هل
يتكرّر الدور السوري المريب ؟
بقلم
: محمد علي شاهين
لم يكلّل التحالف
التاريخي بين الشاه إسماعيل
الصفوي وقانصوه الغوري،
لاستباق نتائج معارك (جالديران)
و(مرج دابق) و(الريدانيّة) ضدّ
السلطان سليم الأوّل بالنجاح في
مطلع القرن السادس عشر
الميلادي، لأنّه لم يكن تحالفاً
طبيعيّاً .
وأقلعت سفينة تحالف
غير مقدّس أخرى في مطلع
ثمانينات هذا الزمان الرديء،
ضمت دمشق وطهران خلال سنوات
الحرب الغبيّة (حرب الأخوة
الأعداء) ضدّ العراق، لم يكن
هدفها سوى إطالة سنوات الحرب،
وإبعاد العراق عن قضاياه
العربية، وتدمير آلته
العسكرية، واستنزاف مدخراته
المالية وتبديد ثروته
الوطنيّة، وتخريب اقتصاده،
ووقف عجلة تنميته، وسقوط مزيد
من الضحايا البشريّة، وإضعاف
القوى الإسلاميّة في المنطقة،
والتمهيد لاحتلاله، ضلّت طريق
الهداية لأنّ القران على ظهرها
لم يكن طبيعيّاًً
بين قوميّتين، ومذهبين، وجسراً
لعبور آلاف الأميال، وإن توفّرت
فيه شروط الإيجاب والقبول.
وفتحت سوريّة خزائن
مهماتها العسكريّة، ومستودعات
عتادها لتلبية احتياجات إيران
زمن الحرب، وقطعت مرور النفط
العراقي عبر الأراضي السورية
إلى مرافئ التصدير على البحر
الأبيض المتوسط، وحرمت العراق
وسورية من عائدات النفط وهي في
أمس الحاجة إليها، ودعمت
المتمردين الأكراد في شمال
العراق، وافتتحت معسكرات
التدريب لحزب العمال
الكردستاني في سهل البقاع الذي
تسيطر عليه، واستضافت الزعيم
الكردي عبد الله أوجلان، قبل
تسليمه لإشعال الجبهة
الشماليّة وهو يخوض الحرب على
الجبهة الشرقيّة .
وكان على سوريّة
القيام بدور الشقيق الناصح
والوسيط المحايد على الأقل، لا
افتعال أزمة تقاسم الفرات،
والتواطؤ مع الولايات المتحدة
لقهر العدو المشترك العراق
والانتقام الشخصي من صدّام حسين.
فهل يتكرّر الدور
السوري المريب وهو يسعى للخروج
من عزلته الدوليّة التي باتت
قاب قوسين أو أدنى، لإغواء
إيران بإعادة تصدير الثورة،
وتجييش الشارع العربي، والدخول
معها في مغامرة لا تحمد عقباها،
واستباق عجلة المواجهة
المتوقّعة بين طهران ومجلس
الأمن الدولي في أعقاب فضّ
أختام منشأة (ناتانز) النوويّة ؟
تلك قضيّة نضعها
بين أيدي الأجيال ليقولوا رأيهم
فيها كما قلنا رأينا في الحرب
الغبيّة التي كان العرب شهود
زور عليها.
وتأتي زيارة الرئيس
محمود أحمدي نجاد لدمشق، بعد
ستّة أشهر من زيارة الرئيس
الأسد الإبن إلى طهران، ودعوة
رئيس الوزراء السوري محمد ناجي
عطري بعد اغتيال الحريري،
لإقامة جبهة قويّة تستطيع
الصمود في وجه القوى الباغية،
وتجديداً لتاريخ طويل من
العلاقات الوديّة بين
الجمهوريّة الإسلاميّة
الإيرانيّة ونظام البعث (العلوي)
العلماني، الذي تخلّى بعد وصوله
إلى السلطة عن شعار تحرير
عربستان (خوزستان) ولم يرحّب
باستعادة الرئيس صدّام حسين لها
عام 1980 .
وكان من الطبيعي أن
يبحث النظام السوري اليوم عن
حلفاء جدد، وعن دعم مادي بسبب
تفاقم الأوضاع الاقتصاديّة،
وتفشي ظاهرة الفساد على أعلى
المستويات، حيث تلقّت دمشق
ثمناً لموقفها المريب بموجب
اتفاقيّة آذار عام 1982 من طهران
على شكل معونة سنويّة 8،7 مليون
طن من البترول الخام تستخدم نصف
هذه الكميّة في استهلاكها
الداخلي، وتقوم بتسويق النصف
الثاني في السوق الدوليّة
لحسابها، ولم تدفع سوريّة
لإيران ديونها المتراكمة،
والمقدّرة عام 1988 بأكثر من
مليار دولار بالإضافة إلى
مساعدات سنويّة تقدّر بمليار
دولار .
أمّا صعود نجم
الإسلاميين في المنطقة
وتحالفهم مع القوى القوميّة،
وانشقاق أقرب المقرّبين إلى
النظام الحاكم وآخرهم نائب
الرئيس عبد الحليم خدّام، وكشف
المزيد من فضائح الفساد، وحوادث
انتحار كبار المسؤولين،
وانعدام الثقة بين نظام شمولي
يعيش بعقلية ما قبل سقوط جدار
برلين وانفجار تشرنوبل، ويقع في
أخطاء قاتلة، وبين القوى
الشعبيّة المتنامية في الداخل
والمتمثّلة بربيع دمشق وقوى
المعارضة الوطنيّة الحرّة، فقد
شكّل خطراً حقيقيّاً على النظام
يحتاج إلى مساندة ودعم خارجي.
وكان من البديهي
وقد فقد النظام السوري ورقة
لبنان بعد انسحابه المفاجئ منه،
وتورطه في شبهة مقتل الحريري،
أن يتخلي أخلص حلفائه في محور (القاهرة
ـ الرياض) السني عنه في ساعة
العسرة، وأن يلحّ عليه بضرورة
التعاون مع لجنة التحقيق
الدوليّة للكشف عن قتلة
الحريري، في ظل الأزمة
المتفاقمة بين الفصيلين
الشيعيين المواليين للنظام
السوري (أمل وحزب الله) وحكومة
السيّد فؤاد السنيورة التي
وافقت على تشكيل محكمة دوليّة،
ورضخت للقرار 1559 القاضي بحل
الميليشيات ونزع سلاحها، وأن
تقوم إيران بإدارة الصراع في
لبنان عن بعد من العاصمة
السوريّة بفضل التسهيلات التي
سيسفر عنها لقاء (نجّاد ـ الأسد)
.
فهل سيتكرّر الدور
السوري المريب على حساب العرب
كما تكرّر في حرب الأخوة
الأعداء ؟ أم هل يتفق الشاه
إسماعيل والسلطان سليم على حساب
المماليك، ويعلّق طومان باي على
باب زويلة ؟
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|