ويسألونك
عن دمشق ؟
قواعد
المنهج في الإقتراب من الحقيقة
أ.د.
محمد أحمد الزعبي*
تعرض ويتعرض كاتب هذه المقالة
، وفي هذه المرحلة القلقة من
حياة النظام السوري الراهن ،
تلك الحياة التي قاربت الجيل
الكامل (والذي هو بموجب عبد
الحمن بن خلدون أربعون عاما )،
إلى عدد من التساؤلات عن رأيه
فيما يجري في دمشق
وحولها ، وإلى م ( بالفتح)
سينتهي بنا / ببلدنا المطاف ؟ .
ورغم أن بعض هذه التساؤلات لم
يكن بريئا ، فإن الكاتب كان
لايتوقف عند هذا الأمر ، ويقول
كل ماعنده بصراحة ووضوح ، وهو
ماسيحاول القيام به في هذه
المقالة ، التي سيغلب عليها
الطابع المنهجي ، ولكن وفق
المفهوم الخاص بالكاتب .
1.
تقوم وسائل الإعلام العربية ،
ولا سيما الفضائية منها ـ وإن
على درجات متفاوتة ـ بتضليل
القارئ والسامع والمشاهد
العربي وليس تنويره ، أو بتعبير
آخر إخفاء الحقائق عنه ، وليس
كشفها له ، وتبدو هذه النقيصة
الإعلامية بارزة للعيان عندما
يتعلق الأمر بالجانب السياسي
المحلي منه أو العربي أو الدولي
. إن السبب الكامن وراء هذه
الخصيصة للإعلام
العربي الراهن ، هو القاعدة
الشعبية المنطقية التي تقول "
إن من يأكل من خبز السلطان لابد
وأن يضرب بسيفه " ، ولا أراني
بحاجة إلى توضيح أن الغالبية
الساحقة من الجماهير العربية ،
ومن القوى السياسية النظيفة
والنزيهة الممثلة لهذه
الغالبية والمنبثقة عنها ،إنما تعيش
عمليا على خط الفقر زيادة أو
نقصانا ،
وبالتالي فإنه قد لايمكنها شراء
الجريدة اليومية ، فما بالك
بشراء الآلات التي تطبعها ،
وبقية مستلزمات إخراجها ، وما
بالك بوسائل الإعلام المليونية
الأخرى التي لايستطيع امتلاكها
وتشغيلها سوى الدول الغنية ،
وفي بعض الحالات الأشخاص
الأثرياء .
إن مايرغب الكاتب قوله هنا ،
أنه إضافة إلى التعقيد والجمود السياسي
والإجتماعي والإقتصادي
والثقافي في الوضع العربي عامة
والسوري خاصة ، فإن الإعلام
العربي والسوري ،
إنما يزيد طين هذه الإشكالية
بلّة ، وبالتالي فهو لايساعد
على أن يكون المسؤول في كثير من
الأحيان بأعلم من السائل .
2.
تتداخل في الأحداث الجارية
على الساحة العربية عامة
وفي القطر العربي السوري خاصة
ـ الذي هو موضوع هذه المقالة ـ
الأسباب مع النتائج
بصورة يصعب
معها معرفة
سواء ماجرى ويجري
أو ماسيجري في دمشق .
فالظواهر الإجتماعية
لاتأتي من العدم ، وإنما هي
نتيجة لسبب ما أو
لجملة أسباب ، منها ماهو رئيسي
وجوهري ومنها ماهو ثانوي ،
والتي ( أي النتيجة ) سرعان ما
تتحول بدورها إلى سبب جديد
لنتيجة جديدة ( جدلية السبب
والنتيجة ) . ويتمثل الدور
الأساسي للباحث الإجتماعي
ولعالم الإجتماع هنا في
سبرغور الظاهرة الإجتماعية
المعنية (
ماذا جرى ويجري وسيجري في دمشق
مثلا ) للوقوف على السلسلة
السببية ، والتمييز بين ماهو
رئيسي وما هو ثانوي في هذه
السلسلة . إن اختلاط الحابل
بالنابل في دمشق ، والذي يتجسد
اليوم ، بالتداخل بين العوامل
الداخلية والخارجية ، وبين
الاستراتيجية والتكتيك ، وبين
النظرية والممارسة ، وبين القول
والفعل ( أسمع كلامك يعجبني أشوف
فعالك أستعجب ) ، وبين الصدق
والكذب ، وبين الأب والإبن ،
وبين الحزب والطائفة ، وبين
الياقات البيضاء والزرقاء
والكاكي ، وبين النحر والانتحار
، وبين المقاومة والإرهاب ،
وبين الديمقراطية
والديكتاتورية ، ...الخ ، نقول إن
هذا التداخل
والتشابك إنما
يجعل طريق الباحث السوسيولوجي
النزيه والجاد محفوفا بالمخاطر
والأشواك ، وإشارات الإستفهام بل
وربما المسائلة ( القانونية !! )
التي قد تقوده إلى السجن ، كما
هي الحال مع الدكتور عارف دليلة
و من معه من
مناضلي ربيع دمشق ( العشرة
الأفاضل )، وكما قد تكون عليه
الحال مع نشطاء إعلان دمشق في
مقبل الأيام
.
وإذا ماتوقفنا قليلا عند
الوضع الحالي في سوريا ( والتي
أطلق عليها سماحة الشيخ حسن نصر
الله " سورية الأسد " ) ، فإن
السؤال الي يطرح نفسه هنا
بوضوح ودونما التباس : هل إن
مانحن فيه الآن في سورية ، من
ذلّ وهوان وانكسار وانكشاف ،
والتحول المؤسف من دولة عربية
المحتد ، وحدوية الهوى ،
ديمقراطية التوجه ، فعالة
ومؤثرة ، إلى دولة وراثية ، دولة
للصمت الذي
لا يقطعه سوى التصفيق الحاد ،
والردح المعيب ، ونعيق بالروح
بالدم ... ، وهدير الطائرات بين
دمشق وفيينا ، وهي تنقل من سمموا
العلاقات القومية والأخوية بين
سورية ولبنان للمثول أما
لجنةالتحقيق الدولية ، ونداء
الآباء والأمهات الذين تتعانق
أصواتهم ودموعهم عبر الأسلاك
الشائكة في
مدينة القنيطرة عاصمة هضبة
الجولان " السليب " !! ، نقول
: هل إن كل هذا ( وغيره الكثير ) هو
نتيجة لهيمنة فئة عسكرية معروفة
على السلطة في دمشق ، أم أن هذا
الذي وصلنا إليه بات يمثل الزاد
( السبب ) الذي تتغذى عليه ومنه
هذه الفئة ، وهو مايفسر ولوغها
في غيها والذي بدأ بتغييب الشعب
، وانتهى بالتنازل عن لواء
الإسكندرون ، وبالسكوت على
احتلال الجولان ، مرورا بنقيصة
الإشتراك في الحرب على العراق
إلى جانب أعداء
العروبة والإسلام في حفر
الباطن . ناهيك عن النقائص
والخطايا الأخرى ، التي لاتمثل
مذابح حماه وحلب وجسر الشغور ،
وكذلك القانون 49 لعام 1980 السئ
الذكر ، سوى
مجرد حلقات في سلسلة
الإرتكابات التي يختلط فيها
السبب مع النتيجة ، والتي تسمح
للمعارضة وللموالاة بأن "
يغني كل على ليلاه " . إن
الإختلاط بين السبب والنتيجة
هنا يتمثل أساسا ، في التداخل
بين الظاهر والباطن في سياسة
النظام ، تلك السياسة التي سمحت
للأب وهي تسمح الآن للإبن ،
وبالتالي للنظام الحالي في دمشق
، بأن يرفع بإحدى يديه ، ومن فوق
الطاولة السيف والعصا ضد
الولايات المتحدة وإسرائيل ، في
الوقت الذي يعتقد الكثيرون أنه
يقدم لهما بيده الأخرى ومن تحت
الطاولة باقات
السلام والإستسلام !! . ترى ما
ومن هو السبب ، وما ومن هي / هو
النتيجة في هذه اللعبة القذرة
العابرة الحدود والقارات ، تلك
اللعبة التي سبق لبوش الأب
والأسد الأب أن لعباها ، ويقوم
ابنيهما الآن بمتابعة هذه
اللعبة ، وفق الشروط التي حددها
لهما الأبوين .
3.
إن الحديث عن لعبة عابرة
للقارات ، يحيلنا عمليا إلى
مايعرف منهجيا بالعلاقة
الجدلية بين الداخل والخارج ،
من حيث أن العالم بات كما يقال
عبارة عن قرية واحدة ، وذلك في
ظل شبكات الإتصال والإعلام ،
وفي ظل عالم الكومبيوتر
والإنترنت ،
وبات بالتالي التأثير المتبادل
بين الأمم والدول والشعوب أمرا
واقعا لامفر ولا مهرب منه . إن
ماينبغي الإشارة إليه هنا ، هو
أن الطرفين الداخلين في علاقة
تبادلية بينهما ( كما هي الحال
بين الأنظمة العربية الراهنة
والولايات المتحدة الأمريكية )
لايشترط أن يكونا متساويين في
وزنهما السياسي
و/ أو العسكري و/ أو
الاقتصادي و/ أو الثقافي و/ او
الديموغرافي و/ أو الجغرافي
،الأمر الذي لابد وأن ينعكس على
العلاقة الجدلية بينهما ، بما
يحولها من علاقة ذات اتجاهين (
أخذ وعطاء ) إلى علاقة ذات اتجاه
واحد يكون فيها المرسل هو القوي
والمتلقي هو الضعيف . وعادة
مايتم إخفاء هذه العلاقة غير
المتوازنة من قبل الطرفين
باللجوء إلى الحيل اللفظية ،
وإلى عرض العضلات
الشكلي والخالي من أي مضمون
عملي وواقعي بالنسبة للجانب
الضعيف ( العنتريات التي ماقتلت
ذبابة : نزار ) ، إضافة إلى
القيام ببعض الإجراءات
التنموية المظهرية التي تصب في
طاحونة الفئات الاجتماعية
المرتبطة بالخارج ، ومن هذه
الطاحونة ( الوطنية !! ) تنساب إلى
طاحونة الطرف الخارجي القوي (
أمريكا ) .
4.
وفي تطبيقنا لما أوردناه
أعلاه حول
العلاقة الجدلية بين الداخل
والخارج ،
على مايجري في سورية هذه الأيام
، وبالذات منذ الإحتلال الإنجلو
ـ أمريكي للعراق الشقيق ، فإن
الإجابة العلمية الصحيحة هنا ،
تبقى ـ من وجهة نظرنا ـ رهنا
بمعرفة كافة الأبعاد الحقيقية
للعلاقة من جهة بين النظامين
السوري والإيراني ، ومن جهة
أخرى بين كل من هذين النظامين
والولايات المتحدة الأمريكية ،
وبدون هذه المعرفة لايمكن
للباحث أو المهتم
أن يقدم رأيا سليما بعيدا عن
المزايدة وعن أن يهرف بما
لايعرف .
لقد سمع الكاتب بام عينيه
وأذنيه رئيس الجمهورية
الإسلامية الإيرانية السابق
محمد خاتمي يقول مامعناه ، إن
أمركا تعرف أنها بدون المساعدة
الإيرانية لها ماكانت لتقدر على
احتلال أفغانستان والعراق ( !! ) ،
وسمع الكاتب من جهة أخرى ، و
أيضا بأم عينيه وأذنيه الرئيس
الحالي السيد محمود أحمدي نجاد
يؤكد على ضرورة مسح إسرائيل من
على الخارطة ، وعلى عدم صحة
أسطورة الهوليكوست اليهودي
.
إننا هنا أمام موقفين
متناقضين لنفس الجهة ، فأيهما
نصدق ، وأيهما نكذب ؟ ، أم أن
الأمر يدخل في باب التكتيك
المشروع ، من أجل كسب الوقت
للوصول إلى القنبلة النووية
الإسلامية الضرورية
لتحقيق التوازن الإستراتيجي
بين إسرائيل وإيران ، وبالتالي
العرب والمسلمين .
إن الكاتب لايملك هنا إلاّ أن
يرجئ رأيه حول حقيقة العلاقة
بين إيران والولايات المتحدة
الأمريكية من
اليوم إلى الغد ، حيث ( ستبدي لك
الأيام ماكنت جاهلا / ويأتيك
بالأخبار من لم تزوّد ) .
5.
أما بصدد النظام السوري ،
فليس هناك من لايعرف ، أن القوات
السورية قد دخلت لبنان عام 1976
بموافقة أمريكية وإسرائيلية !!،
وأن هضبة الجولان المحتل
تنعم بالهدوء غير الحذر منذ
1973 وحتى يومنا هذا !! ، وأن
أمريكا سكتت على مذبحة حماه
أسبوعين كاملين ، وأن تعاون
النظام السوري الأمني مع
وكالة الإستخبارات
الإمريكية ( CIA
) كان موضع إشادة مستمرة من قبل
الولايات المتحدة الأمريكية
وأن العدو الرئيسي لكل من
البوشين والأسدين كان صدام حسين
، وبما أن " عدو عدوي صديقي
" ، فإن التعاون السياسي
والأمني بين النظام السوري
والولايات المتحدة الأمريكية
لإسقاط نظام صدام حسين في
العراق الشقيق كان
من قبيل تحصيل الحاصل .
ومن
جهة أخرى ، فإنه ليس هناك من
يجهل الآن أن النظام السوري في
حالة اشتباك
مقنن ( خطوة إلى الأمام
خطوتان إلى الوراء ) مع الولايات
المتحدة الأمريكية، وأن سلاحه
الفعال في هذا الإشتباك
كان وما يزال تخويف
الولايات المتحدة من البديل
الذي قد يكون " الإخوان
المسلمين " اللذين هم أعداء
الطرفين ، وأيضا تذكيرها
المستمر ، بدوره الكبير في
القضاء على " الإرهاب " في
سورية عبر القانون 49 لعام 1980 ،
واستعداده الدائم للتعاون معها
( أمريكا ) في هذا المجال ، سواء
داخل سوريا أو خارجها !!! . إن
الكاتب لايعرف ولا يعلم مدى
أبعاد وجدية هذا الإشتباك
السياسي
بين نظامي واشنطن ودمشق ،
وخاصة أن واشنطن تقف وراء كل
القرارات الدولية التي صدرت ضد
النظام السوري مؤخرا ، وبالذات
القرارين 1559 و1336 ، وكذلك وراء
دخول هذا النظام في دائرة
الإتهام في قضية الإغتيالات
السياسية التي طالت عددا من
الرموز الوطنية اللبنانية
المعارضة للهيمنة السورية على
الشؤون اللبنانية ، ولا سيما
رئيس وزراء لبنان السابق
المرحوم رفيق الحريري ،
والأمين العام السابق للحزب
الشيوعي اللبناني
الرفيق جورج حاوي ، والتي
ماتزال تنتظر تقرير اللجنة
الدولية النهائي في هذا الموضوع
.
إن مجموعة هذه الوقائع
المتناقضة ، إنما تضع الباحث
أمام إشكالية منهجية
تتمثل في غياب المعالم
البارزة والمؤكدة لحقيقة
العلاقة بين النظامين السوري
والأمريكي في
هذه المرحلة ، تلك الحقيقة التي
لايرى المرء منها
سوى نصفها المعروض فوق
الطاولة ، بينما يغيب عنه
نصفها الآخر الذي
يخفيه الطرفان معا (وبالإتفاق
ربما) تحت الطاولة
، الأمر الذي معه لانملك ـ
هنا أيضا ـ سوى
أن نرجئ
الإجابة والموقف
حول هذا الموضوع
من اليوم إلى الغد " وإن
غدا لناظره قريب " ،
أو بالتعبير الشعبي "غدا
تذوب الثلجة وتظهر المرجة" .
6.
يقتضي عنوان هذه المقالة (
ويسألونك عن دمشق ؟) التوقف عند
الإشكالية التي طرحتها تصريحات
وتلميحات السيد عبد الحليم خدام
الأخيرة التي بما أحدثته من
ردود فعل سورية وإعلامية صارخة
كادت تحل ( بالضم ) صاحبها
محل المتنبي باعتباره " مالئ
الدنيا وشاغل الناس " .
ويرى الكاتب هنا ضرورة أن
يشير إلى معرفته الجيدة بالسيد
خدام ، ولكنها معرفة تعود إلى
ماقبل مغادرته ( اي الكاتب )
سورية عام 1974 وكغيره من
المواطنين السوريين ، المقيمين
في الخارج ، كان الكاتب يسمع
ويقرأ ، عن حالة الفساد العامة
التي عليها النظام السوري ،
ولاسيما في المجال الإقتصادي ،
والتي شملت هرم السلطة من هامة
رأسه حتى أخمص قدمه ، ومن
الطبيعي ألا يكون عبد الحليم
خدام استثناء في هذا المجال ، أي
أنه و بالإستنتاج المنطقي لابد
وان يكون داخلا في خانة الفساد
السياسي ( التعاون مع نظام
ديكتاتوري عسكري وطائفي
أكثر من ثلث قرن من الزمان )
، والفساد الإقتصادي الذي
لايختلف عليه لاالقاصي ولا
الداني . ناهيك عن الفساد القيمي
والخلقي الذي سمح
له بالوقوع في فخ الفساد
السياسي والإقتصادي . هذا مع
العلم أن الكاتب قد قرأ البيان
الذي رد فيه نجلا السيد خدام على
ماأسمياه " مسرحية مجلس الشعب
" والذي برءا فيه أباهما
وبرءا نفسيهما من كل التهم
الموجهة لهم بالفساد المالي ،
وأيضا من تهمة طمر
النفايات السامة المعروفة
في مكان ما من التراب الوطني
. وللأمانة
فإن دفاعهما بشان النفايات
السامة كان قويا ومقنعا
إلى حد بعيد .
إن ماأورده عبد الحليم خدام
من تهم سياسية وإقتصادية
للنظام السوري ، الذي كان هو
نفسه جزءا أساسيا منه وفيه
إلى أمد قريب ، إنما تمثل
الشهادة التي ينطبق عليها قوله
تعالى " وشهد شاهد من أهلها
" ، وكان جدير بمجلس الشعب ،
كي لاتنطبق عليه صفة " مجلس
الردح " أن يتوقف عند التهم
المحددة التي وجهها النائب
السابق لرئيس الجمهورية
، ويشكل لجانا للتحقيق في
هذه التهم التي
مسّت النظام من ألفه إلى يائه
وبمن فيهم خدام نفسه .
ويرغب الكاتب أن يشير حول هذه
المسالة ، إلى أن ترحيب البعض
بانضمام عبد الحليم خدام إلى
جهة المعارضة لنظام دمشق ، إنما
هو ترحيب مقبول ، ولكن شرعيته
تظل رهنا بمطالبة المعني بتقديم
كشف حساب علني عن وضعه المالي ،
وبيان ماله وما عليه ، وعندها
فقط يصبح الترحيب به ليس مقبولا
فقط وإنما مشروع أيضا . إن خروج
عبد الحليم خدام من عباءة
النظام في دمشق اليوم ، إنما هو
خطوة إيجابية على الطريق الصحيح
، ولكن لابد من استكمالها غدا ،
بتطهير نفسه من الأدران التي
لحقت به وبأسرته طوال تعاونه مع
نظام نكتفي بما قاله هو عنه .
وبانتظار هذا الغد الذي نرجو أن
يكون قريبا ، لانملك إلاّ أن
نرحب بضيف المعارضة ، أبي جمال ،
الذي نأمل من أصدقاء آخرين (يعرفون
أنفسهم) أن يحذوا حذوه ، بعد أن
بدأت أسهمهم في البورصة
السياسية تترنح ، و بعد أن فقدت
تيتانك دمشق توازنها ، وبدأت
تجتاحها أمواج التغيير الكاسحة
، وبات مصيرها في مهب الريح .
7.
لقد لفت نظر الكاتب أن عددا من
المثقفين السوريين الذين
ينتمون الى " المعارضة " ،
يماهون في كتاباتهم بين النظام
السوري وبين حزب البعث العربي
الإشتراكي ، قافزين بذلك فوق
عدد من الحقائق التي أبرزها :
> أن قواعد الحزب مافتأت
تعيش منذ حل الحزب عام 1958 ،
وإعادة إحيائه بين عامي 1961 و1963 صراعا
داخليا مريرا ، من جهة بين
اليمين واليسار ، ومن جهة ثانية
بين المدنيين والعسكريين ، ومن
جهة ثالثة بين الروابط
الأيديولوجية والعقائدية للعضو
الحزبي ، وبين روابطه القبلية
والطا ئفية والجهوية ،
والتي تتناقض كليا مع مبادئ
وقيم الحزب . علما أن الكاتب يرى
في هذا الصراع الحزبي ، صراعا
بين الذات ( الانتماء العقائدي /
الأفقي ) والموضوع ( الإنتماءات
القبلية والطائفية والجهوية /
الإنتماء العمودي ) ، وهو يحاكي
في بعض صوره الصراع الذي شهده
التاريخ المبكر للإسلام
، حيث شهدت مرحلة الخلفاء
الراشدين انتصار
الذات على الموضوع ، بينما سجل
استيلاء معاوية على السلطة في
دمشق انتصار الموضوع على الذات
، ولكن الإسلام بقي هو الإسلام
في الحالتين .
> أن حافظ الأسد قد زج
بأعضاء القيادتين القومية
والقطرية ( حركة 23 شباط 1966 ) في
السجن عام 1970 ، وتناساهم
المجتمع الدولي ومنظمات حقوق
الإنسان العربية والعالمية
طيلة ربع قرن ، حيث
استشهد الرفيقان نور الدين
الأتاسي (
الأمين العام للحزب ورئيس
الجمهورية ) وصلاح جديد ( الأمين
العام المساعد لشؤون القطر
السوري ) في السجن ، وحيث أن من
أطلق سراحهم من أعضاء القيادتين
مايزال محروما من جواز السفر
وبالتالي من مغادرة البلاد ،
فكأنهم خرجوا من السجن الصغير
إلى السجن الكبير .
> أن ارتداء عباءة حزب
البعث من قبل النظام السوري (
نظام سورية الأسد !! ) ، إن هو إلا
ورقة التوت التي أراد النظام أن
يخفي تحتها عورته الطائفية
والعسكرتارية . لقد كان عدد
الأعضاء العاملين في الحزب عام
1966 بحدود الأربعة آلاف ، وهم
الآن بالملايين
( ماشاء الله
!! ) ، إنه غثاء السيل الذي
لايسمن ولايغني ، وبالتالي فإنه
من الظلم لهذا الحزب ، أن نسبغ
عليه صفة الحزب الحاكم ( المادة
الثامنة من الدستور ) ، علما أنه
حزب محكوم ، مثله في ذلك مثل
مايسمى بالجبهة التقدمية ، بل
ومثل الشعب السوري كله المغلوب
على أمره .
> أن من قام بحل حزب البعث
في العراق هو الحاكم العسكري
للعراق " بريمر " ، والذي
أسس لجنة اجتثاث البعث وأوكل
أمرها إلى أحد عملاء المخابرات
المركزية الأمريكية ( أحمد
الجلبي ) أيضا هو " بريمر " ،
فهل يرضى بعض الإخوة من مثقفي
المعارضة بتياراتها الرئيسية
الثلاث ( الإسلامين والليبرالين
والماركسيين ) لأنفسهم هذا
الدور البريمري . إن حزب البعث
العربي الإشتراكي كما نعرفه
وكما نفهمه وكما أراد له مؤسسوه
أن يكون هو بريء من هذا النظام
الطائفي في دمشق ، براءة الذئب
من دم يوسف عليه السلام .
> إن حزب البعث في القطر
العراقي بجناحيه العسكري
والمدني ، يقف اليوم في طليعة
المقاومة العراقية الباسلة
للإحتلال الإنجلوـ أمريكي ، تلك
المقاومة التي حفظت وتحفظ للعرب
جميعا ومنهم
الإخوة الذين
يماهون بين النظام السوري
الراهن وحزب البعث كرامتهم في
هذا الزمن العربي الرديء . إن
حزب البعث في القطر السوري ، لن
يكون ـ على مانظن ونأمل ـ بأقل
من شقيقه العراقي دفاعا عن
الوطن والأمة
عندما تدق ساعة " حي على
الكفاح " .
8.
بقي أن نقول أن المعارضة
الوطنية اللبنانية ، التي
انبثقت عن اغتيال الشهيد رفيق
الحريري ، كثيرا ماتقع بدورها
بنفس مطب الخلل المنهجي عندما
تماهي هي أيضا بين " سوريا "
الشعب والدولة ، وبين النظام
المتهم باغتيال المرحوم
الحريري . إن الشعب السوري أيها
الرفاق اللبنانيون هو شعب مضطهد
مثلكم من قبل نفس النظام ، ونفس
الأشخاص ، وهو يشارككم نفس
الآمال
والآلام ، ومن الطبيعي أن ينعكس
هذا التماهي بين الشعبين
العربيين في خطابكم السياسي
والإعلامي . إن خسارتكم في رفيق
الحريري وسمير قصير وجورج حاوي
وجبران تويني وغيرهم من الرموز
الوطنية اللبنانية ، هي خسارة
لنا أيضا ، ولابد أن تتكاتف
جهودنا معا لدحر هذا الإرهاب
المنظم أيا ً كان مصدره .
* أستاذ جامعة
ووزير سابق
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|