حماس
ترسم خارطة الطريق
لتحقق
أمتنا عزتها وكرامتها
د.
محمد الغزي
لم
يشهد الشعب الفلسطيني، من قبل،
مثل هذه اللحظة التاريخية التي
حقق فيها إرادته وتمكن من قول
كلمة الحق فيمن أتى بهم
الاحتلال الصهيوني ودعمهم
المجتمع الدولي ليسرقوا جهاد
الشعب الفلسطيني وتضحياته،
التي قدمها قبل وخلال الانتفاضة
الأولى المباركة، وليمكنوا
للاحتلال الصهيوني وليخمدوا في
شعبنا المعطاء جذوة المقاومة
ومعاني العزة والكرامة، ولقد
وجه شعبنا الفلسطيني بقيادة
حركة المقاومة الإسلامية
«حماس» الضربة القاضية لمشروع
أوسلو وأصنامه وكل صيغ وتفاهمات
الاستسلام والتنازل عن حقوقنا
المشروعة، بل وقف شعبنا شامخا
أمام وعيد الدول الداعمة
للاحتلال وتهديداتها وابتزازها
رافضا لخريطة طريق جورج بوش
وراسما لخريطة طريق إسلامية،
وما من شك أن هذا النصر المؤزر
هو النتيجة الحتمية للمقاومة
الأسطورية المتواصلة لشعبنا
الفلسطيني وصبره وإيمانه ووعيه.
لقد
بدأت حماس في رسم خارطة طريق
للأمة العربية والإسلامية
لتصحوا من غفوتها وتنهض من
كبوتها وتجتهد في تحقيق كرامتها
وعزتها، ولقد أثبت الشعب
الفلسطيني أن المقاومة والجهاد
والوعي وبذل التضحيات هو السبيل
الوحيد أمام شعوبنا العربية
والإسلامية لنيل حريتها
وكرامتها والصمود أمام معركة
الوجود، وما على الشعوب العربية
والإسلامية إلا أن تتبنى مشروع
حماس للإصلاح والتغيير
والتحرير وتتعامل معه على أنه
مشروع للأمة كلها وليس فقط
للشعب الفلسطيني وحده، وعلى
الأمة أن تقف مع حماس وتساعدها
على الصمود أمام التهديدات
الظالمة التي جعلها فوز حماس في
الانتخابات التشريعية ترتعد
خوفا وتطلق التهديدات تلو
التهديدات في محاولات يائسة
وأساليب متهرئة لا يمكن أن تثني
الشعب الفلسطيني عن المضي في
خياره الإسلامي.
ورغم
كل ما يبدوا في الآفاق من تحديات
صعبة وعنيدة للمشروع الإسلامي
الذي تحمله هذه الحركة الفتية
في وجه المشروع الصهيوني
الغربي، الذي يستهدف الأمة
بأكملها بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية، ورغم كل
التهديدات التي توجهها دول
الغطرسة والاستكبار والعدوان
لشعبنا المظلوم فإن نورا قويا
يشع في هذه الآفاق ليبشر
بمستقبل يحمل وعودا بالنصر
والتمكين، ليس فقط لحماس وشعب
فلسطين، بل لكل العرب
والمسلمين، فما حققه «نموذج
حماس » من انجازات هو نصر للأمة
العربية والإسلامية وللمنهج
الإسلامي والفكر الذي تحمله
حماس، وهذا النصر هو هزيمة
نكراء للاحتلال وما يقوم به من
إرهاب وللدبلوماسية الأمريكية
وعملائها وعناصر التمكين لها،
وهو كذلك صفعة قوية للصلف
الأوروبي والأمريكي ونكسة
كبيرة للإستراتيجية السياسية
الأمريكية المتخبطة والعاجزة
عن تقدير الأمور ومعرفتها على
حقيقتها، ولقد اعترف الكيان
الصهيوني بعجزه عن التنبؤ بحجم
هذا الفوز العظيم الذي حققته
حماس.
مازالت
الدول المستكبرة التي ترعى
المشروع الصهيوني وتشفق عليه من
الانهيار تنظر إلى حماس على
أنها مجموعة من المتطرفين أو
تنظيما إرهابيا معزولا، ولكنهم
مخطئون وجائرون في ذات الوقت،
فقد أثبتت نتيجة الانتخابات أن
حماس هي الشعب الفلسطيني وأن
الشعب الفلسطيني هو حماس، ولذلك
فإن الدعوات الحمقاء التي تطالب
حماس بإلقاء السلاح ونبذ
المقاومة، التي يسمونها
إرهابا، لن تجد لها من يصغي
إليها أو يلقي لها بالا، فمنذ
فوزها الساحق في الانتخابات
التشريعية أصبحت حماس دولة
وحكومة لها جيشها وسلاحها
وكتائبها وعلى رأسها كتائب
الشهيد عز الدين القسام، لذا
فعلى دول الاتحاد الأوروبي
والولايات المتحدة الأمريكية
وكوفي عنان أن يلعبوا غير هذه
اللعبة وعليهم أن يفيقوا من
سكرتهم ويكفوا عن استكبارهم
وغطرستهم، وعليهم أن يطالبوا
كيانهم الصهيوني أن ينزع سلاحه
ويخرج من أرضنا.
إن
شعبنا الفلسطيني غني عن مساعدات
الدول الداعمة للكيان الصهيوني
والتي لا تذهب أموالها إلا
لأعوان الاحتلال وأدوات
العولمة الأمريكية التي تستهدف
شعوبنا العربية والإسلامية
وتعمل على سلبهم حقهم في اختيار
من يحكمهم ويقرر مصيرهم، ولن
يبيع شعبنا الفلسطيني حقوقه
وأرضه في مقابل الحصول على
أموال ودعم الدول الظالمة، وسوف
تقف الشعوب العربية وغيرها مع
الشعب الفلسطيني في محنته وتقدم
له العون.
إن
على العالم أجمع أن يعترف
بالواقع الجديد الذي صنعته حماس
والمتمثل في الإصرار على نيل
الحقوق وتحرير الوطن، وعلى
العالم أن يعترف بأن كل ما فعله
الكيان الصهيوني في الماضي
لإلغاء وجود الشعب الفلسطيني،
من تجهيل وطمس هوية وإسقاط
العملاء وتهويد القدس، لم يزد
هذا الشعب إلا إصرارا على
مواصلة مشروع التحرر
والاستقلال، ولم تستطع كافة
الأجهزة الصهيونية، رغم كل ما
فعلته من تعذيب واعتقال واغتيال
وإبعاد وإرهاب وهدم المنازل
واقتلاع الأشجار أن تنال من
صمود حماس وعزيمتها وشعبنا
الفلسطيني المجاهد، وقد انهزمت
الآلة العسكرية الصهيونية
المدعومة أوروبيا وأمريكيا
أمام كتائب القسام ومقاومة
شعبنا الباسلة، وهلك جيش
الاحتلال الجرار من العملاء
والمفسدين ومروجي الديمقراطية
الأمريكية من العلمانيين
والليبراليين المستنفعين أمام
جهاد ووعي شعبنا المعطاء، ولم
يعد للعالم كله سبيلا إلا
الاستجابة لمطالب شعبنا
العادلة وإزالة الاحتلال الذي
هو سبب كل خطيئة.
وهذه
دول الاتحاد الأوروبي ترفض
التعامل مع حماس بذريعة منهجها
الإسلامي ولكنها تدعم الدولة
الوحيدة التي قامت على أساس
ديني والتي تحتوي على آلاف
المنظمات الدينية المتطرفة
والتي أذاقت شعبنا الفلسطيني
الويلات بإرهابها وإجرامها،
أما الولايات المتحدة
الأمريكية، التي تدعو إلى
الحريات الدينية والتسامح
وتتغنى بذلك، فهي تقف في وجه
الإسلام وتمنع المسلمين من
حرياتهم وتبيح لأجهزتها التجسس
على المسلمين ومعاملتهم في
سجونها بأقسى ما يمكن أن يعرفه
البشر من عذاب في القرن الواحد
والعشرين وبتهديدهم بالإعدام
لمن يصمد منهم أمام جبروتها، بل
هي تمد الاحتلال الصهيوني بكل
أنواع السلاح والتكنولوجيا
القاتلة لإبادة الشعب
الفلسطيني.
ولذلك
على كل فئات الشعب الفلسطيني أن
تضع يدها بيد حماس لإعادة صياغة
وبناء مجتمعنا الفلسطيني
بطريقه تعزز صموده أمام
الاحتلال الغاشم وتوظف طاقاته
وتقربه إلى أهدافه وحقوقه، وعلى
أبناء الاتجاهات الإسلامية،
التي لا تكف عن التشكيك في مسيرة
حماس وقدرتها على تحقيق وعودها
وإنجاز برامجها والتي أجهدت
نفسها وأزهقت أوقاتها وأموالها
في ممارسة التخذيل والتثبيط
والتبطيء، أن ينظروا إلى الأمام
والمستقبل بدلا من أن يعيدونا
إلى الوراء والماضي السحيق،
وعليهم أن يكونوا عونا لحماس لا
عليها وعليهم أن يصبوا جهودهم
لتحقيق الوحدة والانسجام بدلا
من الخصام والتشرذم.
وعلى
حركة حماس أن تعمل على تحويل
وعودها للشعب الفلسطيني
وأهدافها إلى خطط وبرامج تؤدي
إلى إنجاح إستراتيجيتها
وبالتالي نموذجها ومشروعها،
وعليها أن ترتقي بمستوى برامجها
وأفرادها للتناسب مع هذه
المرحلة الحرجة التي تتطلب
تفجير الطاقات البشرية وتوظيف
كل الإمكانيات والموارد في صالح
مشروع الإصلاح والتحرر، وعلى
أفراد حماس ومؤيدها وأنصارها أن
يكونوا ربانيين وجاهزين لحمل
رسالة الإسلام إلى العالمين،
ولنتذكر قول ربنا عن أمة محمد
صلى الله عليه وسلم:
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا
أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ
وَبِهِ يَعْدِلُونَ }الأعراف181
وعلى
الشعوب العربية أن تدرك جيدا أن
الأنظمة التي تستبد بهم لا هدف
من استمرار بقائها إلا حماية
الاحتلال الصهيوني ورعاية
المصالح الأمريكية والأوروبية
الغربية ومنع الشعوب من القيام
بواجبها تجاه قضية فلسطين
وشعبها العربي المسلم، لذا فإن
هناك علاقة عضوية قوية بين
استبداد أنظمة الحكم والاحتلال
الصهيوني لفلسطين، من جانب،
والمشروع الأمريكي، من جانب
آخر، لذا فإنه لا إصلاح في
البلاد العربية والإسلامية ولا
كسر للاستبداد إلا بالعمل على
إفشال المشروع الغربي الصهيوني
ودحر الاحتلال الصهيوني
لفلسطين، فعلى الشعوب العربية
أن تقدم العون والدعم لحماس
والشعب الفلسطيني في كل
المجالات الاقتصادية والسياسية
والإعلامية والصحية
والتعليمية، وعلى الإعلاميين
والمثقفين من أبناء وبنات
شعوبنا أن يعملوا على تعمق
الشعور بمسؤولية شعوبنا تجاه
نصرة الشعب الفلسطيني وإبراز
مشروع حماس الإسلامي وجعله
وسيلة لبث الأمل في نفوس شعوبنا
المحبطة.
أما
على المستوى الرسمي، فعلى جامعة
الدول العربية والدول العربية
والإسلامية أن تبادر بالاعتراف
بالحكومة الفلسطينية وبشرعية
حماس وشرعية مقاومة الشعب
الفلسطيني الذي يدافع عن الأمة
العربية أمام الزحف الصليبي
الصهيوني تجاه كل البلاد
العربية، وعليها أن تقوم
بالسماح لتبرعات الشعوب
العربية بالتدفق لدعم الشعب
الفلسطيني وحكومته المقبلة
وتحييد عامل المساعدات المالية
من دائرة الصراع مع الاحتلال
الصهيوني وإفشال جهود كل من
يتوعد الشعب الفلسطيني بالحصار
السياسي والاقتصادي
والدبلوماسي، وعلى جمهورية مصر
العربية تحديدا أن تفتح حدودها
مع غزة وتقيم منطقة سوق حرة
تخلصنا من الضغط الاقتصادي الذي
يمارسه الاحتلال ضدنا ويستخدمه
في العقاب الجماعي ضد شعبنا
الفلسطيني.
هذه
معالم خريطة الطريق التي وضعتها
حماس لنسف خريطة الطريق
الأمريكية التي تبنتها اللجنة
الرباعية، فهل وعت شعوبنا
الدروس واستخلصت العبر؟!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|