الديمقراطية
الأمريكية
وعقدة
الخوف من فوز حماس
د.
محمد الغزي
الولايات
المتحدة بصفتها «زعيمة الحريات»
في العالم تسعى إلى نشر
ديمقراطيتها في بلادنا حتى ولو
استخدمت أقذر الوسائل،
والممارسات الأمريكية تجاه
الانتخابات التشريعية
الفلسطينية أدت إلى تجلي هذه
الحقيقة وإبرازها حتى لعوام
الناس وعامتهم، والحقيقة أن
المشكلة لا تكمن في سعي زعيمة
الحريات إلى نشر ديمقراطيتها في
بلادنا وإنما تكمن في بعضنا من
الذين لا يفهمون الديمقراطية
الأمريكية إلا من خلال نظرتهم
الساذجة بعيدا عن حقيقة هذه
الديمقراطية ومضمونها.
فالديمقراطية
الأمريكية لا تعني أي مما
نتباكى عليه من حقوق وحريات
إنسانية ومدنية وسياسية، ولا
تعني ما انتظرناه، نحن الشعوب
العربية والمسلمة البائسة،
لعشرات السنين من حق اختيار من
يحكمنا أو يمثلنا في المجالس
النيابية، ولكنها تعني فقط
الانصياع للإرادة الأمريكية
وتسليم زمام الأمور إلى أصنامها
وعملائها في العالم، إنها الدين
الجديد الذي يبشر به الدجالون
من المحافظين الأمريكيين الجدد
والقدامى ورسلهم من
الليبراليين والعلمانيين
والديمقراطيين في بلادنا، إنها
الشر الذي يسميه منظر المحافظين
الجدد بات بيترسون بالخير ويدعو
إلى إبادة العرب والمسلمين من
أجل نشره.
فالديمقراطية
الأمريكية تسعى إلى تهميش
الشعوب العربية وقهرها وليس
المقصود منها أن تؤدي إلى تحقيق
إرادة الشعوب العربية
والإسلامية، وهذا ما جعل
الولايات المتحدة الأمريكية،
بعد أن فشلت في احتواء حركة
المقاومة الإسلامية «حماس» من
خلال مفاوضاتها المباشرة وغير
المباشرة، تحسب ألف حساب
لمشاركة حماس في الانتخابات
التشريعية المقبلة خشية الفوز
الحتمي لحماس ووصولها بثقل كبير
إلى دفة المجلس التشريعي كما هو
متوقع، بل إن هذه المشاركة
أحرجت الإدارة الأمريكية، التي
لم تعد تستحي، وفضحت أساليبها
وعرَّت ممارساتها المخزية
وجعلتها مهزلة أمام العالم، ولم
تعد تخفي الإدارة الأمريكية
رعونتها وإصرارها على عدم تمكين
حماس من الفوز في الانتخابات
كسرا لإرادة الشعب الفلسطيني
واستهتارا بحقوقه ومنعا
لتحقيقه أهدافه الوطنية
المشروعة، ولكن من المؤكد أن
الفشل الذريع هو المصير المحتوم
لمساعي الإدارة الأمريكية في
النيل من شعبنا أو ثني عزمه عن
الإصلاح والتغيير والتحرير
ونيل كافة حقوقه، فلم يعد شعبنا
المؤمن الواعي يصدق أو يثق بمن
كرس معاناته ومكن الصهاينة من
احتلال أرضه، فمنذ متى كفت
الولايات المتحدة الأمريكية
دعمها للاحتلال ومده بالمال
والسلاح وقرارات الفيتو؟! ومنذ
متى عملت الولايات المتحدة
الأمريكية لمصلحة شعوبنا
العربية والمسلمة؟!
يعجب
المرء عندما يتابع تضارب قرارات
الإدارة الأمريكية وتصريحاتها
ومواقفها وممارساتها المخزية،
وكذلك الاتحاد الأوروبي، فيما
يتعلق بمشاركة حماس في
الانتخابات التشريعية وكأن
حماس أصبحت الدولة العظمى التي
تخيف تلك الدول التي تمتلك
الحضارة والتكنولوجيا وأسلحة
الإبادة البشرية والدمار
الشامل، فهذه «الدول العظمى»
تارة تلوح باستخدام عصى وقف
الدعم عن الشعب الفلسطيني
لترهبه وتخيفه، وتارة أخرى تلوح
بعدم الاعتراف بما ينتخبه الشعب
الفلسطيني ليمثله في المجلس
التشريعي والحكومة المقبلة،
وتارة ثالثة تدعم هذه الدول
مروجي الديمقراطية ومنافسي
حماس من أزلامها وخدمتها
بالدولار واليورو، وهذه الدول
العظمى لا تتوانى لحظة عن طمأنة
الكيان الصهيوني "الضعيف"
بالوقوف معه إلى الأبد ضد حماس
والشعب الفلسطيني.
إنه
الخوف من حركات الإسلام
الشمولية الفاعلة التي لا تدع
جبهة صراع، كبيرة كانت أم
صغيرة، مع أعداء الشعوب العربية
والإسلامية وأعداء الإسلام إلا
وتتصدى لها ببسالة ووعي وتعبئ
لها كل الغيورين الشرفاء من
أبناء وبنات الشعب الفلسطيني
وتشحذ هممهم وتوحد جهودهم لصد
العدوان وتعزيز قدرة شعبنا على
الصمود والمقاومة، فكل
الميادين أصبحت ساحة حرب مع
هؤلاء الأعداء ابتداء من ميدان
التربية والتعليم وانتهاء
بالمقاومة مرورا بالسياسة
والاقتصاد والخدمات والرعاية
الاجتماعية، إنه الخوف من
الإسلام ذاته لأنه يربأ
بالمسلمين الواعين أن يتخاذلوا
أو يستسلموا أو يهمشوا أنفسهم،
إنه الخوف من المقاومة
الإسلامية التي تتصدى
للأمريكيين والبريطانيين
وغيرهم في العراق وأفغانستان
وللروس في الشيشان.
إن
هذا الخوف المبني على معتقدات
وإيديولوجيات ضالة دفع
الأمريكيين والأوروبيين إلى
التخبط واستخدام أسوء أنواع
الإرهاب ضد شعبنا المقهور
بتهديده بالجوع والحصار
الاقتصادي الشائن، فالجوع أشد
وأقسى من غياب الأمن، يهدف هذا
التهديد إلى إخافة الشعب
الفلسطيني ليحجم عن التصويت
لمرشحي قائمة الإصلاح والتغيير
ولثنيه عن المشاركة في
الانتخابات، وما يلفت الانتباه
أن خافير سولانا، ممثل الاتحاد
الأوروبي، أعلن الأسبوع الماضي
أن الاتحاد الأوروبي سوف يمتنع
عن تقديم 40 مليون دولار للسلطة
الفلسطينية مبررا ذلك باكتشاف
(!!) الفساد الإداري في السلطة،
وهذا اعتراف من الاتحاد
الأوروبي بوجود فساد إداري
ومالي، من جهة، ومن جهة أخرى
تهديد ووعيد للشعب الفلسطيني،
إن اختار سولانا لهذا الوقت
بالذات للبوح بالفساد الإداري
والمالي في السلطة جاء ستارا
للإرهاب الاقتصادي الذي وجهه
الاتحاد الأوروبي، ومن قبله
الإدارة الأمريكية، تمشيا مع
مفهوم الديمقراطية التي ينادي
بها «العالم المتحضر».
لم
يكترث «رسل الإصلاح» المزيف في
العالم العربي والإسلامي
المتمثل في دول الاتحاد
الأوروبي والولايات المتحدة
الأمريكية من الفساد المالي
والإداري الذي استشرى في مؤسسات
السلطة الوطنية الفلسطينية،
ومن ثم، في المجتمع الفلسطيني
كله على أيدي من تسميهم الإدارة
الأمريكية بالديمقراطيين وأدى
إلى إهدار الأموال والممتلكات
العامة والطاقات البشرية، لم
يكترث رسل الإصلاح الفاسد
بالمعاناة والمآسي التي
يلاقيها الشعب الفلسطيني نتيجة
ممارسات خاطئة لمن يريدونهم
الاستمرار في قيادة وحكم الشعب
الفلسطيني، ولكن هيهات أن يقبل
الشعب الفلسطيني باستمرار هذه
المهزلة إلى أكثر من هذا الحد،
ولن يستمر صبر الشعب الفلسطيني
طويلا إذا ما نجحت المحاولات
الأمريكية والأوروبية في تزوير
الانتخابات أو التأثير على
نتائجها لصالحهم أو رفض نتائجها
أو أي من الحماقات الكثيرة التي
عودتنا عليها الولايات المتحدة
الأمريكية.
شعبنا
يعلم إن نسبة كبيرة من الدعم
المالي الذي تقدمه الدول
المانحة للشعب الفلسطيني يذهب
هدرا ولا يصل منه إلا اليسير إلى
بعض أبناء الشعب الفلسطيني
المقهور، وأن معظم هذه
المساعدات تذهب لأجهزة أمنية
وشرطية لتزويدهم بأدوات لقمع
الشعب الفلسطيني وقهره وإحداث
الانفلات الأمني ولملئ غزة بكل
ما يلزم من أسلحة لحرب أهلية
مدمرة، وجزء كبير من هذه
الأموال تذهب إلى موظفي هذه
الدول الغنية وإلى مروجي
الديمقراطية والثقافة الغربية،
فلا يوجد دعم بدون مقابل وكلما
زاد السخاء زاد المردود لصالح
الولايات المتحدة الأمريكية
والكيان الصهيوني، ولا يأتي هذا
الدعم إلا للتأثير على توجهات
وبرامج وأهداف المؤسسات
التعليمية والمنظمات الأهلية
والقطاعات الاقتصادية ولدعم
التطبيع مع الاحتلال والمروجين
له ولخلق جيل من شعبنا يتفهم
المآرب الأمريكية والغربية
والصهيونية.
يستطيع
الأمريكيون والأوروبيون أن
يفعلوا كل شيء لمنع شعبنا من
اختيار من يقوده ويحكمه،
ويستطيعون التهديد والوعيد
والحصار الاقتصادي ومنع
الأموال العربية والإسلامية من
الوصول إلى فقراء الشعب
الفلسطيني ومن يقدم له الخدمات
ويعمل لتحقيق أهدافه ومصالحه،
ويستطيعون كذلك أن يزوروا نتائج
الانتخابات أو يرفضوها،
ويستطيعون تلميع من يعولون
عليهم في منافسة حماس ويبرزونهم
ويدعمونهم، فكل هذا مفهوم وواضح
في إطار ديمقراطيتهم المخزية
التي يتقزز الإنسان السوي من
مجرد ذكرها، ولكنهم لن يستطيعوا
فك التلاحم الشعبي المتعاظم مع
حركة المقاومة الإسلامية
والتأييد لها والثقة بها، ولن
يستطيعوا أن يقهروا إرادة شعبنا
أو أن يخدعوه ويضللوه أو يجبروه
على الاستكانة والاستسلام و ترك
المقاومة والجهاد أو يجروه إلى
حرب أهلية يُسيل ذكرها لعاب
الاحتلال الصهيوني والإدارة
الأمريكية!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|