التجاوب مع الأحداث أو إنقاذ
نفسها وأوطانها من الأخطار التي
أحاطت بها من كل حدب وصوب، ولكن
حقائق ما يجري من أحداث في
مجتمعاتنا يقول عكس ذلك، ومع
هذا لا بد من تحليل للحالة التي
تمر بها شعوب أمتنا لمعرفة
أسباب هذا الجمود وعدم القدرة
على الانطلاق بقوة نحو الإصلاح
والتغيير والتحرير.
فأهم
هذه الأسباب هو الخوف من بطش
الحكومات وسجونها وأجهزتها
الأمنية التي تستخدم كل أساليب
القمع والإرهاب ابتداء من السجن
ومرورا بالحرمان الوظيفي
وانتهاء بالقتل لشطب وجود
الأفراد الذين يعترضون على هذه
الأنظمة ويعملون على تغييرها.
ومن الأسباب المهمة أيضا
عدم قدرة الشعوب على القيام
بعمل شعبي واسع ضد أي نظام حاكم
في أي بلد عربي، فقد تجد هناك
ردود فعل في الشارع لكنها غير
منسقة وغير هادفة، وكذلك غياب
رؤية واضحة لما يمكن أن تقوم به
الشعوب للتخلص من حالة التردي
التي تعيشها في ظل أنظمة خيبت
الآمال وأضاعت الأموال.
إن
من أسباب العجز أيضا عدم وجود
مرجعية شرعية لكل أبناء الأمة
تحدد حكم الإسلام من التعامل مع
الأنظمة والعمل في أجهزتها
وكيفية التخلص من الاستبداد
والتعامل مع رجال الأمن الذين
يسجنون المواطنين ويسومونهم
أشد العذاب، وكذلك عدم تقدير
الضرر الحقيقي الذي يعود على
شعوبنا وأمتنا نتيجة استمرار
تشبث الأنظمة الحاكمة بمقاليد
السلطة وتسييرها لمصير الشعوب
والأمة، وكذلك عدم إدراك حجم
ومغزى التدخل الأمريكي في
الشؤون التعليمية والاقتصادية
والسياسية لبلادنا وشعوبنا،
حيث سمحت شعوبنا بإعطاء
الولايات المتحدة الأمريكية
حقا في تسيير أمورنا بطرق
متعددة.
ومن
هذه الأسباب أيضا عقد الآمال
على الجامعة العربية واجتماعات
القمة التي تعقدها في تحريك
الأمور نحو حل يُخرج أمتنا من
مأزقها ويوحد شعوبنا وجهودنا
نحو التحرير والإنقاذ، ومنها
أيضا إصابة شعوبنا بمرض
الاختلاف والتنازع في كل الأمور
صغيرها وكبيرها، وهذا من تبعات
غياب مرجعية شرعية إسلامية،
والكثير من العلماء هم أهم
أسباب هذا الضياع الفكري للأمة،
وقد حذرنا الله تعالى من
التنازع فقال جل وعلا: {ولا
تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
واصبروا} وقال جل وعلا: {واعتصموا
بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}،
ولكن هيهات لنا أن نعتصم بحبل
الله في ظل هذه الأنظمة الخائبة
والتي أحلت شعوبنا دار البوار.
وللخلاص
من هذا الوضع المؤلم لا بد من
التدرج في خطوات من شأنها أن
تؤدي إلى عصيان مدني مصحوبا
باحتجاجات سلمية، وإن أصرت
الأنظمة الحاكمة على التمادي في
قمعها لشعوبنا، فعلى هذه الشعوب
أن تطلق شرارة انتفاضة عربية
شاملة، فقد ثبت، من خلال تجربة
الشعب الفلسطيني، أن الانتفاضة
هي الوسيلة الوحيدة لتوحيد
الشعوب على هدف التحرير
والإنقاذ مهما بدا من مشاكل في
المجتمع الفلسطيني، وهي
الوسيلة الوحيدة لتوظيف طاقات
الشباب في الدفاع عن الأمة
والدين والحقوق، ونحن نرى اليوم
أن غياب مظاهر الانتفاضة قد أدى
إلى الانفلات الأخلاقي والأمني
وشجع الفئة المفسدة على إطلاق
عنان شياطينها للتخريب والعبث،
ولكن هذا يحتاج إلى إعداد
وتعبئة وتوعية.
إن
الانتفاضة العربية الشاملة هو
ما تخشاه الولايات المتحدة
الأمريكية وما
تخشاه حليفتها (إسرائيل)
والأنظمة العربية، مما يؤكد لنا
سلامة الطريق مهما كانت
التضحيات، فما سمعنا شعبا تحرر
من الاحتلال أو الدكتاتورية إلا
بانتفاضة شعبية هادفة وتضحيات
جسيمة، وقول الله تعالى: {وجاهدوا
في الله حق جهاده، هو اجتباكم
وما جعل عليكم في الدين من حرج،
ملة أبيكم إبراهيم، هو سماكم
المسلمين من قبل، وفي هذا،
ليكون الرسول شهيد عليكم،
وتكونوا شهداء على الناس،
فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
واعتصموا بالله هو مولاكم، فنعم
المولى ونعم النصير}.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|