ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 08/02/2006


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

إصدارات

 

 

    ـ مجتمع الشريعة

 

 

   ـ أبحاث    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

مسكين شعبنا السوري المنهوب

الدكتور  خالد الأحمد*

قبل أربعين سنة كنت مدرساً شاباً في ثانوية مختلطة ، وكان راتبي مرتفعاً جداً بسبب الساعات الإضافية ، إذ كان يصل إلى (750) ل.س ، عندما كان كيلو لحم الخروف المشفى من العظم في سوريا بخمس ليرات سورية فقط ، أي بدولار وربع تقربياً ... وبقسمة بسيطة تعرف أن راتبي كان يعادل (150) كيلو لحم شهرياً ...

وكنت أحلم بسيارة خاصة ، وكانت ( الفولكس فاكن ) سيارة الأطباء والمحامين ، أما المدرسين السوريين فلاسيارة لهم ، وأردت أن أكسر الطوق وأمتلك سيارة خاصة ، وعرفت أن الطبيب ( ....) وهو من أحبابي المقربين ، اشترى سيارة جديدة ، ويريد ان يبيع سيارته القديمة (فولكس فاكن موديل 59) ، وعرفت أن ثمنها في حدود ( 8 – 9 ) آلاف ليرة سورية فقط ، وحسبت ماليتي ، وثمن البقرة التي نشرب حليبها ، ويبقى لي بضعة آلاف قليلة ، فذهبت إلى صديقي الطبيب ، وعرضت عليه المشروع وخلاصته أن يبيعني سيارته القديمة ، وأدفع له نصف الثمن مقدماً ، والنصف الباقي مقسطاً ، فرحب وأعطاني مفاتيح السيارة وقال : هات السعر الذي يريحك ، وادفع ماتستطيع ، وقسط الباقي كما تحب ، وهذا مفتاح السيارة ، لكن يجب علي أن أقدم النصيحة ، لأن الدين النصيحة ، [ وهو أكبر مني سناً ] ... قلت له : نعم وأصغيت أسمع له باهتمام .

قال صديقي الطبيب :

الآن سيارة الفولكس فاكن (59) لك ، وهي سيارتك ، والمفتاح بيدك ، لكن اسمح لي أن اسألك كم راتبك ؟

أجبت بزهو وفخر : راتبي مع الساعات الإضافية يصل (750) ل.س ...

قال : وبدون الساعات الإضافية ؟ قلت : ( 450) ل. س  . قال : ماشاء الله بارك الله لك فيه ، يا أخي خالد : السيارة الخاصة تحتاج إلى مصروف شهري قد يصل إلى (400) ل.س . وقود ، وإطارات ، وتصليح ، وبالتأكيد ليس أقل من (300) ل . س .

وأنت في بداية معركة الحياة ، الآن عندك ولدان ، والمعمل شغال ماشاء الله ، وخلال بضع سنوات سيكون عندك ( 5 – 7) أطفال ، وحتى الآن لاتملك بيتاً ، فهل يصح شرعاً وعقلاً أن تنفق راتبك على السيارة الخاصة ، وتحرم أسرتك من سكن خاص لهم ،

ثم أرجو أن لاتخطط على أساس الساعات الإضافية ، خطط على أساس راتبك الأساسي ، لأن الساعات الإضافية غير دائمة ، وأنت الآن تأخذ السقف في الساعات الإضافية ، وقد يتغير الحال ، لذلك أرجو أن تخطط على أساس راتبك الأساسي ... الذي سيكفي السيارة فقط ، ويبقى أطفالك بدون حليب وعلاج وطعام ... وهذا لايجوز شرعاً ولاعقلاً ...

ثم تشجع أخي الطبيب وقال : من عندكم من المدرسين يملك سيارة !!؟ المدرس فلان قديم ويعمل منذ أكثر من عشر سنوات ، وراتبه أكثر من راتبك بكثير ، لماذا لايملك سيارة !!؟ طبعاً لأنه منصرف إلى بناء بيت يؤوي فيه أسـرته ، والمدرس فلان ، وفلان ، أنا لا أعرف مدرساً معك في الثانوية يملك سيارة ... هل تعرف لماذا ياأخي خالد !!؟

لأن راتب المدرس السوري لايتحمل مصروف السيارة ... هذه هي الحقيقة المرة ...التي قد يصعب عليك تقبلها ...

أعطيت المفتاح لأخي الطبيب ، وقلبي يتفطر ألماً ، وأصر أن يبقى المفتاح معي ، ولو لعدة أيام ، وأصريت أن يبقى عنده ، وأن لا أركب الفولكس فاكن ، وكان قلبي يحترق ... المدرس كل عمره لايستطيع أن يركب سيارة في سوريا ... حقيقة مـرة ، اطلعني عليها أخي الطبيب ، بعد أن كادت عواطف الشباب الفوارة تدفعني إلى مغامرة غير مأمونة العواقب ...

 

في دولـة عربيـة :

وشاء الله عزوجل أن أكون مدرساً معاراً بعد عام واحد من درس أخي الطبيب ، في بلد عربي ، غير نفطي ، لايوجد له من الدخل القومي أكثر من سوريا ، وفي ذلك البلد تفاقم الألم الذي اشتعل في قلبي بعد درس أخي الطبيب ، تفاقم عندما رأيت كل معلم ابتدائي يمتلك سيارة خاصة ، بل كل شرطي [ والشرطي مع احترامي لهم آنذاك يعرف القراءة والكتابة فقط كي يكتب الضبط ] ..كل شرطي أو معظمهم يمتلكون سيارة خاصة ، وأقول عن مشاهدة عيانية ، كانت جارتنا مدرسة وتمتلك سيارة ( بيجو 204 ) ، وزوجها شرطي يمتلك سيارة ( بيجو 404 ) ، وكنت أرى ذلك بعيني ، وتفسير ذلك هو : أن الدولة هناك تقدم سكناً لائقاً لكل موظف ، يستلمه بعد استلام العمل بأسابيع أو شهور حسب المحافظة ... و أجرته الشهرية لاتزيد عن ( 5- 7 % ) من الراتب فقط ، وهذا أيضاً عن مشاهدة عيانية ، كان راتب مدرس الثانوي ثلاثة آلاف ، ويدفع أجرة الشقة ( 150 – 200) في الشهر . لذلك لايفكر أي موظف هناك في بناء سكن خاص ، وبعد توظيفه ببضعة شهور يمتلك السيارة ... وفي أواخر الستينات كان يستلم مسكناً مؤثـثاً ، حتى الصحون والملاعق .... وفي السبعينات صار يستلم مسكناً غير مؤثث ...

 

في دولـة عربيـة نفطـية :

ثم شاء الله أن أهاجر من بلدي لأعيش في بلد من بلدان الخليج ... وطالت المدة كما تعرفون ، وتعرفت على أهل البلد ، وخاصة المدرسين أمثالي ، والمدرس ابن البلد له من الراتب ثلاثة أضعافي لأنني متعاقد ، مع أن راتبي كمتعاقد يكفيني ، ويكفي أسرة أي مدرس وطني أو متعاقد ، بدليل أنني أعيش مستور الحال ، ودرست أولادي كلهم وزوجتهم والحمدلله  ، ومازلت مستور الحال ، المدرس ( ابن البلد ) راتبه ثلاثة أضعاف راتبي ... وهذا وصف لحال المدرس ابن البلد الذي هو في سني ( أي بعد كذا وأربعين سنة من التدريس ) ..وأسأل الله عزوجل أن يبارك لهم في دخلهم وأملاكهم وحكومتهم ... وأن لايحرمنا من فضله ... المدرس ( ابن البلد ) الذي في سني : أولاً تقاعد قبل عشر سنين ( أي في الخمسين ) لأنه وصل إلى سقف الراتب ... ويملك عمارة فيها أربعة أدوار ، أي ثماني شقق ، مع السطوح ، والبدروم ، وغرفة الحارس ، والحديقة ، وكاراج السيارات .... مع حديقـة واسـعة حول العمارة ... بعضهم يضع فيها ( خيمة ) ليحافظ على ( التراث ) تراث الآباء والأجداد ...

أما السيارات فتجد أمام عمارته : مرسيدس وهـذه سـيارته الخاصة ، وسـيارة صغيرة ( كورولا مثلاً ) للسائق الذي يوصل الأولاد والبنات إلى مدارسهم ، ويتسوق للأسرة حاجاتها من السوق .. و(جيمس ) يقف أمام العمارة لأجل سفرات الأسرة بكاملها ، لزيارة في المدينة ، أو خارج المدينة ، أو للحج أو العمرة ، أو قضاء الصيف في سوريا أو تركيا .... إلخ .. وتجد أيضاً سيارات صغيرة بعدد طلاب الجامعة وأحياناً طلاب الثانوي الموجودين في هذه الأسرة ، وفاتني أن أقول أن كثيراً من زملائي ( أبناء البلد ) عنده أكثر من زوجة ...  ولا أبالغ أن أقول أحياناً تجد أمام العمارة ( خمس سيارات ) لزميلي المدرس ( ابن البلد ) بارك الله له فيها ، وللذكرى فإن ( قائـد اللواء ) في سـوريا عنده ( خمس سيارات أيضاً ) .. إحداها يستلمها ( كرت ) أي جديدة ، تكتب استمارتها باسمه عندما يستلم قيادة اللواء ...

وأخيراً هذا حال ابن البلد ... وفي الثمانينات الميلادية كان بعضهم يترك وظيفته التي تعطيه راتباً يعادل ثلاثة أضعاف راتبي ، ليعمل في التجارة ، ولما سألت أحدهم مستغرباً : كيف تترك هذا الراتب !!؟ أجابني : أخي تاجر يكسب راتبي في يوم واحد فقط ...

 

سـوريا أغنى من السـعوديـة :

وأذكر ببرنامج ( من يربح المليون في mbc ) عندما قدم جورج قرداحي سؤالاً للمتسابق من هي أكثر هذه الدول في الدخل القومي : السعودية ، سوريا ، الكويت ، الامارات ، وبعد دقائق كان المتسابق يقارن بين ( الكويت والامارات والسعودية ) ، وبالطبع حذف من تفكيره سوريا (الفقيرة ) ،  ولم يجب ، حذف له القرداحي ( الامارات ، والكويت ) وبقيت السعودية وسوريا ، ففرح المتسابق وأجاب بسرعة : ( السعودية طبعاً ) فقال القرداحي : الكمبيوتر يقول سوريا عندها دخل قومي أكثر من السعودية !!!؟؟؟ وبالطبع لن نصدق ، لأننا نشأنا في ظل قانون الطوارئ الذي جعلنا شعباً أصماً أبكماً كما يقول الأستاذ رياض الترك ، ومازلت لا أصدق أن سوريا أغنى في الدخل القومي من السعودية !!!!؟؟؟

 

البـنـزين بثلاثين ليرة سـورية :

ودهشت لما رأيت هذا الخبر ، وخامرني الشك : أهذا سعر اللتر أم ( التنكة ) أو الصفيحة ، وقد عشت في زمن كنا نقيس البنزين بالتنكة وليس باللتر ... عندما كان راتبي ( 300) ل.س ، وأنا معلم ابتدائي ، وكانت (تنكة ) البنزين الممتاز بست ليرات سورية أي كان راتبي يعادل (50) تنكة بنزين ... تلك سوريا قبل قانون الطوارئ ، والمرسوم (49) والنظام الاستبدادي الذي حول سوريا إلى بقرة حلوب لعصابة النظام وأزلامه ...

واليوم راتب المدرس الجديد ( كما كنت جديداً يومذاك  ) لايزيد عن ثمانية آلاف ليرة سورية بعد زيادات بشار حتى نهاية (2005) ، وثمن تنكـة البنزين ( 600) ل.س . أي راتبه يعادل (13 ) تنكة بنزين فقط ، بعد أن كان يعادل (50) تنكة ... مسكين هذا الشعب ، الذي ناضل نصف قرن من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية ، فهبط دخله السنوي من (50) إلى ( 13 ) ... وللعلم فإن لتر البنزين في دول الخليج حوالي ( ربع دولار ) بينما صار في سوريا ( أكثر من نصف دولار ) أي ضعف سعره في دول الخليج .

 

دخل الفـرد الســوري :

وقبل سنتين أو ثلاث وجدت مجلة باللغة الانجليزية ، وحاولت أن أقرأ فيها ، فلم أصدق نفسي ، وقلت ( انجليزت ) ضعيفة ، فأخذت المجلة لزميلي السوري المنفي مدرس اللغة الانجليزية ،فقرأها وقال لي :

هذه مجلة تصدر من مؤسسة أوربية تعنى بشؤون الاقتصاد ، وتقول في هذه الدراسة أن دخل الفرد السوري يعادل ( 6000) دولار سنوياً ، [ ستة آلاف دولار !!!!] ... ومعلوم لديكم أن دخل الفرد هو ناتج قسمة الدخل القومي على عدد السكان ...

حسبت عدد أسرة أحد زملائي في سوريا وهم ماشاء الله وبارك الله فيهم ، أحد عشر ، وأزميلي مدرس متخرج من الجامعة على أبواب الستين أي أبواب التقاعد ، وكان راتبه قبل بشار الأسد ، مع تعويض الأسرة وعنده كما قلت (9) أولاد : ( عشرة آلاف ليرة فقط ... أي دخله السنوي ( مائة وعشرون ألف ليرة فقط ) وتعادل ( 2400) دولار فقط ، وزميلي جامعي من الشريحة المتوسطة في سوريا طبعاً ، يجب أن يكون دخل أسرته السنوي طبقاً للمجلة ( 11 × 6000 = 66000دولار سنوياً وتعادل  3300000) أي بالعربي ثلاثة ملايين وثلث المليون ليرة سورية ... فأين تذهب ثلاثة ملايين و(220000) ليرة سورية تسرق سنوياً من الأسرة المتوسطة في سوريا !!!!؟ ومن يسرقها ؟ رامي أم جمال أم فراس أم منذر أم ...... واللصوص أكثر بكثير ....

 

هذا أحد الأسباب الهامة التي تجعلنا نقف في صف المعارضة السورية ، ونطالب بالتغيير السلمي لهذا النظام ، ونطالب بمحاسبة اللصوص : أنى لك هذا !!؟ وتـرد هذه المليارات المنهوبـة من الشعب إلى خزينة الشعب السوري ، وتنفق في البنيـة التحتيـة السورية ، وفي قطاع المشاريع الإنمائية علي يد وزارات أمينـة مسؤولة أمام مجلس شعب حقيقي مسؤول أمام الشعب ... عندئذ سوف نصدق أن الدخل القومي السوري أكثر من الدخل القومي السعودي ...

ونسأل الله عزوجل أن يجعل ذلك اليوم قربياً إنه على كل شيء قدير ..

*كاتب سوري في المنفى

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ