هشام
بختيار:
مجرم
حرب عضو في القيادة القطرية
صبحي
حديدي
لكي
يبرهن نظام بشار الأسد على
حقيقة انتمائه بالكامل إلى ماضي
(وبالتالي: إلى حاضر) نظام أبيه
حافظ الأسد؛ ولكي تُضاف خيبة
جديدة إلى سلسلة خيبات الذين
راهنوا ـ لأسباب تخصّ قصور
الرؤية، أو الشيخوخة الكفاحية،
أو مزاج المهادنة، أو حتى
الإنتهازية السياسية الصرفة ـ
على "الرئيس الشاب"،
وعلّقوا الآمال على قراراته "الإصلاحية"
التي تأتي ولا تأتي، سنة بعد سنة
بعد سنة؛ وأخيراً، لكي يبرهن
حزب البعث أنه ـ وهو الهيولى
الأقرب إلى جثة هامدة، رغم
المليونين من أعضائه الدهماء
والرعاع والمننتفعين واللصوص
والعسس والمنافقين والأزلام... ـ
ليس سوى استطالة شعبوية فاشية،
وعميل مباشر لدى مافيات الفساد
والإستبداد وأجهزة الأمن
الحاكمة... لكي يتأكد كلّ هذا
بجلاء ما بعده جلاء، وحتى دونما
أي اكتراث من السلطة بالإبقاء
على ورقة توت واحدة تستر العورة
القبيحة، انتخب المؤتمر العاشر
لحزب البعث اللواء المتقاعد
هشام بختيار، رئيس جهاز أمن
الدولة ومجرم الحرب وأحد أقذر
جلاّدي "الحركة التصحيحية"
وأكثرهم وحشية وسادية، عضواً في
في القيادة القطرية.
الآلاف
من أبناء سورية، وبصرف النظر عن
عقائدهم الفكرية وتنظيماتهم
السياسية وانتماءاتهم
المذهبية، ذاقوا أمرّ ألوان
التعذيب على يد هذا الجلاد،
إسوة بالعشرات أمثاله من الوحوش
البشرية التي سهر حافظ الأسد
شخصياً على تربيتها عاماً بعد
عام، ومنحها ترخيصاً مطلقاً
بانتهاك كلّ محرّم إنسانيّ
وقانوني في سبيل الحفاظ على أمن
النظام. السطور
التالية اقتباس مباشر من
الشهادة المكتوبة التي دوّنها ـ
للتاريخ، وليوم مثل هذا تحديداً
ـ الكاتب والصحافي والرفيق
المناضل السوري رضا حداد (1954 ـ
1996)، أحد أنبل وأجمل ضحايا هشام
بختيار. ولد الشهيد رضا حداد عام
لأب دمشقي وأمّ لبنانية جنوبية،
ودرس في بيروت، ونشط في صفوف
حركة "فتح" ومنظمة العمل
الشيوعي في لبنان، وشارك في
نضالات المقاومة الفلسطينية
والحركة الوطنية اللبنانية. درس
اللغة الفرنسية وآدابها في
جامعة دمشق، وعمل في الصحافة.
انضم إلى صفوف الحزب الشيوعي
السوري (المكتب السياسي) عام 1979،
واختطفته المخابرات العسكرية
من أحد شوارع دمشق أوسط تشرين
الاول 1980، وبقي في الإعتقال حتى
العام 1995، تنقّل خلالها بين
سجون الشيخ حسن والقلعة وعدرا.
توفي مساء الاثنين 10/ 6/1996، بعد
صراع مع السرطان.
وفي
هذه الفقرات من شهادته يتحدث
رضا حدّاد عن مجرمَي الحرب هشام
بختيار وعلي دوبا:
"(...)
تجنبت طوال الحديث السابق
الكلام عن مرحلة الإعتقال
الأولى، وفترة التحقيق، لأن
ذكراها تؤلمني، تشوشني، تحيي في
داخلي كل مشاعر الذل والمهانة
والألم النفسي، عندما تصبح لا
شيء وهم يؤكدون لك بوسائلهم في
كل لحظة انك مجرد رقم يمكن أن
تمحى ليس من سجلاتهم بل من
الوجود متى شاؤوا وببساطة. رقمي
أنا كان 61... هذا ما علمته بعد
عودتي من المشفى إلى فرع
التحقيق. قضيت في المستشفى سبعة
أيام، إثنين منها في غرفة
العناية المشددة وأنا بحالة
غياب كامل عن الوعي. والسبب
ببساطة [أنهم] طلبوا مني بعد
اعتقالي بدقائق وأنا معصوب
العينين ومغلول اليدين
والقدمين، طلب مني هشام بختيار،
وهو عميد حالياً، كما طلب فيما
بعد علي دوبا رئيس شعبة
الإستخبارات العسكرية، تزويده
بمعلومات لا أملك منها شيئاً.
قال: "قل ما نريد و ستعود إلى
عملك وبيتك، أنت صحفي ومثقف
ونحن لا نريد إيذاءك". رغم
شعوري بالخوف ابتسمت في سري،
خمسة عناصر مسلحون بالرشاشات
الكلاشينكوف يسوقونني في منتصف
الشارع ويخطفوني من الطريق،
يعصبون عيني ويكبلون يدي
بالأصفاد، ويقول "لا نريد
إصابتك بأي أذى"! أكدت لهما
عدة مرات أني لا أملك معلومات عن
الموضوع الذي يحققون به. نعم،
أنا صديق ومؤيد لخطّ الحزب
الشيوعي السوري (المكتب السياسي)،
لكن هذا لا يعني إمتلاكي
المعلومات التي تطلب، أجبت
السيد علي دوبا.
وبدأت
دورة العذاب الجهنمية التي تركت
آثارها في أيامي وطيلة حياتي
المتبقية. آثارها جسدية تمثلت
بأعطال شبه دائمة وأخرى مؤقته،
وآثار نفسية لن تمحوها السنوات.
عُلقت على سلم حديدي مرتفع، يدي
مشدودة إلى عارضة حديدية وجسمي
يلوح في الهواء مرتفعاً عن
الأرض بقدر متر تقريباً، بعد أن
جُردت من كافة ملابسي. كل هذا
وعيناي معصوبتان بعصابة سوداء،
مع عدة لكمات في البطن وأسفل
الظهر. لم أستطع تحديد الوقت
الذي بقيت فيه معلقاً أتأرجح في
الهواء. كل ما أذكره الألم
الفظيع في عضلات البطن، ثم تشنج
وصبيب من العرق، وغياب عن الوعي.
صحّوني لتبدأ مرحلة أخرى من
العذاب. الضرب بالكابلات على
القدمين حتى تورمتا تورماً
كاملاً. وكلا الضابطين يعيدان
نفس الأسئلة أثناء عملية الضرب،
وأنا أؤكد أني لا أملك أية
معلومات تفيدهم في الموضوع
المطروق. إغماء مرة أخرى. وجدت
نفسي بعدها مربوطاً إلى كرسي،
وركبتاي تبرزان إلى الأمام
وتسبب في ثني ساقي وربطهما
بطريقة لا أعرف كيف تتم حتى هذه
اللحظة، لأني كنت في حالة تشوش
عالية، ولا تزال العصابة على
عيني وفخذي في وضعية الفسخ.
تناول
العميد هشام جسماً صلباً
مفلطحاً وأخذ يضربني بشدة ولؤم
على ركبتي ويكيل لي السباب
والشتائم بلغة فاحشة مليئة
بالبذاءة والرذيلة: "يا كلب،
يا حيوان، أنت حشرة سأمعسك
بقدمي. يا إبن الشرموطة سأفعل
وأترك بأخواتك وأمك "... ويعيد
الضرب، وأنا أكرر الإجابة ذاتها.
كان اللواء علي دوبا أمهر منه
بكثير في السباب والشتائم، ولا
غرابة في ذلك فهو رئيسه. وبعد أن
ثار غضبه، أخذ علي دوبا يكلمني
ويركلني بقدميه، وقال: "والله
يا كلب، يا إبن الشرموطة، إذا ما
إعترفت، لأحضر زوجتك،
هالشرموطة، وأعريها قدامك هون،
وأفعل فيها"... أصبت بدوار
شديد وشعرت برغبة شديدة في تقيؤ
كل محتوياتي في وجه هذا الوحش.
غبت عن الوعي مرة أخرى. وصحوت
لأجد نفسي ممدداً على الأرض. وقد
ربطوا بأصابع يدي ورجلي سلكين
كهربائيين، وبدأ التيار يسري في
جسدي وأنا ممدد على أرض مبللة
بالماء. العميد بختيار يقف عند
رأسي، واللواء علي دوبا يجلس
على كرسي. للحظات قليلة استطعت
مشاهدته من خلال فرجة تحت عصبة
العينين السوداء لأني كنت في
وضعية استلقاء كاملة. كان يرتدي
بنطالاً سكرياً حريرياً، يضع
رجلاً على رجل، وفي فمه سيكار
ضخم، و يحمل في يده كأساً من
الويسكي. هذا ما شاهدته حقاً
وأنا أرتعد من سريان التيار
الكهربائي في جسدي، والألم يمزق
كل خلية في جسمي وبشكل خاص دماغي.
كانوا يقفون للحظات يعيدون
السؤال، ثم يسكبون الماء على
جسدي، و يعودون لتمرير التيار
الكهربائي. لم أستطع معرفة
مقدار المدة الزمنية التي
قضيتها تحت التعذيب. وفي
المرحلة الأخيرة لم أعد أقدر
على إحتمال الألم. رأسي كرة
تلتهب، أشعر بأني أتمزق
وأتلاشى، دماغي تكاد تنفجر من
شدة الألم والتيار لا يتوقف عن
السريان في عروقي. بيأس كامل
أخذت ألطم رأسي بشدة بالأرض،
بكامل القوة التي بقيت في جسدي
كنت أرفع رأسي لأخبطها وأضرب
الأرض بشدة. أخذوا يشتمونني.
أمسكوا برأسي. وقف علي دوبا
مغتاظاً من عدم وصوله إلى أية
نتائج مرجوة لمعلومات لا أملك
منها شيئاً، وأخذ يركل رأسي
بحذائه بقسوة، ويدوس على رقبتي،
ويدخل مقدمة حذائه في حلقي وهو
يقول غاضباً: "بدّي موتك
ياعرص يا إبن الشرموطة! تريد أن
تموت بطلاً؟ سألبي لك رغبتك،
موت يا شرموط يا إبن العاهرة
". وسمعت شتائم لم أسمعها طيلة
حياتي من بشر. ثم تناول خيزرانة
وأخذ يضربني بها على مختلف
أنحاء جسدي. وهشام يشاركه الضرب
بكابل نحاسي. لقد فقد صوابه،
وتكسرت عصاه، فتناول الكابل من
يد هشام وأخذ يتابع ضربي بشكل
هستيري. لم أعد أشعر. غبت عن
الوعي تماماً. بعد مضيّ ساعات
وجدت نفسي في مشفى لا أعرفه،
علمت فيما بعد أنه مشفى المزة،
حيث قضيت سبعة أيام، أعدت بعدها
إلى فرع تحقيق
المنطقة، حيث قضينا خمسة عشر
يوماً ملقيين على أرضية غرفة
تقع تحت الأرض. خمسة وخمسون
رجلاً في أربعة أمتار مربعة لا
نعرف ليلاً من نهار، عيوننا
معصوبة في الليل والنهار
وأيدينا مكبلة بالأصفاد طيلة
أربعة وعشرين ساعة، والسجان
مقيم معنا في الغرفة. كل عدة
ساعات يغيرون السجان الذي يحمل
في يده كابلاً نحاسياً لمعاقبة
كل من يحاول الكلام مع جاره.
العقوبة ضربات وركلات وشتائم
لكل من يهفو بحرف إلى جاره الذي
يلتصق جسده
بجسده، أو يحاول التخفيف من
أثر العصابة التي على عينيه بأن
يحك عينه من فوق العصابة
الجلدية الضاغطة على العينين.
أنا
شخصياً كنت في شبه حالة انفصال
عما يحدث، لأني أعاني من آلام
حادة في كافة أنحاء جسدي لم أكن
أستطيع الوقوف أو المشي دون
مساعدة أحد للسير عدة أمتار
خارج الغرفة لقضاء حاجتي في
التبول. أما التغوط فلم يحدث،
فقد أصبت بإمساك حاد، طيلة
أسبوعين لم أستطع التغوط مما
أدى إلى إصابتي بتشققات شرجية
توسعت مع سني السجن الطويلة
الخمسة عشر، وعانيت بسببها
آلاماً مبرحة. اكتشفت بعد
استعادتي لوعيي بالتدرج أني
مصاب بشلل نسبي في يدي، فأنا لا
أستطيع حمل السندويشة بأصابعي،
بل بجماع كفي وكذلك كأس الماء
(...) وها أنا أكتشف بعد أربعين
يوماً من إطلاق سراحي أني مصاب
باللوكيميا، ابيضاض الدم. رغم
أني غادرت السجن إلا أنه لم
يغادرني. فآثار آلامه تغلغلت في
دمي، لكن روحي ما زالت تهفو إلى
الحرية والكرامة والعدالة"...
انتهت
الإفتباسات من الشهيد رضا
حدّاد، وهي بذاتها في غنى عن أيّ
تعليق. هي، مع ذلك، ليست في ذمّة
التاريخ فقط، وليست جزءاً لا
يتجزأ من نضالات أبناء سورية في
سبيل الكرامة والحرية
والديمقراطية فحسب؛ بل هي أيضاً
وثيقة قانونية سوف لن يطول
الوقت حتى تنقلب إلى دليل إدانة
ضدّ الجلاّد في محكمة الشعب. ولا
يخطئنّ هشام بختيار الظنّ، هو
وأمثاله من الوحوش ومجرمي الحرب:
ساعة الحساب آتية لا ريب فيها!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|