أيٌ
من الرئيسين (بشار أو لحود) رحل
أولا ...
فالآخر
على إثره.
الطاهر
إبراهيم*
ما كان
الشعب السوري لينتظر انشقاق
"عبد الحليم خدام"، ليميط
له اللثام حول قيام الرئيس
الراحل "حافظ أسد" بتسخير
مقدرات سورية ،البشرية
والاقتصادية، لتوطيد سلطانه
وسلطان أبنائه من بعده في سورية.
فقد كان هذا الشعب يعرف ذلك حق
المعرفة، لأن هذا الشعب كان
وقود مرحلة الأسد الأب، ومرحلة
من يأتي بعده من أبنائه، إذا
سارت الأمور حسب ما خطط لها.
واستطرادا
فلم يكن الرئيس الراحل بحاجة
إلى لبنان ليوسع فيه
سلطانه،وليكون حديقة خلفية له
فحسب، بل كان يريده لسد المنافذ
التي يمكن أن تأتي منها محاولات
معارضيه لتقويض سلطانه في
سورية،عن طريق القفز من تلك
النوافذ اللبنانية. ولذلك ما أن
لاحت له الفرصة ليقايض واشنطن:
بأن يكون الشرطي الذي يؤدب
،نيابة عن أمريكا، كل من تسول له
نفسه أن يقف في وجه إسرائيل من
الفلسطينيين والفئات الإسلامية
في لبنان، وفي مقابل ذلك يتم له
التفويض من قبل واشنطن، ليكون
الحاكم الفعلي للبنان.
ولقد
كان مشوار "حافظ أسد" في
لبنان عسيرا وداميا، أغمضت فيه
واشنطن عينها عن دماء كثير من
نصارى لبنان الذين اعترضوا على
السيطرة السورية، طالما أن جنود
"حافظ أسد" أهرقوا أضعافها
من دماء الفلسطينيين في "تل
الزعتر" وشمال لبنان. فقد
كانت دماء هؤلاء المقصودة أصلا،
أما دماء باقي فئات اللبنانيين
فقد كانت "على البيعة".
كذلك
لم يكن المراقب بحاجة أن يكون
إلى جوار فراش الأسد الأب وهو
على فراش الموت ليسمع ما أوصى به
وريثه من بعده، بأن عليه أن
يتمسك بلبنان ما استطاع إلى ذلك
سبيلا، بل عليه أن لا يترك للصدف
أية فرصة.
كان
السيناريو غاية في البساطة:يمدد
للرئيس "إميل لحود"،كما
حصل مع الرئيس "الهراوي" من
قبله، لتجري انتخابات ربيع 2005
النيابية في عهد "لحود"،
فتأتي أكثرية نيابية من اللون
الذي يفضله الوريث. هذه
الأكثرية النيابية تنتخب
الرئيس الجديد الذي يأتي بعد
لحود في عام 2007، وعلى نفس
القياس، وهكذا... ولذلك عندما
جاء الرئيس الأسبق "رينيه
معوض" على غير القياس، تمت
إزاحته من الطريق، وفورا.
ومن
يقرأ الأمور بهكذا منظار، سيزول
عجبه عندما يرى كيف كان الرئيس
بشار الأسد مصرا على تمديد
ولاية "لحود"، رغم تحذيرات
واشنطن وباريس، اللتين أكدتا
أنهما لا تمانعان في أخذ رأي
دمشق في اختيار الرئيس الجديد،
فيما إذا صرف النظر عن التمديد.
وبالتأكيد
فإن قِصَر نظر النظام
السوري،-الذي كان ينظر في منظار
الموالين له في لبنان-
جعله يضرب بعرض الحائط
التحذيرات الدولية،رغم تضافر
الأخبار على جديتها، ويمضي قدما
فيما أراد، بعناد وإصرار، لم
يفكر ولو لمرة واحدة بصدق
التهديدات الدولية، مستهينا
بخصومه في لبنان، رغم تعدد
ألوانهم ومشاربهم، وفيهم
المخضرمون ومن كان على علاقة
جيدة مع دمشق حتى وقت قريب.
والعجيب أن الرئيس السوري لم
يتساءل عن الأسباب التي تدفعهم
لتغيير ولائهم، ولو أنه تبصر
لرأى الحقيقة.
وجاء
اغتيال "الحريري" لا ليكون
القشة التي قصمت ظهر البعير
فحسب، بل ليكون انفجارا مدويا
في وجه الرئيسين "بشار
الأسد" و"إميل لحود" في
لبنان وسورية، وليكون بداية
النهاية في المشوار الذي بدأه
حافظ أسد في لبنان، وليقلب
الموازين رأسا على عقب، ما فرض
على الرئيس السوري أن يبدأ
مسلسل التنازلات ،خصوصا بعد
صدور القرار 1595 في آذار 2005 الذي
قضى بتشكيل لجنة تقصي حقائق،
أدانت المسلك السوري في لبنان.
وكانت
ذروة الانهيار الحلزوني،عندما
أعلن الرئيس السوري، في مجلس
الشعب، في آذار 2005 ، سحب الجيش
السوري بالكامل إلى منطقة
البقاع قبل نهاية شهر نيسان 2005،
حيث دوت القاعة بتصفيق النواب
الحاد،( لا أحد يدري لماذا
صفقوا؟ وما قاله لا يستدعي
التصفيق. وهل هؤلاء نواب يشد بهم
الظهر في وقت الشدة لو كانوا
يعلمون؟).
باقي
القصة يعرفها الجميع. لكن الذي
لا يعرفونه، ما الذي جعل الرئيس
السوري يعكس موجة التنازلات
ويحولها إلى عنتريات في وجه
لجنة القاضي الألماني "ديتلف
ميليس"، مع أن "الأربعة
الكبار" ما كان ليعتقلهم
القاضي اللبناني لو لم يكن لديه
ما يدينهم.
ورغم
كل ما يفبركه الإعلام السوري
المسيّس،فإن القاصي والداني
يعرف بأن التخبط هو السمة الأهم
التي صبغت تصرف النظام السوري
في أكثر من ميدان، وأن الأمور
ليست على ما يرام. فالاعتقالات
المتكررة التي جرت ضد النشطاء
السياسيين،واعتقل فيها
النائبان السابقان "مأمون
الحمصي" و "رياض سيف"، ثم
أطلق سراحهما بعد عدة ساعات،
ثم أعيد اعتقالهما ثم أطلق
سراحهما. إن دلت على شيء فإنما
تدل على توتر رموز النظام
وفقدانهم بوصلة التوجه الصحيح،
وأنهم أصبحوا "يظنون كل صيحة
عليهم".
لبنانيا:
يعتقد المطلعون أن الرئيس
اللبناني يسعى الآن للخروج من
قصر "بعبدا" بضمانات تبعده
عن المساءلة التي قد تأتيه من
عدة اتجاهات. قسم من خصومه يرفض
إعطاءه أي ضمانة. وقسم آخر يقول
دعوه يذهب، لأن النظام السوري
سوف يفقد بذهابه السند الأهم في
لبنان، وأن العهد الجديد مع
الرئيس الجديد سينهي التدخلات
السورية.
سورياً:
يُعتقد بأن مقولة المعارضين بأن
عودة النظام السوري إلى الشعب
ستقوي موقفه في مواجهة التحديات
الخارجية، لم تعد واردة إطلاقا.
فقد تأكد أن الرئيس بشار ليس في
وارد أن ينحاز إلى هذا الشعب.كما
أن بطانة السوء جعلت الرئيس
يرفض أن يرى الحقائق على أرض
الواقع بعين بصيرة، بعد أن
جعلوه يعتقد ،وحتى وقت قريب، أن
الصفقات ما زالت ممكنة، وأن
واشنطن ما زالت تفضله على
البديل الإسلامي.
وبمفهوم
المخالفة، فكما عمل الرئيس
الراحل دائما لإكمال دائرة
النفوذ في لبنان، فلا يكون هناك
فراغ، بأن تتم الانتخابات
النيابية في عهد رئيس جمهورية
موال، وهؤلاء النواب الذين
انتخبوا حسب المواصفات،
سينتخبون رئيسا جديدا مواليا.
فقد انعكست الآية الآن، واختل
الميزان الذي كانت توزن به
الأمور، وانقلب السحر على
الساحر. فجاءت أكثرية نيابية
،ليست معارضة لانتخاب رئيس
موالٍ لسورية فحسب، بل إنها
تعمل الآن على إسقاط الرئيس
الممدد له. كما تعمل على اجتثاث
أي نفوذ لسورية في لبنان. بل وقد
تدعو ،كما فعل جنبلاط، إلى رحيل
النظام البعثي من سورية أيضا.
يبقى
أن نقول إن التاريخ علمنا أن
الحكام الذين سخّروا مقدرات
دولهم التي حكموها ،ليس لصالح
تقدمها وازدهارها، بل لتكون
مزارع لهم ولأبنائهم من بعدهم،
نادرا ما نجح الأبناء فيما وطأه
لهم الآباء. فيبدأ الفساد ينخر
في مفاصل الحكم، ما قد يؤدي إلى
تقويض الزعامات التي لم تتعب في
الوصول إلى الحكم.
الشعوب
التي ثارت على زعاماتها في
أوروبة الشرقية ودول الاتحاد
السوفياتي لم تكن يوما أجدر من
الشعب السوري، خصوصا وأن كرامة
هذا الشعب امتهنت أكثر مما
تمتهن به كرامة القطيع من الغنم.
ولن يطول وقت ينهض به كل الذين
تضرروا لينقضوا على الخلف
انتقاما لما فعله بهم جور
السلف، وسيقع ما حذره الطغاة
على مستقبل أبنائهم، فلا ينفع
عندها الندم، لأنه "لات ساعة
مندم".
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|