و
يحكى أنّ
-7-
د/
محمد الحكيم
و يحكى أنه في بلد
كان اسمه سوريا ، و بعد مرض
الرئيس حافظ الأسد و دخوله
المستشفى أواخر عام 1983م ، شكل
لجنة سداسية لتسيير الحكم خلال
فترة غيابه ، لم يكن شقيقه رفعت
في هذه اللجنة ، فشعر رفعت الذي
كان يعتبر نفسه الخليفة الأحق
بحكم سوريا ( التي أصبحت مزرعة
لآل الأسد ) أن في رأس أخيه
الرئيس رأياً آخر غير رأيه،
فبدأ يعد العدة للسيطرة على
الحكم بالقوة العسكرية ، وذلك
من خلال عصابات سرايا الدفاع
التي شكلها رفعت ، و أطلق حافظ
من أجلها يد رفعت في الميزانية
العامة للدولة و في إدارة شؤون
الضباط و شعبة التنظيم و
الإدارة ، خاصة في نهاية
السبعينات و بداية الثمانينات
أثناء ضغط الأخوان المسلمين و
المعارضة على حكم الأسد الفردي
الشمولي الأمني ،و مطالباتهم
بالحريات العامة و تداول السلطة
، مما جعل سرايا الدفاع القوة
الضاربة في سوريا و خاصة حول
العاصمة دمشق ، و في الأماكن
الحساسة (بما فيها أمن الرئيس ،
و قصره - الذي سُمي عُهراً قصر
الشعب ؟! - و أمن مبنى القيادة
العامة للجيش و وزارة الدفاع ، و
أمن القيادة القطرية لحزب البعث
)0
كانت
خطة رفعت تقضي بإغلاق المحاور
الأساسية خارج دمشق ، و في نفس
اللحظة تتحرك ثلاث مفارز قوامها
سرية دبابات و سرية مشاة
ميكانيكية و فصيلة هندسة عسكرية
بمهمة السيطرة على منزل رئيس
الجمهورية من قبل المفرزة
الأولى ، بينما تقوم الثانية
بالسيطرة على مقر القيادة
العامة ، و المفرزة الثالثة
باحتلال مقر الإذاعة و
التلفزيون ، و تعلن مباشرة على
العالم نبأ استلام رفعت مقاليد
السلطة في البلاد، و لإشعار
سكان العاصمة بأن القبضة التي
استلمت الحكم هي قبضة فولاذية
، تقوم المدفعية بقصف دمشق
عشوائياً لإرهاب السكان و قطع
أنفاس الناس حتى يصبح أهل دمشق
مثل أهل بغداد أيام الحجاج
سابقاً و صدام لاحقاً – حسب
تعبير طلاس - ( في حديث هامس
لرفعت مع مستشاره السياسي محمد
حيدر ، و كانا يمشيان في ضوء
القمر بمعسكرات سرايا الدفاع في
القابون المطلة على دمشق قال
رفعت : مو حرام وأسافه أن تهدم
هذه المدينة الجميلة 00 فأجابه
حيدر : و الله صحيح حرام و أسافه
و لكن شو طالع بأيدينا غير هيك )0
بعد ذلك تقوم مفارز
المشاة من سرايا الدفاع بعملية
نهب و سلب للمدينة
المنكوبة ، و قد أبلغ رفعت
ضباطه و جنوده أن المدينة ستكون
لهم حلالاً زلالاً مدة ثلاثة
أيام بلياليها ، و بعدها لا يجوز
أبداً أن يظل فقير واحد في سرايا
الدفاع 0 و إذا طلب جندي بعدها
مساعدة أو إكرامية ستقطع يده0
لسنا هنا في صدد شرح
تفاصيل الأزمة ، و النتيجة أن
رفعت لم يستطع تنفيذ خطته
الجهنمية ، و استطاع حافظ و
زمرته العسكرية و على رأسهم
اللواء علي دوبا رئيس المخابرات
العامة ، و العماد أول مصطفى
طلاس وزير الدفاع و العماد حكمت
الشهابي رئيس الأركان العامة ،
تطويق رفعت و عصاباته ، وإفشال
الانقلاب الدموي و
إخراج رفعت من اللعبة
السياسية 0( و من أراد معرفة
التفاصيل ما عليه إلا الرجوع
لكتاب مصطفى طلاس / ثلاثة أشهر
هزت سوريا ، أو كتاب باتريك سيل /
الصراع على سوريا ، أو كتاب فان
دام / الصراع على السلطة في
سوريا ) 0
و كانت عقوبة رفعت
على جريمته النكراء هذه أن
يغادر سوريا
ريثما تهدأ الأمور ، و طلب
مقابل هذه المغادرة مبلغاً من
المال بالقطع النادر لم يكن
متوافراً في المصرف المركزي ،
وكما يقول طلاس : " كان المصرف
المركزي خاوياً حتى من الفئران
كي لا أقول من الدولارات ،المهم
فكّر الرئيس من أين يأتي بالمال
اللازم لإشباع فم أخيه رفعت -الذي
هو سيد من ابتز أخيه و غير أخيه-
، و ارتأى أن الرئيس الليبي معمر
القذافي قد يكون الشخص الذي يحل
هذه المشكلة فأرسل كتاباً له مع
اللواء محمد الخولي رئيس إدارة
المخابرات الجوية الذي وصل إلى
طرابلس الغرب فوجد القذافي
والحمد لله بمزاج حسن و تّذكر
مواقف الأسد القومية في دعم و
مؤازرة الثورة الليبية و رد على
رسالة الأسد ردّاً جميلاً و تم
تحويل المبلغ بكامله إلى المصرف
المركزي الذي أعطى منه أخاه
مطلبه ، و بقي جزء للطوارئ
الاقتصادية التي كانت تعصف بنا
و ما كان أكثرها "0
و هكذا كُوفئ رفعت
على جريمته أن أخذ معه أموال
المواطن السوري و ذهب بها إلى
أوربا ليشتري أسهماً في قناة
المانش بين فرنسا و إنكلترا ،
و يفتح المطاعم الفخمة و
الفنادق الضخمة في أسبانيا و
فرنسا و إيطاليا ، و ينشئ
إمبراطورية إعلامية في الخارج ،
و يفتح الشركات الكبيرة ، هذا
عدا القصور و الفيلات ، و السفن
و اليختات ، و السيارات و
الطائرات 00إلخ
بينما استبيحت
مدينة حماة الآمنة بعد حصارها
من القوات الطائفية السادية
الحاقدة ، لمدة شهر كامل ( شهر
شباط الأسود عام 1982 م ) ، انتهك
خلاله كل المحرمات ، فقتل
الشيوخ و الأطفال ، و انتهكت
أعراض السيدات ، و بقرت بطون
الحوامل ، و قطعت أيدهن و أذنيهن
من أجل أخذ مصاغهن من الذهب ، و
هدمت أكثر أحياء المدينة
بالمدفعية و الدبابات و
الطائرات و راجمات الصواريخ ،
بعد نهب و سرقة محلات الذهب و
المجوهرات ، و المحال التجارية
، و حمل الجنود المجرمون ما خف
حمله و غلا ثمنه ، ثم حرقوا بقية
المحال ، و كانت النتيجة أكبر
مأساة في العصر الحديث ، فقتل
أكثر من ثلاثين ألفاً ، و أعتقل
مثلهم ، وشرد ربع سكان المدينة (
كانت تقدر في ذلك الوقت بأكثر من
ثلاثمائة ألفاً ) ، و هدمت
المساجد و الكنائس ، حيث هدم
أربعة عشر مسجداً بالقصف ، و
أربع و أربعـون مسجداً تم
تفجيرها بعد انتهاء المعارك، و
تم تفجير و قصف و سرقة أربع
كنائس منها كنيسة السيدة
العذراء في حي المدينة التي
كانت تحفة معمارية ،و هدمت
المتاحف ، و سرقت التحف الأثرية
الثمينة ، و السبب لكل هذه
الجرائم النكراء ، و هذه الحرب
الشعواء ، هو وجود عشرات من
المسلحين الإسلاميين بالأسلحة
الخفيفة داخل المدينة، و ذلك
حسب إعلان السلطة الباغية نفسها
0
و من الجدير ذكره أن
قوة رفعت الأسد الضاربة / سرايا
الدفاع كانت على رأس الجيش
العرمرم الذي ارتكب هذه المجزرة
الشنيعة ، و أقام رفعت خلال هذا
الشهر الأسود في الثكنة
العسكرية غرب حماة ، ليشرف
بنفسه على تنفيذ تعليمات الرفيق
القائد في تدمير المدينة ، و قتل
أبنائها العزل 0
هكذا عوقب أهالي
مدينة أبي الفداء المصابرون على
جريمة لم يقترفوها ، و المجرمون
الحقيقيون خرجوا آمنين سالمين
بأموال الوطن – بعد أن دمروه و
نهبوه ، و تركوا فيه جراحاً ما
تزال تنزف رغم وجود طبيب على رأس
الحكم اليوم ، و لكن طبيب العيون
هذا يبدو أنه ما زال ينظر من
خلال عدسات أبيه السوداء
الكالحة التي ورثها مع الحكم -
إلى أوربا ليصرفوها
على ملذاتهم و شهواتهم ، و كل
ذلك بتدبير و إشراف قائد مسيرة
التصحيح المجيد ؟؟!!
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|