النظام
السوري يرمي شهدائه وجرحاه
في
الأودية اللبنانية
معتقل
سوري سابق
رغم أن الاعتقال
مأساة إنسانية إلا أن الشخص
ينسى مأساته و معاناته عندما
يدرك حجم المأساة التي يعاني
منها الوطن بأسره و التي تفوق
معاناته بعشرات المرات تحت هذا
النظام الذي أباد سورية و ما
حولها و حوَّلها لمستنقع آسن
ينمو في المرتزقة و المجرمين و
يفقد فيه المواطن كل شيء في
حياته و بعد مماته. أثناء
اعتقالي في فرع المنطقة في
المزَّه و خلال السنة الأولى من
اعتقالي الذي دام خمس سنوات و
التي نسميها سنة التحقيق فأي
معتقل مهما كانت قضيته لابد له
من هذه السنة فإن لم تفبرك له
تهمة معينة يخرج بعد تمام السنة
و إن كان محظوظاً مثلي يحول
لمعتقل صيدنايا أو عدرا أو
غيرهما من المعتقلات السورية
ليكمل ما تحكم به المحاكم
الميدانية برئاسة سليمان
الخطيب جزار تدمر الرهيب الذي
لا زال يصدر أحكامه حتى القرن
الحادي و العشرين جمعتني
المصادفة هناك في إحدى الزنازين
(الممتلئة حتى الثمالة بحيث
يتناوب على البلاطة الواحدة 40 ×40
سم ثلاثة معتقلين اثنان وقوفاً
و واحد جلسة القرفصاء) بأحد
المهربين برتبة مساعد أول يخدم
في لبنان اختلف مع معلمه في
تقسيم عائدات التهريب فزجَّ به
في زنازين فرع المنطقة لفترة
قصيرة و كان هذا المساعد حانقاً
على معلمه و غاضباً منه لما فعله
به فأخذ يكيل له و لأمثاله من
كبار الضباط اللصوص الشتائم و
يفضح جرائمهم و من بين القصص
المتعددة التي رواها لنا أنه
كان يخدم خلال عام 1990 في منطقة
بيروت في فترة حرب الجيش السوري
مع العماد ميشيل عون و كان
اختصاصه قيادة ناقلات الدبابات
وخلال الحرب أُعطبت أعداد كبيرة
من الدبابات فكلِّف بمهمة نقل
الدبابات المعطوبة من لبنان إلى
سورية فسرَّ بذلك كثيراً لأن
هذا يضاعف كمية المواد المهربة
التي يستطيع إدخالها من لبنان
إلى سورية بحيث يضع في كل زاوية
من زوايا الدبابة مواده المهربة
و حتى داخل حجرة القيادة بل و في
فوهة الدبابة و من ثم يعاد تغطية
الدبابة بغطائها الخاص و هي على
الناقلة حيث كان يتم كل ذلك في
مخزن متعاقد مع المعلم لتنفيذ
هذه المهمة ثم تخرج ناقلة
الدبابات محملة بالمهربات
متجهة إلى دمشق و كانت تمر على
القطع العسكرية السورية
المنتشرة على الطريق و كان
الشهداء السوريون وقتها
يتساقطون بأعداد كبيرة في كل
القطع العسكرية السورية فكانت
كل قطعة بدل أن يتم نقل الشهداء
بسيارات خاصة إلى دمشق تنتظر أي
مركبة عسكرية سورية مارة بالقرب
منها و ذاهبة إلى دمشق
لتحمِّلها ما لديها من جثث
الشهداء الذين جمعتهم من
المناطق المحيطة بها من دون أي
بحث عن هوية الجندي أو أي أوراق
رسمية مجرد إيقاف سائق المركبة
عند الحاجز السوري و تحميله ما
لديهم من جثث دون أي وثائق و
أحياناً كان المواطنون
اللبنانيون يوقفون المركبات
السورية لإعطائها الجثث التي
بقيت مرمية بالقرب منهم لعدة
أيام دون أن يمسها أحد و طوال
أيام الحرب كثيراً ما أوقفته
الحواجز السورية لتحمِّله جثث
لجنود سوريين استشهدوا إثناء
الحرب حيث يتم وضعهم على ناقلة
الدبابات و لكن صاحبنا كانت
لديه مهمة أكبر و هي تفريغ
المواد المهربة مباشرة بعد
وصوله لدمشق فهذا ما يهمه و كان
ذلك يتم لدى السماسرة الذين
يتعاملون مع معلمه في مستودع أو
ما يشبه ذلك و إدخال جثث لجنود
سوريين سوف يسبب له الإرباك و
لهم أيضاً حيث قال إنه ربما تعرف
شخص ما على إحدى الجثث و هذا
يعكر صفوهم بالإضافة لأن عملية
تسليم الجثث في المشفى العسكري
يستغرق وقتاً طويلاً و هو يريد
استغلال أي دقيقة إضافية للسفر
إلى أهله في قريته القريبة من
القرداحة لذلك كان دائماً بعد
استلام الجثث ينتظر حتى يبتعد
عن مناطق القطع العسكرية و قبل
أن يصل للحدود السورية ثم يقوم
معاونه بإلقاء الجثث واحدة بعد
الأخرى في الطرق الجبلية التي
يمر بها و أحياناً يضطر لإيقاف
الناقلة بطلب من معاونه لأن
إحدى الجثث علقت أثناء رميها
بخطاف حديدي أو ما يشبهه
ليخلصها و يتابع رميها في
المنحدرات و لم يكن بمفرده من
يقوم بذلك بل كل سائقي المركبات
السورية العسكرية لأنهم كلهم
يعملون في التهريب مثله و في
إحدى المرات حسب ما يروي بعد أن
أنهى إلقاء حمولته من جثث
الشهداء في المنحدرات الصخرية
أراد أن يقضي حاجته فأوقف
الناقلة و نزل منها إلى سفح
الوادي و بعد أن قضى حاجته و
أراد العودة للناقلة و إذ به يرى
جثة لشهيد سوري رماه أحد
السائقين من زملائه حديثاً و
لفت نظره أن الشهيد كان يرتدي
لباساً عسكرياً مموهاً جديداً و
حذاء عسكري جديد فأراد أن ينزع
ملابس الشهيد و يأخذها و بالفعل
نزع الحذاء و بدأ بنزع السترة و
إذ بالشهيد يتحرك بين يديه ففزع
من الأمر و أخذ الحذاء تاركاً
السترة و الجريح السوري في
مكانه ملقى و عاد إلى ناقلة
الدبابات ليكمل طريقه إلى دمشق
الجريحة التي حرمها هذا النظام
حتى من احتواء جثث شهدائها
المظلومين . و هذه القصة على
غرابتها و قسوتها إلا أن الأغرب
أن يتحدث بطل هذه القصة عن
بطولاته في رمي الجثث و سرقة
الجرحى و تركهم يموتون في
الأودية اللبنانية في داخل سجن
سوري و أمام معتقلين ضارباً عرض
الحائط بأي مشاعر إنسانية و
كأنه يتحدث عن رمي لنفايات و ليس
عن جثث لشهداء دفعوا أرواحهم
مجبرين إرضاء لنزوة مرتزقة تبحث
عن ما تنهبه عند القتلى و الجرحى
غير خائف من أي محاسبة أو مسائلة
لأنه ببساطة يعرف أن جميع
الضباط حسب ما يقول يعلمون بكل
هذا بل و كان يتندر بما فعل
أمامهم و الآن يسجنوه بسبب خلاف
على مواد مهربة هذا هو واقع
النظام السوري و هذا ما ربى عليه
جيشه العقائدي فهل عرفتم الآن
معنى الجيش العقائدي في سورية.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|