بشار
الأسد والأحزاب العربية :
جَاهلٌ
يَحكي ومُتجاهلٌ يَسمع
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
جلس
بشار وراء منصّة المؤتمر،
مصدّقاً نفسه، بأنه رئيس دولةٍ
كانت في يومٍ من الأيام بلد
الأمويين، وعرين الفاتحين
الذين فتحوا الدنيا وعَمَروا
الأرض من مشارقها إلى مغاربها..
وجلس أمامه ممثلو عَشرٍ ومئة،
من أحزاب الأمة العربية
المخدوعين به وبنظامه الظالم !..
قال
لهم متنطِّعاً : لقد رفضنا الحرب
على العراق وحذّرنا من نتائج
الغزو..
فصفّق الحاضرون، لأنّ ذاكرتهم
لم تسعفهم بمثول الحقيقة التي
تقول : إنّ بشاراً هذا ونظامه،
قد وافق على كل قرارات مجلس
الأمن الخاصة بالعدوان على
العراق : قبل غزوه وبعده، وأنّ
ما يُظهره نظامه الباطني، هو
غير ما يُبطنه.. ولم يتذكّر أحد
من الحاضرين، آلاف السوريين
والعرب الذين قبضت عليهم أجهزة
النظام، بحجة سعيهم للدفاع عن
العراق، وما يزال بعضهم داخل
جدران سجون بشار ونظامه !..
قال
لهم : إنّ العراق يشكو من مخاطر
الطائفية نتيجة الاحتلال.. فصفّقوا
له.. ناسين أنّ نظامه هو أول وآخر
نظامٍ عربيٍ يتعامل مع شعبه
تعاملاً طائفياً، وأنّ حليفه
الاستراتيجي الإيراني.. هو وراء
كل ما يجري من طائفيةٍ دمويةٍ في
العراق، ووراء كل تعميقٍ للفرقة
الطائفية هناك، عن طريق ما يسمى
بالحرس الثوري الإيراني
وأتباعهم، من الذين صَدّرتهم
الجارة الفارسية إلى العراق،
لإشعال نار الفتنة الطائفية
والإثنية لصالح الفرس !..
قال
لهم : إنهم يقتلون علماء العراق،
لأنّ العراق هو من أغنى الدول
العربية بالعلماء..
فصفّقوا له.. متجاهلين أنّ فِرَق
الموت التي تقوم بهذه الجرائم
في العراق.. ليست إلا صناعةً
إيرانيةً صهيونية : تدريباً
وتحريضاً وتسليحاً وتنفيذاً..
وكل رياحها وسمومها تهبّ من جهة
حليفه الطائفيّ الاستراتيجيّ
الإيرانيّ.. ومتجاهلين كذلك،
أنّ هذا النظام الكذاب، قد سلّم
بعضاً من علماء العراق الذين
لجأوا إلى سورية.. سلّمهم إلى
القوات الأميركية المحتلة، ولم
يستثنِ من تواطؤه هذا حتى
النساء العراقيات، لتبييض
صفحته مع أميركة، كتسليمه
العالمتين العراقيتين : هدى
عماش، ورحاب طه !..
قال
لهم : إنّ العرب لم يكتشفوا صحة
المواقف السورية إلا بعد فوات
الأوان..
ودلّل على ذلك بموقف نظامه
المنحاز للفرس ضد العرب
العراقيين طوال ثماني سنوات
الحرب العراقية الإيرانية،
التي اشترك
نظامه خلالها في قتل
العراقيين وحصارهم ومَدّ
عدوّهم الفارسي الإيراني
بالرجال والسلاح والخبرات
والدعم اللوجستي.. فصفّقوا له،
معتبرين أنّ انحيازه للعدو
الفارسي الذي كان وما يزال
يهدّد المنطقة، بتصدير ثورته
الشوهاء المنحرفة إلى بلدان
العرب والمسلمين.. معتبرين ذلك..
من أولويات الوحدة العربية،
التي يتاجر بها نظامه، رافعاً
شعاراتها الجوفاء التي ثبت
زيفها وتهافتها !..
قال
لهم : إنّ من إنجازات نظامه التي
يفخر بها.. هو الاصطفاف إلى جانب
أميركة وقواتها في حرب الخليج
الثانية.. فصفّقوا
له، غير عارفين أنّ مجيئهم إلى
دمشق.. كان تحت شعار : (الممانعة
لأميركة)، التي تَحالف معها
نظامه ضد الشقيق العراقيّ، وما
تزال الآثار السيئة لذلك
العدوان السافر سارية المفعول
في العراق، منذ خمسة عشر عاماً
حتى الآن، أي منذ اصطفّت قوات
نظام الأسد إلى جانب قوات
أميركة وبريطانية وفرنسة،
لتدمير العراق بحجّة تحرير
الكويت !..
قال
لهم : إنه يدعم المقاومة
الفلسطينية، ويُثني على
المقاومة العراقية، ويحمي
المقاومة اللبنانية..
فصفّقوا له.. وكأنهم لا يدرون
أنّ الجولان السوريّ المحتل، قد
سلّمه نظامه للصهاينة بلا قتال،
وأنّ جبهته مع العدو الصهيوني
ما تزال هادئةً تماماً، وأنه لم
ينطلق منها أو إليها أية بادرةٍ
من بوادر المقاومة، حتى لو كانت
طلقة مسدس.. وذلك منذ ثلث قرنٍ
فحسب !..
قال
لهم : إننا سنلتزم بالداخل
وبشعبنا، لأنّ ذلك ضمانة
للصمود، ولا يهمّنا الخارج..
فصفّقوا له.. غاضّين الطَرْفَ عن
مئة ألف شهيدٍ سوريّ، راحوا
ضحية القمع والدكتاتورية التي
مارسهما نظامه (وما يزال) ضد
شعبه، أربعون ألفاً منهم خلال
مجزرةٍ واحدةٍ في حماة..
ومتجاهلين أنّ سورية تكاد تكون
البلد العربيّ الوحيد الذي يعيش
بلا أحزاب حقيقية، نتيجة فرض
دستور الحزب الواحد القائد (حزب
البعث).. وأنّ القمع والاستبداد
والقهر والظلم والنهب والفساد
الداخلي لبشار وعصابته الحاكمة
من أسرته وذويه.. قد بلغ مبلغاً
لا يُطاق.. وأنّ عشرات الآلاف من
السوريين ما يزالون مفقودين في
سجونه، لا يُعرَف هل هم في عِداد
الأحياء أم الأموات.. وأنّ
الجبهة الداخلية السورية لم
تمرّ بحالةٍ من السحق والترهّل
والضعف، كما هي عليه الآن في ظل
نظامه المتخلف القمعيّ الدمويّ..
وأنّ مؤتمرهم العتيد، ينعقد قبل
أربعة أيامٍ فحسب، من الذكرى
الثالثة والأربعين لفرض قوانين
الطوارئ والأحكام العُرفية،
التي ما تزال ساريةً حتى الآن
سيفاً مسلطاً على رقاب السوريين
!..
قال
لهم : إنّ كرامة النظام من كرامة
المواطن..
فصفّقوا له.. ناسين أنّ المواطن
السوريّ أصبح في عهد نظامه
الجائر.. بلا كرامة، وأنّ هذا
النظام المستبدّ ما يزال يحكم
في سورية بالقوانين
الاستثنائية، كقانون العار رقم
49 لعام 1980م، الذي يحكم بالإعدام
على كل من ينتمي إلى الحركة
الإسلامية.. مجرّد الانتماء!..
قال
لهم : نستنكر الحملات الغربية
التي يسخرون فيها من الإسلام
ومن الرسول صلى الله عليه وسلم.. فصفّقوا له.. ولا
يعلمون بأنّ زبانيته وجلاّديه
في السجون السورية، ما يزالون
يسبّون رسولنا صلى الله عليه
وسلم، ويشتمون الذات الإلهية،
لإغاظة السجناء المسلمين
وإهانتهم.. ولا يعلمون بأنّ
نظامه كان سبّاقاً، في حربه على
الحجاب الإسلامي منذ ربع قرنٍ
فحسب، وفي تمزيق المصحف الشريف
على أيدي جلاوزته، الذين داهموا
المساجد وانتهكوا حُرُماتها،
وداسوا كرامة روّادها
وأرهبوهم، ضمن نهجٍ منظّمٍ
ثابتٍ مُسَخَّرٍ ضد الإسلام
والمسلمين !..
قال
لهم : يجب أن تقوموا بتوعية
المجتمع على عدم الانتقام
الأرعن من أصحاب الحملات
الغربية على الإسلام..
فصفّقوا له.. متجاهلين أنّ
رعاديده وعناصر مخابراته.. قد
أحرقوا بعض السفارات الغربية في
دمشق وبيروت منذ أسابيع عدةٍ
فحسب.. قبل زعمه وتنظيره هذا،
وضَحِكِه على الذقون !..
قال
لهم، ثم قال، وقال.. الكثير من
المتناقضات والتخريفات..
وصفّقوا له، ثم صفّقوا.. عن
يمينه، وعن شماله، ومن أمامه..
إلى أن نصّبوه (فارساً للنضال)،
واعتبروا كلمته (الذهبية) ورقة
عملٍ لهم !.. الأمر الذي دفع جاري
العجوز (أبا أحمد) الذي جلس إلى
جانبي أمام الشاشة، يراقب
الأفعال وارتدادها في قاعة
انعقاد مؤتمر الأحزاب العربية..
دفعه ليسألني :
هل
هذه قاعة مجلس الشعب السوري ؟!..
ولما أجبته بالنفي، وبحقيقة
الاجتماع ومكانه.. قال :
عليهم
من الله ما يستحقون، ألا يعلمون
أنني عربي سوري من مئات آلاف
السوريين، الذين ما نزال منذ
ربع قرنٍ مُهَجَّرين نعيش خارج
وطننا، لا يسمحون لنا، ولا
لأولادنا، ولا لأحفادنا..
بدخوله، للدفاع عنه وبنائه
وتطويره.. جازاهم الله على ما
يفعلون !.. سألته : مَن تقصد ؟!..
أجاب : كل هؤلاء الذين أمامي:
المصفِّقون، والمصفَّق له.. أما
كان الأحرى بهم أن يقاطعوه
لِيُجبروه على احترام حقوق
شعبه، وكلهم يعلمون أنّ الشعب
هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على
سورية وعلى الأوطان ؟!.. كيف
يتوافد هؤلاء جميعاً إلى بلدنا
بحجّة الدفاع عنها ودعمها، وهم
في حقيقة الأمر يدعمون سفّاحيها
وعصابتها الحاكمة الظالمة،
التي هي سبب كل محنتنا ومحنة
بلدنا التي يمرّ بها هذه
الأيام، بل سبب محن العرب كلهم ؟!..
على مَن يضحكون ؟!.. وباسم مَن
يُهَرِّجون ؟!.. هل يتحمّل هؤلاء
المصفّقون أن يصيروا مواطنين
سوريين لأسبوعٍ واحدٍ فقط، في
ظل هذا النظام السفّاح الجائر
الذي يصفّقون له، ويتملّقونه،
ويخطبون ودّه ؟!.. أيريدون أن
يُضَيِّعوا دمشق على يدي هذا
الصبيّ الأبله، بعد أن ضيَّعوا
بغداد ؟!..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|