لابد
من التحرر من ثقافة الذل
والعبودية
طريف
السيد عيسى
يولد الإنسان حرا , وهذه الحرية
هبة الله للإنسان لا تستطيع
جهة مهما كانت أن تدعي احتكارها
وان تم ذلك فيكون بواسطة الظلم
والقهر والاستبداد .
ولقد سجل الخليفة العادل عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ذلك المعنى
عندما قال * متى أستعبدتم الناس
وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا * .
فلابد للانسان الذي خلق حرا أن
يستعيد حريته التي سلبها حكام
الجور والأستبداد ولايتحقق هذا
الا عندما يؤثر الانسان حريته
على الحياة.
فكل الأنظمة المستبدة في المنطقة
وفي مقدمتها العائلة الأسدية
الحاكمة في دمشق , حرمت الشعب من
التعبير الحر وممارسة دوره
الحقيقي في الأختيار والمشاركة.
ان هذا الحرمان حول الشعوب بما
فيهم بل في مقدمتهم تيارات
المعارضة على تنوع مرجعياتهم
الى شعوب وتيارات كسيحة غير
قادرة على تحفيز الناس للمطالبة
بحريتهم .
ان هذا الوضع من الأستكانة هو
بسبب تحول أنظمة الحكم الى
حكومات عائلية وعشائرية
وطائفية حتى غدت الدولة عبارة
عن مزارع واقطاعيات ذات ملكية
خاصة بامتياز .
وعندما تتحرك المعارضة ولو بحركة
بسيطة متواضعة أو يعبر الشعب عن
سخطه من الحكم العائلي فنجد هذه
الأقطاعيات الخاصة ومن يلوذ بهم
يتحدثون عن المعارضة والشعب
وكأنهم عبيد وخدم يعملون في
مزارعهم .
وآن الأوان للشعوب أن تدرك
الحقيقة وهي أن للحرية ثمن باهظ
بذلته كثير من شعوب العالم ,
ولايمكن لأي شعب أن ينال حريته
مجانا أو يهبها له الحاكم
المستبد بل لابد من التضحيات في
سبيل التصدي للظلم والقهر
والاستبداد لأسترداد الحرية
المسلوبة والمغتصبة.
ان اللغة الوحيدة التي تصنع
الحرية هي لغة رفع الصوت عاليا
والأنتفاض ضد حاكم الجور
والأستبداد مهما بلغت حجم
التضحيات , فسنة المدافعة من سنن
الله في خلقه وبالتالي لابد من
المدافعة بين طلاب الحرية وبين
حكام الجور والأستبداد , وهي
اللغة الوحيدة الكفيلة بكسر
وتحطيم أصنام الأستبداد لتتحرر
الشعوب من ثقافة الذل والعبودية
.
ولنا في ابراهيم عليه السلام
المثل والقدوة حيث وصف فعله
شاعر الاسلام محمد اقبال فقال:
نحت أصنام آزر ..... صنعة العاجز
الذليل
والذي يطلب العلا ..... حسبه صنعة
الخليل .
فعلى الشعوب أن تدرك أن كلفة
حرمانها من الحرية باهظة جدا
ففي ظل الظلم والأستبداد أحتلت
الأوطان وبددت الثروات وأنعدم
التقدم والتطور والنمو والعلم
وأضحت بلادنا رهينة للسياسات
الطائشة التي يتفرد بها هؤلاء
الحكام فتحولت البلاد وتحول
الانسان الى جسد ميت بلا حراك .
ولو ألقينا نظرة سريعة عن الوضع
الاقتصادي في ظل حكام الجور
والاستبداد طوال عقود وما يطلقه
هؤلاء من شعارات الاصلاح
الاقتصادي لو وجدنا أن نسبة
الاصلاح المزعوم لاتتجاوز
عشرون بالمائة من حجم شعارات
الاصلاح المطروحة بينما نجد
أن ممارسة الظلم والفساد يساوي
ثمانون في المائة من جهد حكام
الجور فلمصلحة من يتم كل هذا.
كل ذلك سببه غياب الحرية وانسداد
الأفق السياسي فينعكس ذلك على
عملية التمنية لأن المواطن مهمش
حال الأستبداد بينه وبين نشاط
الانسان وابداعه .
ولقد وصف عبد الرحمن الكواكبي
حالة الانسان المهمش فقال * يعيش
خاملا فاسدا ضائع القصد وحائرا
لايدري كيف يميت ساعاته وأوقاته
* .
فأي عملية لتطوير الاقتصاد وأي
برنامج اصلاح أقتصادي يجب أن
تسبقه حالة من الأنفراج السياسي
الحقيقي بحيث يكون الانسان حرا
في التعبير والمشاركة وعندها
يمكن الحديث عن التنمية والتقدم
والابداع والانتاج .
وعندما ننظر لحال الشعوب
المتقدمة المتطورة فانه لم يحصل
كل ذلك الا لأن تلك الشعوب دفعت
ثمنا باهظا للحرية وقطعت مسافة
طويلة في درب الحرية .
ان خطابات وبرامج الاصلاح
الأقتصادي التي يطلقها حكام
الجور والأستبداد هي مثل الشجرة
التي يريدون بها تغطية وحجب
أشجار الحرية .
كل يوم نسمع خطاب وتصريح ولكن
واقع الحال يؤكد أن شكوى
المواطن تزداد وكل يوم تزداد
نسبة البطالة وكل يوم نسمع عن
مصنع أو مؤسسة اقتصادية قد
أغلقت أبوابها بسبب الخسارات
المتراكمة ولا أحد يقول لنا
لماذا يحصل كل ذلك وما هي أسبابه
الحقيقية .
اذا ان أي اصلاحات اقتصادية
لايسبقها اصلاح سياسي حقيقي فلا
جدوى من كل
برامج الاصلاح لأنه لايتحقق الا
في جو من الاستقرار واطلاق
الحريات العامة وسيادة القانون
وهذا هو المناخ الصحي المناسب
لأي استقرار أقتصادي .
فما على الشعوب الا أن تدرك هذه
الحقيقة وهي أنه عليها أن تدفع
ثمنا باهظا لممارسة حريتها
وعندها سوف يتحقق الاستقرار
والنمو والانتاج والا فسوف تدفع
ثمنا أكبر بكثير مما ستدفعه في
سبيل نيل حريتها .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|