ازدواجية
النظرة بين تقرير ميليس
وأحكام
المحاكم الميدانية في سورية
المحامي
هيثم المالح
معلوم أن ديتلف
ميليس قدم تقريرين لمجلس الأمن
بناء على قرار تشكيل لجنة
التحقيق الدولية التي ترأسها .
وما إن قدم تقريره هذا حتى انبرت
له سهام الحكم في سورية تتهمه
بالتحيز والتسييس وما شابه ذلك .
معلوم أن لكل شخص أو
فئة أو حكومة أن تنظر للأمور من
منظارها الخاص وتدلي برأي قد لا
يكون موافقاً للمجموع ، ونحن
نقول أن رؤية السلطة في سورية هي
واحدة من هذه الرؤى ولها أن تقول
ما تعتقده .
ولكن ما يثير
الدهشة هو أن أحكاماً صدرت عن
المحاكم الميدانية العسكرية
بالإعدام - خارج مفهوم الشرعية
والعدالة- طالت الآلاف من
المواطنين ، وكانت أحكامها
مستمدة من تحقيقات مخابراتية
جرت في ظل ممارسة تعذيب بالغ
مورس على المعتقلين بصورة لم
يكن ممكناً لأي معتقل إلا أن
يوقع على إفادات لم يقلها أو
قالها كما أمليت عليه ودون أن
يكون له أي خيار في ذلك ،
والعديد من المعتقلين ماتوا تحت
التعذيب قبل أن يصلوا إلى
المحكمة والشواهد أكثر من أن
تحصى .
وفي مقابلة مع وزير
الدفاع السابق السيد مصطفى طلاس
في مجلة دير شبيغل لشهر شباط عام
2005 صرح فيها أنه كان يوقع
أسبوعياً على 150 حكم بالإعدام في
دمشق وحدها .
انتقدنا الأحكام
التي صدرت عن المحاكم الميدانية
العسكرية ،و القضاة الذين تولوا
مسؤولية توقيع أحكام خارج إطار
القانون مسؤولون عن عملهم ، كما
قلنا أن الأحكام التي كانت
تصدرها هذه المحاكم والتي لا
يستغرق إصدارها أكثر من دقائق
معدودة بحيث يحكم بالإعدام على
الماثل أمامها دون أن يعطى أية
فرصة للدفاع عن نفسه أنها أحكام
باطلة0 وجرت المحاكمات في سجني
تدمر والمزه ونصبت المشانق
لتحصد المواطنين هناك ، وجرى
الدفن في مقابر جماعية .
من جهتي سطرت مذكرة
للرئيس وضعته أمام دراسة
قانونية ظننت أنها ستدفع لإجراء
تحقيق حول ما جرى في الماضي ،
إلا أن النتيجة كانت أنه أمر
بإحالتي إلى القضاء العسكري
لمحاكمتي بتهم القدح000إلخ .
لا بأس فللرئيس
رؤيته وأنا احترم هذه الرؤية ؟،
إلا أن ما يثير دهشتي هو أن تصب
السلطة السورية جام غضبها على
تقرير لجنة التحقيق الدولية
لمجرد الشبهة من أنه مسيس أو
مغرض متحيز ضد سورية ، بينما
تعرض عن النظر في الإعدامات
الجماعية التي طالت المواطنين
دون أن يحق لهم الدفاع عن أنفسهم
، أو منحهم الحق في هذا الدفاع،
ودون أن يكون القضاة الذين
حاكموهم يتمتعون بصفة القضاة من
حيث المؤهل العلمي .
معلوم أن المادة 16
من مرسوم إحداث جهاز أمن الدولة
رقم 14 لعام 1968 قد أعطت صلاحيات
للعاملين في أجهزة الاستخبارات
ليرتكبوا الجرائم دون محاسبة ،
وقد مات بالاستناد إلى نص هذا
القانون أعداد كبيرة من
المواطنين في السجون وخارجها ،
وكتبت في هذا العديد من الرسائل
التي وجهتها لرئيس الجمهورية
وللمسؤولين وحتى الآن لم يتحرك
أحد لإلغاء
شرعنة الجريمة التي
يعطيها هذا القانون لممارسيها ،
في حين يجري ممارسة الضغط
الإعلامي ضد تقرير هيئة التحقيق
الدولية فكيف لنا أن نوفق بين
الموقفين ؟
إن السلطات في
سورية وعلى رأسها رئيس
الجمهورية مطالبة بما يلي:
إلغاء المادة 16 من
مرسوم إحداث جهاز أمن الدولة
رقم 14 لعام 1968 .
إلغاء القانون 49
لعام 1980 وما نتج عنه من آثار .
الكشف عن أسماء
المفقودين وإعلام ذويهم ليصار
لتسوية أوضاعهم القانونية مع
تسليم جثثهم في حال الإمكان .
كل ذلك حتى تثبت لنا
السلطة بأنه لا ازدواجية في
المعايير، وأنها لا تستخف بعقول
مواطنيها في المشهد الإعلامي
الماثل أمامنا .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|