الاحتلال
بالوكالة ..
والرهان
على النذالة
عبد
الله القحطاني
ا- أمريكا لها
نفوذ في عدد كبير من دول العالم
، تتفاوت قوته بين دولة وأخرى .
ب- أمّا ما
تمارسه في بلادنا العربيّة ،
فهو "احتلال " لا نفوذ..
احتلال بالوكالة ، عبر وكلاء من
بني جلدتنا ، وأبناء أوطاننا ..
ج- ولقد دأبت
أمريكا ، ودأب وكلاؤها ، خلال
نصف قرن مضى ، على إخفاء هذه
الحقيقة ، أو الحرص على إخفائها
، لكي تظلَّ الشعوب المقهورة
الغافلة ، مقهورةً وغافلة ..وذلك
منذ " كنسَت" أمريكا احتلال
الدولتين البريطانية
والفرنسيَّة من عالمنا العربي ،
بعد انتهاء الحرب العالميّة
الثانية ، وبروزها "أي أمريكا"
قوَّة هائلة عملاقة ، تقود
حلفاً دولياً يواجه حلفاً
دولياً آخر ، هو المعسكر
الشيوعي " حلف الناتو – حلف
وارسو " ً
د- ولكي تظلَّ
الشعوب غافلة عن الاحتلال
الأمريكي ، مارس الاحتلال مع
وكلائه أساليبَ شتّى لخداع هذه
الشعوب ، من أهمّها:
ـ بقاء السيطرة
الأمريكية بعيدة عن أنظار
الإنسان العاديّ البسيط ،
مقنّعة بأقنعة شتىّ لا يراها
إلاّ سياسيّ بصير متمرّس . وذلك
دفعاً لكشف اللعبة وإحراج
الوكلاء .
وهذا ما يصرّح
به بعض
ساستهم بكتابات منشورة ، لكنّ
قرّاءها قليلون .
ـ شتم أمريكا
وادعّاء مجابهتها ، من قبل بعض
الأنظمة الثوريّة ، التي صنعتها
أمريكا ، وسلمتها مفاتيح البلاد
ورقاب العباد . وذلك زيادةً في
الخداع والتضليل .
هـ ـ من يخالجه
أدنى شك، في حقيقة هذا الاحتلال
الأمريكي المقيت الشرس لبلادنا
، فلينظر في مواقف الحكام أمام
أمريكا : في طاعتهم العمياء لها،
وفي رعبهم الشديد أمام تهديدها
.. بل لينظر
في مصائر الحكام
الذين خرجوا على طاعتها ، أو
صرّحوا – بشكل جادّ بلا تضليل –
بأنهم سيخرجون ، أو حتى لمّحوا
تلميحاً يشعر أمريكا باحتمال
الخروج ..
والنماذج كثيرة
، منها :
ـ هذا قتِـل بيد
أحد أفراد أسرته ، ونسِبتْ إلى
القاتل صفة الجنون أو الإدمان .
ـ وهذا مات
بصورة غامضة ، ودارت الشكوك
والتكهنات حول سبب موته ، وراجت
شائعات تُـفيد بأنه قُتـل بسمّ
بطيء ، بعد أن انتهى دوره . .
ـ وهذا حوصر
حصاراً طويلاً ، وشُدّد الخناق
من حوله ، ثمَّ جرى اقتحام بلاده
بالجيوش الجرارة ، وتوارى فترة
ثمَّ قُبض عليه ، وأوُدعَ السجن
..
والبدلاء مَن
هم؟
إنهم أناس من
أبناء الجلدة ، ومن أبناء الوطن
،وهم بدلاء أذكياء – فيما يبدو-
لأنهم تعلموا الدروس ، من (رؤوس
الذناب المقطوعة !).
و- أخبرنا
التاريخ ،أن أكاسرة الفرس ،
كانوا يعيّنون ملوكاً من أبناء
القبائل العربيّة ، على حدود
دولة فارس ، في " الحيرة " ..
وكانوا يُدعون " ملوك
المناذرة ".
وكان هؤلاء
الملوك يعرفون واجباتهم جيّداً
أمام أسيادهم الأكاسرة :
ـ حماية حدود
فارس من المتمردين واللصوص
وقطاع الطرق .
ـ تأمين طرق
القوافل الفارسيّة ، حين تعبر
الصحارى العربيّة .
ـ مطاردة
الأشقياء الذين يغضب عليهم كسرى
، وقتلهم أو جلبهم إلى إيوان (
الشاهنشاه ) ليعدمهم ، أو يحبسهم
.
ـ جمع المال
والرجال والخيل والسلاح ، من
القبائل العربيّة ، لمساعدة
دولة فارس في حروبها مع عدوتها
اللدود ، الدولة الرومانيّة ..
وإذا أخلّ الملك
العربيّ الهُمام ، بواحد من
واجباته ، أو قلّل احترامه أو
طاعته للشاه ، كان مصيره مظلماً
.. – والنعمان بن المنذر مَثل
صارخ على هذا ، ومأساته ماتزال
أمثولة للأجيال ، على مدار
العصور .. ـ!
والصورة ذاتها
تتكرر، في تعامل قياصرة الروم ،
مع من يسمونهم ملوكاً من أبناء
العرب ، ويولّونهم على المناطق
الواقعة على حدود (روما) في (بصرى
الشام ) ..وكان هؤلاء يُدعَون "ملوكَ
الغساسنة " أو،بمعنى أدق :الملوك
الوكلاء،أو الوكلاء الملوك!
فهل هو التاريخ
يعيد نفسه ، أو ينتج لنفسه صوراً
جديدة مبتكرة ، مزركشة بألوان
جديدة من الخداع والزيف ،
تبتدعها وسائل إعلام عملاقة ،
تقنع الحيّ بأنه ميت، وتقنع
البليد بأنه عبقريّ عصره ،
وتقنع عامة الناس ، بأن فلاناً
الفاسق ، واحد من كبار القديسين
!؟
إذن .. عرِف كيف
تمارس (روما الجديدة : أمريكا )
احتلال بلادنا بالوكالة .. فمن
ذا الذي يراهن على النذالة ؟
إنهم السادة
الحكام ( الوكلاء)، يراهنون أمام
أمريكا على نذالتهم ، أي: على
أنهم أطوَع الناس لها، وأحفَظ
الخلق لمصالحها ، وأقدر الناس
على ذبح شعوبهم تقرباً إليها،
وأمهر العباد في تدمير بلادهم
وامتصاص خيراتها ، وإبقائها
عالة على أمريكا في كل شيء ! وأيّ
حاكم تأتي به أمريكا ، أو تفكر
بتنصيبه بدلاً عنهم ، لن يحمل
الصفات التي يحملونها ، ولن
يكون بالنذالة التي يتحلى بها
هؤلاء السادة الكرام !
ولن يَصدق
الرهان على النذالة ، إلاّ إذا
تحققت شروطه ، ومن أهمها : "
الرهان على البشاعة " ! أي أن
يثبِت الحاكم لشعبه ، أنه بشع
جدّاً، جزّار ، بطّاش ، مصّاص
للدماء والأموال .. فيَرهبه
الجميع ، ويَخشى كل فرد من أبناء
شعبه ،أن يقع فريسة بين أيدي
جلاديه وزبانيته
..!
فيلتزم الجميع
صمتَ القبور ، ويتعلّم الجميع
كيف يسبّحون بحمد السيد الحاكم
المطاع ، عبقريّ عصره ، وأعجوبة
دهره ..!
ز- ومن هنا ،
يدرك كل بصير
، لمَ تتردّد " إمبراطورية
الخير المطلق : روما الجديدة "
في استبدال حاكم غير معروف وغير
مضمون ، بحاكم مجرّب مضمون !
ح- أمّا حكاية (
الديموقراطيّة الأمريكيّة )
والسعي إلى تحقيقها في بلادنا ،
فهي حكاية غريبة ، وربما مضحكة
..! فأيّ بليد يضحّي بوكيل (أمين
مخلِص) يَرعى مزرعته ، ليأتي
بأناس يختارهم أهلُ المزرعة
،ويحاسبونهم إذا قصّروا في خدمة
المزرعة وحماية مصالح الناس
فيها، في مواجهة الطامعين الذين
يمدّون أيديهم إلى المزرعة لنهب
خيراتها ، وعلى رأسهم "أمريكا"
!؟
الديموقراطيّة
ستأتي بوكلاء للشعب ،لا وكلاء
لأمريكا على شعوبهم ..
وهي بالتالي ،
ستُنهي (الاحتلال بالوكالة)
الذي تمارسه أمريكا عبر وكلائها
..
ولربما يكون
للحكام الجدد الذين تجلبهم
الديموقراطيّة ، نوع من العلاقة
مع أمريكا ، أو يكون لديهم نوع
من الإحساس بعظمتها أو بفضلها
عليهم ..
إلاّ أن هذا ، قد
يجعل لأمريكا نوعاً من النفوذ
على هؤلاء الحكام بأشخاصهم ،
تحقّق من خلاله بعض المصالح
الخفيّة أو الظاهرة .. إلاّ أن
الحاكم الديموقراطي لا يستطيع
أن يحقق مصالح أمريكا على حساب
مصالح بلاده ،لأنّ بلاده بما
فيها من مؤسسات لن تسمح له بهذا
..! وإذا أصرَّ على موقفه عُزل
وخَسر منصبه . وإن مرّر شيئاً
مريباً خفيةً ، فسوف يكشَف ،
وتسقط هيبته ، ويُعزل ،أو لا
يُنتخب مرّة أخرى! وبهذا تخسر
أمريكا احتلالها لبلادنا – عبر
سيطرة تامّة على حكامنا- لتأتي
بأناس يقولون لها : لا ..إن مصالح
بلادنا فوق مصالح الجميع !.
وخلاصة
هذه النقطة باختصار ، هي:
أمريكا تسيطر
على الحاكم الدكتاتور سيطرة
تامّة ، لأنها وليّ نعمته ، فهي
صانعته وداعمته ،والقادرة على
خلعه أو تصفيته ..فهي توجهه كما
تشاء ، بالاتجاه الذي يخدم
مصالحها ..
والدكتاتور
يوجّه بلاده كما يشاء ، لأن
سيطرته عليها تامّة ، فهو يَعدّ
نفسه إلهاً فيها : فهو فيها "
فعّال لِما يريد " كما يتصوّر
. وهو " لايُسأل عمّا يَفعل
" لأنه فوق القوانين كلّها ..
وهاتان من صفات الإله وحده
سبحانه وتعالى .
ط- وبناء على ما
تقدّم كلّه :
الحاكم
الدكتاتور يتنازل لأمريكا
ويلبّي لها كلّ ما تطلبه لأنّها
وليّ نعمته .. بينما شعبُه لا
ولايةَ له عليه ، فلمَ يقدّم
التنازلات لهذا الشعب !؟
ثمَّ إنّ أمريكا
لا تنافس الدكتاتورعلى موقعه في
حكم بلاده . فلو أسقطته لجاء ت
بوكيل جديد لها، من أبناء
البلاد نفسها ..
وبالتالي ، فإنّ
خوف الدكتاتور من منافسة أبناء
شعبه سائغ في نظره ، لأنه طبيعي
ومعقول .. أمّا خوفه من منافسة
أمريكا على حكمه ، فغير قائم
أصلاً ..
لذا ،
فالدكتاتور يقمع شعبه لأسباب
عدّة ،أهمها :
ـ الشعب ينافسه
على سلطته ..( وأمريكا لا تفعل
ذلك )
ـ الشعب لا
ولايةَ له عليه لأنه لم ينتخبه ،
ولم يدعمه (وأمريكا صانِعتُه
وداعِمتُه)
ـ الشعب لا
يستطيع عزله ، مهما استبدّ به
الدكتاتور وبطشَ (وأمريكا قادرة
على ذلك)
ـ ومن هنا، تظهر
الصورة واضحة تماماً، فيما
يتعلق بخنوع الدكتاتور أمام
أمريكا ، وتجبّره على أبناء
شعبه ، ورفضِه لأقلّ مطالبهم
وأيسرها .
ي- ويبقى
المصطلح " الاحتلال بالوكالة"
:
* بعضهم لا يكاد يصدّقه ، لأن
ذهنه مفعم بأوهام الاستقلال
والسيادة ، لأنه لا يرى جنوداً
أجانب يعيثون في بلاده فساداً،
بل مخابراتُ بلاده هي التي تفعل
ذلك ، وهذا يعني بالضرورة ، أنَّ
بلاده مستقلة ذات سيادة !
*وبعضهم قد يفضل استعمال
مصطلح " سيطرة " أو "
هيمنة " بدلاً من مصطلح "
احتلال بالوكالة "
* أما الوكيل وموكّله ،
فيعرفان جيّداً ما يفعلان ..!
* وأما أدوات الوكيل
البشَرية ، التي ينفّذ بها
سياساته ، فهي أقرب إلى البهائم
العجماء ،منهاإلى البشَر..! تأكل
علفاً، وتبذل جهداً، وتنطح، أو
تَصكّ، أو تعضّ ، من يهمّ
بمنافستها على علفها ، أو على
إسطبلاتها الواسعة المكيّفة. Y
ـ فهل يُلام
الدكتاتور ، إذا راهن على
نذالته في حضرة وليّ نعمته ..!؟
ولا يفوتنا هنا ، أن نذكّر بأنّ
ـ كلّ دكتاتور ،
إنّما يحمل –
بالضرورة ـ بعض صفات النذالة ،
وأوّلُ صفة على الإطلاق ، هي
التسيّد على الناس دون إرادتهم
، بما يتبع ذلك مِن سلبِ حقّهم
في أن يرفضوا تسيّده ، وفي أن
يقولوا له " لسنا عبيداً لك
" ! ..
هذا إذا كان
لديه شيء من مروءات الرجال ،
يمنعه من ممارسة النذالات
الأخرى ،كالسرقة،والنهب ،
والارتشاء ،وانتهاك الأعراض ،
وقتـل البشر بلا ذنب ، في
الشوارع أو السجون ..!
هذا ،ببساطة ،
وصف للواقع من زاوية رؤيتنا
للحكام في بلادنا ، من حيث
علاقتهم بأمريكا
" إمبراطورية
الخير!" ومن حيث علاقتهم
بشعوبهم ..وقد عبّرنا عنه كما
رأيناه ، ووضعنا له العنوان
الذي رأيناه مناسباً..
فمن كانت لديه
رؤية مختلفة ، فليزودنا بها
مشكورا..
ومن كان لديه
عنوان يراه أنسب من الذي وضعناه
، فليقترحه علينا مشكورا..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|