و
يُحكى أنّ
-8-
د/
محمـد الحكيم
يحكى أنه في بلد كان
اسمه سوريا ، حاول المستعمر
الفرنسي ، أن يمزق أوصال الوطن
طائفياً ، فقسم سوريا لأربع
دويلات ، دولة دمشق و دولة حلب و
دولة الدروز و دولة العلويين ،
فكان الرد واضحاً و قوياً من
كافة القوى الوطنية الشريفة
برفض هذا التقسيم ، و قامت
الثورات في كافة أنحاء الوطن ،
مطالبة بالوحدة الوطنية ، و
عودة سوريا موحدة ، كانت
الثورات و القلاقل لا تهدأ و لا
تتوقف، على امتداد ربوع الوطن ،
من دمشق و ثورة الغوطة، إلى حلب
و الشمال و ثورة إبراهيم هنانو،
إلى حماة و الوسط و ثورة فوزي
القاوقجي و سعيد العاص، إلى
الساحل السوري وجبال العلويين و
ثورة الشيخ صالح العلي، إلى جبل
العرب و ثورة
سلطان باشا الأطرش.
و أمام هذه اللحمة
الوطنية الرائعة ، ضعف المستعمر
، و تراجع عن قرار التقسيم ، و
كانت الكتلة الوطنية التي تشكلت
في عام 1928 (و التي شارك في
تأسيسها عدد من القيادات
الوطنية المخلصة و هم هاشم
الأتاسي، و إبراهيم هنانو، و
فارس الخوري وسعد الله الجابري،
وتوفيق الشيشكلي و كان من أهم
رموزها إضافة لمن شاركوا في
التأسيس جميل مردم بك، ولطفي
الحفار، ومظهر أرسلان، وحسني
البرازي و شكري القوتلي ..) خير
مدافع عن وحدة الوطن السوري و
أهدافه ضد المستعمر الفرنسي ، و
قادت هذه الكتلة الجماهير
السورية نحو
الحرية و الاستقلال .
لقد تشكلت هذه
الكتلة من الطيف الواسع الذي
يتشكل منه المجتمع السوري ، و
كانوا جميعاً ينظرون إلى الوطن
قبل كل شيء ، فنجد فيها العربي
وغير العربي (إبراهيم هنانو و
حسني البرازي كانا من الأخوة
الكرد مثلاً ) و نجد فيها المسلم
و المسيحي ، و لكنهم جميعاً
كانوا سوريين غلبوا مصالح الوطن
على مصالحهم الشخصية و الطائفية
، و النظرة العامة على الضيقة ،
فسار المركب إلى بر الأمان 0
فهذا الشيخ فارس
الخوري يقف في مجلس الأمن في
شباط/فبراير1946 حين زعم (مستر
بيدو) وزير خارجية فرنسا أن وجود
فرنسا في سورية ولبنان ضروري
لحماية النصارى من طغيان
الأكثرية الإسلامية المحيطة
بهم، فكان جواب فارس الخوري
محدداً و قاطعاً:
"أنا نصراني
بروتستانتي من أصل أرثوذكسي
أقول: إن دعوة حماية النصارى
مضرّة بالنصارى أنفسهم، لأنها
تجعل الأكثرية المسلمة تنظر
إليهم نظرة عداء، باعتبارهم
سبباً لتدخل الأجانب في ديارهم،
عدا عن أن هذه الحجة إنما هي
لتبرير بسط الحكم، إذ لا يوجد في
كثير من البلاد التي احتلتها
فرنسا في آسيا وأفريقيا نصارى
لحمايتهم، ولكن الاستعمار هو
الغاية الحقيقية" وبذلك أسقط
حجة فرنسا لاستمرارها باستعمار
سورية ولبنان .
و عندما جرى تبادل
في المناصب في تشرين الأول 1944
بين فارس الخوري وسعد الله
الجابري حيث استقال سعد الله
الجابري من رئاسة الوزارة ورشح
نفسه لرئاسة المجلس النيابي كما
كلف الأستاذ فارس الخوري بتشكيل
الوزارة ، كتبت جريدة (الديلي
ميل) بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر1944
تقول: "كان رئيس الوزراء
الجديد يقوم بأعباء رئاسة
المجلس النيابي سابقاً، وهو ذو
دماغ جبار، ويعتبر أكبر وأقدر
مفكر في الشرق الأدنى، وهو
متضلّع في القانون، والاقتصاد
السياسي والأدب، ومعروف
بثقافته السكسونية وإن مجيئه
إلى رئاسة الوزارة وهو مسيحي
بروتستانتي يشكل سابقة في تاريخ
سورية الحديث بإسناد السلطة
التنفيذية إلى رجل غير مسلم مما
يدل على ما بلغته سورية من النضج
القومي، كما أنه يدل على ما اتصف
به رئيس الدولة من حكمة وجدارة".
لقد روى الاقتصادي
الكبير محمد سعيد الزعيم عن هذا
الشيخ قوله:
"أول ما عرفت
فارس الخوري في جامع بني أمية
الكبير في حلب، كان يلهب مشاعر
الجماهير في قضايا الوطن
ومحاربة الانتداب الفرنسي،
فيتساءل جمهور المسلمين في
الجامع: أحقاً هذا الخطيب
المفوّه البليغ المتحدث عن
القرآن، وعن محمد صلى الله عليه
وسلم وعن الوطن والحمى (خوري)؟
أم شيخ الإسلام؟! وهل كنيته
تستراً، وهذا الرأس الكبير هل
هو صاحب قلنسوة أم عمامة؟!"
واستطرد محمد سعيد
الزعيم يروي:
"كان ذلك في عام
(1928) وكان الزعيم (إبراهيم هنانو)
يطفح وجهه بشراً لهذا التجاوب
بين لسان فارس الخوري وأفئدة
القوم، وكأنه في معركة من معارك
الجهاد، وقد عقد له لواء النصر
في الساح".
أما اليوم ، و بعد
أكثر من أربعين عاماً من وصول
حزب البعث العلماني( كما يدعي )
إلى السلطة بانقلاب عسكري ، و
بعد حوالي ثمانين عاماً على
تشكيل الكتلة الوطنية في سوريا
، نجد المجتمع و قد انقسم على
نفسه في أبشع صورة للطائفية و
العرقية و الإقليمية ( و أقرأ
إذا شئت كتاب الدكتور نيقولاوس
فان دام ، سفير هولندا في مصر ،
بعنوان الصراع على السلطة في
سوريا / الطائفية و الإقليمية و
العشائرية في السياسة – من عام
1961 إلى عام 1995م0 أو حتى كتاب ثلاث
أشهر هزت سوريا للعماد أول
مصطفى طلاس وزير دفاع سوريا
المزمن في عهد الأسد الأب و
الأسد الابن . و لن أطلب منك
قراءة ما تنشره المعارضة
السورية رغم صدقية ونزاهة أكثر
ما تنشره هذه المعارضة المظلومة
و المصابرة حتى لا تقول إنني
أبالغ ) حيث
تسلطت طائفة أقلية على البلاد و
العباد باسم القومية ، فمسكت
بمفاصل الحكم العسكرية و
الأمنية ، و توهم النظام بنظرته
الضيقة أنه يستطيع أن يبقى في
الحكم إلى الأبد ، و حاول أن
يقنع أقلية من أبناء طائفته
المغرر بهم بأن مسألة بقائهم في
الحكم مسألة حياة أو موت
بالنسبة لهم، فأصبحوا و هم
يمسكون بالسلطة بيد من حديد
ظاهرياً كما يبدو ، يعيشون حالة
من الخوف و الذعر مما ستجلبه لهم
الأيام بعد أن طغوا في البلاد و
أكثروا فيها الفساد ، و لم يعطهم
هذا الحكم الأمان كما أعطاهم من
امتيازات ، و شعرت القوميات
الغير عربية و الطوائف غير هذه
الطائفة الحاكمة أن الوطن لم
يعد لهم ، و أنهم يعاملون و
كأنهم مواطنون من الدرجة
الثانية و الثالثة أو حتى غرباء
عن وطنهم ( حيث سُنت القوانين
الاستئصالية الظالمة التي تعدم
الإنسان على معتقده ) .و تركزت
الثروة و الامتيازات بيد أقلية
محدودة مستفيدة من السلطة و
الفساد الذي استشرى في جميع
جوانب النظام الحاكم0فاستأثرت
فئة فاسدة صغيرة بالثروة باسم
الاشتراكية ، و أصبحنا نخاف على
الوطن الصغير من التشرذم باسم
الوحدة العربية ، و طغى الطاغوت
و تجبر ، و قتل و دمر و ارتكب
المجازر الوحشية و سجن و شرد
و كتم الأفواه و عطل
القوانين و فرض الأحكام العرفية
باسم الحرية.
و لكن قوانين
الطبيعة تقول : كلما أمعن الدجى
و تحالك ، فإنه يبشر بولادة فجر
جديد ، و غداً سيقول السوريون
بعد أن يطردوا الأشرار: صباح
الخير يا وطن الأخيار.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|