ميلودراما
الشرق والغرب
ناصر
المؤيد
منذ عدة سنوات وأنا أعمل في شركة
تضم بعض الخبراء الغربيين، وكان
أحد هؤلاء مهندساً متغطرساً،
يعتقد بأن الغرب أفضل من الشرق
في كل شيء، وهو لا يفتأ يستغل كل
مناسبة لتوجيه سهامه الحاقدة
إلى أهل الشرق، وأحياناً يوجه
سهامه بلا مناسبة.
تضايق منه الزملاء، وطلبوا مني
أن أرد عليه، فاشترطت أن يكون
ذلك في مناظرة علنية، تضم كل من
يرغب في الاستماع إليها من
العمال والمهندسين والموظفين
والمحاسبين والفراشين وغيرهم،
ووافق الرجل، وحدد المنظمون
المكان والزمان، وكعادتنا أهل
الشرق في الأدب والذوق، تركت
المجال للرجل الغربي أولاً،
فألقى علينا محاضرة لم تستغرق
أكثر من عشر دقائق، عما وصل إليه
الغرب في مجال الديمقراطية
وحقوق الإنسان و العدل، مما
أثمر مجتمعات متفوقة علمياً
وتكنولوجياً ... ولما فرغ من
محاضرته القصيرة جاء دوري، فقلت:
أنا يا سيدي المحترم لا أملك
موهبتك في إلقاء المحاضرت،
ولكني سأثبت لك أننا متفوقون
عليكم حضارياً، وفي هذا يحصل
التوازن، فأنتم تذهبون
بالمادة، ونحن نفوز بالقيم...
وأرجو ألا تستعجل علي (قلت ذلك
حين رأيته يزم فمه ويقطب حواجبه
في غيظ واحتقار) ... وأن تتكرم
بالإجابة عن أسئلتي المتواضعة،
وسأحصر أسئلتي حول بلدي الحبيب
سوريا، كنموذج..
* هل عندكم زعيم يفوز في
الانتخابات بـ 99 بالمئة؟
ـ لا ..
* هذا يدل على أن زعيمنا أفضل من زعمائكم ..
مع العلم أنه في آخر استفتاء
أعلنت النسبة بـ 97.5 بالمئة،
وهذا من قبيل التواضع، وإلا
فالحقيقة أن النسبة كانت مائة
بالمائة .. وهنا صفق الحاضرون لي
طويلاً.
* السؤال الثاني: هل عندكم في الغرب نظام
جمهوري وراثي؟!
ـ لا ...
* وهذا شيء آخر نحن أول من اكتشفه وسنظل
نتفرد به.
* هل تستطيعون في الغرب تعديل الدستور في
ربع الساعة ليناسب مقاس الرئيس؟!
هل عندكم مرونة كهذه في
قوانينكم؟!
ـ لا ...
* أنتم تتحدثون في الغرب عن حقوق الأقليات،
هذا أمر جيد بالطبع، ولكن هل بلغ
بكم التسامح حداً جعل الأقلية
تحكم الأكثرية؟!
ـ لا ...
وازداد التصفيق الحار...
* أما عن حقوق الإنسان، فهل عندكم
مثلاًَ شاب يقتل في حادث سير،
فتسمونه شهيداً، وتسمون باسمه
الشوارع والملاعب والجامعات،
وتجعلون منه رمزاً؟! هل
تستطيعون الزعم بأنكم تدللون
الإنسان مثلنا؟!
ـ لا ...
* عندنا القائد والمثل والرمز .. هل عندكم
شيء كهذا؟!
ـ ماذا تقصد بالقائد والمثل
والرمز؟
اجبت :
لا، هذه معاني لن تفهمها إلا بعد
مائة سنة.. وتابعت احراجاتي له
بقولي:
لقد استطعتم تحييد رجال الدين في
حياتكم، ولكن هل عندكم المقدرة
على تسخير رجال الدين لرجال
الدنيا؟!
ـ لا ...
* خذ مثلاً القدرة على الاختصار، وهي من أهم
الفضائل، هل عندكم القدرة على
اختصار العالم بالأمة، والأمة
بالوطن، والوطن بالقائد .. أعني
أن تختصروا العالم في واحد، كما
قال الشاعر
ليس على الله بمستغرب
أن يجمع العالم في
واحد
* بدأ وجهه يصفر، وقال: لا ..
وعلا التصفيق والصفير والتشجيع،
فأحسست بالنشوة العارمة،
وأطلقت سؤالي الأخير كالقنبلة
العنقودية:
* لنفرض أنكم ابتليتم بحاكم
مستبد، قتل أبناءكم وشرد شبابكم
ونهب أموالكم وضيع أرضكم ودمر
مدنكم ولعن أمكم على أبيكم،
فماذا تفعلون؟!
ـ هذا لن يكون أبداً..
* لنفرض جدلاً، كما يقول المناطقة، أنه حصل،
ماذا تفعلون؟!
ـ كنا سلخنا جلده و لعنا أمه على
أبيه.. وجعلناه عبرة لمن يعتبر،
ولمن لا يعتبر..
* أما نحن فبصبرنا وحلمنا وطيب أخلاقنا وكرم
أصولنا، فقد جعلنا منه القائد
إلى الأبد، وأقمنا له التماثيل
ووضعنا صوره في كل مكان، وهتفنا
له بالروح والدم، نفديك يا ...
حتى إنه عندما مات جئنا بابنه
مكانه، فهل عندكم أخلاق
كأخلاقنا؟!
وحينها دوى التصفيق بشكل أصمَّ
الآذان، وانسل الرجل الغربي
خائباًَ خاسئاً، وهو يقول كلمة
ترجمها لي أحد أصدقائي بأنها
تعني عندنا في العربية: طظ.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|