الإخوان
المسلمون
بين
الدعوي والسياسي
بقلم
مصطفى محمد الطحان
soutahhan@hotmail.com
مند زمن بعيد وقضية
الدعوي والسياسي تشغلني.
فمند أكثر من
أربعين سنة وأنا أتجول بين
الفكر الدعوي.. وبين المواقف
السياسية في البلاد العربية
وخارجها.. فقد نشأت في حركة
الإخوان المسلمين وتعلمت من
مبادئها وتجاربها وأفكار
قادتها.. وسمعت وقرأت إجابة
الإمام حسن البنا للمتسائلين عن
الإخوان المسلمين, حين سألوا:
ما أنتم أيها
الإخوان؟ إننا لم نفهمكم بعد.
فأفهمونا أنفسكم.. هل أنتم طريقة
صوفية أو جمعية خيرية أو مؤسسة
اجتماعية أو حزب سياسي؟
ويجيب حسن البنا
قولوا لهؤلاء: نحن دعوة القرآن
الحق الشاملة الجامعة: طريقة
صوفية.. وجمعية خيرية.. ومؤسسة
اجتماعية.. وحزب سياسي نظيف.
إننا ندعو إلى الإسلام,
والحكومة جزء منه, والحرية
فريضة من فرائضه.. بالطبع.. لا
يعجب هذا الكلام جمهرة لا بأس
بها من الشباب المسلم اليوم..
فهم يتطلعون إلى السياسة, شأنهم
في ذلك شأن بقية عباد الله..
فلهؤلاء أحزاب سياسية معترف بها..
فلم لا يكون لهم مثلهم..؟
* أثيرت هذه القضية
في أول عهد الثورة المصرية التي
قامت في يوليو
1952.. وكان عبد الناصر يريد حل
الأحزاب.. فقد كان يحلم بحكم بلد
لا يستطيع فيه
إنسان أن يتكلم أو ينتقد.. وأوحى
لبعض رجاله في وسط الإخوان أن
يطالبوا بتحويل الإخوان من هيئة
دعوية عالمية.. إلى حزب سياسي
محلي.. كان المرشد العام القاضي
العظيم حسن
الهضيبي يتوقع بقية السيناريو..
يصدر قانون الأحزاب.. ثم بجرة
قلم تحل جميع الأحزاب.. فيتخلص
جمال عبد الناصر من جميع
الأحزاب وخاصة
الإخوان الذين تحولوا إلى
حزب سياسي يسري عليهم ما يسري
على غيرهم.
وقدم الأستاذ
المرشد مرافعته أمام أعضاء
الهيئة التأسيسية وأرفقها
باستقالته وغادر الجلسة.
وراجع الإخوان
موقفهم.. واقتنع أكثرهم بمرافعة
المرشد العام.. وعادوا عن قرارهم
.. وعادوا إلى قواعدهم.. هيئة
دعوية إسلامية عالمية..
* في محاكمات عام
1965.. وقف حسن الهضيبي في المحكمة..
سأله القاضي: اسمك وعملك.. قال:
أنا حسن الهضيبي المرشد العام
للإخوان المسلمين.
فأجاب القاضي.. ولكن
الإخوان تم حلها عام 1954 يوم حلت
الأحزاب.. فأجاب فضيلته: يوم حلت
الأحزاب لم يكن الإخوان حزباً..
وأنا لست مرشداً عاماً للإخوان
في مصر فقط.. بل للإخوان
المسلمين في العالم.. فبهت
القاضي.
* ثم أي الأحزاب
يريد الإخوان اليوم..؟
ومَن مِن الحكومات
العربية والإسلامية تسمح لحزب
ذي توجه إسلامي بالوجود.. أعطني
مثلاً عملياً واحداً..؟!
سيقولون لك
: حزب التجمع اليمني للإصلاح..
وهذا الأمر يحتاج
إلى بيان.. فحزب التجمع اليمني
للإصلاح هو الذي قضى بقوة
السلاح على الانفصال الشيوعي في
اليمن الشمالي بدعم وتسليح
اليمن الشيوعي الجنوبي يومذاك..
ودفع حزب التجمع من دماء شبابه
ضريبة المحافظة على الوطن.. وقدر
اليمنيون حكومة وشعباً ورئيساً
وجيشاً هذا الموقف الجليل
لمغاوير الإصلاح.
وبعد الوحدة
اليمنية.. وإعلان حكام عدن وهم
من بقايا النظام الشيوعي..
الانفصال.. وتدفقت المساعدات من
كل جانب على الجنوبيين.. وفي
الوقت الذي كان النظام في
الشمال يحزم حقائبه للهرب.. كان
مغاوير الإصلاح بـ(13) دبابة فقط
وأسلحة خفيفة يسقطون المتآمرين
ويدفعونهم إلى الهرب.. وقدر
اليمنيون حكومة ورئيساً وشعباً
وجيشاً هذا الموقف لمغاوير
الإصلاح.
وفي الانتخابات
البرلمانية التي جرت في اليمن..
كانت الحكومة ترفض فرز صناديق
الانتخابات في تعز.. بعد أن
تأكدت أن الإصلاح سيكسبها..
وتكلمت القوة، فرقة من جيش
الحكومة ومسلحون من جماعة
الإصلاح.. شكلا توازن قوة منعت
التزوير..
فالقضية في اليمن
هي توازن قوة.. جُرب ذلك على مدار
ثلث قرن.
* ويقولون لك
السودان.. وماذا في السودان؟
وما قيمة هذه
الأحزاب الشعبي والوطني التي
فرغت من محتواها؟
يوم كانت الحركة في
السودان هي التي تتكلم.. تجمع
ولا تفرق.. كنا في زيارة للصادق
المهدي رئيس الوزراء.. مع الصديق
مصطفى عثمان إسماعيل يوم كان
الأمين العام للاتحاد الإسلامي
العالمي للمنظمات الطلابية
وليس وزيراً للخارجية.. شكا لنا
الصادق المهدي من الإخوان الذين
سيطروا على كل دوائر الخريجين..
فلم يبقوا له إلا الأميين!!
* ليسألوا
إندونيسيا والخلافات التي عصفت
بين حزبهم ودعوتهم.. واسألوا
الأردن السؤال ذاته.. واسألوا
الجزائر السؤال ذاته.. هل هي
تجارب صالحة للتأسي بها..؟
* بقي مثل واحد قد لا
يعرفونه, أنا أخبرهم به..
عندما حرر حزب
النهضة الإسلامي طاجيكستان من
رجس الاحتلال الشيوعي.. فاوضوا
رحمانوف رئيس الدولة أن يعملا
معاً لرفعة الشعب الطاجيكي. كان
الدستور لا يسمح بقيام أحزاب
تنتمي إلى الإسلام.. ولكن النظام
غض الطرف عن هذه المادة
الدستورية.. وفي فترة تالية..
عدّل رحمانوف هذه المادة.. بشكل
يسمح فيه الدستور للأحزاب
الإسلامية بالعمل الشعبي
والحزبي!!
وسألت رئيس حزب
النهضة الإسلامية.. فقال:
عدّل الرئيس هذه المادة حتى
يقول للأمريكان وللروس معاً..
اقبلوني وإلا جاء الإسلاميون..
أصبحوا فزاعة يحتمي الرئيس بها.
* أما الذين يتحدثون
عن الأحزاب.. وهم يرنون ببصرهم
نحو العدالة والتنمية في تركيا.
فليسمحوا لي أن أقول لهم: إنهم
يحكمون على أمر لا يعرفونه..
والحكم السليم لا يقوم إلا على
أساس من المعرفة الصحيحة..
لقد أسس أربكان حزب
النظام الوطني عام 1970م وعندما
عرفه الناس انضموا إليه .. وفي
زمن لا يزيد عن سنة واحدة قام
الجيش بالانقلاب وحلّ الحزب.
وقام حزب السلامة
عام 1972.. وفي أول انتخابات له حصل
على 12% من الأصوات وشكل حكومة
ائتلافية مع حزب آخر.
كان حزباً صغيراً
نسبياً ومع ذلك أصبح الرقم
الصعب في تركيا.
فقام انقلاب عام 1980.
وقام حزب الرفاه
عام 1983.. وفي مدة يسيرة أصبح
الحزب الأول في تركيا فقد فاز بـ(21,3%)
من الأصوات.. وأصبح أربكان
رئيساً للوزراء.
نعيد ذكر الأرقام:
استمر حزب النظام سنة وكانت
حصيلته 2% من الأصوات. واستمر حزب
السلامة 8 سنوات وحصد 12% من أصوات
الشعب. واستمر حزب الرفاه 15 سنة
وحصد 34% من الأصوات..
وهنا تداعت كل
القوى المضادة وترتيبها كما يلي:
توسياد (التجمع الاقتصادي الذي
تحركه الرأسمالية اليهودية)،
والإعلام، والجيش، وأخيراً
البرلمان ورئاسة الوزراء..
واتخذت القرار التالي: هذه
الأحزاب الإسلامية تزداد قوتها
وشعبيتها كلما أغلقناها.. فلا بد
أن يكون إلغاؤها من الداخل فكان
بذلك حزب العدالة والتنمية.
أنا أعلم أن هذا
للكلام قد لا يرضي بعض الحالمين..
وأنا لا أريد أن
انتزعهم من أحلامهم..
وأنهي مقالي.. بكلمة
يرددها طيب أردوغان كثيراً: لقد
تغيرنا لماذا لا تصدقون..؟!
ليس كلامي أني ضد
الأحزاب السياسية.. أبداً.. ولكن
الأمر يحتاج إلى الحرية أولاً..
وهي مصادرة حتى في أمريكا..
ولنا عودة إلى هذا
الموضوع
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|