جدلية
الحوار بين المعارضة
و"
النظام السوري " !
الدكتور
/ نصر حسن
القوة والسيطرة
والنفوذ
هي في
واقع الأمر العناصر الأساسية التي
تحدد وتمسك
بزمام
العلاقات الإنسانية والدولية
بشكل
عام , وتكون أكثر حدة ووضوحا
ً في العلاقات السياسية بين
أطراف متصارعة على هدف ٍأو
مصلحة ٍ ما , أو على السلطة
وإدارة شؤون الدولة,و بشكل أكثر
مباشرة وقربا ً من موضوع (((
الحوار بين المعارضة و"
النظام " ))) في سورية , وهنا
لانريد أن نتناول الموضوع من
زاويته الإجرائية فهي معروفة
ولم يحن وقتها بعد,ولكن نريد أن
نحدد مفهوم وحاجة الحوار لأطراف
متناقضة ومتصارعة يحكمها إقصاء
وظلم وتاريخ أسود دامي طويل
وينطبق عليها وصف علاقة الرصاص
والكلمات أو الحوار الأبدي
بين المطرقة
والسندان
!.
المعارضة السورية متمثلة ً
بشكلها العملي في (إعلان دمشق )
تريد وتدعو للحوارالذي يكون
أساسا ًللتغيير
الجذري الشامل من الإستبداد إلى
الديموقراطية ,والنظام هو الآخر
يدعو للحوار أيضا ً,يطلبون
الحوارولكن كل من موقعه المختلف
عن الآخر, و هدفه المعاكس لهدف
الآخر, هل النظام يريد الحوار
الوطني الحقيقي والمسؤول
لإنقاذ سورية من محنتها ؟ وهل هو
قادربحكم طبيعته البنيوية
الفردية المغلقة على الإرتقاء
من سلوك عبث الديكتاتورية
المطلق إلى القبول بمنطق العمل
التعددي وطقوس العملية
الديموقراطية ؟ وهل وصل إلى
القناعة التي تفرضها خطورة
اللحظة الراهنة في حياة الشعب
والوطن ,وهي أنه غير قادر ومن
خلال المعطيات الموضوعية التي
يعيشها من الحفاظ على وحدة
الوطن وسلامته من مجهول مخيف
قريب لاأحد يعلم أبعاده
؟ وهل رجع إلى صوابه وراجع
أولوياته واستوعب استحقاقات
الواقع التي تمر به سورية الآن ,الأمر
الذي أوصله إلى القرار النهائي
بطلاق سلطة القيم الديكتاتورية
التي أوصلت سورية إلى حافة
الهاوية ,والإقرار بسلطة القيم
الديموقراطية الوحيدة القادرة
على حماية سورية من التمزق
والخطر ,والبدء بعملية إرجاع
سورية إلى العصر بعد أن أخرجتها
الفردية والإستبداد منه ؟ وهل
اقتنع بعجزه عن قيادة السفينة
السورية الغارقة نحو بر الأمان ,
وبالتالي فإن الحاجة لمشاركة
المعارضة في القيادة أصبح أمرا
ً لامفر منه ؟ .
لقد تواترت في الأيام الأخيرة
الدعوات من قبل أطراف النظام
إلى الحوارمع بعض تنظيمات
المعارضة ,ووصل الأمر إلى حد
تشكيل لجان للقيام بهذه المهمة ,ترافق
ذلك مع العديد من المقالات ومن
مختلف الأطراف حول هذا الحوار
المرتقب ! .
يتبادر إلى الذهن الكثيرمن
الشكوك التي تدفعنا لنتساءل :
لماذا الحوار الآن ؟ وماذا يريد
النظام من هذه الخطوة ؟ ومتى
يتحاور الأضداد ؟ وكيف سيكون
شكل الحوار؟ وأين سيكون مكان
طاولة الحوار ؟ والأهم من ذلك
كله من سيجلس على الطاولة ويقود
عملية الحوار من رموز "
النظام " ؟ أسئلة
برسم الإجابة , فهل من مجيب ؟! .
يبدو أنه بات من الأمور الطبيعية
أن يمارس النظام التشويه بشكل
مباشر أو غير مباشرعن طريق
وكلاؤه هنا وهناك ,ويعمد إلى خلط
الأوراق كلّما اختلطت عليه
الأمور وزادت عليه الضغوط واشتد
إرباكه ووصل ليس إلى طريق مسدود
فقط ,
بل إلى حالة استعصاء سياسي عام ,
ولكن ليس من الطبيعي ولا
المقبول أن يشترك معه في
التشويه من يدعي أن سيصلح ما
أفسد النظام ورموزه مجتمعين
لأربعين عاما ً من العبثية
والهمجية بكل أبعادها ,على أن
الحوار بين الأطراف المتصارعة
على هدف مصلحي مادي أو سياسي أو
وطني مستمر وموجود في كافة
الظروف ولكنه يأخذأشكال كثيرة
ومختلفة يحددها طبيعة موازين
القوى بين الأطراف المتصارعة
وأهدافها , وهذا هو واقع الحال
بين المعارضة السورية الوطنية بكل
فصائلها وأفرادها مع النظام
لعقود,واقع الحال الذي يقول : أن
تجربة الحوار بين المعارضة
والنظام كانت مرّة ومؤلمة
ودامية إلى حد ٍ كبير, وعودة
سريعة إلى طبيعة النظام الفردي
الطائفي الوراثي المغلق الذي
مرّ بأزمات سياسية ووطنية
وقومية وصلت إلى مستوى الكوارث
والنكبات على المستوى الداخلي
والخارجي وهو مُصرّ على نفس
النهج ونفس الوتيرة الفردية
ومستمر في السير تائها ً ووحيدا
ً في حقول ألغام زرعها بنفسه هنا
وهناك !, ولعل الحوار في
الثمانينات كان حوار الرصاصة
والكلمة ! حوار الخلل في موازين
القوى لصالح القوة الغير وطنية
والطاغية الغيرعاقلة بل
الجاهلة والباغية بدون حدود ,حوار
أنتج خراب ودمار وفقدان عشرات
الألوف من أبناء الوطن وتفتيت
نسيجه الإجتماعي والوطني
وتعطيل دور سورية ووقف عجلة
تطورها وتقدمها وصولا ً لتخلفها
عن العصر ,واستمر الحوار غير
المتكافئ مع بعض أطراف الحركة
الوطنية التي كانت نتائجه لصالح
النظام وانعكس مزيدا ً من
التمزق والإنشقاق في صفوفها ,الأمر
الذي أضعفها إلى حد ٍ كبير
وأوصلها إلى حالة الشلل وعدم
القدرة على الفعل لأنه كان حوار
يمثل فرض الشروط ووضع
القيود على أفواه المعارضة
وأيديها ولعل ذكرى مـأساة حماة
الجريمة الهمجية التي هدمت فيها
المدينة على رؤوس المواطنين وتم
تدمير البشر والحجر والحضارة
وذهب ضحيتها عشرات الألاف من
الشهداء والمفقودين والمشردين
وأحدثت جرحاً إنسانياً ووطنياً
مخيفاً لا زال الشعب يعيش
بمرارة مخلفاتها حتى الآن , كانت
في إحدى صورها حوارا ً بأبشع
أشكاله بين الجريمة والبراءة ,بين
الهمجية والحضارة ,بين السلاح
والرأي الحر ,والحوار الذي أدى
إلى اغتيال كمال جنبلاط
ومعه الكثير من رموز الحرية
والكلمة والمقاومة الفلسطينية
والحركة الوطنية اللبنانية
مرورا ً بصلاح الدين
البيطاروقيادة المعارضة
السورية الوطنية وصولا ً إلى
اغتيال المرحوم ( الحريري)
وبعده جورج حاوي
وسمير قصير هو الآخر
استمرارا ً لحوار السلاح مع
الكلمة , ونحر أو انتحار ( غازي
كنعان ) كذلك يمثل إحدى صور حوار
السلاح والكلمة , وسلسلة الحوار
الذي اتبعه النظام سابقا ً
ولاحقا ً تبقى ضمن هذه الصيغة
المجرمة على مر الأيام والأزمات
والثبات والإصرار على اللون
الأحمر للحوار !.
ويستمر الحوار بصيغ مختلفة سرية
وعلنية إلى أن وصلت إلى حوار
ربيع دمشق وبمطالب بسيطة
لاتتعدى حرية الكلام
والتعبيرعن الرأي والسماح لبعض
مؤسسات المجتمع المدني بممارسة
بعص نشاطاتها الثقافية
والإجتماعية وكانت نتائجها
معروفة وهي رمي رموزها في
المعتقلات وبعضهم لازال إلى
الآن في الزنازين رهينة أزمة
حالية أو مساومة قادمة !.
ضمن هذا الإرث الضخم
للحوار الدامي الذي
مارسه النظام
على امتداد عشرات السنين وبشكل خاص
السلوك الحواري
له منذ
استلام
الرئيس الوريث " بشار أسد "
لأن فصوله قريبة وعايشها
ويتذكرها الجميع ! واستطرادا ً
إن النظام محكوم ببنيته الفردية
التي تلغي الآخر وتقصيه وإن
تطلب الأمر يقتله , نظام بهذه
الكفاءات" الحوارية الوطنية
والأخلاقية والإحساس
بالمسؤولية والحرص على أبناء
الوطن " نظام بهذا المستوى
الإنساني" الرفيع " نظلمه
عندما نطلب منه أن يرتقي إلى
مستوى الحوارالوطني المسؤول!.
يبقىالمدخل الأساسي لأية عملية
حوار مع النظام هو إلغاء قانون
الطوارئ والإفراج
الفوري عن كل السجناء السياسيين
وحرية الرأي وإلغاء قانون رقم /
8/ والحزب القائد والمحاكم
الإستثنائية والقانون رقم / 49 /
وتسوية موضوع المهجرين بشكل
قانوني ورد الإعتبار لهم
وتعويضهم ,وتشكيل لجنة للكشف عن
مصير المفقودين ومعالجة أحداث
الثمانينات والتعويض عن
المتضررين فيها ومحاسبة كافة
المجرمين الذين ارتكبوا
الكبائر بحق أبناء الوطن
ومحاسبة كافة اللصوص الذين
نهبوا ثروة الوطن , هذه هي
البوابة الوحيدة التي
ستمرخلالها سورية إلى مستقبل
لاظلم فيه ولاإقصاء لأحد
ويتساوى فيه الجميع أمام
القانون.
وعلى الرغم من كل ماقيل ويقال حول
المعارضة السورية المنضوية تحت
( إعلان دمشق ) ومن تقييمات منصفة
وظالمة تبقى هي الإطار العملي
الواضح للمعارضة وهي الوحيدة
القادرة على تقييم موضوع الحوار
وزمنه ومكانه وجدول أعماله كون
أطرافها جميعا ً بشكل ٍ أو بآخر
قد اكتووا بنار النظام ولديهم
خبرة تمكنهم من معرفة نوايا
النظام ,وأطراف ( إعلان دمشق)
تدرك خطورة الحوار المنفرد الذي
يلح عليه
النظام , وعلى هذا الأساس يكون
قرارالحوار هوموقف يقرره
المجموع حفاظا ًعلى الوحدة
الوطنية التي أربكت النظام.
لعل من المفيد الإشارة إلى أن
النظام ورغم كل حالة الطيش
والإرتباك وعلى كافة المستويات
ورغم الحرائق التي تشتعل داخل
سورية وخارجها لم يصل إلى
القناعة بضرورة تغيير طريقة
تعامله مع الأحداث والخروج من
حالة الجمود التي تزداد تصلبا ً
مع تواتر الأحداث وهو على شفا
حافة الإنكسار مرة واحدة
والإنهيار .
على أن خيارات النظام داخليا ً
وخارجيا ًقد باتت محدودة للغاية
وفي أغلبها صوتية صاخبة تزيده
إعياء ً وتشويشا ً وفقدانا ً
لتوازنه , فهل يستطيع " بشار
" الذي يتأرجح على شفا هاوية
أن يقدم الأداء الأفضل
المطلوب ويقر بضرورة الإرتقاء
إلى مستوى الحوار الوطني الذي
تطلبه المعارضة والبدء بعملية
التغيير السلمي الشامل الذي
يحافظ على وحدة الشعب والوطن
وتنتقل سورية إلى مستقبل مشرق
جديد يكون الإقصاء والفردية
والعنف والجريمة حوادث عرضية ,
والأساس هو التسامح
والمساواة والعدل
والعمل على بناء سورية الحرة
الديموقراطية .
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|