ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 23/01/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

إفرازات واقعنا الأليم

د. محمد الغزي

تعاني شعوبنا من حالة عظيمة من البلبلة والحيرة المتمثلة في الجدل الكبير والاختلاف الحاد في مسائل وقضايا حساسة فرضت نفسها علينا بقوة الأمر الواقع الناتجة عن تغييب الإسلام عن الحكم وضعفنا الشديد أمام القوى العظمى التي تسعى للهيمنة علينا بالإضافة إلى تراكمات قرون عديدة من الاستبداد والقهر والدكتاتورية والأخطاء التاريخية التي أدت إلى عجز شعوبنا عن التفاعل إيجابيا مع القضايا المصيرية لأمتنا، وأدى عدم وجود مرجعية شرعية فاعلة تبت في هذه المسائل والقضايا إلى بروز فئة "صِدامية" ذات رؤى قاصرة وجزئية وأحيانا سطحية حول رسالة الإسلام وميادين العمل الإسلامي ومقاصد الشريعة الإسلامية، ما أدى إلى زيادة شعوبنا خلافا وتيها وتمزقا وعجزا عن القيام بالواجب وتقدير أولويات العمل الإسلامي وتحديد رؤية إسلامية متكاملة تجمع القلوب وتوحد التطلعات والجهود.

ولا شك أن إصرار أنظمة الحكم على التمادي في أخطائها الفادحة واحتكارها للسلطة وتهميش كل من يسعى إلى الإصلاح والتغيير ومجابهته بوحشية وطغيان واعتماد الأساليب الأمنية البوليسية منهجا وحيدا في التعامل مع الحركات الإسلامية أدى إلى شعور شعوبنا بغربة الوطن والدين وفقد بصيص أي أمل في الإصلاح والعيش بحرية وكرامة في ظل هذه الأنظمة التي باتت تنادي في الآونة الأخيرة، بإيحاء من الولايات المتحدة الأمريكية، بالإصلاح في شتى المجالات، علما بأن الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ من الإصلاح ذريعة لتتدخل في شؤوننا، ما ترتب عليه زهد فئة كبيرة من أبناء وبنات شعوبنا في ممارسة المواطنة الصالحة وقلة الشعور بالانتماء إلى الوطن واعتماد السلبية التامة منهجا للحياة، وترتب على ذلك أيضا، في ظل غياب أي حلول سلمية في الأفق، إلى إيمان كثير من الشباب بحتمية مجابهة تلك الأنظمة وتغييرها بالقوة.

اختزلت هذه الفئة الصدامية ميادين الصراع وأساليبه الكثيرة في نوع واحد فقط من الأساليب وهو الصدام المسلح مع الأنظمة والاشتباك معها للتخلص من شرها، وامتلك كثير من الشباب رؤية مجتزئة للعمل الإسلامي بمفهومه الواسع المتكامل الذي يشمل كل جوانب الحياة البشرية ويتضمن جبهات كثيرة من الصراع، فوقعوا في التسطيح والاختزال والتقزيم لقضايا جوهرية كثيرة في العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية، وأصبحوا لا يرون غيرهم من العاملين على الساحة الإسلامية إلا من خلال نظرتهم الضيقة التي تغفل إصلاح وبناء المجتمع المسلم بكل مؤسساته التعليمية والتربوية والاقتصادية والسياسية والإعلامية .. الخ.

لا تؤمن الفئة الصدامية بتعدد أساليب العمل الإسلامي ولا تثق بكثير من قادة الحركات الإسلامية إلا بمن يمضي حياته منهم في ساحة المعركة أو سجينا أو منفيا أو مطاردا أو بمن يقضي حياته منهم شهيدا، بل إن المنتمين إلى هذه الفئة لا يكفون عن كيل التهم الباطلة لكل من يمارس العمل السياسي والحزبي والدعوي بعيدا عن استخدام القوة والعنف حتى لو كان أحدهم ممن قضى عشرات السنين في السجون ونال من التعذيب ما لا تتحمله الجبال وقدم من التضحيات ما يفوق كل بيان.

ولم يعد يكترث هؤلاء الشباب أصحاب الأفكار الصدامية بأهمية المؤسسات المدنية الأهلية والمؤسسات الدينية والعمل النقابي والطلابي وما يتعلق بذلك من انتخابات نقابية وطلابية وبلدية وبرلمانية، بل إنهم أصبحوا غير قادرين على رؤية أهمية الوصول إلى مواقع التأثير والنفوذ والسلطة في المجتمع لمحاولة تغييره وإصلاحه بطرق أخرى غير طريق استخدام قوة السلاح، ويجهل كثير من هؤلاء الشباب أن أعداء أمتنا لم يدَعوا وسيلة إلا استخدموها في قهر شعوبنا وتشكيل مجتمعاتنا وأنظمة الحكم فيها بما يخدم مصالح هؤلاء الأعداء، ولم يعر هؤلاء الشباب أي انتباه للصراع الذي تخوضه الأنظمة الحاكمة والولايات المتحدة الأمريكية مع الحركات الإسلامية الفاعلة لكسب أجيالنا الناشئة في صفوفهم وعزل تلك الحركات الإسلامية عن الشباب والفتيات واضطرارها إلى التقوقع واستخدام العنف منهجا لها، ويغفل كثير من الناس أن استخدام العنف والإرهاب لحل المشكلات هو منهج غربي سبب الويلات والمآسي لشعوبنا ولكثير من شعوب العالم ومنها الشعوب الغربية.

ورغم أن كل التجارب التي دارت رحاها في وطننا العربي أثبتت أن الصدام المسلح مع الحكام والأنظمة قد فشل ولم يؤد إلا إلى مزيد من الخراب والدمار والتقهقر وتكريس الدكتاتورية والاستبداد، إلا أنهم مازالوا يعيبون على غيرهم من الحركات الإسلامية، التي تؤمن بمبدأ شمولية العمل للإسلام وأهمية بناء المجتمع المسلم وتربية الأجيال الناشئة، بأنهم يرضخون للحكومات ويستسلمون لها إبقاء على سلامتهم وحياتهم وحبا في الوصول إلى كراسي لهم في البرلمانات أو مناصب حكومية.

وعلى الساحة الفلسطينية يحتدم النقاش والجدل في هذه الأيام بين التيارات الإسلامية المختلفة حول شرعية وجدوى مشاركة حركة المقاومة الإسلامية في الانتخابات التشريعية، ورغم أن الفئة الصدامية وحركات وأحزاب إسلامية أعلنت مقاطعتها لهذه الانتخابات ترشيحا وتصويتا إلا أنهم يخوضون دعاية انتخابية قوية مضادة لحماس بهدف التشويش على مرشحيها وإضعافها والتشكيك في شرعية منهجها وقدرتها على تنفيذ برامجها رغم علمهم أن حماس قد عزمت الأمر على خوض الانتخابات ولن تجد دعايتهم المضادة لحمل حماس على التراجع، ولا يخشى هؤلاء في خضم دعايتهم الانتخابية المضادة لحماس من إضعاف المشروع الإسلامي الذي تحمله حماس والذي يتضمن عناصر تتفق عليها كل فئات الشعب الفلسطيني مثل الإصلاح والتحرير ورفع المعاناة عن الشعب وتعزيز صموده ومقاومته ضد الاحتلال، ولا يدرك هؤلاء، أو ربما لا يريدون أن يدركوا، أن ضعف حماس وتعثر مشروعها هو ضعف وتعثر لهم في ذات الوقت.

يتجاهل كثير من شباب الفئة الصدامية أن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام قد مرت بحالات متنوعة من الجهاد والكر والفر والغزو والهدنة والصلح والمعاهدات والحوار والمفاوضات، لماذا يريد هؤلاء الشباب من حماس أن تبقى دائما على حالة واحدة من المقاومة دون محاولة توظيف جهاد ومقاومة وتضحيات الشعب الفلسطيني لتحقيق أهداف وطموحات هذا الشعب المعطاء؟! لماذا لا يدخل هؤلاء في حساباتهم السطحية معاناة الشعب الفلسطيني وحاجته إلى استجماع قوته ليصبح قادرا على خوض هذا الصراع الطويل المرير الذي سوف يستمر إلى أجيال قادمة؟!

ينظر هؤلاء إلى الانتخابات النيابية والبرلمانية من خلال رؤيتهم الضيقة تلك فيُحرِّمونها بحجة أنها تؤدي إلى الاحتكام للقوانين الوضعية التي تتعارض مع الشرع الإسلامي الحنيف، وهم لا يدركون أن ما لا يمكن تحققه من خلال العمل البرلماني والنيابي لا يمكن تحقيقه خارج إطار هذا العمل، ويتجاهل الكثير من هؤلاء المعارضين لمشاركة حماس في الانتخابات أن المشاركة السياسية لا تقتضي عدم إنكار التحاكم للقوانين الوضعية المتعارضة مع الشريعة الإسلامية أو الكف عن محاربة هذه القوانين، و كذلك عدم المشاركة في الحياة السياسية لا يضمن منع التحاكم لتلك القوانين.

والغريب جدا أننا نجد أحزابا إسلامية تلتزم السلبية التامة على الساحة الفلسطينية ولا تؤمن بالمشاركة السياسية وتكوين كتل برلمانية معارضة للأنظمة الحاكمة ولا تهتم ببناء المجتمع المسلم والدعوة إلى الله ولا تؤمن كذلك بالجهاد في سبيل الله لمقاومة الاحتلال ولا ترى في أي من هذه الوسائل طريقا لتحرير فلسطين؛ إلا أنها تجد مبررات كثيرة لها لشن حملة شعواء على حماس لمشاركتها في الانتخابات التشريعية، وفي ذات الوقت، لا تبذل هذه الأحزاب أي جهد، غير الجهد الفكري، في استمرار الفساد واحتكار السلطة في مجتمعاتنا.

ومن أبرز محاور فكر الفئة الصدامية عدم الإيمان بالتكامل بين الحركات الإسلامية والتنسيق فيما بينها للعمل في كل الميادين والجبهات في إطار مشروع إسلامي واحد يتضمن عناصر الالتقاء بين كل التيارات الإسلامية، علما بأن هذه العناصر كثيرة وتستوعب كل الجهود والطاقات والأفراد والحركات الإسلامية، ويشن كثير من الشباب الذين ينتمون لهذه الفئة الهجوم على قيادات وأفراد الجماعات الإسلامية الأخرى التي تخالفهم الرأي ويثيرون الشبهات حول أساليبهم وأهدافهم ويمارسون أساليب دعائية تؤدي إلى إضعاف العمل الإسلامي لصالح أعداء الأمة الداخليين والخارجيين.

وكذلك لا يؤمن هؤلاء الشباب بتكامل أساليب العمل الإسلامي داخل كل حركة إسلامية الواحدة، لذلك فهم يقَيِّمون كل شخص في الحركة الإسلامية بناء على ممارساته وانجازاته الفردية دون النظر إلى عملية توزيع الأدوار السياسية والدعوية والعسكرية بين أفراد الحركة الإسلامية الواحدة، ودائما يلجئون إلى تصيد الهفوات والزلات لقيادات وأفراد الحركات الإسلامية الواسعة الانتشار لتخطيء مسارها ومنهجها واتهامهم بالركون إلى الدنيا وطلب الكراسي والمناصب، بل يعمد هؤلاء الشباب إلى الاستعانة بتصريحات بعض قادة الحركة الإسلامية لشن الهجوم على بعضها الآخر وقد يؤيدون بعضهم اليوم ثم يشككون بهم غدا ويهاجمون منهم اليوم من كانوا بهم معجبين بالأمس.

ينكر هؤلاء على الحركة الإسلامية لجوءها للمناورة والتكتيك وتغير المواقف بتغير الظروف المحيطة مع المحافظة على الثوابت والأهداف الاستراتيجية، ولهذا فهم يشنون حربا على كل من يظهر لينا مشروعا ومعقولا في رأيه وموقفه، ويستدلون خطئا من هذا اللين على تغيير جوهري في المنهج والمسار للحركة الإسلامية، ويلح كثير من شباب الفئة الصدامية على الحركة الإسلامية أن تظهر مواقفها وخططها وبرامجها المستقبلية علنا ليتأكدوا من سلامة المسير والمنهج غير مراعيين للحكمة التي تقول بأن لكل حادثة حديث، وهذه رعونة من هؤلاء الشباب وسطحية لا تطاق.  إنه من الطبيعي أن تلجأ الحركات الإسلامية في تغيير مواقفها وردود أفعالها بحسب الظروف والأحوال، فالحركة الإسلامية ليست مبرمجة لتكون استجابتها تلقائية في كل مناسبة وحين.

يعتبر شباب الفئة الصدامية أن كل عمل يقوم به الغرب هو مؤامرة لا يمكن مجابهتها إلا بالرفض المطلق وعدم قبول المواجهة أو الدخول في صراع مع أصحابها، ولا يرى الكثير من هؤلاء الشباب، على سبيل المثال، أي سبيل لمواجهة عمليات احتواء الإسلاميين عن طريق الانتخابات إلا رفضها مطلقا وتخطيء كل من يشارك فيها.

فهل رجع هؤلاء أصحاب الأفكار الصدامية إلى رشدهم وأدركوا أن ميادين الصراع مع الأعداء تتجاوز كل حدود وتحتاج إلى جهد كل فرد منا؟ هل أدرك هؤلاء الشباب أن كسب تأييد الشعوب ومآزرة إخوانهم الإسلاميين والشد على أيديهم هو أنفع للإسلام ولهم ولشعوبنا من التشاحن والتباغض وتصنيف الشعب ومعاداته؟!

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ