حماس
ومرحلة توازن الرفض
رسالة
موجهة إلى المجتمعات
الديمقراطية
أ.
د. محمد أحمد الزعبي
مدخل :
فور إعلان نتائج الإنتخابات
التشريعية الفلسطينية مساء
26.01.2006 ، سمعت من على شاشة إحدى
الفضائيات العربية أحد الإخوة
القياديين في حركة فتح يشير إلى
أن تاريخ القضية الفلسطينية
برمتها ، سوف ينقسم إلىمرحلتين:
مرحلة ماقبل يوم 25 . 01 . 2006 ،
ومرحلة ما بعده . أي أن النجاح
الكبير الذي حققته حركة حماس ،
مقارنة ببقية الفصائل
الفلسطينة ، بما فيها حركة فتح
يعتبر ـ وفق هذا الرأي ـ نقلة
مفصلية ونوعية في تاريخ القضية
الفلسطينية ، ولا سيما منذ قيام
السلطة الوطنية الفلسطينية
استنادا إلى اتفقيات أوسلو مع
منظمة التحرير الفلسطينية عام
1993.
وأيضا فور إعلان نتائج
الإنتخابات التشريعية إياها ،
قام الكاتب باستطلاع هاتفي لرأي
بعض الأصدقاء من السياسيين العرب
المهتمين ـ حتىالنخاع ـ بالشأن
الفلسطيني ، ولا سيما
بالإشكالات الداخلية والخارجية
( الفلسطينية والعربية
والدولية)التي واجهتها و
تواجهها انتفاضة الأقصى
الباسلة منذ اندلاعها قبل خمس
سنوات ، ولقد كانت مفاجئة
الكاتب إن هؤلاء الأصدقاء قد
أبدوا تحفظهم حيال هذه النتائج
، وذلك من منطلق مفاده : هل يمكن
أن تجري إنتخابات
ديمقراطية حقيقية في ظل
الإحتلال ؟! ، ولماذا أصرّ
مهندسا أوسلو(..)على إجرائها قبل
أن تقوم حركة فتح بمعالجة
انقساماتها الداخلية ؟! ،
ولماذا يكون الإحتلال
الإسرائيلي لفلسطين مختلفا عن
الإحتلال الأمريكي للعراق ، حيث
كان جورج بوش يشرف بنفسه على
العملية الإنتخابية من ألفها
إلى يائها ، ويرتب نتائجها بما
يخدم المحتلين وعملائهم ؟!.
أكثر من هذا ، فلقد رغب إليّ
بعض هؤلاء الرفاق/ الإخوة
ألاّ اكتب / أنشر شيئا الآن ،
بانتظار الأيام أو الأسابيع
القليلة القادمة ، حيث سيتبين
الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر .
وفي صحيفة دنيا الوطن
الإلكترونية التي تصدر من غزة ،
قرأ الكاتب أن حركة حماس قد عرضت
رئاسة مجلس الوزراء على الدكتور
سلام فياض ، الذي اشترط لقبولها
:
1. قبول حماس التفاوض مع
إسرائيل ،
2. حل الكتائب المسلحة
وإدخالها في أجهزة الأمن
،
3. الإعتراف بإسرائيل لضمان
دعم مالي دولي . "
وهي كما يلاحظ القارئ الكريم
نفس الشروط الأمريكية
والإسرائيلية والأوروبية ،
للتعامل مع حماس ، والإبقاء على
تقديم السند المالي إليها ،
والذي بدونه تتوقف عجلة السلطة
الفلسطينية الأوسلوية عن
الدوران .!!
وانطلاقا من هذا الوضع
الإشكالي الجديد ، عاد الكاتب
إلى دراسة سبق له أن كتبها عام
2001 حول إفرازات
مؤتمر مدريد 1992 وقبله
قمة فاس العربية عام 1974 التي
اعتبرت أن ( م ت ف ) هي الممثل
الشرعي والوحيد للشعب
الفلسطيني ، والتي كان أبرزها ـ
اي الإفرازات ـ وأكثرها
تأثيرا سلبياً بتاريخ القضية
الفلسطينية هو اتفاق أوسلو .
ورأى الكاتب أن
الجزء المتعلق بالقضية
الفلسطينية من هذه الدراسة ،
إنما يجيب على كثير من
التساؤلات التي طرحها أو يمكن
أن يطرحها العديد من المهتمين
بنتائج انتخابات 25 / 01 / 2006 ، التي
اعتبرها العديد من المحللين
السياسيين حدثا ديمقراطيا غير
مسبوق في الوطن العربي ، ولكنه
بنفس الوقت حدث على درجة من
التعقيد والخطورة
بحيث يصعب على من يرى
النتيجة التي انبثقت عن صندوق
الإقتراع اليوم ، أن يتصور ماذا
يمكن أن يحدث غدا ،
وخاصة في ظل هذا الوضع العربي
والإسلامي الرديء ، الذي تمخض
جبله الضخم عن اتفاقية أوسلو
، التي باتت بعد مرور أكثر
من عقد على فشلها المتواصل
والمتراكم ، تمثل ـ وهذا مع
الأسف الشديد ـ
الشر الذي لابد منه ،
وبتعبير محمود
درويش " ماأكبر الفكرة ،
ماأصغر الدولة " .
1.
تمثل نكسة / هزيمة حزيران 1967
المحطة الكبيرة الثانية في
سلسلة هزائم الأنظمة العربية
أمام إسرائيل ، بعد هزيمتها
الأولى عام 1948 ، والتي ترتب
عليها قيام " دولة إسرائيل
" . لقد أفرزت هاتان الهزيمتان
، ولا سيما هزيمة حزيران 1967 ،
نتائج سلبية عانت وتعاني وستظل
تعاني منها الأمة العربية عامة
والشعب الفلسطيني خاصة إلى أمد
غير منظور ( علما أن انتصار عام
1973 الساداتي الجزئي ، لم يقلل من
هذه النتائج السلبية إن لم يكن
قد فاقمها عمليا ) أبرز هذه
النتائج السلبية ـ من وجهة نظر
الكاتب ـ مايلي :
ـ انتعاش القوى الرجعية
العربية ،وتمتين علاقاتها
الظاهرة والمستترة مع الولايات
المتحدة وإسرائيل .
ـ ظهور
حركة ارتداد واسعة لدى الأنظمة
وبعض القوى المجتمعية العربية
عن المبادئ القومية عامة وعن
القضية الفلسطينية خاصة ، حيث
تجلّى هذا الإرتداد بظهور
الساداتية في مصر بعد وفاة
الرئيس جمال عبد الناصر 1970
والتي انتهت باتفاقية
كامبديفد ، وبتطبيع العلاقات
السياسية والإقتصادية
والثقافية مع إسرائيل ، أي
عمليا خروج
أكبر دولة عربية من معادلة
الصراع مع الإحتلال الصهيوني ،
وبظهورماسمي بالحركة التصحيحية
لحافظ الأسد في
سورية 1970، والتي انتهت
بدورها في تل عنتروجبل الشيخ و
حفرالباطن و مدريد وواشنطن
وبيروت!.
والتي
تصب كلها ـ عمليا ـ سواء بصورة
مباشرة أو غير مباشرة في طاحونة
كامبديفد .
ـ اتساع التيارالتصفوي
الداعي إلى الإعتراف بإسرائيل ،
ليصل إلى حركة
فتح ، التي تأسست عام 1965 أصلا لتحرير
فلسطين المحتلة ، وليس لتحرير
الضفة الغربية لنهر الأردن التي
كانت آنذاك جزءا من الكيان
الأردني ولا
لتحرير قطاع غزة الذي كان يومها
جزءا من مصر ، والتي قامت ـ أي
حركة فتح ـ بتعديل ميثاقها
الوطني ومعه
ميثاق منظمة التحريرالفلسطينية
، لكي ينسجما مع الموقف الجديد
للحركة ، بل إن موافقة المرحوم
أبو عمارعلى قرارقمة فاس عام 1974
باعتبار منظمة التحرير
الفلسطينية هي الممثل الشرعي
والوحيد للشعب
الفلسطيني ، إنما كان في
إطارهذا التحول في أيديولوجية
قيادة فتح( وبالمعية م ت ف) والذي
كان وما يزال يقوده ويرعاه
ـ أي التحول في موقف حركة فتح ـ العناصر
الأوسلوية المعروفة
، ولا سيما بعد وفاة الرئيس
المناضل ياسر عرفات علما أن هذا
التحول قد أدى إلى انقسام تينك
المنظمتين وإضعافهما داخليا
وخارجيا ، الأمر الذي ظهرت آثاره
العملية في نتائج الإنتخابات
الأخيرة ، التي قال فيها الشعب
الفلسطيني بملء الفم ( لا )
لأوسلو وأتباعها .
إن موقف الشعب الفلسطيني في
الضفة والقطاع من حركة فتح
في هذه الإنتخابات
التشريعية ، ليس سببه كما يحلو
للبعض ان يقول هوالفساد المالي
المتفشي داخل مسام السلطة فقط ،
إنما سببه الأساسي هوالفساد
السياسي الذي تمثل
في فشل سلطة أوسلو في تحقيق أي
مكسب سياسي أو اقتصادي هام
للشعب الفلسطيني طوال سني
المفاوضات العبثية العشر ،
اللهم إلا من بناء عشرات
المستوطنات الإسرائيلية
الجديدة في الضفة والقطاع
،وآلاف الشهداء ومئات الألوف
من المصابين والمعاقين
واليتامى والأرامل ، ناهيك عن
العشرة آلاف أسيرمن المناضلين
من مختلف الفصائل وعن
تجريف إسرائيل
الهمجي والوحشي للحجر
( البيوت السكنية ) والشجر ، على
مدار الساعة .
2.
لقد كان وصول أنور السادات
إلى سدة الحكم في مصرعام 1970 ،
ووصول حافظ الآسد إلى سدة الحكم
في سورية
أيضا عام 1970 ،إيذانا بشروع
النظام العربي الرسمي الدخول في
عملية التطبيع مع إسرائيل ،
ولكن عبر سلسلة
طويلة ومدروسة جيدا من
المناورات السياسية والعسكرية
والإقتصادية التي ماتزال
مستمرة منذئذ وحتى اليوم و التي
جندت ( بالضم ) لها معظم ـ إن لم
نقل كافة ـ وسائل الإعلام
العربية والعالمية ، من أجل
تزييف الوعي والتاريخ العربي
والإسلامي والقبول بمماهاة
الإحتلال والتطهير العرقي ورفض
حق تقرير المصير للشعب
الفلسطيني وكسر عظام أطفاله
وانتهاك حقوقه ( حقوق الإنسان )
بكلمة السلام ( يا سلام !! ) .
3.
إن مقولة الأرض مقابل السلام
، التي مثلت وتمثل الغطاء
الأيديولوجي لما يسمى بعملية
السلام ،هي من أكثرشعارات
عملية التسوية مغالطة
وتضليلا ، لأنها تنطوي على
تزوير فاضح للتاريخ والواقع
مفاده :
ــ القبول
الضمني بمقولة " أرض الميعاد
" الصهيونية
الزائفة ،
سواء أ كان ذلك بوعي أو بدونه ،
ــ تحويل الصراع العربي
الإسرائيلي من صراع وجود إلى
صراع حدود ،
أي من صراع قومي من أجل
تحرير
فلسطين من الإحتلال
الإسرائيلي ، إلى صراع قطري من
أجل تحرير الأرض المحتلة عام 1967
( سيناء ، الجولان
مزارع شبعة ، الضفة الغربية ،
قطاع غزة ، ولاحقا جنوب لبنان ) ،
بما يعنيه ذلك من التخلي عن
البعد القومي للقضية
الفلسطينية ، وبالتالي عن فكرة
الوحدة العربية
ذاتها .
ــ فرض
الإعتراف بإسرائيل على العرب
فرضا بقوة السلاح ، وقوةالأمر
الواقع ، بل وإلزامهم بالتطبيع
السياسي والإقتصادي والثقافي
معها ومع الغرب عامة والولايات
المتحدة الأمريكية خاصة .
ــ إحلال
الشكل محل المضمون في مسألة
الإنسحاب الإسرائيلي من
الأراضي المحتلة عام 1967 ، من حيث
أن
الإنسحاب الإسرائلي
كان في سيناء ( وفق معاهدة
كامبديفد ) وحول ضفتي نهر الأردن
( وفق اتفاقية وادي عربة )
مشروطا بترتيبات أمنية ، تنهي
الإحتلال الإسرائيلي من حيث
الشكل وتبقيه من حيث المضمون .
ــ إنهاء
منظمة التحرير الفلسطينية ،
ووقف المقاومة المسلحة ( التي
بات مايسمى بالمجتمع الدولي
يطلق عليها صفة الإرهاب ) ،
مقابل نوع مخفف أوموسع من الحكم
الذاتي الذي يمكن للفلسطينيين
أن يطلقوا عليه إسم "
إمبراطورية"
إذا شاؤوا ، وذلك على حد تهكم
أحد القادة الإسرائيليين
الكبار . إن ماتقدمه سلطة أوسلو
من قيود ومن شروط على حركة حماس
بعد نجاحها في الإنتخابات
الأخيرة ، إنما يعني واقعيا وضع
حركة حماس ، وبالتالي 60 % من
الشعب الفلسطيني أمام خيار
واحد ، وهو إما
القبول باتفاقيات اوسلو ،
وإما العودة إلى مساجدهم صامتين
!!.
ــ والأهم
من هذا كله ، أن هذا الشعار
ينطوي على خلف منطقي مفاده أن
الأرض التي احتلتها إسرائيل في
حرب 1967 ، باتت كما لو أنها أرضا
إسرائيلية تريد أن تمنحها
إسرائيل للدول العربية مقابل
الثمن الدي تفرضه عليهم!
4.
وبدورها فإن مقولة السلام
العادل والشامل لاتقل تضليلا
وتدليسا عن مقولة الأرض مقابل
السلام ، ذلك أن السلام العادل
والشامل لايقوم إلاّ بين
متساوين في القوة المادية
والمعنوية ، وهو أمر غير قائم
الآن لابين الفلسطينيين
والإسرائيليين ولا حتى بين
الإسرائيليين(المدعومين من حلف
الأطلسي)والعرب
جميعا(المدعومين من أنظمتهم
الفاسدة والمتواطئة !) .
إن كافة المؤشرات التي شهدتها
وتشهدها الساحة العربية منذ 1967
ـ إن لم نقل منذ 1948 ـ وحتى
الآن( 2006 ) تؤكد أن مسيرة
كامبديفد ووادي عربة و مدريد
وأوسلو وواشنطن وشرم الشيخ لم
ولن تؤدي إلى أي سلام ، حتى
ولوأطلقنا عليه تدليسا إسم
"سلام الشجعان" ، وذلك :
ــ
لأن عملية التسوية الجارية
منذ 1967 ( القرار 242 والقرار 338 )
إنما تقوم على أساس فاسد فرضته
الهيمنة الأوروـ أمريكية على
وطننا العربي
في الحرب العالمية الأولى (
سايكس ـ بيكو ) وفي الحرب
العالمية الثانية
(
قيام إسرائيل ) ، ومن الطبيعي أن
يكون كل مابني على فاسد هو
بالضرورة فاسد أيضا .
ــ
لأن المهزومين في حروب 1948 ،
1967 ، 1973 ، 1978 ، 1982 ، 2003 ، هم الذين
يقودون ويحمون هذه المسيرة
السلمية ! بدلا من ان يكونوا
أمام القضاء العادل يلقون جزاء
مااقترفت أيديهم
من أخطاء وخطايا كانت السبب
في هذه الهزائم .
ــ
لأن الأنظمة التي تقود هذه
العملية ، هي أنظمة غير منتخبة
وبالتالي غير شرعية
لاشكلا ولا موضوعا . إنها
أنظمة مفروضة بقوة العشيرة أو
الطائفة أو الدبابة
أو الدولار
أو الأجنبي ( الغزو الأمريكي
للعراق ) .
ــ لأن
هذه العملية تتم في ظل اختلال
كامل في ميزان القوى العسكري
والسياسي والاقتصادي بين طرفي
الصراع
ومن الطبيعي أن
ينعكس هذا الإختلال في
ميزان القوى ، على
النتيجة العمليه لهذا
الصراع .
ــ لأن
هذه العملية تقوم على أساس تصور
خاطئ لدور محايد للولايات
المتحدة وأوروبا
في رعاية هذا الصراع
( المفاوضات ) ، وغني عن القول
أن مثل هذا التصور لايعدو أن
يكون ساذجا أو مشبوها .
ــ لأن
عملية التفاوض تتم في ظل تعتيم
وتضليل وتدليس إعلامي كامل ،
بحيث لايعلم المواطن العربي
عامة
والفلسطيني خاصة مايجري في
الكواليس ، وليس من أحد مستعد
لسماع رأيه .
ــ
لأن هذه العملية التفاوضية
تتم في جو تنعدم فيه القيم
والأخلاق ، حيث أصبح الدفاع عن
الوطن إرهابا والتعاون
مع الأجهزة الأمنية للعدو
دفاعا عن الوطن ضد الإرهاب ، حتى
أن أحد جهابذة العرب
دعا الولايات المتحدة
لأن
تتعلم طرق مكافحة الإرهاب من
نظامه العتيد !! .
ــ
لأن هذه العملية تتم في ظل
التغييب الفعلي لمنظمة التحرير
الفلسطينية وللشعب الفلسطيني
في الشتات ، والذ ين سلبتهم
أوسلو حقهم في النضال وفي
الإنتخاب وفي العودة .
ــ
لأن هذه العملية تتم في ظل
وضع دولي انتقالي ( بعد غياب
الإتحاد السوفييتي )،لم تتوضح
معالمه وأبعاده بعد ، وبالتالي
فإن كافة الحلول والتسويات التي
تشهدها هذه المرحلة الإنتقالية
، على الساحتين العربية
والدولية ( البوسنة والهرسك ،
كوسوفو ، الشيشان ، تيمور
الشرقية ، العراق ، ليبيا ،
فلسطين ، إيرلندا ، السودان
,,..الخ ) يمكن ألاّ
تصمد أمام أي تحول جدي في
الوضع الدولي الراهن ، والذي
أخاله قادم لامحالة .
5.
لقد استجدت على مدى القرن
الماضي ،
وفي مفتتح هذا القرن وعلى كافة
المستويات ( الدولي والقومي
والقطري والفلسطيني ) أمور
ووقائع لايمكن تجاهلها أو القفز
من فوقها . ولقد طالت هذه
المستجدات كافة نواحي الحياة
السياسية والإجتماعية
والإقتصادية والسكانية
والعسكرية ، على حد سواء ، الأمر
الذي لابد أن يجد انعكاسه في وعي
الناس في الجتمع العربي ، ومن
ضمنهم الفلسطينيون ،
ويصبحوا ملزمين على أن يتغيروا
هم أيضا ( وعيهم ) مع تغير واقعهم
وظروفهم ، وأيضا الوا قع
والظروف المحيطة بهم . إننا هنا
أمام علاقة جدلية بين الوعي
والواقع ولكن
دون الوقوع في مطب
مسألة الأولوية ، الذي قالت
به الماركسية ، والذي يتعارض
عمليا مع مفهوم الديا لكتيك
نفسه،
ولعل ثمرة هذه العلاقة
الجدلية ، كانت ـ بالنسبة
لموضوعنا ـ هو الموقف
الجديد المطلوب من حركة حماس
قيادة وقواعد ، بسبب ماذكرناه
من مستجدات لابد وأن تجد
انعكاسها الموضوعي في موقف جديد
وخلاّق للشعب الفلسطيني بكل
مكوناته السياسية والاجتماعية
، بما في ذلك حركة المقاومة
الإسلامية ( حماس )
حيال القضية الفلسطينية
،
والذي يمكن أن يتمثل ــ على
مانعتقد ونأمل ــ
بمفاوض فلسطيني من طراز
جديد يجلس على طاولة
المفاوضات واضعا في إحدى
جعبتية كلمة ( نعم ) وفي الجعبة
الأخرى كلمة ( لا
)، ومصمما على الاّ يقدم أية
تنازلات مجانية لإسرائيل ، كما
كانت عليه الحال في ظل سلطة
أوسلو طوال المرحلة الماضية .
إن ما أطلقنا عليه في عنوان
هذه المقالة " توازن الرفض
" بين الجانبين الفلسطيني
والإسرائيلي إنما يشير بصورة
أساسية إلى
رفض التنازل
قوة الحق مقابل عدم تنازل
الطرف الآخر عن حق القوة ، لأن
مثل هذا التوازن في
القوة هو الذي سيؤدي إلى قيام
دولة فلسطينية كاملة السيادة ،
سواء على أساس قرار الأمم
المتحدة رقم 181 لعام
1947 ( قرار تقسيم فلسطين ) ، أو
على أساس قرار مجلس الأمن 242
لعام 1967 ، وإلى
عودة فلسطينيي الشتات
والمخيمات إلى
بيوتهم التي طردوا منها عام
النكبة ، اعتمادا على القرار 194
الصادرعن الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام
1948 . إن قوة الحق عندما تكون
مستندة إلى
شعب شجاع ومضحّ
، رجالا
ونساء وأطفالا ، وإلى قيادة
حكيمة وجسورة ونزيهة ونظيفة
اليد والجيب ، وأيضا قادرة على
إدارة الصراع بنوعيه : السلمي
والمسلح ، وعلى المستويين
الاستراتيجي والتكتيكي مع
إسرائيل بكفاءة عالية واقتدار،
وثقة بالنفس وبالشعب ، فلابد
أن يكتب النصر لها إن عاجلا أو
آجلا .
6.
سيتوجه الكاتب في هذه الفقرة
،إلى إخوتنا الأوروبيين ، الذين
نرضع وإياهم من ذات الحليب
والذي هو ماء البحر الأبيض
المتوسط ،
والذين نتوقع ألا تكون مواقفهم
من قضايانا العادلة متطابقة مع
المواقف الإسرائيلية
والأمريكية
المكشوفة العداء لهذه
القضايا . إن مانأخذه على
جيراننا الأوروبيين ، هو تقارب
مواقفهم من المواقف الإسراـ
أمريكية
في مسألة الكيل بمكيالين
عندما يتعلق الأمر بالصراع
العربي الإسرائيلي . إنهم عادة
مايفاخروننا ،بوصفنا بلدانا
نامية
بالحياة الديمقراطية والحرية
في مجتمعاتهم ، ويطالبوننا
بإلحاح بأن نحذو حذوهم في هذه
المسألة الجوهرية والحساسة
ولكن إذا ماجاءت نتائج تطبيق
هذه الديمقراطية ( الإنتخابات /
صندوق الإقتراع ) ليست على هواهم
، فسرعان مايقلبون لهذه
الديمقراطية والحرية ظهر المجن
، ويطالبون خلاياهم النائمة في
القوات المسلحة بالإنقلاب
العسكري
على هذه النتائج ، وبطبعة
الحال فإنه لن تنقصهم الحنكة
ولا الحكمة في بسط الذرائع
الموجبة لهذا الموقف
الجديد .
لقد حدث هذا في إيران مع محمد
مصدق ( لقد قام مصدق بالسجود
أمام أحد صناديق الإقتراع ،
فلما سأله الحاضرون عن السبب ،
أجاب : إنه صندوق مقدس ، تدخل
ورقة الإقتراع فيه باسم محمد
مصدق ولكنها تخرج منه باسم آخر )
وحدث هذا في الجزائر مع جبهة
الإنقاذ ،وحو يحصل اليوم في
فلسطين المحتلة مع حركة حماس ،
وهذا على سبيل المثال لا الحصر .
دعنا نسأل هنا إخوتنا
الأوروبيين ، ماهي مصلحتهم في
أن يقفوا ضد
رغبات الشعوب العربية
والإسلامية ، وينحازوا
بمواقفهم من جهة إلى الحلف
الإسرائيلي ـ الأمريكي ( نثمن
هنا الموقف الألماني من الغزو
الأمريكي البرطاني للعراق
الشقيق ، الذي كان مضادا لهذا
الغزو ) ، ومن جهة ثانية إلى
الأنظمة الإستبدادية والوراثية
العربية ، علما أن
وقوفهم مع الجماهير والشعوب ،
وبناء علاقات إيجابية معها ،
سوف يعود عليهم بفوائد مادية
ومعنوية ، تفوق بما لايقاس تلك
التي يمكن أن يجنونها من دعمهم
للولايات المتحدة وإسرائيل
وأيضا للأنظمة العربية
الإستبدادية .
لقد أسفرت الإنتخابات
الفلسطينية التشريعية التي جرت
فعليا بصوره نظيفة ونزيهة ( يشكر
الرئيس أبو مازن عليها )
يوم 25. 01. 06 ، بفوز حركة
المقاومة الإسلامية ( حماس )بما
يقارب ال 60 % من مقاعد المجلس
التشريعي الفلسطيني
ال 132 . ومن المؤسف هنا أنه ماإن
ظهرت هذه النتيجة رسميا ، حتى
رأينا زعماء أمريكا وإسرائيل
وأوربا يتبارون في انتقاداتهم
لحركة حماس ، ومطالبتهم إياها
بأن تفعل كذا ، وتلتزم بكذا ،
وتعترف بكذا ..(وإلا)ّ
إن الإشكالية التي نراها هنا
، لاتكمن في أن يطالب الأوربيون
أو غيرهم حما س بكذا وكذا ، فقد
يكون هذا من حقهم
ولكن الإشكالية تكمن في هذه
الـ ( وإلاّ ) التي تعتبر تغريدا
خارج سرب الديمقراطية والحرية .
لقد دخلت الفصائل الفلسطينية
المختلفة الإنتخابات بموجب
برامج إنتخابية
محددة ، ومن الطبيعي أن يكون من
ينجح
في هذه الإنتخابات ملزما أمام
ناخبيه بتنفيذ هذه البرامج ،
بما هي عقود إجتماعية بين
المرشح والناخب . فإذا كان من
ينجح في هذه الإنتخابات ملزم
بتنفيذ رغبات أوربا وأمريكا
وإسرائيل ، عل حساب ناخبيه
وبرامجه ، فماذا يكون قد بقي من
الديمقراطية ؟! .
إن على شركائنا وجيراننا
الأوروبيين أن يتخلوا عن هذه
الـ( وإلا )التي يشهرونها في وجه
الشعب الفلسطيني .. وإلا
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|