الولايات
المتحدة الأمريكية
تخسر
حروبها ضد شعوبنا
د.
محمد الغزي
تعاني
سياسات الإدارة الأمريكية
واستراتيجياتها وخططها من
تغييرات متلاحقة بصورة مستمرة،
فما أن تضع هذه الإدارة سياسة أو
استراتيجية جديدة لتلافي فشلها
وأزماتها الداخلية والخارجية
إلا ويعترف القادة الأمريكيون
بنواقص تلك الخطط
والاستراتيجيات وعدم جدواها
ويبحثون عن بدائل لها، ما يدل
على مدى التخبط الكبير الذي
تعاني منه تلك الإدارة وشدة
المآزق التي أحاطت بها من كل
جانب، فلقد أصبح الفشل هو السمة
البارزة لسياسات أعتا دولة ظن
قادتها وأهلها أنهم قادرون على
العالم عسكريا واقتصاديا
وسياسيا وإعلاميا.
ولقد
أدركت الإدارة الأمريكية أنها
تخسر الحرب في كل المجالات وعلى
كل الميادين والساحات، هذا ما
يصرح به قادة البنتاغون والبيت
الأبيض، وهذا بالفعل ما نراه
على الأرض وما تشهد عليه
الأحداث والوقائع، فبالأمس
افتخر الرئيس الأمريكي جورج بوش
أمام حشد من جنرالاته العسكريين
بأنه وضع استراتيجية جديدة
لتحقيق النصر الذي يحلم به بعد
أن لمس قسوة المستنقع الذي أوقع
بلاده فيه باحتلاله للعراق
وأدرك شدة بأس المقاومة
العراقية الباسلة المتصاعدة
كما ونوعا، واليوم يقر وزير
الحرب الأمريكي رونالد
رامسفيلد بخسارته للحرب
الإعلامية الرقمية أمام
شعوبنا، وفي هذا اعتراف ضمني من
رامسفيلد بأن الفضائيات
المأجورة أمريكيا قد فشلت في
أداء مهماتها، وما ينتظر
الولايات المتحدة الأمريكية هو
الأسوأ والأقسى.
وهذا
الفشل دليل على أن قوى الولايات
المتحدة الأمريكية قد خارت وأن
نفوذها العالمي آخذ في التقهقر،
فقد انكسرت هيبة الولايات
المتحدة الأمريكية وتراجعت شدة
هجمتها على أمتنا وخفت صوتها
المنادي بنشر الديمقراطية،
لخشيتها من وصول الإسلاميين إلى
السلطة والحكم، وضعفت مطالبتها
لحكومات الدول العربية
والإسلامية بما تدعو إليه من
إصلاح ديني وتعليمي وسياسي،
وإدراكا من الإدارة الأمريكية
بمدى الخطر الذي يهدد مصالحها
في بلادنا واستحالة الهيمنة
الأمريكية على أمتنا حث بوش
شعبه على محاولة التخلص
التدريجي من اعتمادهم على النفط
العربي والإسلامي والبحث عن
مصادر بديلة قد تكون في القمر أو
كواكب أخرى، وكل هذا يدل على
تراجع الأجندة الأمريكية التي
تهدف إلى الاستحواذ على ثرواتنا
واستعباد شعوبنا.
ومن
أهم مظاهر فشل الإدارة
الأمريكية هو عدم قدرتها على
عزل المقاومة للاحتلال في
العراق وفلسطين وأفغانستان
وعجزها عن إلصاق تهمتي العنف
والإرهاب بالمقاومة ويأسها من
محاولة كسب الشعوب العربية
والإسلامية إلى جانبها ضد
المقاومة وحركات الإسلام
السياسي، ولقد فشلت الإدارة
الأمريكية في حشد الرأي العام
الأمريكي والعالمي لتأييد
حربها الظالمة على العراق والتي
كلفت الأمريكيين مئات مليارات
الدولارات وحياة عشرات آلاف
الغزاة من الأمريكيين وحلفائهم
والمرتزقة، وها هي وزيرة
الخارجية الأمريكية كوندوليزا
رايس تفشل مرة أخرى في جولتها
الشرق أوسطية الأخيرة والتي
تهدف إلى توظيف الحكومات
العربية لفرض طوق اقتصادي ضد
حركة المقاومة الإسلامية "حماس"
بالإضافة إلى حشد التأييد
لعدوان متوقع ضد إيران.
ويمثل
تصاعد النفوذ السياسي للحركات
الإسلامية السياسية والجهادية
بعدا آخر لفشل السياسات القمعية
والدكتاتورية للولايات المتحدة
الأمريكية تجاه شعوبنا العربية
والإسلامية، ويمثل الفوز
الكبير الذي حققته حماس ونيلها
ثقة الشعب الفلسطيني قمة الفشل
لسياسات الإرهاب والتثبيط التي
مارستها الإدارة الأمريكية
وحلفاؤها ضد شعب يرزح تحت نير
الاحتلال لأكثر من نصف قرن ولا
يملك إلا أيمانا متينا بالله عز
وجل وإرادة لا تلين وتصميم على
نيل كافة حقوقه وكامل حريته.
ولقد
أدى التعاطي الظالم للإدارة
الأمريكية وحلفائها الأوروبيين
مع وصول حماس إلى السلطة إلى ما
كانت تخشاه الإدارة الأمريكية
وتحسب له ألف حساب من قيام
الشعوب العربية والإسلامية
بالمبادرة إلى أخذ زمام الأمور
بنفسها والقيام بواجبها دون
انتظار لقرارات تتخذها
الحكومات أو تصدرها جامعة الدول
العربية أو تدعو إليها المنظمات
الإسلامية الرسمية، فقد تحركت
الشعوب العربية والإسلامية إلى
نصرة الشعب الفلسطيني غير آبهة
بما يصدر عن المسئولين
الأمريكيين من تهديدات
وإنذارات لحماس وللشعوب
العربية، ولهذا تميز الموقف
الأمريكي والأوروبي تجاه
المعونات المقدمة للسلطة
الفلسطينية بالحيرة والتخبط،
فلقد شعر الأمريكيون
والأوروبيون بالقلق الشديد
نتيجة المواقف المشرفة للعرب
والمسلمين تجاه حماس والشعب
الفلسطيني، ما أدى إلى تراجع
الدول الغربية عن قراراتها
المجحفة بحق الشعب الفلسطيني
والتخفيف من حدة تهديداتها
ومحاصرتها الاقتصادية للشعب
الفلسطيني ولحكومته القادمة
خشية من استمرار التحرك الشعبي
وتصاعده في وجه محور الشر
بقيادة الولايات المتحدة
الأمريكية.
إن
المبادرة الشعبية والتفاعل
الإيجابي مع القضايا المصيرية
لأمتنا هي عنوان المرحلة
القادمة بعد أن خذلت الأنظمة
الحاكمة شعوبنا وكبلتها لعشرات
السنين وحالت بينها وبين قيامها
بالدفاع عن نفسها ودينها
وأوطانها واستخدمت فتاوى علماء
السلاطين لتخدير الشعوب
وتثبيطهم وكأن الدين قد أصبح
أفيونا لهذه الشعوب، ونحن الآن
نشهد ظاهرة جديدة تتمثل في
انتفاض الشعوب العربية
والإسلامية وقيامها مجتمعة
لمواجهة العدوان الغربي
والصهيوني بقوة وبوعي وحكمة،
وهذا ما أثبتته طريقة تفاعل
الأمة الإسلامية مع قضية
الإساءة للإسلام والمسلمين
بذريعة حرية التعبير التي جعلها
الغربيون آلهة لهم يعبدونها من
دون الله تعالى فأعلنوها حربا
صريحة على ديننا الحنيف وجعلوا
قلوبنا وعقولنا ساحة لحربهم
الجائرة ليحتلوها ويستعمروها.
إن
شعوبنا اليوم تعيش زمن
الانتصارات إذ أنها حققت نصرا
كبيرا في حرب العقول والقلوب
محطمة بهذا النصر العظيم كل
أصنام الولايات المتحدة
الأمريكية وأدواتها
التكنولوجية والإعلامية وملحقة
الهزيمة بكل مسوقي سياساتها
العدوانية ومروجي أجندتها
والداعمين لها، لقد أثبتت
شعوبنا أنها حية وحرة وواعية لا
تقبل الضيم والهوان والقهر
والاحتلال وأنها لا تفرط بدينها
وأوطانها وأنها تنتصر لرسولها
العظيم، صلى الله عليه وسلم.
ومن
السذاجة أن تظن وكيلة الخارجية
الأمريكية كارين هيوز أن تخصيص
مئات ملايين الدولارات
لإنفاقها على المنح الدراسية
والزيارات المتبادلة بين
المثقفين والمفكرين المسلمين
والأمريكيين وإقامة المؤتمرات
والمنتديات لتحسين الصورة
الإجرامية لبلادها سيجعل
شعوبنا ترى تلك الصورة على غير
حقيقتها، ومن السذاجة أن يظن
رامسفيلد أن استخدام المزيد من
التكنولوجيا والعمل المتواصل
في مكتب المعلومات التابع
للبنتاغون للمراقبة والتجسس
والرد السريع سوف يؤدي إلى
تحسين الصورة الأمريكية،
فالمسألة ليست مسألة خطط
واستراتيجيات وأدوات وإنما هي
مسألة حق وباطل، والله تعالى
أخبرنا أن الباطل لا يصمد أمام
الحق: {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ
وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ
الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}الإسراء81
وكذلك {قُلْ جَاء الْحَقُّ
وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ
وَمَا يُعِيدُ}سبأ49.
وتجدر
الإشارة إلى أن مدير شؤون الشرق
الأوسط ألبرتو
فرناندز قد عبر بحماقة تامة عن
ازدرائه للعرب والمسلمين عندما
قال في لقاء له مع قناة الجزيرة
الفضائية: "هناك سوء فهم كبير
وغباء عربي وإسلامي في ما يتعلق
بالولايات المتحدة وفي الوقت نفسه
هناك غباء أميركي وإهمال وجهل
بالإسلام والعرب والعالم
العربي"، ولقد كذب وأخطأ في
الأولى وأصاب في الثانية وهو
مثال حي للتدليل على صحة ما يقول
بخصوص الغباء الأمريكي رغم أنه
يقول في نفس اللقاء أنه تعلم
اللغة العربية والحضارة
الإسلامية لمدة ثلاثين عاما،
لكن من يتابع كلامه على الشاشة
يدرك أن فرناندز لا يزال عاجزا
عن النطق بجملة صحيحة واحدة
باللغة العربية ولا يستطيع
التمييز بين الألِف من الجزرة
فيما يتعلق بحضارتنا، وشكرا
للجزيرة التي تتحفنا بسخافاته
وتصحح له لغته المكسرة.
لقد
فشلت الولايات المتحدة
الأمريكية في إيجاد شركاء لها
من داخل الحركات الإسلامية
لرعاية المصالح الأمريكية
وتمرير الأجندة الأمريكية،
وستفشل كذلك في محاولاتها
المستميتة لاحتواء الحركات
الإسلامية وحرف مسيرتها وتغيير
وجهتها، كما أنها ستفشل في
توظيف العلماء والمفتين
المسلمين والمنظمات الإسلامية
الرسمية في الأخذ بنواصي شعوبنا
إلى الوجهة الأمريكية، وستفشل
أيضا في تلميع النموذج الأمريكي
لمفكرين إسلاميين أو علمانيين
يعيشون في الغرب بهدف تهيئة
شعوبنا للانقياد لهم واتخاذهم
مرجعية يستندون إليها في
تحركاتهم، والسبب في كل هذا
الفشل بسيط وهو أن شعوبنا قد
سارت خطوات كبيرة على طريق
تجاوزها لمرحلة القابلية
للاستعمار والوقوع ضحية
للتضليل والخداع والرضاء بالذل
والهوان.
ومن
المتوقع أن الولايات المتحدة
الأمريكية ستلجأ، نتيجة لهذا
الفشل الذريع الذي منيت به في
جولاتها المتكررة على جميع
الأصعدة، إلى وسائل قذرة لإشعال
الصراعات والحروب الأهلية في
بلدانا لتمزيقها والنيل من
شعوبها، وستحاول استخدام
أساليب أكثر عدوانية في حربها
لاحتلال عقولنا وقلوبنا، وما
نشهده من إساءة إلى الإسلام
والمسلمين هو مجرد بداية لحرب
جديدة تدور رحاها في كل عقل وقلب
مستهدفة عقيدتنا وقيمنا
الإسلامية، وستعتمد الولايات
المتحدة الأمريكية في هذه الحرب
بشكل أساس على الإنترنت
ومدوناتها ومنتدياتها والبريد
الإلكتروني وتكنولوجيا
الاتصالات لنشر الإباحية في كل
بيت وشارع ومدرسة وجامعة ...،
ولهذا نجد أن العديد من سفارات
الولايات المتحدة الأمريكية في
البلاد العربية والإسلامية قد
بدأت في إنشاء منتديات على
الإنترنت وتمويلها ورعايتها
لتحقيق تلك الأغراض.
وما
يجب على الولايات المتحدة
الأمريكية أن تعلمه هو أن
شعوبنا ستنتصر على سياساتها
واستراتيجياتها، وبالفعل فقد
بدأت شعوبنا تشعر بنشوة هذا
الانتصار، وستخسر الإدارة
الأمريكية كل ما بذلته من جهود
شيطانية وكل ما أنفقته وستنفقه
في الصد عن سبيل الله عز وجل،
وفي هذا تحقيق لوعد الله تعالى
إذ يقول: {إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ يُنفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ
عَن سَبِيلِ اللّهِ
فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ
تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً
ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ
كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ
يُحْشَرُونَ }الأنفال36.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|