رجال
من سوريا
د /
محمد الحكيم
(إننا نستطيع أن
نثير بهذا الإسلام قوى خطيرة
جبارة ليس في العالم الإسلامي
فحسب، وإنما في جميع أقطار
الدنيا، فالمسلمون بروابطهم
الدينية الوثيقة، واتجاههم نحو
قبلة واحدة، وتأديتهم مناسك حج
واحدة، وفروض صيام، وصلوات،
وعبادة واحدة، وإيمانهم بكتاب
واحد، وعملهم بسنة نبي واحد،
إنما هم يشكلون أمة واحدة
متماسكة مفروضاً بها أنها
تتعاون على البر والتقوى،
والعدل والإحسان، وإن لم تكن
كذلك تنتفي عنها صفة الإسلام.
هذه الأمة الإسلامية إذا ما
أثيرت في أفرادها العاطفة
الدينية بشكل جيد، وأحسن
تسييرها، فباستطاعتها أن تغير
مجرى التاريخ).
أتدرون من الذي قال
هذه الكلمات الرائعة المكتوبة
بأحرف من نور ؟
إنه من زحفت دمشق
بجماهيرها الشعبية الغفيرة
لاستقباله في صباح يوم الاثنين
10/1/1949م ، وكان من بين
المستقبلين رئيس الجمهورية
شكري القوتلي ورئيس الوزراء
خالد العظم والشيخ بهجت البيطار
وبعد أن انتهى من تحية مستقبليه
سأل ولده (سهيلاً) عن طربوشه،
وكان قد أوصاه ليحضره معه إلى
المطار في كتاب بعثه إليه، ولكن
سهيلاً قد نسي.. فما كان من الشيخ
بهجت البيطار علامة دمشق إلا أن
رفع عمامته بكلتا يديه ووضعها
على رأس العائد الكبير الذي
اعتمّ بها بين موجات الهتاف
والتصفيق.
فهل عرفت من هو
العائد الكبير إلى وطنه ؟.
أنه من قال في مدحه
تلميذه الشيخ علي الطنطاوي
يرحمه الله كلاماً كثيراً منه :
"وهذا الشيخ ( ؟
؟ ) الذي شهدت بعبقريته
الدنيا، وأكبرته الأجيال على
اختلاف ألوانها وألسنتها
وبلدانها، ورأت فيه شخصية ضخمة
توزن بها شخصيات هؤلاء الذين
ألقتْ إليهم قوة دولهم مقاليد
الأرض، وحكّمتهم في رقاب البشر،
واعترفوا أنه حمل مع عبء
الثمانين (لا الثمانية والستين)
حمل رياسة مجلس الأمن فكان خير
رئيس له وأقواه...
هذا وليس وراءه
أسطول جاءت منه حقيبته، ولا
قنبلة ذرية قامت عليها سطوته،
ما وراءه إلا أمة صغيرة كبّرتها
عبقريته، ودولة ضعيفة قوّتها
شخصيته حتى كان صوتها أعلى
الأصوات، وكلامها أبلغ الكلام
وخطبته عنها هي نقطة التحول في
مجرى الرأي في مجلس الأمن، و كما
قال الأستاذ الصاوي في (أخبار
اليوم) ولقد عجب الذين لا يعرفون
( ؟ ؟
) لما سمعوا أنه لم يقرأ خطبته من
كتاب، ولا تلاها من ورقة، بل
ارتجلها ارتجالاً، ولم يكن بيده
إلا بطاقة فيها (خرافيش) بالقلم
الرصاص. رآه النقراشي وهو يخطب
فحسب أنها مذكرات له في مسائل
عادية من مسائل الحياة، فلما
رأى أنها هي الخطبة العظيمة
التي هزت أضخم هيئة دولية في
الأرض، بلغ عجبه من هذا الرجل
وإعجابه به أبعد حدود.
أما نحن فلم نعجب،
لأن الشيء من معدنه لا يستغرب.
كما روى عنه الشيخ
علي الطنطاوي أن طالباً (ثقيلاً...)
سأله: ما فائدة هذه الأحرف
اللثوية؟ ولماذا نقول ثاء وظاء؟
فنخرج ألسنتنا، ونضطر إلى هذه
الغلاظة؟!
فقال له الأستاذ ( ؟
؟ ) على الفور وقبل أن يتم
سؤاله:
- لا فائدة لها
أبداً، وسنتركها فنقول (كسّر
الله من أمسالك)!!
فسكت الثقيل خزيان .
فهل عرفتم من ذلك
الأستاذ الكبير ، و المحامي
القدير ، و الثائر الجريء ، و
السياسي المحنك ، و النائب
المخلص ، و الوزير الأمين ،
و الخطيب المفوه ، و الشاعر
البليغ ، الذي يستقبله الرؤساء
و يجله العلماء ، و يحبه
المواطنين الشرفاء .
إنه من شارك في
تأسيس الكتلة الوطنية في عام 1928
مع هاشم الأتاسي، وإبراهيم
هنانو، وسعد الله الجابري،
وتوفيق الشيشكلي.. وكان نائب
رئيس الكتلة الوطنية و أحد أهم
رموزها0
و لم يكتف بنضاله
الوطني وعمله للوحدة الوطنية من
خلال (الكتلة الوطنية) والمجالس
النيابية والمناصب الوزارية
وإنما كان يقف خطيباً في مساجد
المسلمين، يعتمد في خطبه على
الآيات القرآنية، والأحاديث
النبوية، وسيرة رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وسيرة السلف
الصالح.
و بعد الهدنة مع
اسرائيل عام 1948م قال : " كان من
الواجب ألا يقبل العرب بالهدنة
التي عرضت عليهم في فلسطين
وكانوا هم المنتصرين، لأنهم
هيؤوا بقبولهم إياها، لليهود،
أن يستوردوا أسلحة لم تكن لديهم
في بداية القتال، وأن يستعدوا
أتم الاستعداد، فكان أن خسرنا
الجولة الأولى مع الأسف.. و كان
قد أوصى وأصرّ على العرب بعدم
قبول هذه الهدنة وهم لو رفضوها
حينذاك لما كان بوسع الدول
الاستعمارية إلا الرضوخ للأمر
الواقع، والتسليم بالقضاء على
مطامع اليهود، ولكن قادة العرب
لم يأبهوا لنصائحه وتحذيراته،
ولم يأخذوا بها فــ (سوّدوا)
بذلك وجهه وخذلوه خذلاناً
مبيناً حتى لقد صار يمشي في
أروقة المنظمة الدولية و (رأسه
بالأرض)!!.."و كان يرأس يومها
مجلس الأمن الدولي ".
و
كان يقول : كم كنت أتمنى لو أن
المسؤولين العرب جعلوا من مشكلة
فلسطين قضية، فوق مستوى
خلافاتهم الطارئة، كما هو الحال
مع قضية الجزائر المجاهدة.. ولكن
للأسف.. أراهم جعلوا منها سبيلاً
للمتاجرة والمهاترة.. وقال: هذه
نصحيتي لكل عربي ولكل مسلم ولكل
عامل في الحقل الوطني والسياسي،
ألا صلح مع اليهود مهما يكن نوع
ذلك الصلح ومداه..فإن أي (صلح) مع
اليهود.. مهما كان نوعه.. ومهما
يكن الاسم الذي يُعَنْوَنُ به،
هو تضحية بالأمة العربية على
مذبح الحماقة والجهل والمطامع
الوقتية، وهو عار يلحق مرتكبه
على مدى الأزمان، لأنه سيكون
حتماً، بداية القضاء على هذه
الأمة، وعلى جميع مقوماتها
المادية والروحية.. ثم إن عقد
الصلح مع اليهود سيجعل العرب
مسؤولين دولياً عن المحافظة على
الوضع الذي سينشأ عن قيامه،
ويفقدهم حرية العمل، ويجعل من
العسير عليهم القيام في
المستقبل بأي عمل يرجى منه
صيانة عروبة فلسطين، فضلاً عن
تحريرها.
ولا يصدقن أحد ما
تردده دوائر الاستعمار، من أن
الصلح مع اليهود سيقر الأمن
والسلام في الشرق الأوسط، كما
تزعم الدول الاستعمارية، وسيضع
حداً للمطامع اليهودية في بقية
الأقطار الأخرى، لأن اليهود
سيلجؤون لأساليب أخرى في القضاء
على الأمة العربية، (لو تمّ
صُلْحٌ ما معهم) عن طريق نشر
المبادئ والآراء والعقائد
والأخلاق التي تجافي آداب العرب
وروح الإسلام والمسيحية في هذه
الديار، مما يسهل عليهم، بمرور
الزمان، القضاء على الكيان
العربي، وعلى الروح الإسلامية،
القضاء المبرم الذي لا نهوض
بعده. فليتدبر المسلمون والعرب
أمرهم، وليقاوموا أشد المقاومة
كل فكرة لفرض صلح عليهم مع
اليهود، وليستعدّوا دائماً
وأبداً للجولة الحاسمة، ولو
اقتضى الأمر منا الصبر قروناً
وأجيالاً..
ويقول
:"إن وعد بلفور هو المسؤول
عن فشل الانتداب، وعن إيجاد
مشكلة فلسطين، التي تشغل العالم
بأسره، ويذكر كيف قطع هذا
الوعد، ثم يشرح من هم عرب فلسطين
فيقول: إنهم متسلسلون من نفس
السكان الذين أقاموا في البلاد
منذ أربعين قرناً والذين حاربوا
اليهود عندما أرادوا الاستيلاء
على فلسطين في القرن الخامس عشر
قبل المسيح ويشير إلى المتدينين
الذين يقولون بأن نبوءات
التوراة تذكر عودة اليهود إلى
فلسطين وإلى أورشليم ويؤكد أن
هذه النبوءات قد حصلت أثناء سبي
اليهود في بلاد بابل، وأنها
تحققت عندما أعادهم كورش
الفارسي ثم يذكر خضوع اليهود
للفرس والمكدونيين والرومان
وتفرقهم في بلاد العالم بعد أن
قهرهم الرومان في عام 70
للميلاد، وكيف منعهم
الإمبراطور هدريان كذلك
البيزنطيون من دخول أورشليم،
وظلوا ممنوعين من ذلك في زمن
الحكم الإسلامي حتى تساهل معهم
العثمانيون، وبعد أن يشرح ظهور (الصهيونية)
ومساعيها بواسطة الدكتور هرتسل
مع السلطان عبد الحميد الثاني
وفشلها يذكر برنامج الصهيونية
الذي أفصح عنه ممثلو الوكالة
اليهودية بصراحة أمام اللجنة
السياسية حيث قالوا: "نريد
هجرة متواصلة وغير مقيدة إلى
فلسطين حتى نصبح أكثرية ونسود
البلاد ونعد بأن العرب سيعاملون
معاملة حسنة" ويبحث بعد ذلك
عن ماهية هؤلاء اليهود الذين
يريدون تأسيس دولة في فلسطين
وعما إذا كانوا من بني إسرائيل
حقاً...
ويؤكد أن الأمر غير
ذلك، ويستند إلى دائرة المعارف
اليهودية فيقول عن أصل اليهود
في شرقي أوروبا أنهم كانوا من
المغول الخزر شمالي بحر قزوين
وكانوا من عبدة الأوثان، ثم
حوالي القرن الثامن الميلادي
قرر أميرهم اعتناق إحدى ديانات
التوحيد، فاستدعى رجلاً من
اليهود والنصارى وثالثاً من
المسلمين، وجعلهم يتناقشون
فيما بينهم بحضوره، فلم يتمكن
أحد من إقناعه في أي منها، ومن
هو الأفضل، وأخيراً اعتنق
اليهودية، وبقيت إمارة الخزر
هذه جنوبي روسيا حتى قضت
الإمبراطورية الروسية على
استقلالها، فتفرق الخزر اليهود
الذين لا يتصلون ببني إسرائيل،
والذين يريدون دولة في فلسطين.
وكان يرى أن
معركتنا مع اليهود، هي معركة
التاريخ، وليست معركة مع عدو
طارئ..
و في ذلك يقول :إنني-
على الرغم من قيام دولة اسمها (إسرائيل)-
لا أعتقد أن وعد بلفور قد تحقق
لأن العبرة ليست بإقامة الدولة
بل ببقائها واستمرارها.. وأنا
أشك تماماً في أن (إسرائيل)
ستبقى أو تستمر..
إن حياة الأمم لا
تقاس بالسنين والآجال بل
بالقرون والأجيال وقد سبق أن
حاولت أوروبا بأسرها انتزاع
فلسطين من أيدي العرب في
حملاتها الصليبية فلم تفلح إلا
أمداً قصيراً عادت بعده بالخيبة
والندم، فكان على الصهيونية
ومناصريها أن يعتبروا بسوابق
التاريخ ويستفيدوا من عبره
البارزة ولا يتآمروا لإقحام
مشروع محروم من مبادئ العدل ومن
عناصر النجاح.. إن تاريخ اليهود
القديم المسرود في التوراة
مملوء بالفجائع والفظائع.
واحتلالهم، كما هو معترف به في
ذلك التاريخ.
فهل عرفتم من هو
القائل لهذه الكلمات التي تسطر
بأحرف من ذهب ؟، لا تقولوا إنه
من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)
لأن حماس لم يكن سمع بها أحد بعد
، و ليس من المتطرفين و
الإرهابيين حسب التصنيف الحديث
الأمريكي و الصهيوني ، و حتى
تستطيعوا معرفته أكثر، سأستمر
بطرح آرائه و معتقداته .
في 7 شباط 1959 قال :
"لا حياة للعرب ولا قوة لهم
بغير الإسلام. هذا أمر أنا أؤمن
به. ولقد كنت في هيئة الأمم
المتحدة منسجماً كل الانسجام مع
وفد الباكستان وغيره من الوفود
الإسلامية، وكان الباكستانيون
يدافعون عن قضايانا بأشد من
الروح التي يدافعون بها عن
قضاياهم... إنهم يحبّون العربي
حباً عظيماً، بل يقدّسونه
تقديساً ".
و روى السيد مراد
زكي المرادي:
" في عام 1954 زرت الشيخ ( ؟
؟ ) في منزله، وكان عنده بعض
النواب، منهم نعيم الأنطاكي،
وعلي الحياني، وأحمد قنبر.
وكانوا يتناقشون حول ما يراه
الشيخ من ضرورة تبني الدولة
لتطبيق أحكام التشريع الإسلامي
بنظام الحكم القائم، وبعد أخذ و
ردّ قال الشيخ:
(إن خير قانون
قُدِّم إلى مجلس النواب السوري
منذ أن دخلت هذا المجلس، هو
القانون الذي تقدم به المرحوم
الشيخ عبد الحميد الطباع نائب
دمشق، والذي كان عند تقديمه
أضحوكة أغلبية النواب،
لاعتقادهم بعدم أمكان تطبيق مثل
هذا القانون، مع تقدم المدنية
في عصرنا الحاضر، وكان المرحوم
الطباع قد تقدَّم به ليحلّ محلّ
القانون المدني).
وأخرج الشيخ نسخة
من مشروع القانون المذكور،
يحتفظ بها، وعرضها على
الموجودين ثم قال: "تذكرون،
ولاشك، عندما تضعون الموازنة
العامة للدولة، المبالغ
الطائلة التي تخصص للأمن العام،
وللشرطة، وللدرك، وللمحاكم،
رواتب ونفقات... فلو طُبِّق
الشرع الإسلامي، وقطعت يد في
حلب مثلاً... وجُلِد آخر في دير
الزور، ورُجِم ثالث في دمشق،
وكذلك في بقية المحافظات،
لانقطع دابر هذه الجرائم،
ولتوفّر على الدولة ثلاثة أرباع
هذه الموازنة".
واستدرك الشيخ
يقول:
"في العهد
العثماني كان في دمشق ثلاث
محاكم: شرعية، و صلحية، تنظر في
الدعاوي الجزائية والبدائية،
وكان قضاة هذه المحاكم يقضون
أغلب أوقاتهم في مراكز عملهم
بدون عمل... فإذا قسنا ذلك الظرف،
وقارنّاه بظرفنا الحالي، وجدنا
أن السبب في كثرة المحاكم
اليوم، يعود إلى تدنّي الأخلاق،
وانتشار الفساد، وعدم الاكتراث
بما تفرضه الدولة من عقوبات غير
رادعة ولا زاجرة، لعدم تطبيق
التشريع الإسلامي في الحكم".
و عندما قال له أحد
محاوريه ( و هو الأستاذ محمد
الفرحاني ) أن بعض المسؤولين
يتخوفون من تطبيق الشرع
الإسلامي و يقولون أنه لا يماشي
روح العصر فأجاب الشيخ "يمكن
تطبيق الإسلام كنظام دون الحاجة
للإعلان عنه أنه إسلام، كما
يطبّق اليوم حكامنا الشيوعية
أولاً بأول، دون أن يعلنوا لأحد
بأنهم يطبقون الشيوعية، بل
نراهم يبتدعون لما يطبّقونه
الأسماء والشعارات والألقاب"
ولما قامت الوحدة
بين سورية ومصر عام 1958 كان للشيخ
مكانة مرموقة عند جمال عبد
الناصر رئيس الجمهورية العربية
المتحدة، وعبد الحكيم عامر نائب
رئيس الجمهورية العربية
المتحدة المكلف بإدارة الحكم في
الإقليم الشمالي (سورية).
لذلك رأى الشيخ أن
من واجبه الوطني والقومي أن
يقدّم النصيحة إلى المسؤولين عن
الحكم في الجمهورية العربية
المتحدة، فأرسل رسالة إلى
المشير عبد الحكيم عامر، حملها
الأستاذ محمد الفرحاني،
وسلّمها إلى المدير العام لمكتب
نائب رئيس الجمهورية العقيد
الركن أحمد الحنيدي، ومما جاء
في هذه الرسالة: "من أجل
مكافحة الأساليب الهدامة،
أعتقد أن وجود الإخوان المسلمين
في الحكم ضمان لتحقيق هذه
النتائج، وتأمين الشعب على
سلامة عقائده".
وجاء فيها: "من
الخطأ القول: يجب على الإخوان
المسلمين الابتعاد عن المطالبة
بالحكم، بل يجب أن نرجوهم ونلحّ
في الرجاء ليقبلوا الاشتراك في
الحكم، وأنا شخصياً كنت كلما
دُعِيتُ إلى تأليف وزارة، أسعى
جهد طاقتي لإدخال واحد من
الإخوان المسلمين في الحكم،
ويمكن سؤال الأستاذ محمد
المبارك كم رجوته وألححت في
الرجاء كي يقبل الاشتراك معي في
الحكم بوزارتي الأخيرة عام
1954".
فمن هو هذا الشيخ
الجليل الذي فهم الإسلام على
حقيقته ؟، هل هو قائد حركة
إسلامية ؟ ، هل هو من أقطاب
الأخوان المسلمين؟، هل هو من
كبار علماء المسلمين في ذلك
العصر ؟..
لقد روى الاقتصادي
الكبير محمد سعيد الزعيم عن هذا
الشيخ قوله:
"أول ما عرفت (
فارس الخوري ) في جامع بني أمية
الكبير في حلب، كان يلهب مشاعر
الجماهير في قضايا الوطن
ومحاربة الانتداب الفرنسي،
فيتساءل جمهور المسلمين في
الجامع: أحقاً هذا الخطيب
المفوّه البليغ المتحدث عن
القرآن، وعن محمد صلى الله عليه
وسلم وعن الوطن والحمى (خوري)؟
أم شيخ الإسلام؟! وهل كنيته
تستراً، وهذا الرأس الكبير هل
هو صاحب قلنسوة أم عمامة؟!"
واستطرد محمد سعيد
الزعيم يروي:
"كان ذلك في عام
(1928) وكان الزعيم (إبراهيم هنانو)
يطفح وجهه بشراً لهذا التجاوب
بين لسان فارس الخوري وأفئدة
القوم، وكأنه في معركة من معارك
الجهاد، وقد عقد له لواء النصر
في الساح".
نعم يا سادة أنه
الأستاذ فارس الخوري الذي شارك
في تأسيس الكتلة الوطنية ، و
قاوم المستعمر الفرنسي في
محاولاته تقسيم سوريا طائفياً .وأوضح
ما تتجلى مواقف فارس الخوري
لوأد المؤامرة الفرنسية في
إثارة النعرة الطائفية، موقفه
في مجلس الأمن في شباط 1946 حين
زعم (مستر بيدو) وزير خارجية
فرنسا أن وجود فرنسا في سورية
ولبنان ضروري لحماية النصارى من
طغيان الأكثرية الإسلامية
المحيطة بهم، فكان جواب فارس
الخوري قاطعاً:
"أنا نصراني
بروتستانتي من أصل أرثوذكسي
أقول:
إن دعوة حماية
النصارى مضرّة بالنصارى
أنفسهم، لأنها تجعل الأكثرية
المسلمة تنظر إليهم نظرة عداء،
باعتبارهم سبباً لتدخل الأجانب
في ديارهم، عدا عن أن هذه الحجة
إنما هي لتبرير بسط الحكم، إذ لا
يوجد في كثير من البلاد التي
احتلتها فرنسا في آسيا وأفريقيا
نصارى لحمايتهم، ولكن
الاستعمار هو الغاية الحقيقية"
وبذلك أسقط حجة فرنسا
لاستمرارها باستعمار سورية
ولبنان .
و عندما جرى تبادل
في المناصب في تشرين الأول 1944
بين فارس الخوري وسعد الله
الجابري حيث استقال سعد الله
الجابري من رئاسة الوزارة ورشح
نفسه لرئاسة المجلس النيابي كما
كلف الأستاذ فارس الخوري بتشكيل
الوزارة ، كتبت جريدة (الديلي
ميل) بتاريخ 17 تشرين الأول 1944
تقول: "كان رئيس الوزراء
الجديد يقوم بأعباء رئاسة
المجلس النيابي سابقاً، وهو ذو
دماغ جبار، ويعتبر أكبر وأقدر
مفكر في الشرق الأدنى، وهو
متضلّع في القانون، والاقتصاد
السياسي والأدب، ومعروف
بثقافته السكسونية وإن مجيئه
إلى رئاسة الوزارة وهو مسيحي
بروتستانتي يشكل سابقة في تاريخ
سورية الحديث بإسناد السلطة
التنفيذية إلى رجل غير مسلم مما
يدل على ما بلغته سورية من النضج
القومي، كما أنه يدل على ما اتصف
به رئيس الدولة من حكمة وجدارة".
هكذا كانت سوريا
إذاً ، و هكذا كان رجالها ( رجال
الخير ) ، فمتى نعود إلى ذلك
الزمن ( الرجعي ؟؟!! -الديموقراطي
التعددي ) ؟ ، و نترك زمننا (
التقدمي ؟؟؟!!! - البعثي الطائفي
الاستئصالي ) ، بكل ما فيه من
مهانة و استسلام و تنازل عن
الحقوق المشروعة مع أعداء الوطن
و تسارع لمصافحة الأعداء و
استعداد للمصالحة معهم بلا شروط
و لا قيود رغم تجاهلهم لعروضنا
المذلة المتكررة ، و فساد و تسلط
وظلم و طائفية و حقد و قتل و
تدمير وسفك لدماء المواطنين
الأبرياء و نفي وسجون و رفض لكل
حوار مع أبناء الوطن .
إذاً يحق لنا نحن
السوريون أن نتحسر و نقول: "
الله يرحم أيام زمان "..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|