حافظ
الأسد حارب الجميع من أجل بشار
وإخوته...
فهل
نجح في مسعاه؟
الطاهر
إبراهيم*
سياسة
الشطب والإلغاء التي اعتمدها
الرئيس حافظ الأسد مع كل من كان
يبدي أدنى حركة احتجاج أو
اعتراض ممن عمل معه من أعوانه،
خلال فترة حكمه التي دامت ثلاثة
عقود، جعلت كل الذين خدموا معه
يتحركون تبعا لأوامره كما يتحرك
أعضاء الفرقة الموسيقية بين يدي
"المايسترو" .
فبعد
أن بطش بالرفاق أعضاء القيادتين
القومية والقطرية ،بانقلابه
عليهم في نوفمبر 1970 بما أصبح
معروفا بالحركة التصحيحية،
وأودعهم في المعتقلات، حتى فارق
بعضهم الحياة وهو في السجن مثل
صلاح جديد، تفرغ بعد ذلك ليبني
إمبراطوريته الأمنية "طوبة
طوبة"، كما يقول الأخوة في
مصر .وقد كان شعاره أنه ليس هناك
شيء محرم ولا مقدس عنده إلا نفسه
وأولاده،وما عدا ذلك فكل شيء
قابل للمساومة عليه في سبيل
البقاء في السلطة.
فأثناء
وجود الرئيس في غرفة العناية
الفائقة، وكان شكّل قبل دخوله
المستشفى لجنة سداسية لتقود
البلاد قبل أن يدخل في غيبوبة
طويلة ابتدأت من نهاية شهر
ديسمبر 1983 ،ما جعل شقيقه
الأصغر"رفعت الأسد" يشعر
بالخوف من ضياع السلطة،إذا
مااختطف الموت الرئيس ،والسلطة
بيد اللجنة، فدفع بنفسه إلى
مركز الحكم مدعوما بكبار ضباط
الطائفة .
وعندما
علم حافظ الأسد بما فعله شقيقه
"رفعت" وما يرتّبه ذلك من
خطورة على توريث ابنه البكر
"باسل"، سارع إلى تطويق
الأزمة، فنزل بنفسه ،وكان ما
يزال في طور النقاهة، إلى
الشوارع، حيث احتلت وحدات سرايا
الدفاع التي يقودها "رفعت"
المراكز الاستراتيجية في
العاصمة دمشق. وسرعان ما استطاع
تطويق الأزمة، وأعطى شقيقه
إجازة إجبارية إلى "موسكو".
وعندما عاد رفعت إلى دمشق وجد كل
شيء منتهيا، حيث حُلّت سرايا
الدفاع، ووزعت عناصرها على
وحدات الجيش ،ولم يكن أمامه إلا
الإذعان.
فإذا
كانت هذه هي معاملة حافظ الأسد
لشقيقه، فقد أخذ جميع الأعوان
علما بذلك، وكان ذلك درسا لكل من
تحدثه نفسه بالتطلع إلى أكثر
مما هو مسموح به. ولعل بعض
الأمثلة تعطي القارئ فكرة،إلى
أي مدى كان حافظ الأسد جديا
وقاسيا مع أعوانه عندما يحيد
أحدهم عما هو مرسوم له ضمن
الخارطة التي يجب أن تنفذ حرفيا.
بعض من
كان حول الرئيس، ظن أن انتماءه
إلى الطائفة يجعل له ميزة، مثل
"علي حيدر" قائد الوحدات
الخاصة وبطل تدمير "حماة"
في عام 1982 ، التي قتل فيها أكثر
من عشرين ألفا من أهلها، لم
يستطع ضبط لسانه فتم إنهاء
تطلعاته ونسيه الناس.
محافظ
اللاذقية "شفيق أرناؤوط"،
أعفي من منصبه في تسعينيات
القرن العشرين، من دون أن
يُبَيّن له السبب. فذهب إلى
"قصر الشعب" يطلب المقابلة.
وقد أخذ الرئيس به علما، غير أنه
لم يسمح له بذلك. وبعد تردد أمام
القصر يوميا لأكثر من أسبوعين،
قيل له اكتب ما تطلب. فأرسل
قصاصة يسأل فيها عن الخطأ الذي
وقع فيه. فكتب له الرئيس : أنت لم
تخطئ، وإنما نحن الذين أخطأنا
عندما اخترناك محافظا.
أما
موضوع انتحار أو نحْر رئيس
الوزراء الأسبق "محمود
الزعبي"، فما يزال في
الذاكرة، وهو أشهر من أن ينسى.
أما رئيس الأركان العماد
"حكمت الشهابي" الذي نكّل
بأهل مدينته "حلب"، إرضاء
لحافظ الأسد، فقد بدرت منه
إشارة توحي بعدم رضى عن توريث
"بشار" للحكم، ولأن شوكته
لم تكن حادة فقد عوقب بأن استغني
عن خدماته فقط .
ما
أردت قوله هو أن الرئيس السوري
الراحل كان يمسك الأمور بيد من
حديد، غير غافل عما يدور من حوله
في نفوس أعوانه وأعدائه، فدانت
له السلطة، بعد أن دفع ثمنا لذلك
ما ظهر أواخر سنوات حكمه من
أمراض مستعصية في جسمه.
صحيح
أنه استطاع أن يجعل سورية أكثر
استقرارا في ظاهر الأمر فلم
يجرؤ أحد على أن يرفع رأسه
معارضا بعد أن حطم العمود
الفقري للمعارضة الإسلامية في
حماة عام 1982 ، لكن الصحيح أيضا،
أن البلاد دفعت أثمانا باهظة في
نواحي الحياة كلها، في الاقتصاد
والحريات والأمان النفسي .
عندما
جاء الرئيس بشار الأسد إلى
السلطة في تموز "يوليو" عام
2000 ،ظن أن الاستقرار الظاهري في
سورية يمكن أن يستمر، طالما أن
"سدنة" أجهزة الأمن الذين
كانوا يمسكون بمفاصل البلاد في
عهد أبيه ما يزالون على رأس
عملهم، وأن واشنطن التي كانت
راضية عن أبيه لن تنقلب عليه .
واشنطن
لسبب أو لآخر سحبت الغطاء الذي
كان في عهد حافظ أسد ، فماذا عن
الأعوان ؟ قد لا نقبل بكل ما
يتناثر من أخبار عما يجري داخل
أسرة حافظ الأسد. ولكن ورود
الخبر من
أكثر من مصدر يجعل له مصداقية
أكبر.
لم
يعد بشار يتفرد بالحكم كما كان
الحال مع أبيه، فقد أصبح له
شركاء من داخل الأسرة. أخته بشرى
وزوجها،وأخوه ماهر قائد الحرس
الجمهوري.وسواء أكان مأزق
الرئيس بسبب توزع القرار بين
الأخوة، أو أن الرئيس ليس لديه
الحزم الكافي لاتخاذ القرار
المناسب في الوقت المناسب، فإن
مجال المناورة ضاق عنده حتى كاد
ينعدم .
أوردت
بعض الصحف أن الرئيس
"مبارك" نصح "بشار"
بأن عليه أن يصرف النظر عن
التمديد للرئيس "لحود"
فوعده بذلك. وفي لقائهما الثاني
اعتذر بأن الأمر خرج من يده، بعد
أن أعطى "ماهرُ" تعليماته
إلى "رستم غزالي" بالمضي في
التمديد حتى النهاية.
"رستم
غزالي" واحدٌ من الأعوان، كان
يعمل لصالحه، وقد أضر بلبنان
وسورية وبالرئيس السوري شخصيا،
بسبب حماية ماهر له. اتهمه نائب
الرئيس السوري "خدام"، في
لقائه مع قناة "العربية"،
باختلاس 35 مليون دولار من بنك
المدينة، فلم يفعل الرئيس بشار
معه شيئا بسبب حماية ماهر له،
مما يؤكد أن قسما كبيرا من
السلطة بيد ماهر .
ظهور
الشاهد "المقنع" في مؤتمره
الصحفي الذي بثه تلفزيون دمشق،
وصدور قرار مجلس الأمن رقم 1644 ،
جعلا النظام السوري يتنفس
الصعداء، معتقدا بأن الرياح
عادت لتدفع شراع سفينته نحو بر
الأمان من جديد بعيدا عن صخور
القرصان "ميليس" ولجنته.
غير أن سمكة القرش "خدام"
التي كانت تتربص في مياه
"باريس" لطمت السفينة. ولا
أحد حتى الآن يعرف مقدار الضرر
،الذي سببته هذه اللطمة، بتماسك
سفينة النظام .
لعل في
ما أوردت من أمثلة، عن ضياع
المرجعية بين أكثر من رأس في
النظام السوري، يعطي فكرة واضحة
عما آل إليه الأمر من تضارب
بمواقف النظام من مختلف
المشكلات المستجدة يوميا، ما
جعل موقف النظام هشا تجاه
المتربصين به.
نشير
،فقط، إلى قضية واحدة أظهرت
الفرق الشاسع بين معالجة الرئيس
الراحل لما واجهه من مشاكل،
ومعالجة الرئيس بشار لها. فما
كان حافظ الأسد ليدع "خدام"
يترك السلطة بعد أن خَبِره خلال
أكثر من ثلاثة عقود، مع ما يعرف
عن فساده المالي وفساد أولاده.
ولو
فرضنا أنه أحس بشيء مما يدور في
خلد "خدام"،لم يكن ليدعه
يخرج من سورية. بينما استطاع
أعداء خدام أن يوغروا صدر
الرئيس عليه، فأقيل أو
استقال،ثم تركه يخرج ليختار
الفرصة المناسبة لينتقم لنفسه
كما سمعنا ورأينا .
الرئيس
بشار الأسد، وخلال أكثر من خمس
سنوات من حكمه، لم يكن ليخطر
بباله أن يلجأ إلى الشعب
السوري، عند ما تعصف به
الأنواء، فقد كانت وصية والده
له أن يبقي علاقته مع واشنطن في
أحسن حالاتها، وأن يعمل على
تقوية الأجهزة الأمنية.
أما
واشنطن فقد قالت كلمتها،
وأولويتها في سورية هو البحث عن
بديل لنظام حزب البعث، على غرار
ما فعلت في العراق. وفي الوصول
إلى ذلك قد تحاول تأهيل رمز أو
أكثر من رموز حزب البعث، ليس
الرئيس بشار بالتأكيد، بل من
قيادات قديمة .
أما
الأجهزة الأمنية فإنها إن نجحت
في قمع المواطنين السوريين،
فإنها ،أبدا، لا يمكن أن توقف
الانهيار إذا بدأ بنيان النظام
السوري بالتصدع. وأغلب الظن أنه
عندما تحين الساعة لمواجهة
الاستحقاقات، سوف لن يجد الرئيس
من "يفزع" له، لأن "حراسَ
مصالحهم" ،كما أسماهم هو
نفسه، سيجدهم قد تركوا الساحة
وانصرفوا عنه فلم يعد لديه ما
يغريهم بالبقاء .
*كاتب
سوري يعيش في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|