بين
مجموعة
دمشق ....... وإعلان دمشق
نجاح وإخفاق
سلمى
السهروردي
كان آخر ما كتبت نصيحتي للسيد
بشار الأسد ان يفتتح عيادة
لطبيب ناجح في المالكي او في (
ابو رمانة ). يبدو ان هذه النصيحة
لم تبلغ مداها. وان هناك من يحضر
للرئيس غرفة اكثر تواضعا من
عيادة ...
أخرجني الرفيق عبدالحليم خدام
اليوم عن صمتي ، موقفه حدث خطير
في تركيبة النظام. ربما هذه آخر
مره استعمل فيها هذه المفردة (النظام)!!
فلم يعد في دمشق على ما اظن (نظام).
أعني لم يعد هناك بناء هرمي او
حتى سياسي . هناك اليوم مجموعة
الخمسة او الستة او التسعة التي
تلاحقها لجنة التحقيق الدولية
لتصطادها، وهي تحاول ان توسع
الأنشوطة التي لفها اغتيال
الحريري حول النواصي والأقدام.
يخرجني الرفيق خدام اليوم عن
صمتي لأني ربما اعتبره أول
عنوان حقيقي لمعارضة سورية .
ليست هذه محاولة للانتقاص من
الآخرين. اعتقدت دائماً ان هناك
ركائز قوية لمعارضة سورية؛ لكن
هذه الركائز، كما كنت اشعر
دائما، ينقصها العنوان. إذا
سألنا ناشر الكتب عن مدى
التلازم بين عنوان الكتاب
ومضمونه لتحقيق معادلة النجاح
سندرك مدى حاجة المعارضة
السورية لهذا العنوان ...
كان ( إعلان دمشق ) محاولة مهمة
على طريق إطلاق هذا العنوان.
يومها تناولت القلم لأكتب ، عن
الإعلان، او لأعلن الانضمام
إليه، ثم تريثت. أردت أن ارى
بوادر عملية لنجاح هذه المبادرة.
تساءلت: هل سيتحول الأعلان إلى
مجرد فقاعة اعلامية تلفت النظر
ثم تنفقئ في الهواء او انها
ستكون خطوة الألف ميل على
الطريق الطويل؟! مع مرور
الأسابيع ترجح لدى الأحتمال
الأول . لا أريد ان أكون أول من
ينعى هذا الأعلان . فلتكن هذه
الأسطر بمثابة النذارة
للمشفقين عليه. لم يكن لي اعتراض
حقيقي على الأعلان ، ولاعلى
الجهات التي انضجته وأعلنته ،
ولا على تلك التي التحقت به .
علينا أن نتقبل التفكير المشترك
، والعمل المشترك . مادام قد فرض
علينا العيش المشترك . نحن
جبريون في انتمائنا الوطني كما
في الجينات المكونه لشخصياتنا.
اعتبر من بعض ملامح النضج ان
نبدأ بوعي هذا . في بلدنا مثلاً
تؤثر بعض النساء الحجاب، ويرفضن
الأختلاط، علينا ان نعي هذا على
الصعيد الأجتماعي . ولا ننظر إلى
الأخرين بازدراء أو إقصاء حتى
لاينظروا إلينا بتكفير أو تفسيق
. المثل الأجتماعي الذي أسلفت
يجب أن يمتد إلى عالم العقائد
والمذاهب والأفكار وإلى انماط
السلوك والمناهج السياسية.
شراكة جبرية علينا ان نتقن فن
توليفها.
راعتني في اعلان دمشق امور ، لعل
أولها وليس أبسطها كما يبدو، ان
صياغتها لم تمر على سيبويه أو
الزمخشري صاحب اساس البلاغة، أو
على الجرجاني او السكاكي ولاحتى
على القزويني!! غابت عن الإعلان
طلاوة الكلام العربي!! ونحن
ابناء وبنات امة ماتزال تسجد
عند مفاصل آيات البيان، فلماذا
هذه العبارة المترجمة بركاكة
متعمدة. تشبه ما ذكر بعض الأدباء
في القديم عن (العبارة
الإنجيلية) مع احترامي وتبجيلي
لكل كتب الله. خيل إلي ان البعض
يظن في الركاكة نوعا من
الحداثة، أو المعاصرة أو الروح
العملية التي تنأى بصياحها عما
يسمى مدرسة الإنشاء..
كما راعني في الإعلان أن يحل
مفهوم (المنظومة) محل مفهوم
الأمة. من قرأ هذا الإحلال في
إطار الأجندة الدولية، لا بد أن
يتوجس ريبة وشراً. لا أريد أن
ألقي اللوم في هذا على المشاركة
الكردية الكثيفة نوعاً ما.
فالأكراد هم طرف آخر من الشركاء
الجبريين كما عبرت، وهم
مازالوا، وهذا من حقهم يحلمون
بدولة كردستان الكبير، فهل
سيحجرون علينا الحلم بعربستان
الأكبر؟!!
عندما صدر (إعلان دمشق) كان
المقصود أن تعلن المعارضة
السورية عن نفسها. وعن عنوانها
وأن تبدأ بإزاحة مجموعة دمشق عن
ساحات ثلاث: الساحة الدولية
والساحة الإقليمية والساحة
الشعبية العربية.
مع الرياح المواتية نجحت
المعارضة اللبنانية في إماطة
السيطرة السورية على القرار
اللبناني. وفي قصقصة الأذرع
والألسن التي تعمل بشكل غير
مباشر في لبنان لحساب سورية.
ونجحت ثالثاً في جعل التحقيق في
مقتل الحريري مطلبا دوليا.
قد يظن البعض أن هذه النجاحات
كانت سهلة!! وقد يتناسى هؤلاء
وأولئك أن على الساحة العربية
من هو مستعد لدفع دية الحريري (لآل
الحريري) وللشعب اللبناني، إن
لم يكن من المال السوري العام،
فمن خزائن النفط الملأى في دول
الخليج العربي. أو ربما من
موفورات (العيش البلدي) للكادح
المصري. فالرئيس مبارك يرى في
بقاء بشار الأسد دشمة حماية
متقدمة!! كما يرى في نجاح تجربة
التوريث السورية مأرباً آخر غير
تلك التي ذكرها موسى في عصاه..
العمل العربي وربما بعض الدولي
يحاول الالتفاف على دم الحريري.
وإقناع آل الحريري بقبول الدية،
تحت شعار (والصلح خير...). ولكن
اللبنانيين ناضلوا وما زالوا
يناضلون بشراسة يفتقدها
المناضل السوري في الداخل
والخارج. فأشرس المناضلين
السوريين اليوم يكتبون بأناقة
ويتحركون بأناقة محسوبة أكثر.
فهل يستعد خدام ليلعب دور
المناضل العفيف..؟!
على الساحة الدولية، ما تزال
الكفة راجحة لمصلحة مجموعة دمشق.
ثمة صنجة في تلك الكفة لن يكون
بمقدور المعارضة لسورية
معادلتها. فمجموعة دمشق منذ
الخامس من حزيران هي الخيار
الصهيوني المقفع الذي لا يكشف
عنه إلا اضطراراً في الملمات.
وهذا ما أفصح عنه شارون أخيرا!!
بشار الأسد الخيار الأقل سوءا
على الساحة لسورية. الأغرب في
هذا أن يتوافق خيار شارون
الصهيوني مع خيار إسحق الفرحان
رئيس الأمانة العامة للأحزاب
العربية. والذي قيل عنه إنه رئيس
سابق لجبهة العمل الإسلامي في
الأردن!! لا علينا فحين تكون
مجموعة دمشق مفضلية صهيونية
فكيف يمكن لأي معارضة سورية حل
عقدة مثل هذه؟! شخصيا اعترف
بعجزي عن طرح أي فكرة مسعفة في
هذا السياق..
للمفضلية الصهيونية هذه، ولا شك،
صداها ليس في واشنطن ولندن
وباريس وبروكسل فقط؛ وإنما في
القاهرة والرياض وقطر والكويت ..
لهذه الأسباب مجتمعة لم تستطع
المعارضة السورية دخول النادي
الدولي. فالعالم لا يزال مترددا
بشأنها يتحسس موطئ خطواته على
استحياء، كما مشت بنت شعيب من
قبل.
الملف الإنساني هو الملاءة التي
يمكن للمعارضة السورية أن تدخل
بها النادي الدولي إذا شاءت.
ولكن أولياء الدم في سورية قد
ناموا على وترهم ، وفهموا من
معنى ألا يكونوا ثأريين
وانتقاميين أن يتنازلوا عن
الدماء التي سفكت في الشوارع أو
في السجون!! فماذا سيفعل العالم
عندما سيتوقف بهاء أو سعد
الحريري عن المطالبة بدم
والدهما، أو عندما سيتوقف الشعب
اللبناني عن متابعة قضايا سمير
قصير و خليل خاوي وغسان تويني
والأثيرة إلى القلب (مي شدياق).
الثأر هو قتل في الشارع انتقاما
من قتل في الشارع. إن توقف
أولياء الدم السوري عن المطالبة
بحقوقهم يبعث في قلوبنا من
القلق أكثر مما يبعث من
الطمأنينة. فعقلية البداوة
الثأرية هي التي ترى في اللجوء
إلى القانون ضعفا وذلة. ونحن لم
نر حتى الآن قضية واحدة تحرك
أمام محكمة دولية أو إنسانية
للبحث عن الحقوق!!
نائب الرئيس خدام وجد مدخله
الحقيقي في الشهادة في ملف
الحريري. وهو مدخل على أهميته
أيضا وقتي، هل يستطيع نائب
الرئيس أن يجد بوابة العبور
بالمعارضة السورية إلى النادي
الدولي؟ وأين ستكون قوى
المعارضة الأخرى وما هي
مواقفها؟ كل هذا متروك للزمن.
خدام يتمتع بقوة ذاتية تعتمد
على تاريخه وشخصيته وعلاقاته
وكل هذا مهم. ولكن حاجته للقوة
الإضافية لا تغيب عن ناظريه،
وقد سارعت بعض القوى الإضافية
إلى الإعلان عن قابلية إيجابية.
مدى النجاح في المواءمة سيكون
له شأن على الساحة السورية دون
شك.
وربما يرتاح الموقف الدولي إلى
شخصية خدام، بعد أن خاب ظنه
نسبيا في بشار الأسد. فهل سيكون
خدام قائد المرحلة الانتقالية؟
وهل سينجح في تحقيق ما عجز عنه
إعلان دمشق على الساحة الدولية؟
عربيا يفهم انحياز مبارك إلى
بشار الأسد على كل الوجوه. وهو
لا يحتاج إلى براعة تفسير. مبارك
حين ينظر إلى بشار يرى ولده جمال
يتلجلج في مشكلات لا قبل له بها،
وكما يتجاوز هو شعب مصر أجمع من
أجل بقائه، لا يرى بأسا في تجاوز
الشعب السوري من أجل بقاء ولده (جمال)
عفوا أقصد (بشار). هذا إلى جانب
الانضمام إلى المعادلة
الصهيونية في حرصها على
الاحتفاظ بحرس الحدود السوري
على جبهة الجولان المحتل. لئلا
يضطر حسني مبارك إلى تسيير عمر
سليمان من جديد لدمشق لتحصيل
صكوك أمان للمستوطنين الصهاينة
كما مازال يفعل، وقد تعب من ذلك
مع مجموعات حماس والجهاد.
الموقف العصي على الفهم حقيقة هو
الموقف السعودي! فما مصلحة آل
سعود في بقاء نظام بشار الأسد؟
وما هو ثأرهم الذي يسعون لنيله
من الشعب السوري؟! خلال ثلاثين
عاما لم توجه القيادة السعودية (خالد
وفهد وعبدالله) سؤالا واحدا إلى
حافظ أو إلى بشار عن أوضاع حقوق
الإنسان في سورية. لم تتحرك فيهم
قط النخوة العربية للسؤال عن
عمليات الاغتصاب المشهودة في
السجون السورية مثلا! ولا عن
عمليات الإعدام أو القتل التي
نفذت على الألوف بدم بارد. حين
نضطر للتفكير تحت سقف مذهبي،
ونحن مضطرون لذلك في هذا الزمان
الرديء، يقال إن العربية
السعودية تتولى رعاية (السُّّنة)
في العالم الإسلامي. فإذا كانت
أغلبية الشعب السوري من السنة،
وإذا كان شبح الطائفية قد خيم ـ
صدقا أو كذبا ـ على الساحة
السورية، فكيف لم يخطر ببال
السعودية أن من حقهم أو من
واجبهم أن يسألوا حافظ الأسد أو
بشار الأسد عما تقترف اليدان!!
أليس مضحكا أن يتحدث سعود الفيصل
وغيره من القادة السعوديين عن
خطر (عراق) شيعي موال لإيران، ثم
ينصبون أنفسهم مدافعين عن
مجموعة سورية غير سنية منصهرة
مع إيران وحزب الله معاًا؟!
أُفهِمت بأن المشيخة الفقهية
السعودية لا تعتبر الشعب السوري
مسلما أصلا، بله أن يكون سنيا!!
ففي سورية، كما قيل لي، يسود
المذهب الأشعري في أصول الدين،
والمذهبان الحنفي والشافعي في
فروعه والمذاهب الثلاثة من
المذهب الباطلة عند الوهابيين
في السعودية. لذا يرى ساسة آل
سعود أنهم غير ملزمين بشيء تجاه
الشعب السوري، ويقفون موقف
اللامبالاة من معاناته. من
الناحية السياسية البحتة يأتي
موقفهم من التحولات والتغيرات
في المنطقة صدى غير مباشر
للموقف الصهيوني وآخر مباشر
للموقف الأمريكي.
الصفقة المحورية (المصرية ـ
السعودية) تسعى هذه الأيام إلى
حماية بشار الأسد، وتكريسه
رئيسا أبديا لسورية. وكل
المبادرات المطروحة لا تلمس
الجوهر الذي يهم الشعب السوري
في شيء، وهذا إطار ثان لإخفاق
جهود جماعة إعلان دمشق، وانتصار
سياسات مجموعة دمشق، انتصارا
أدى إلى انضمام محطة ( الجزيرة
الفضائية) إلى الموجة الغوغائية
المدافعة عن صمود مجموعة دمشق،
وانسحاب (محطة العربية) من
المعركة فبعد تورطها في إذاعة
المقابلة مع خدام، ألغت مقابلة
أخرى مع جنبلاط، وذلك بعد
استقبال بشار الأسد في السعودية.
حتى قناة المستقلة التي تحسب
على الإسلاميين أوقفت برنامجها
الخاص (موعد مع المستقبل) لسبب
أو آخر مما يؤكد صحة المؤامرة
على الشعب السوري وقضاياه
الجوهرية.
وعلى الساحة غير الرسمية ، لا
يبدو الأمر أقل هزالا أو إخفاقا
لجماعة إعلان دمشق. فمؤسسات
المجتمع المدني العربية على
اختلاف انتماءاتها ما تزال
تشرب، بالمشوف المعلم، كما شرب
عنترة من قبل، نخب (انتحار
التتار على أسوار بغداد.. ) أو
خطاب (الرؤوس المرفوعة التي لا
تنحني إلا لله.. ) في حين الجولان
محتل، والمجموعة تتلمس المخارج
في المعاريض.. أفواجا وأشتاتا
تحج النخب العربية إلى دمشق
كلها تذهب إلى هناك لتؤيد قتل
السوريين، وسلب حرياتهم وسرقة
أموالهم كمدخل لعملية ممانعة
قومية!! ولأن هذه الأفعال هي
السياسات العملية التي تمارسها
مجموعة دمشق حتى الآن.
كل المنافقين الذين ذهبوا إلى
دمشق لم يسألوا عن فقر الإنسان
السوري، ولا عن ذل الحاجة التي
تجعل رجل الحدود يطالبهم
بالرشوة على مذهب (إحنا غلابا يا
بيه..). الحزبيون والقوميون
والإسلاميون والحقوقيون
والأطباء والمحامون.. كلهم
كانت، أو ستكون، لهم مؤتمرات في
دمشق وتصريحات رنانة تجحفلوا
فيها للدفاع عن (مجموعة القتل..)
وتناسوا شعب سورية أو حطام ما
أبقى المستبد من إنسان.
وهذه خسارة ثالثة تحصدها جماعة (إعلان
دمشق) أو انتصار ثالث تجنيه
مجموعة دمشق.
حتى الآن هذا هو الحصاد. فهل
سيغير كابتن الفريق الجديد من
نتيجة اللعبة شيئا؟!!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|