عن
التقارب بين الإسلام والغرب
محاضرة
للدكتور ماجد فخري
في مركز
الحوار العربي بواشنطن
تقرير
من إعداد: صلاح شعيب
في
ندوة عقدت بمركز الحوار العربي
بضاحية العاصمة الأميركية، قال
الدكتور ماجد فخري الأستاذ
بجامعة جورجتاون الأمريكية في
محاضرة حملت عنوان (مقومات
التقارب بين الغرب والإسلام) أن
"من الادعاءات الشائعة في
الأوساط الغربية أن العالم
اليوم يقف على شفير هاوية تهدد
بعواقب وخيمة بحكم صراع
الحضارات. ومن مشاهير دعاة هذا
الزعم صامويل هنتغتون الذي ذهب
إلى أن الإسلام قد دخل منذ القرن
الخامس عشر في مرحلة صراع مع
الغرب وتمثل هذا الصراع في هذه
المجابهة المعروفة بالإرهاب.
ويؤيد هنتغتون في هذا عدد من
المؤرخين والمفكرين الغربيين
منهم برناند لويس وبازيل مثيو
الذي استخدم عبارة صراع
الحضارات في كتاب نشره عام 1926.
ويلاحظ أن هنتغتون يكاد يقصر
دعواه على تاريخ الإسلام الحديث
بدءاً بالقرن الخامس عشر وكأنه
يتجاهل الحقب الطويلة التي كان
الإسلام إبانها على صلات حضارية
وثقافية بارزة مع الغرب تبدأ
بالقرن الثامن".
وأضاف
د. فخري، الذي كان سابقاً رئيساً
لقسم الفلسفة بالجامعة
الأميركية في بيروت، انه على
اثر حقبة من المجابهة العسكرية
بين الإسلام وبيزنطة، وريثة
الحضارة اليونانية القديمة،
بدأت مرحلة من التفاعل الثقافي
لا مثيل لها في التاريخ أدت في
أواسط القرن التاسع إلى ترجمة
التراث اليوناني العلمي
والفلسفي والطبي برمته تقريبا
إلى العربية وتواصل هذا التفاعل
طيلة ما لا يقل عن ثلاثة قرون
كانت أوروبا قد تناست التراث
اليوناني خلالها بينما انتقلت
الوصاية على هذا التراث العريق
إلى العالم العربي والإسلامي.
نهضة
طليطلة الفكرية
ومن
الشواهد على ذلك، كما يقول
المحاضر أن " آخر مترجم
لبعض الآثار الفلسفية، أي منطق
أرسطو من اليونانية إلى
اللاتينية، كان القنصل
الروماني بووثيوس (توفي سنة 525)
ومنذ ذلك التاريخ حتى أواسط
القرن الثامن عشر لم يظهر علي
المسرح الثقافي في أوربا مؤلف
يعتد به باستثناء سكوتش اريجنا
الأيرلندي (توفي سنة 877) الذي كان
يتقن اليونانية وينهج نهجاً
فلسفياً مخالفاً للنهج
الكاثولوكي المحافظ آنذاك. إلا
أن أثر سكوتش اريجنا لم يتجاوز
بعض الأوساط اللاهوتية الميالة
إلى الخروج عن الخط المحافظ.
وأستمر هذا النهج حتى أواسط
القرن الثالث عشر حيث بدأت
عملية الترجمة المعاكسة
للمؤلفات الفلسفية والعلمية
والطبية من العربية إلى
اللاتينية، كان من أشهر ممثليها
جيرارد دي كريمونا (توفي سنة 1187)
الذي ينسب إليه ما لا يقل عن
ثمانين ترجمة لعدد من تلك
المؤلفات".
وقال
د. فخري أن "محور هذه النهضة
الفكرية في الغرب آنذاك كانت
مدينة طليطلة في الأندلس واشهر
دعاتها آنذاك مطران طليطلة
ريموندوس الذي كان شديد الحماس
للفكر العربي والإسلامي. ويتمثل
التفاعل بين الإسلام والغرب
بالفعل في أثر ابن رشد فيلسوف
قرطبة الذي فتح كوة فكرية على
أوروبا الغربية لم يكن لها عهد
بها آنذاك وكان من نتائجها أن
آثار ابن رشد الفلسفية والطبية
ترجمت إلى اللاتينية في أوائل
القرن الثالث عشر علي يد عدد من
مشاهير الترجمة أمثال ميكال
سكوتش وهرمانوس أليمانوس
وسواهما بلغ مجموعها أحد عشر
مجلدا. وقد أدت هذه الترجمات إلى
نهضة عقلية سابقة للنهضة
الإيطالية المعروفة في القرن
الخامس عشر ورافقها صراع
فكري ولاهوتي في باريس وبادوا
بين أنصار ابن رشد أمثال سيجردي
براباك وجان دي جاندون
ومناهضيهم أمثال القديس توما
الأكريني. ومن الشواهد على ذلك
ما كتبه إتيان جيلسون عميد
المؤرخين للفلسفة في العصور
الوسطى عن دور ابن رشد في إيقاد
هذه النهضة العقلية قائلاً: "أن
النظرة العقلية ولدت في أسبانيا
(الأندلس) على يد هذا الفيلسوف
العربي الذي خلّف للأحقية
نموذجاً من الفلسفة العقلية
التي أثّرت في تطور الفلسفة
المسيحية ذاتها".
وأضاف
د. ماجد فخري أن للتقارب الحضاري
شروطاً عدة أهمها التبادل
والتفاعل، وأن مثل هذا التبادل
والتفاعل بين العالم الإسلامي
والغرب كان في حقبتين: الأولى
إبان القرن الثامن والتاسع مع
بيزنطة وريثة اليونان القديم،
كما سبق القول، والثاني إبان
القرنين الثاني عشر والثالث عشر
مع أوربا الغربية، وقد كان هذا
التفاعل فريداً فليس في تاريخ
الصين أو اليابان مثلاً شبيه له
حتى أوائل القرن العشرين،
فالمطلوب اليوم المضي قدماً في
مضمار التبادل والتفاعل بين
الإسلام والغرب لتحقيق هدف
التقارب الذي لا غنى عنه...."
مضمار
الترجمة والمؤرخين
وقال
الدكتور ماجد فخري أنه في هذا
المجال يتوجب على الغرب متمثلاً
بأوروبا وأمريكا اليوم مواصلة
النشاطات الفكرية الهادفة إلي
فهم الإسلام علي حقيقته ومواصلة
الجهود التي بذلها المستشرقون
منذ مطلع العصور الحديثة في
مضمار الدراسات المعمقة
بالالمانية والفرنسية
والانكليزية التي عرّفت العالم
الغربي إلى حد بعيد بكنوز
الحضارة الاسلامية، منها
الدراسات القرآنية والتطورات
الفكرية المعاصرة على يد عدد من
كبار المستشرقين.
وقال:
مع أن بعض المفكرين العرب
أثاروا الشكوك حول أصالة هذه
الدراسات لا سيما نوايا
المستشرقين الخبيثة في بعض
الأحوال، فلا شك أن الباحث
المنصف مضطر للاعتراف بجدية هذه
الدراسات الثقافية والتاريخية
وأهميتها. وفي رأي إدوارد سعيد
في كتابه الشهير "علم
الاستشراق"، أن المستشرقين
إبان المرحلة الأولى نظروا إلى
علم الاستشراق كذريعة
للاستعمار واعتبروا أن المعرفة
التي من شأن هذا العلم أن يكشف
عنها إنما هي وسيلة للسيطرة على
الشرقيين، كما كان يرى اللورد
كرومر حاكم مصر إبان الاستعمار
البريطاني لتلك البلاد مقتفياً
خطى الفيلسوف البريطاني
المعروف فرانسيس بيكون الذي كان
يحدد المعرفة بأنها الوسيلة
للسيطرة على الطبيعة من جهة
وعلى البشر من الجهة الأخرى.
ويميز
إدوارد سعيد في تحليله لما كتب
المستشرقون من شتى الأعراق بين
العلماء غير المنصفين وهم أولئك
الذين كان هدفهم تأييد
الاستعمار أو التشنيع بالشعوب
التي كانت بحوزتهم، وبين
العلماء الذين بلغوا في ميدان
العلم والتبحر مرحلة عظيمة.
ويتوفر إدوارد سعيد بصورة خاصة
على ذكر الاهتمام الذي كان
يبديه نابليون بمصر حتى قبل
غزوها 1798 وحرصه على التمثل
بالدور الذي لعبه الاسكندر
الكبير في فتح مصر في القرن
الرابع قبل المسيح، وقد كان
نابليون معجباً بالشرق إعجاباً
كبيراً حتى انه خلّف مخطوطة في
تاريخ مصر، وعمل جاداً للتقرب
من علماء الأزهر معرباً عن
إعجابه بالنبي محمد والقرآن
الكريم الذي كان علي إطلاع واسع
عليه.
العلاقات
الإسلامية المسيحية
ويرى
الدكتور ماجد فخري أن العلاقات
الإسلامية المسيحية بدأت، على
صعيد العمل السياسي، منذ عهد
الدعوة. ففي حقبة باكرة عقد
المسلمون معاهدات مع مسيحي
نجران باليمن والحيرة بالعراق
والقدس بفلسطين، حذرت المسلمين
من الإساءة للذميين من يهود
ونصارى. وفي معاهدة القدس
المعقودة سنة 628 بين الخليفة عمر
ومطران القدس سفرينوس كان هناك
تعهد بحماية سكان المقدس وعدم
اضطهادهم أو التضييق عليهم.
وعلى رغم الصراع مع البيزنطيين
فالعلاقة اتسمت بالمهادنة على
الصعيد العملي وابلغ دليل على
ذلك أن مسيحيي سوريا رحبوا
بالفاتحين المسلمين، كما يروي
المؤرخون واستمرت العلاقات
المسيحية الإسلامية على هذا
النحو حتى أواخر القرن الحادي
عشر الذي شهد انتكاساً واضحاً
نتيجة للغزو الأوروبي لفلسطين
والذي كان معروفاً بالحروب
الصليبية، وقد كانت أهداف هذا
الغزو سياسية وعسكرية
واقتصادية، لا دينية أو
لاهوتية، ذلك أن الحافز الأول
لهذا الغزو، كما يخبرنا
المؤرخون العرب واللاتين، كان
زحف السلاجقة الأتراك شمالاً
بحيث توجس البيزنطينيون
بالقسطنطينية خوفاً من هذا
الزحف، مما حمل الإمبراطور
آنذاك إلى مناداة
الأوروبيين الغربيين
للتدخل لمساندة إخوانهم
المسيحيين في الشرق. ويروي
المؤرخون أن الصليبيين لمّا
دخلوا القدس أعملوا السيف برقاب
المسلمين واليهود والمسيحيين
الشرقيين. وكان من فظاعة هذه
المجزرة أن أولئك اليهود الذين
لجأوا إلى كنيسهم لاقوا حتفهم
بشكل أسوأ إذ أشعل الغزاة النار
فوق رؤوسهم. ولعل ابلغ دليل على
الطابع السياسي أو العسكري
للغزو الصليبي أن حافز
الصليبيين كان السيطرة على
العالم العربي برمته وليس القدس
أو الأراضي المقدسة فقط. ومن
المعروف أن هذا العالم الإسلامي
كان يخضع لخلافتين متنافستين
وهي الخلافة الفاطمية الشيعية
في القاهرة والخلافة السنية في
بغداد. ويروي مؤرخون أن
الفاطميين رحبوا بالغزو
الأوروبي للشرق آنذاك.
ويضيف
المحاضر أنه في القرون اللاحقة
استمر الحكم العثماني للشرق
الأدنى طيلة ما لا يقل عن أربعة
قرون تخللتها فترة من التخلف
يسميها المؤرخون بعصر الانحطاط
الذي بدأت بوادر انحساره
بالظهور في أواخر القرن الثامن
عشر في أعقاب غزو نابليون لمصر
الذي افتتح الفترة المعروفة
بالنهضة التي أتت تباشيرها في
مطلع القرن التاسع عشر وكان من
أعلامها البارزين ناصيف
اليازجي واحمد فارس الشدياق
وبطرس البستاني وغيرهم.
أما
بالنسبة إلى موقف المفكرين
وعلماء الدين المسلمين من الغرب
اليوم فيلاحظ انهم انقسموا منذ
أوائل القرن العشرين إلى فئتين:
واحدة أدركت أن سبيل النهضة
العربية الإسلامية واضح
المعالم وهو التمثل بالغرب،
القطب الحضاري والثقافي غير
المنازع اليوم، والفئة الثانية
دعت إلى إنتهاج فكر أصولي يقوم
على العداء للغرب والتمسك
بالعقائد والتقاليد التي يتميز
بها الاسلام والحضارة
الاسلامية عن الغرب والحضارة
الغربية.
وقال
الدكتور ماجد فخري في ختام
محاضرته، أن من نتاج المنحى
الموالي للغرب أن عدداً من
المفكرين المسلمين والعرب قد
أخذوا منذ أواخر القرن التاسع
عشر ينادون بالعلمانية بينما
ذهب الفريق الآخر إلى أن
الإسلام والغرب على طرفي نقيض،
وأن الحضارة الغربية محكوم
عليها بالانهيار، ويضاف إلى هذا
الفريق عدد من المفكرين الذين
أخذوا بنواحي الفكر الغربي،
نذكر منهم دعاة الوجودية مثل
عبد العزيز الجيابي وعبد الرحمن
بدوي (في شبابه) ورينه حبشي،
ودعاة المنطقية الوضعية مثل زكي
نجيب محمود وفؤاد زكريا،
والماركسية مثل صادق العظم وعبد
الله اللروي وطيب الطيزني
وسواهم.
بالاضافة
إلى هاتين الفئتين، ثمة فئة
ثالثة تُعرف بالوسطية يذهب
دعاتها إلى القول ان التمثل
بالغرب في ميادين العلم
والتكنولوجيا لا يتنافى
بالضرورة مع التمسك بالعقائد
والتقاليد الإسلامية، نذكر من
دعاة هذه الفئة يوسف القرضاوي
ومحمد الغزالي وفهمي هويدي.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|