احذروا
مصيدة قانون الأحزاب
فيما
لو أبصر النور
م
. أبو إسلام
تجربتان انتخابيتان ناجحتان
بمقاييس النزاهة والشفافية إلى
حد كبير جداً حثتا مؤخراً ,
والمعيب أن كلتا التجربتين
أجريتا في ظل احتلال عسكري
مباشر , الأولى تمت منذ أسابيع
قليلة في العراق والثانية أجريت
منذ يومين في الأراضي
الفلسطينية المحتلة وكلا
التجربتين أفرزتا نتائج لا
تتطابق ورغبات المحتلين !!! .
وسأتوقف عند التجربة الفلسطينية
بقليل من النقاش لسببين :
1ـ الصورة السوداوية في داخل
أذهاننا للسلطة الفلسطينية
وقيادتها والتي تحولت خلال
السنوات الأخيرة إلى سلطة الشخص
الرمز متمثلة بالرئيس الراحل (
ياسر عرفات ) كصورة مشوهة عن كل
الأنظمة العربية , ولكن ما حدث
أثناء العملية الانتخابية
الأخيرة والنتائج التي تمخضت
عنها يدلان وبشكل أكيد وبدون
أدنى شك على أن السلطة ورئيسها
محمود عباس كانت محايدة تماما ً
ونزيهة وعملت على عدم حدوث
أعمال تزوير وسلبطة أو بلطجة (
كما في تجربة مصر الانتخابية
مؤخراً ) كما هو الحال عليه في
معظم الدول العربية ذات النظام
الجمهوري ونذكر منها على سبيل
المثال سوريا ومصر .
2ـ إن انتصار حماس وتحقيقها
للأغلبية يعطيها الحق
والإمكانية لتشكيل حكومة
بمفردها وبالتالي يسمح لها
بالسيطرة الكلية على المؤسستين
التشريعية والتنفيذية , وهي أول
عملية وصول لحركة إسلامية ذات
برنامج عقائدي بشكل كامل إلى
السلطة ( طبعاً لا يمكن نسيان
تجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية
والتي لم يكتب لها الحياة بسبب
إجهاز المؤسسة العسكرية عليها
فور ولادتها ) ومن هنا فإن هذا
الانتصار السياسي لحماس يحمل في
طياته بعداً ذا شقين , الأول أن
حماس ستكون بوضعها الجديد مضطرة
للتعامل مع محيط عالمي متعدد
ومتعارض معها حتى الآن لأسباب
كثيرة أهمها وأقلها رفضها و
بالمطلق لفكرة وجود دولة
إسرائيل نهائياً وهذا ما يوجب
عليها ويدعوها إلى إعادة النظر
بالكثير من القضايا وإعادة
قراءة الواقع
بواقعية سياسية أكثر وبما
لا يعارض مع الثوابت الوطنية
طبعاً , أما الثاني فهو أن نجاح
أو إخفاق حماس سياسياً سيؤثر
إيجاباً أو سلباً على كل
الحركات والأحزاب الإسلامية في
المنطقة العربية ولجهة نظر
الخارج ( أوروبا وأمريكا )
للبدائل المتوقعة للأنظمة
الحاكمة حالياً والتي تجعل هذا
الخارج متردداً وحذراً ومرغماً
على القبول بهذه الأنظمة
الدكتاتورية على علاتها
ومساوئها بالنسبة له ( حال
النظام السوري
اليوم ) , ومن هنا فكل الأمل بالطبع أن تقوم
حماس بإعادة دراسة معمقة
لبرنامجها السياسي مستفيدة من
تجارب الآخرين ( التجربة
المتميزة لحزب العدالة
والتنمية في تركيا ) وتقديم صورة
متقدمة ومتطورة وحديثة العمل
السياسي .
ولكوننا نعيش في سوريا في
هذه الأيام مرحلة مخاض سياسي
عسير على مستوى النظام الرسمي
الذي يحاول جاهداً استولاد جنين
مشوه حكماً وهو قانون الأحزاب
الذي يحتمل أن تصدر مسودة
لنقاشه خلال الفترة القادمة .
هذا القانون المحكوم عليه مسبقاً
وبدون أي تردد بأنه قانون فاشل
وميت ، الغاية منه ( اسم حق يراد
به باطل ) , لأن أسباب وظروف
ودوافع مجيئه وببساطة شديدة
ليست من قبيل الإصلاح السياسي
الحقيقي الواجب والمطلوب وإنما
هو مجرد عملية التفاف وفبركة
سياسية للإيحاء بأن هناك مشروع
تطوير وتحديث للحياة
السياسية في البلاد .
إن هذا الحكم المسبق لا يأتي من
قبيل قراءة الطالع أو من باب
التنجيم ولكنه يأتي في سياق
قراءة سياسية واقعية وتحليل
صحيح لسياسية وممارسات نظام لم
ولن يسمح تحت أي ظرف كان بإيجاد
مناخ سياسي طبيعي وسليم .
ومن هنا فإنني أوجه أولاً تحية
تقدير وتهنئة للسلطة
الفلسطينية ورئيسها الذين
قدموا نموذجاً يحتذى به لكل
الأنظمة العربية التسلطية
والقمعية والشمولية وأخص منها
النظام السوري , وثانياً فإنني
أتوجه بتحذير غاية في الخطورة
والأهمية إلى كل الأحزاب والقوى
السياسية المعارضة في سورية
وبالتحديد تلك التي تلاقت
وتوافقت مؤخراً تحت وثيقة "
إعلان دمشق للتغيير الوطني
الديمقراطي " وأدعوها إلى
استباق عملية الإصدار لقانون
الأحزاب المزمع وذلك للاتفاق
على مبادئ أساسية يتعاهد عليها
الجميع بعدم المشاركة في أي
عملية سياسية مقبلة تنتج عن
قانون أحزاب مشوه وناقص يستثني
البعض تحت حجج وذرائع واهية من
جهة ، ويقصي الآخرين ويجعلهم
بلا فاعلية من جهة أخرى , وأتمنى
ألا ينجرّ البعض للمشاركة بأي
شكل كان تحت حجة مثلاً ( الرمد
خير من العمى ) كما هو الحال في
تجربة الانتخابات المصرية
المؤخرة .
مع العلم أن إعلان دمشق كان
واضحاً وكافياً بصدد هذا الجانب
إذ أكد على ( ضرورة التغيير
الجذري في البلاد , ورفض كل
أشكال الإصلاحات الترقيعية أو
الجزئية أو الالتفافية) حيث لن
يكون قانون الأحزاب المقبل خارج
إطار الصيغة السابقة إطلاقاً .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|