انتصار
حماس نصر للعرب والمسلمين
دعوة
إلى التضامن والنصرة
د.
محمد اسحق الريفي
مع
اقتراب حماس من تشكيل حكومة
فلسطينية جديدة وبعد تبلور موقف
أمريكي وأوروبي منها تتجه أنظار
الشعوب العربية والإسلامية إلى
حماس وتترقب خطواتها التالية
وطريقة تعاطيها مع الضغوط
الهائلة التي تواجهها وكيفية
تصديها للتحديات المحلية
والإقليمية والعالمية الظالمة،
وللأسف تتسم مواقف كثير من
العرب والمسلمين تجاه تلك
التحديات بالسلبية ربما بسبب
عدم وضوح دور تلك الشعوب في نصرة
القضية الفلسطينية وأهمية هذا
الدور في مواجهة الهجمة الشريرة
على الأمة العربية والإسلامية.
لقد
وصل الحال ببعض أبناء الأمة إلى
حد الإحباط واليأس من قدرة حماس
على الاستمرار في برامجها
والوفاء بتعهداتها التي على
أساسها حصلت حماس على ثقة الشعب
الفلسطيني وتأييده فأخذوا،
بقصد وبغير قصد، يثيرون الأسئلة
التشكيكية التي من شأنها أن
تثبط الهمم وتثير البلبلة وتعطل
إدراك شعوبنا لطبيعة الصراع
والأدوار المنوطة بها
وواجباتها نحو الشعب الفلسطيني
الذي يجاهد من أجل كرامة وعزة
الأمة ويتصدى لألد أعداء شعوبنا
العربية والإسلامية.
وكان
الأولى بشعوبنا أن تجتهد في
معرفة دورها في هذه المرحلة
الحرجة من حياة الأمة وأن تقوم
بواجبها لإنجاح المشروع
الإسلامي لحماس وتعزيز صمود
الشعب الفلسطيني في مواجهة
القوى العالمية المناهضة
لحقوقه بدلا من الانشغال بتلك
الأسئلة المثبطة، ولو تأملنا في
حقيقة الصراع الذي يدور في
فلسطين لأدركنا أنه يستهدف
الشعوب العربية والإسلامية،
فالولايات المتحدة الأمريكية،
التي تقدم كل أنواع الدعم
للكيان الصهيوني، تسعى جاهدة
إلى تكوين إمبراطورية شريرة على
أنقاض حضارتنا وديننا بعد تمزيق
بلادنا وأوطاننا لتسد علينا
الطريق نحو نهضة أمتنا
الإسلامية وانبعاث حضارتها بعد
وصول الحضارة الغربية إلى
نهايتها الحتمية من الانحطاط
والانهيار.
وهذا
يلقي بمسؤولية عظيمة وتبعات
ثقيلة على شعوبنا ويحتم علينا
جميعا العمل، بقوة وبوعي
وإخلاص، لإنجاح نموذج حماس
والاقتداء به وتنظيم فعاليات
وبرامج شعبية في كل أقطار
العالم العربي والإسلامي لدعم
صمود الشعب الفلسطيني في كل
المجالات، ومما يجعل نموذج حماس
مؤهلا للنجاح وأهلا لدعم الشعوب
العربية والإسلامية أن حماس قد
وصلت إلى السلطة بطريقة نظيفة
وقوية وأنها تحظى بتأييد شعبي
كبير وأن صراعها مع الاحتلال
واضح المعالم لا لبس فيه ولا
مجال فيه للخلافات التي تؤدي
إلى إضعاف قدرة شعبنا على
مواصلة مسيرته الطويلة من أجل
التحرير، أضف إلى هذا أن فلسطين
تحظى بمكانة عظيمة ومقدسة في
قلوب سائر العرب والمسلمين.
وعلى
شعوبنا أن تعي جيدا أن الكيان
الصهيوني هو مشروع غربي صهيوني
يستهدف كل الدول العربية وأن
هذا الكيان الغريب لا يسعى أبدا
إلى السلام العادل الذي يعيد
الحقوق والأرض لأصحابها
الشرعيين، والممارسات
الصهيونية ضد شعبنا الفلسطيني،
والتي تتمثل في استمرار
الاستيلاء على الأرضي وتهويد
القدس واستمرار القتل
والاغتيال والاعتقال ...، تؤكد
ذلك تماما، بل إن الصهاينة
يدركون تماما أن دولتهم، التي
ما هي إلا قاعدة عسكرية زرعها
الغرب في قلب الأمة العربية، هي
جسم سرطاني لا يتوقف عن النمو
والعدوان والانتشار، فهذا
الكيان يسعى دائما إلى تمزيق
الأمة العربية وقهر شعوبها
ومنعها من أي محاولة للنهوض
مهما حاول التظاهر بأنه يجنح
للسلم ويدعو إلى السلام لأنه لا
يهدف من وراء هذا التظاهر إلا
إلى تحييد شعوبنا عن الصراع
وتهدئتها بل وتخديرها حتى الموت.
ولمواجهة
هذا التحدي الخطير يجب على
شعوبنا أن لا تسأل: ماذا ستفعل
حماس؟ أو كيف ستواجه حماس
التحديات ...؟ ولكن عليها، بدلا
من ذلك، أن تسأل: ماذا سنفعل من
أجل إنجاح حماس؟ و كيف سنواجه
التحديات ...؟ وحتى تستطيع
شعوبنا الإجابة على هذا السؤال
عليها أن تسعى لحل مشاكلها
الذاتية، التي أنهكت أمتنا
وجعلتنا هدفا لأطماع المعتدين
من الأمم الأخرى وصيدا ثمينا
لها، بدلا من إثارة الشكوك حول
قدرة حماس على تخطي محاولات
تقويضها، بينما يقف الكثيرون من
أبناء شعوبنا موقف المتفرج
والمراقب عن بعد.
وتنتصر
حماس في هذه الجولة الجديدة من
الصراع بصمودها وبقائها قادرة
على مواصلة مسيرة الجهاد
والمقاومة ضد الاحتلال
والعدوان بكل أنواعه، وبنجاحها
في تجنيد وتوظيف مقدرات شعوبنا
وطاقاتها لمواجهة الضغوط
والتحديات الجسيمة التي تواجه
العرب والمسلمين، وبقدرتها على
النفاذ إلى العمق العربي
والإسلامي الشعبي وشد العرب
والمسلمين إلى مشروع إسلامي
عالمي يعيق تقدم المشروع
الأمريكي الاستعماري ويعمل على
استيعاب كل جهود شعوبنا
وإمكانياتها وتوجيهها لصد
الهجمة الشرسة على الإسلام
والمسلمين.
ويمكن
لشعوبنا أن تنصر حماس وتعمل على
إنجاح مشروعها إذا ما تحولت إلى
طرف فاعل في الصراع مع الأعداء،
وبمقاومتها الواعية لكل
محاولات احتوائها سياسيا
واستخدامها أداة لإضفاء
الشرعية على الأنظمة التي تخدم
مصالح الولايات المتحدة
الأمريكية، وكذلك بتقديمها
الدعم الإعلامي والسياسي
والاقتصادي لحكومة حماس والشعب
الفلسطيني، وعلى مفكري ومثقفي
هذه الأمة أن يعملوا على حشد
الطاقات والجهود الشعبية لدعم
الشعب الفلسطيني وتوعية الشعوب
بمسؤوليتها تجاه فلسطين وكشف كل
الممارسات الغربية العدائية ضد
الشعب الفلسطيني وكل شعوب أمتنا.
وعلى
الدعاة والعلماء والمفتين
المسلمين أن يعملوا بإخلاص على
تكوين رأي عام عربي وإسلامي
إيجابي تجاه حماس بعيدا عن
الخلافات في الرأي التي تجعل
الحليم من أبناء أمتنا حيرانا،
والقاعدة الذهبية في ذلك أن
نترك كل الخلافات الفقهية
والسياسية التي تؤدي إلى تقاعس
الشعوب عن أداء واجبها ولا تؤدي
إلا إلى زيادة التشرذم
والانقسام الذي تعاني منه الأمة
وإلهاء الشعوب بتلك الخلافات،
مع العلم أن ما يمكن أن نلتقي
عليه من الأهداف يكفي لتوحيد
الأمة واستيعاب كل طاقاتها
ونهوضها وصدها للهجمة الغربية
الغادرة، فما قيمة الاختلافات
إن كانت تحلق الدين وتوهن الأمة
وتزيد المآسي والمصائب؟!
وما
يعزز قدرة حماس على اجتياز
صعوبات هذه المرحلة امتلاك
شعوبنا لوعي مستنير وإيمان متين
ولرؤية واضحة لطبيعة الصراع مع
الأعداء تنأى بهم عن النظرة
السطحية للأمور والاستعجال
وردود الأفعال المبنية على
العاطفة وقصر النظر واختزال
الصورة فقط فيما يبدو منها
لعامة الناس وبسطائهم، إن دخول
حماس في المعترك السياسي كان لا
بد منه لحماية إنجازات الشعب
الفلسطيني وتعزيز صموده وحماية
المقاومة، وقد بدأ النيرون من
أبناء الشعب الفلسطيني يلمسون
إيجابيات العمل السياسي الذي
فتح آفاقا جديدة واسعة أمام
حماس والشعب الفلسطيني نحو
التحرير وأضاف بعدا جديدا في
مسيرة الجهاد والمقاومة
بحمايتها من محاولة تجريدها من
سلاحها وقوتها.
وأمتنا
الإسلامية لا تزال بخير وقادرة
على مواجهة التحديات، فلقد
أثبتت هذه الأمة، رغم جراحها
الكثيرة والبليغة، أنها قادرة
على تقديم التضحيات الجسام
والانتصار لحقوقها ومقاومتها
للعدوان والاحتلال وتفاعلها
السليم مع قضاياها المصيرية إذا
ما وعت أمورها ومشاكلها بشكل
جيد، ولهذا جابهت أمتنا بقوة
الطعن في شخص سيد الخلق وإمام
الأنباء والمرسلين رسول الله
محمد، صلى الله عليه وسلم، وذلك
لأن قضية الطعن واضحة ولا يوجد
لها إلا تفسيرا واحدا رغم
محاولة الكثيرين تفسيرها على
غير وجهها الصحيح.
أما
بالنسبة لقضايا أخرى مثل الحرب
على العراق فكان هناك لبس في فهم
طبيعة هذه الحرب الظالمة
وأهدافها وأسبابها فانقسمت
شعوبنا في مواقفها تجاهها وردة
الفعل عليها، وكذلك الحال في
فلسطين، فعندما استعدت حماس
لخوض الانتخابات بدأت قوى الشر
والمؤامرة في إثارة الشبهات
لتشتيت الرأي العام العربي
والإسلامي ولخلق بلبلة مثبطة
ومربكة للشعوب، ولكن بمجرد أن
ظهرت الأمور على حقيقتها وتوحد
معظم الشعب الفلسطيني خلف حماس
ومنحها ثقته رأينا كيف ازداد
دعم الشعوب العربية والإسلامية
لحماس وتعاظم تضامنها معها في
وجه حملة الترويع والترهيب التي
شنها أعداء شعوبنا من
الأوروبيين الغربيين
والأمريكيين.
لذلك
فإن الأعداء دائما يحاولون
إلهاء شعوبنا بخلافات وآراء
متضاربة وأفكار سطحية وشبهات
مغرضة لثني هذه الشعوب عن تكوين
رأي موحد والقيام بحركة منتظمة
والتوصل إلى فكر انسجامي تجاه
أهداف موحدة تلتقي عليها معظم
فئات شعوبنا، وهذا ما يفعله
الأعداء الآن حيال الهجوم
الدنمركي الوقح ضد الإسلام
والمسلمين حيث استطاع الغرب أن
يوقع ببعض المفكرين المسلمين
ويوظفهم لتشتيت الجهود
الإسلامية وإحداث بلبلة
وانشقاق في الإجماع الإسلامي
وإلهاء شعوبنا بخلافاتها
المعتادة بين مؤيد لهذا الشخص
ومعارض لذاك بدلا من التركيز
على القضية الرئيسة التي لا
تزال تهيننا في ديننا
ومعتقداتنا ومقدساتنا.
ومما
يحيي الأمل في النفوس ويبعث على
الارتياح ويؤكد أن شعوبنا بدأت
في الانتباه لخطط الأعداء في
تشتيتنا ووعت الدرس جيدا أنه،
ورغم كل المحاولات الماكرة
والدهاء الغربي، استطاعت
شعوبنا، إلى حد ما، إفشال بنود
الأجندة الأمريكية الخاصة
بمنطقتنا وعملت على تقهقر
المشروع الأمريكي للشرق الأوسط
الكبير وأصابت الإدارة
الأمريكية والمحافظين الجدد
الأمريكيين والصهاينة بإحباط
كبير، ما جعل الإدارة الأمريكية
تتشبث بالأنظمة الحاكمة وتعمل
على ترميمها وإضفاء الشرعية
السياسية لها بالسماح للحركات
الإسلامية واسعة الانتشار في
العمل السياسي المحدود التأثير
والفعالية، ولكن هذه الحركات
الإسلامية المخلصة قادرة على
مواجهة هذا الاحتواء وإفشال
المخططات الأمريكية.
وشعوبنا
قادرة بعون الله على الإجهاز
على المشروع الأمريكي على المدى
البعيد إذا ما قامت بتحسين
أداءها في نصرة قضايا أمتنا
وخاصة القضية الفلسطينية،
ويعلم الله كم سيلحق بشعوبنا من
إحباط إن فشلت حماس في مشروعها،
معاذ الله، فانتصار حماس هو نصر
لكل العرب والمسلمين وبداية
لعهد جديد من الانتصارات وتحقيق
الطموح والتطلعات، وما ذلك على
الله بعزيز.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|