مؤتمر
اتحاد (المجانين) العرب
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
صَفَّقوا طويلاً على دفعات، فذكّرونا
بالنَّصْب التذكاري في
الصالحية المسمى بمجلس الشعب أو
البرلمان السوري، المتشكل نصفه
من أعضاء البعث الحاكم الفلاحين
والعمال، أما النصف الثاني، فمن
أعضاء البعث الحاكم الآخرين
المكشوفين أو المقنَّعين.. هذا
حينما صفَّقوا.. أما عندما
تكلّموا وخطبوا وبدت وجوههم
حمراء كبطيخ ذوي الحظ السعيد (من
الداخل).. عندئذٍ شعرنا بأن
ذاكرتنا عن إنجازات البرلمان
العتيد، خاصةً في جلساته
الشوارعية الأخيرة.. بدت كما لو
أنها قد مُسِحَت،.. فقد أنسانا
صناديد المحامين العُربان، ما
يقترفه عادةً رعاديد برلمان
العصابة الحاكمة أو نَصْبِها
التذكاري القابع في قلب دمشق !..
لست أدري حقاً إن كان أعضاء المؤتمر من
العرب القادمين إلى دمشق، هم
نسخةً طبق الأصل عن الأعضاء
السوريين ونقابة المحامين
السورية، بعد أن قام الدكتاتور
حافظ الأسد بحلّ مجالسها
المنتَخَبة في دمشق والمحافظات
السورية، بموجب المرسوم
الجمهوري الصادر بتاريخ (8/4/1980م)،
ثم أمر باعتقال أعضائها وبتعيين
مجالس جديدةٍ للنقابة، شَكّلت
وما تزال، جزءاً من تركيبة
النظام المافيوي منذ ذلك الحين،
وبذلك أنهى حافظ الأسد دور
النقابة في التفاعل مع القضايا
الحقيقية للأمة والشعب، ومع
قضايا الإنسان السوري وحقوقه
المدنية والإنسانية والمطالبة
باحترامها، وذلك ما تجلى سابقاً
في أبهى دورٍ لنقابة المحامين
السوريين قبل حلّها التعسّفيّ،
حين قادت الشارع السوري، الذي
انتفض مطالباً العصابة
الطائفية الحاكمة باحترام
حقوقه الإنسانية.. فدعت إلى
الإضراب العام الشهير في يوم
الإثنين بتاريخ 31/3/1980م، وقد
استجابت الجماهير كلها لدعوتها
آنئذٍ في كل المحافظات السورية،
مع استجابةٍ نسبيةٍ في دمشق
العاصمة، نظراً لتركيز العصابة
الحاكمة عليها، عسكرياً
ومخابراتياً وبطشاً !..
منذ صدور المرسوم الجمهوري بحلّ نقابة
المحامين السوريين، لم يعد يوجد
ممثل لسورية في مؤتمرات العرب
والعالم الحقوقية.. إلا
الهتّافون من أصحاب الشعارات
الحجرية المسبقة الصنع..
والمؤتمر الأخير أكّد لنا أنّ
سياسة حافظ الأسد الدكتاتورية،
الذي امتدت يده العابثة
الطائفية حتى إلى مستوى
النقابات المهنية، وكلها في
سورية نالها ما نال نقابة
المحامين.. أكّد لنا أن هذه
السياسة القمعية هي سياسة معظم
الأنظمة العربية، مهما اختلفت
طريقة الإخراج، لنكتشف أنّ
مؤتمر المحامين العرب الذي
انعقد مؤخراً في دمشق بتاريخ
21/1/2006م، هو وصمة عارٍ في جبين
أعضائه كلهم، ليس لكثرة التهريج
والهراء والكلام الفارغ
المتملّق الذي شهدناه أو
سمعناه، وذلك أثناء حضور زعيم
العصابة الحاكمة الدكتاتور
الصغير الجديد بشار الأسد.. بل
لأنه ما كان أصلاً من منطلق
احترام حقوق الإنسان والكرامة
الإنسانية للمؤتمِرين وللشعب
السوري المضطهَد.. ما كان أصلاً
من اللائق أن يُعقَدَ مثل هذا
المؤتمر في دمشق، وعلى هذا،
فالحاضرون لم يدوسوا على كرامة
المواطن السوري المسحوق فحسب،
بل داسوا أيضاً على كرامتهم
الشخصية والمهنية، إن كانوا
يملكونهما أصلاً !.. لأنّ
المواطن السوري يقف اليوم
فاغراً فاهُ أمام ما يجري أمامه
بكل صفاقةٍ واستهانة، من قِبَل
أولئك الحقوقيين الذين من
المفترض أن يصطفّوا إلى جانبه،
مطالبين بحقوقه الإنسانية
الأساسية التي ينتهكها نظام
القتل العنصريّ العلوي بأبشع
الصور، منذ أكثر من أربعين
عاماً، مخلّفاً ذلك النظام
الفاشيّ المجرم، أكثر من مئة
ألف قتيلٍ ومفقود، وأضعافهم من
المنفيين والمطارَدين،
المحرومين عمداً من كل حقوقهم
المدنية وحقوق المواطنة حتى
الجيل الثالث، بجريرة الجيل
الأول البريء أصلاً !..
كان على أعضاء اتحاد (المتآمرين) العرب، أن
يسألوا زعيمَ العصابة
المافيوية الحاكمة، عن أمكنة
المقابر الجماعية في صحراء
تدمر، وفي حماة وحلب وجسر
الشغور وحمص واللاذقية ودمشق
ودير الزور والرقة، لا عن مدى
استعداداته المزعومة للتصدي
للهجمة الأميركية الصهيونية..
المزعومة أيضاً.. كان على
المارقين المؤتمِرين، أن
يسألوا بشار الأسد، عن العدد
الحقيقي للمواطنين السوريين
المغيَّبين عن الفعل الوطني،
وعن كيفية إعادتهم إلى دائرة
الفعل الذي يخدم سورية وتصديها
الحقيقيّ، وهم بالملايين، ذلك
إذا كانوا حقاً يريدون لسورية
أن تصمد وتتصدى للشرّ الذي
أصبحوا بعضَ أدواته أو غطاءه
الساتر.. كان عليهم أن
يُبَصِّرُوه حقوقياً، بأخطار
قوانين الطوارئ والأحكام
العُرفية على التماسك الوطني
الضروري لصمود الوطن.. كان عليهم
أن يستنكروا استمرار فرض
القانون القاتل رقم 49 لعام 1980م،
الذي يعكس عنصرية النظام الذي
يصفّقون له، ويعكس طائفيته
ودكتاتوريته التي لم يعد لها
مثيل في الأرض.. كان عليهم أن
يسألوه الكشف عن آلاف المفقودين
المغيَّبين منذ ربع قرنٍ في
أقبية التصدي والصمود، لعلهم
يكشفون لشعبنا: هل أولئك
المغيَّبون في عداد الأحياء أم
الأموات؟!.. كان عليهم أن يسألوه
عن دم الحريري والخزنوي وبنان
الطنطاوي والشيخ حسن خالد وعبد
الوهاب البكري.. وغيرهم، لا أن
يشجّعوه على رفض الاستجابة
للتحقيق الدوليّ الذي بدأ يكشفه
قاتلاً حقيقياً.. كان عليهم أن
يصفعوه بحقيقة عدم دستورية
مسرحيته، التي اعتدى ممثّلوها
ومُخرجوها على الدستور الدائم
بالقانون رقم (9)، المفبرك
بتاريخ 11/6/2000م، لتفصيل الدستور
على مقاسه، ولتبرير استيلائه
الوراثي على الحكم الجمهوري في
سورية.. كان عليهم، طالما أنهم
أصرّوا على عَقد مؤتمرهم في
عاصمة الانتهاكات الإنسانية..
كان عليهم أن يسألوه ويسألوا
عصابته، عن مغزى دفع نظامه
الجيشَ السوريّ إلى حفر الباطن
بدل الجولان، ليصطف إلى جانب
جيش (الإمبريالية الأميركية) ضد
العراق الشقيق، نفس
الإمبريالية التي يدّعي الآن
الصمود بوجهها وبوجه مخططاتها
ضد سورية والعرب.. كان عليهم أن
يسألوه عن هضبة الجولان المحتلة
التي تنعم بالهدوء والاستقرار
منذ ثلث قرن.. الجولان التي
باعها أبوه المورِّث وقبض ثمنها
عرش الحكم في دمشق، الذي ورثه
بشار تزويراً، فكان خير خلفٍ
لأسوأ سلف.. كان عليهم أن
يحاكموه على مصافحته رئيسَ
الكيان الصهيوني (كاتساف)، الذي
يزعم بشارُ الصمودَ بوجهه
والتصدي له.. كان عليهم أن
يسألوه عن حقيقة تعاونه مع
المخابرات الأميركية في قضايا
ما يسمى بالإرهاب، المخابرات ما
غيرها، التي يتصدى لها بتسليمها
آلاف الملفات الأمنية للسوريين
الأبرياء من أبناء الوطن.. بل
كان على هؤلاء (القومجيين)
الناريين قبل ذلك كله، أن
يسألوا بشار الأسد، ماذا كان
يَحوك مع الرئيس الإيرانيّ
الفارسيّ في القاعة المجاورة،
وما صفة الحلف الشيطانيّ
الطائفيّ الذي أعلنا عنه، وذلك
قبيل ولوجه إلى قاعة المؤتمِرين
(القومجيين)، ليبيض عليهم
قوميةً عربية، ويبيعهم مروءاتٍ
ومخاوف فارغةً على العراق
وعروبته، التي أوشك أن يقضيَ
عليها حليفُهُ الاستراتيجي
الطائفي (أحمدي نجاد)،
بمؤامراته وتدخّلاته السافرة
بشئون العراق، وبصفاقة دولته
وعملائه الفرس المجوس في بغداد،
الذين أوشكوا على الانتهاء من
تدمير كل ما هو عربي في العراق:
الإنسان والأرض والثروة
والتاريخ والدين والحضارة
وعوامل القوّة.. كان عليهم أن
يكونوا رجالاً لا ذكوراً..
حقوقيين لا معتدين.. أصحاب حقٍ
لا أهل باطل.. شجعان لا رعاديد لا
يجيدون إلا الصراخ والهتاف
والضرب بالقبضات على منصة
المؤتمر.. كان عليهم أن يحكموا –وهم
المحامون والقضاة والحقوقيون-
على الدكتاتور الطائفيّ المارق
حليف الفرس الاستراتيجي..
بالتصفيد والانصياع لعدالة
الشعب، لا أن يُدرّعوه بدرع
اتحاد المحامين العرب، لتشجيعه
على الاستمرار في انتهاك حقوق
الإنسان السوريّ بشكلٍ لا يمكن
تصوّره.. كان عليهم أن يفتحوا
أبواب الصمود السوريّ الوطنيّ
بمفاتيحها الحقيقية، لا أن
يُغلقوها بأغلال النظام
المافيوي الطائفيّ الخائن !..
أدهشنا منظر رئيس المؤتمر السيد (سامح
عاشور)، واقفاً على المنصة يخطب
ويصرخ ويضرب بقبضته المنضدة
التي أمامه.. ثم (يهدّد) بشارَ
الأسد بأنه سيمنعه بالقوة من
حضور جلسات التحقيق مع اللجنة
الدولية الخاصة بالتحقيق بمقتل
الشهيد الحريري، وبشار جالس
أمامه يضحك، لأنه خير مَن يعلم
أنه سيمتثل إلى لجنة التحقيق،
وسيترك لعاشور وأمثاله إخراج
حادثة امتثاله كما يرغبون !.. ولم
أكن أعلم حقاً أنّ عاشوراً وبعض
الحاضرين، هم من المحسوبين على
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،
فعندئذٍ وحسب، تأكّدت أنّ السيد
عاشور ورفاقه الحاضرين، ما
يزالون يعتقدون أنهم يعيشون على
أرض الكنانة بكنف آلاف الخبراء
السوفييتيين الحمر، الذين
طردهم الرئيس السادات منذ أكثر
من ثلاثين عاماً، وأنهم لا
يُصدّقون أنّ خروتشوف الذي كان
يضرب بحذائه المنضدة الممتدة
أمامه في مجلس الأمن الدولي
مهدِّداً ومتوعِّداً.. لم يعد له
أثر في القرن الحادي والعشرين،
فقد زالت السلالة الحمراء
الباطشة واندثرت، من ستالين إلى
غورباتشوف، مروراً بخروتشوف
وبريجينيف وكوسيجن ورفاقهم !..
كما لم أكن أعلم إلا مؤخراً، أنّ السيد
عاشور الذي تزعّم جوقة
المؤتمِرين لصالح عصابة
الطغيان الحاكمة، والمتآمرين
على شعبنا السوري.. لم أكن أعلم
أنه كان أحد المهزومين بجدارةٍ
في الانتخابات البرلمانية
المصرية الأخيرة، فهذا الذي
طرده شعبه من البرلمان، قدم
إلينا في دمشق ليحظى بردّ
الاعتبار من بشار الأسد،
والوسيلة، هي هذا السلوك الحجري
المصنَّع في مرحلة الدكتاتورية
الناصرية، قدوة الدكتاتوريات
العربية وملهمتها، وكأني
بالسيد عاشور لم يسمع حتى الآن
بسقوط جدار برلين !..
أما قاتل الحريري وغير الحريري : بشار
الأسد، فقد أعجبته فكرة عاشورٍ
عن التحقيق بفرضية مقتل الرئيس
الراحل ياسر عرفات رحمه الله،
فالتقطها وردّدها كعادته، من
غير أن يعي فحواها، لأنه قد لا
يكون على علمٍ، بأنّ نظامه
القاتل كان قد فشل في اغتيال
السيد عرفات أكثر من خمس مراتٍ
في حياته، إحداها كانت في منطقة
(المصنع) عام 1982م، والثانية في
طرابلس لبنان عام 1983م، والثالثة
أثناء جنازة (أنديرا غاندي) على
يد أداة النظام (أحمد جبريل)
بتاريخ 3/11/1984م.. ومراتٍ أخرى هنا
وهناك !..
وأما ما أدهشنا وأضحكنا حقاً، سوى التصفيق
والهتاف والصراخ وترديد
الشعارات المصنَّعة في العصور
الغابرة.. فهو تشبيه بشار الأسد
بجمال عبد الناصر، وأنه (أي بشار)
هو الأمل الأخير للأمة في
الصمود والتصدي لقوى الشرّ
الأميركية الصهيونية !.. بالنسبة
لي، فحقاً لا أميّز بين الرجلين
من حيث البطش والدكتاتورية
والتسلّط والطغيان وانتهاك
الحقوق الإنسانية وإذلال الشعب
والبطش والقمع.. وإنني أكرههما
في الله أيضاً.. لكن لو كنتُ
ناصرياً (لا سمح الله) كذاك
المحامي الناصريّ المصريّ الذي
أطلق التشبيه بين بشار وعبد
الناصر.. لكنت خجلت من شناعتي
التي أرتكبها، بتشويه صورة
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر،
إلى هذه الدرجة الكاريكاتورية
المزرية، ولو كان عبد الناصر
بين ظهراني هؤلاء المحسوبين
عليه.. لعلّقهم على المشانق،
التي كانت سلاحاً رائجاً
فعّالاً في عهده الميمون،
المتوّج بهزيمة الخامس من
حزيران الساحقة عام 1967م، تلك
الهزيمة التي حقّقها قبل أن
يدخل الحرب، التي انتهت بضربةٍ
عدوانية صهيونيةٍ واحدةٍ قبل أن
تبدأ، لأن ضبّاطه العسكريين
كانوا ليلتها يسكرون في أحضان
المومسات، إنها الحرب التي زعم
عبد الناصر أنه كان بها سيُغرق
اليهود في البحر.. تماماً كما
يزعم عاشور ورفاقه في خطاباتهم
العنترية الآن، التي تهدف إلى
شد عزيمة طغاة العصر الطائفيين،
ودفعهم للصمود والتصدي الفارغ
المزعوم، بشعبٍ ذبحوه وأذلّوه،
وبوطنٍ سلبوه، وببلدٍ دمّروه
اضطهاداً وقتلاً وظلماً
وفجوراً !..
بالله عليكم : أمؤتمر المحامين هذا.. أم
مؤتمر المجانين ؟!..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|