من
الدانمارك وأوروبة .. إلى أميركة
وإسرائيل :
إنَّ
البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا
بقلم
: الدكتور محمد بسام يوسف
عندما
تضيع القِيَم الإنسانية بين
براثن السفهاء، وحين تصبح
الأديان السماوية نهباً لشذّاذ
الآفاق.. يمكننا عندئذٍ أن نرى
بالعين المجرّدة بكل وضوح،
الفرق الكبير بين الديمقراطية
الغربية، التي تستبيح كل
مقدَّسٍ إنسانيٍ باسم الحرية..
وبين منهج ديننا الإسلاميّ
الحنيف، الذي نظّم لنا حياتنا
بما يكفل تحقيق كرامة الإنسان،
واحترام مقدّساته وخالقه
وأنبيائه وعقيدته.. فالحرية
عندما تنفلت من الضوابط
الإنسانية، تهبط بِمَن يمارسها
إلى مستوى الحيوان،
وبالمجتمعات الإنسانية إلى
مستوى مجتمعات الغاب، فلا
يحكمها عندئذٍ أي خُلُقٍ كريم
أو أية قيمةٍ إنسانيةٍ سامية
ميّز الله عز وجل بها الإنسان،
عن غيره من المخلوقات الحيوانية..
فتضيع الإنسانية ما بين شذّاذ
البشر وخِصال البقر.. فهل يَعقِل
هذه الحقائق، ذلك الغرب
العلماني المنفلت، المتصدّع
حضارياً وإنسانياً وأخلاقياً؟!..
بعد
الحملات السافرة المتوالية على
ديننا الحنيف، وعلى نبينا
ورسولنا الحبيب صلى الله عليه
وسلم، التي يمارسها الغرب
العلماني ويصرّ عليها، وينفث
عبرها أحقاده الدفينة على
الإسلام والمسلمين.. لم يعد
المرء يواجه أي عناءٍ في العثور
على المواقف السياسية والفكرية
والحضارية، التي أسقطت الأقنعة
الغربية كلها دفعةً واحدة،
فظهرت الوجوه الصليبية سافرةً،
وتبيّن أنها وجوه والغة في
الإجرام والحقد والضغينة على
الإسلام والمسلمين.. وسقطت كل
السواتر التي كان يختبئ خلفها
الصليبيون ومنافقوهم وعملاؤهم
والمتواطئون معهم.. ولن نستطيع
أن نحيط بكل ما يصدر عن الغرب
الصليبي من مواقف عدوانيةٍ ضد
ديننا وعالمنا الإسلاميّ.. لكن
من المفيد سرد بعض تلك المواقف
التي نضح بها أدعياء التحضّر
والرقيّ والنـزاهة وحقوق
الإنسان، وهي في حقيقة الأمر،
لا تعبّر إلا عن درجة الانحطاط
التي وصل إليها أولئك الناس،
وعن مدى الأزمة التي يعاني منها
الغرب وحضارته المغرقة في
المادة من دون الروح، التي بدأت
تفقد مبرّرات استمرارها.. إنه
الانحطاط الأخلاقي والقِيَمِي،
الذي يبرهن على أنّ قادة الغرب
وزبانبتهم، ليسوا إلا زمرةً
شاذّةً تتلاعب بمصير البشرية،
وتسوقها إلى الدمار والهلاك على
كل صعيد !..
لم
تكن الصحيفة الدانماركية (يولاندز
بوستن)، أول من استهزأ
بقِيَمِنا وعقيدتنا الإسلامية،
ولم تكن الصحف الأوروبية التي
اجترّت سفاهات الصحيفة
الدانماركية كذلك.. أول من يمارس
هذه السفاهة باسم حرية التعبير،
من مثل الصحف: (ماغازينات)
النروجية، و(فرانس سوار)
الفرنسية، و(دي فيلت)
الألمانية، و(لا ستامبا)
الإيطالية وزميلتها (كوريرا
ديلا سيرا)، و(فولكسكر انك)
الهولندية، وغيرها.. فقد سبقتهم
إلى تلك السفاهة جهات غربية
وصليبية عدة، لامتهان قرآننا
وديننا، والإسفاف في التهجّم
على إسلامنا.. وكلنا يعرف الهجمة
الفرنسية على الحجاب الإسلامي
في المدارس وأماكن العمل في
تشرين الثاني 2003م، والغريب أنّ
سفاهة الصحف الأوروبية الحالية
تُصَنَّف لديهم في صنف حرية
الرأي والتعبير.. بينما ارتداء
الحجاب الإسلامي، يصنَّف
بعيداً عن الحرية الشخصية!.. وفي
كانون الثاني 2004م، وصف عضو
الحزب الوطني البريطاني (نيك
جريفن) الإسلامَ بأنه (عقيدة
فاسدة)!.. وفي أيار 2005م دعا
المذيع الأميركي (مايكل غراهام)
إلى ضرب مكة المكرمة وتدمير
الكعبة المشرَّفة.. بالسلاح
النووي!.. وفي كانون الثاني 2006م،
وصف المذيع الأميركي (بيل هاندل)
الحجاج المسلمين في (مِنى) بأنهم
قطعان من الماشية!.. فضلاً عن
حوادث تمزيق المصاحف الشريفة
وامتهانها، في إسرائيل
وغوانتانامو وباغرام!.. (موقع
الجزيرة نت الإخباري: الإساءات
التي تعرّض لها الدين الإسلامي
منذ عام 2000م، 1/2/2006م).
الأغرب
من ذلك، أنه بعد الاحتجاجات
العارمة التي عمّت العالَمين
العربي والإسلامي، فقد استنكر
سفهاء الغرب هذه الاحتجاجات،
كما استنكروا حملات المقاطعة
للبضائع الدانماركية.. وكأنّ
الحرية قميص يتم تفصيله على
مقاس أولئك المارقين السفلة
الغربيين، وهي حكر عليهم
لمهاجمة أغلى ما لدينا من
مقدسات.. بينما ممارسة حريتنا
بطريقة التعامل مع بضائعهم، هو
ضرب من العدوان عليهم وليست
حريةً يمكن أن نتمتّع بها!.. فهل
هناك انحطاط ونفاق أشد مما عند
هؤلاء السفهاء ؟!..
إننا
حين نناقش بعض تلك المواقف
الغربية تجاه الإسلام والأمة
الإسلامية.. لا نفعل ذلك لمجرّد
الإحصاء والتسجيل الحسابيّ،
وإنما للدلالة على أنّ المناهج
الوضعية البشرية الغربية، قد
أفلست بكل درجاتها ومستوياتها
الأخلاقية والإنسانية
والقِيَمِيّة، الأمر الذي أدى
ويؤدّي إلى الظلم السافر، الذي
يمارسه أصحاب تلك المناهج
الوضعية على الإنسان وبحقّ
الإنسانية !.. والظلم هو مفتاح
النهاية للظالمين، والمِعْوَل
النشيط الذي يحفر قبور
الجبّارين الآيلين إلى السقوط
والاندثار بإذن الله.. وهذه سنّة
من سنن الله عز وجل، أَوْدَعها
ربّ العالمين في أرضه، وقدّرها
على عباده، لأن الظلم
والاستعباد والقهر والتعالي
على الناس والحَطّ من قدسية
مقدّساتهم وأديانهم وعقائدهم،
هي التي تستنبت بذور الفناء
والزوال، لمن يمارسها ويتّخذها
وسيلةً ومنهجاً ثابتاً للسيطرة
على البشرية، والاستيلاء على
كرامة الإنسان ومقدّرات الأمم
والشعوب وعقائدهم وأديانهم!..
إنها
حرب الأديان يشنّها الغرب
الصليبي العلماني على الإسلام
والمسلمين !..
منذ
بداية الإعداد للحرب على
أفغانستان قبل خمس سنوات.. لم
يُخْفِ الرئيس الأميركي عزمه
على شنّ حربٍ صليبية، ثم سعى
لمنافسة الذات الإلهية، حين
أطلق على حملته اسم: العدالة
المطلقة!.. وتوالت بعد ذلك فصول
العدوان على الإسلام والمسلمين..
فجُمِّدَت الأموال الإسلامية،
ونالت تلك الإجراءات من أموال
الزكاة، والزكاة ركن من أركان
الإسلام!.. فضلاً عن النيل من
الأموال المخصّصة للمستضعَفين
وضحايا النكبات من المسلمين،
التي سبّبها الغرب لهم أصلاً..
كضحايا فلسطين والعراق
والبوسنة والهرسك والشيشان
وكوسوفو وأفغانستان وكشمير
والصومال.. وغيرهم.. وتوالت
الاعتداءات الأميركية
والغربية، بالتحريض على
المدارس الدينية الإسلامية،
لتوضَع تحت الرقابة والسيطرة،
أو لتُغلَق نهائياً، بحجّة
تخريجها للإرهابيين!.. ثم
اتُهِمَت الجمعيات الخيرية
الإسلامية -على اختلاف أشكالها
وتوزّعها الجغرافيّ- بالإرهاب
أو بدعم الإرهاب، واتُّخِذَت
بحقها إجراءات عدوانية!.. أما في
أفغانستان والعراق، فقد
قُصِفَت المساجد فيما قُصِف،
وقُتِلَ المسلمون فيها، كما
قُتِلوا في قراهم ومدنهم
وبيوتهم!.. وارتُكِبَت المجازر
الوحشية بحق الأسرى المسلمين،
وبحق أبناء الشعب المسلم في (مزار
الشريف) و(كابول) و(هرات) و(قندهار)
و(جلال آباد) و.. وغيرها من المدن
الأفغانية.. وكذلك ارتُكِبَت
الفظائع وما تزال تُرتَكَب في
العراق المسلم!..
لم
يُخْفِ الصليبيون في أميركة
والغرب حربهم على الإسلام، بل
قاموا بذلك -ويقومون- من غير
حياءٍ أو مراعاةٍ لأصول
الدبلوماسية والمجاملات
السياسية.. وكلنا يتذكّر
تصريحات رئيس الوزراء
الإيطاليّ (برليسكوني) العنصرية
ضدّ الإسلام والحضارة
الإسلامية.. وتصريحات القس
الأميركي (فرانكلن غراهام)،
الذي وصف الإسلام بالدين
الشرّير والعنيف.. وتصريحات
الحاخام الأميركي (مارفين هير)،
الذي وصف القرآن بالكتاب
المتطرّف.. ثم قاموا بتحريض
الحكومات في العالَم الإسلاميّ
على الجماعات والحركات
الإسلامية والدعاة وعلماء
الدين الإسلاميّ، وقد خضعت تلك
الحكومات للابتزاز الصليبيّ
الغربيّ، فشرعت بشنّ حربٍ شعواء
على أبناء شعبها من الإسلاميين
بتهمة الإرهاب.. حصل ذلك في
باكستان واليمن وإندونيسية
وسورية ومصر وتونس وفلسطين
وماليزية ونيجيرية والجزائر
وليبية وموريتانية.. وغيرها من
الدول العربية والإسلامية.. إلى
أن وضع الغرب الصليبيّ كل ثقله
لاستثمار مزاعم الحرب على
الإرهاب إلى أبعد مدىً..
فأُدرِجَت حركات المقاومة
الإسلامية المشروعة للاحتلال..
في القوائم الإرهابية لديهم،
تمهيداً لضربها وتصفيتها على
رؤوس الأشهاد.. من مثل حركات:
حماس والجهاد الإسلامي
والحركات الجهادية الكشميرية
والشيشانية.. إلى أن أفصح
الصليبيون عن مكنونات صدورهم،
وحقيقة عدوانيّتهم وحقدهم على
الإسلام والمسلمين، فجاء -في
نفس السياق- تصريح مساعد وزير
الخارجية الأميركي لشؤون الشرق
الأوسط السابق (ديفيد ساترفيلد):
(الانتفاضة الفلسطينية عملية
مستمرّة من الإرهاب المدروس)!..
فالنوايا والأفعال منصبّة إذن
على توفير الحماية للكيان
الصهيونيّ، ومساعدته على
النجاة من عواقب وحشيته
واحتلاله المدعوم غربياً
وأميركياً!.. وهذا ما أكّده وزير
الخارجية الألمانيّ السابق (يوشكا
فيشر) بقوله: (إن هزيمة إسرائيل
مرفوضة، ولو ليومين)، وقوله: (الأوروبيون
حريصون على ضمان أمن الدولة
العبرية بشكلٍ كامل)!.. ثم صرّح
مبعوث الاتحاد الأوروبي للشرق
الأوسط السابق (موراتينوس) بلا
أدنى حياءٍ محرِّضاً: (نأمل أن
يتم القضاء على الشبكات
الإرهابية من مثل: حماس والجهاد
الإسلاميّ)!..
لقد
دخلت القوات الأميركية
والبريطانية (مزار الشريف) و(كابول)
منذ خمس سنوات، جنباً إلى جنبٍ
مع تحالف الشمال الأفغانيّ
العميل، وكان الهاجس الوحيد لهم
كما بدا من حماستهم، وكأنّ
الحرب في أفغانستان لم تندلع
إلا لتحقيقه، إلى درجةٍ لم
يتمكّنوا من كبتها.. كان هاجسهم
هو: حَلق اللحى، وتعميم
الموسيقى، ونزع حجاب المرأة
المسلمة!.. وبدا لوهلةٍ أنّ
أفغانستان لا تعاني إلا من مثل
تلك الأمور، فلا قهر ولا قصف ولا
جوع ولا موت ولا تشريد ولا تهجير
ولا مشكلاتٍ تتعلق بالأمن
والاستقرار!.. وهاهي ذي صحيفة (الواشنطن
بوست)، تعلن حقيقة موقف الغرب
الصليبيّ من الإسلام وتعاليمه..
بالأحمر العريض، بعد سقوط (مزار
الشريف) وبعنوانٍ لافت: (النّقاب
ولّى في مزار الشريف)!..
ثم
تجاهل المحرِّرون المزعومون كل
مشكلات أفغانستان المستعصية،
كمشكلة الأمن والمخدّرات
والجوع والحرب والتناحر
القبليّ والفقر وحرية المرأة
وحقوق الإنسان.. وكذلك مشكلات
الإعمار والصناعة والزراعة
والمواصلات والاتصالات والجفاف
و..، وكأنّ البلاد أصبحت واحةً
للديمقراطية والتعدّدية
والازدهار والمَدنيّة والتقدّم
والرقيّ والقوّة الاقتصادية
والأمن الاجتماعيّ و.. فلم يبقَ
إلا إعادة بناء تمثال (بوذا)!..
فشُكِّلَت اللجان الدولية
والمحلية، لإتمام هذا الأمر
الجلل، ولإنجاز هذه الخطوة
العظيمة، بأفضل صورةٍ حضاريةٍ
صليبيةٍ غربيةٍ ممكنة!..
حصل
ذلك كله، وفي خططهم وتخطيطهم أن
يحصل غيره الكثير مما لا يخطر
على قلب مسلم، وما يزالون (يجترّون)
زعمهم، ويردّد وراءهم
الزبانية، بأنّ الحرب ليست على
الإسلام، وإنما لتحقيق (العدالة
بلا حدود)، ولينعم العالَم
الإسلاميّ بـ (الحريّة الدائمة)..
ولعلها الحرّية في ارتكاب كلّ
الجرائم التي لم تُرتَكَب بعدُ،
بحقّ الإسلام والمسلمين!..
قادة
الغرب الصليبيّ العلمانيّ،
يعتبرون أنّ الإسلام والمسلمين
مصدر خطرٍ عظيم، يهدّد مخططاتهم
الاستعمارية وحضارتهم المادية..
لذلك فهم يعتبرون الصحوة
الإسلامية أعظم خطرٍ يهدّد
مصالحهم!.. كيف؟!.. كيف يمكن
لأمّةٍ، حين تعود إلى فطرتها
ودِينها، وتتمسّك بجوهر
عقيدتها الإسلامية الأصيلة..
كيف يمكن لهذه الأمة حين تفعل
ذلك، أن تهدّد مصالح الغرب
ودُوَلِهِ الاستعمارية الكبرى؟!..
إنهم
يعتبرون أنّ الصحوة الإسلامية،
إذا ما تم توجيهها بشكلٍ
إيجابيٍ يُعيد المسلمين إلى
دِينهم وأصالتهم الإسلامية..
أنّ ذلك سيؤدي إلى توحيد البلاد
الإسلامية على أساس الإسلام
والأصالة الإسلامية، وبذلك
تتهيأ الفرصة التاريخية لبناء
دولةٍ مسلمةٍ قويةٍ موحَّدة،
وحضارةٍ إسلاميةٍ مستقلةٍ
متميّزةٍ عن الحضارة الغربية،
بل ستحلّ محلّ الحضارة الغربية
الحالية الآيلة إلى الزوال، بعد
أن بدأت عوامل انهيارها تهدّد
المجتمعات الغربية الفاسدة،
القائمة على المادية الصرفة،
والظلم، والفساد الأخلاقيّ
والقِيَمِيّ !..
لذلك
فالتحدّي الذي يواجهه الغرب
ومجتمعاته الهشة.. هو تحدٍ حضاري
في أساسه، ليس للقوّة المادية
السياسية والعسكرية التي يمكن
أن تنشأ عنه، إلا شأن ثانويّ..
فالإسلام إذن، يبني الحضارة
الإسلامية المستقلة، التي لا
تقبل بأيّ حالٍ استمرار أمرين
اثنين :
الأول هو : الفوضى
الأخلاقية، وتنامي القِيَم
المادية المفرطة التي تشكّل
الركن الأساس للحضارة الغربية.
والثاني هو : استغلال الغرب
الاستعماريّ لثروات الشعوب
العربية والإسلامية ومواردها
القومية والوطنية، الأمر
الذي بقي حتى اليوم يزيد من غنى
الغرب اللصّ، الذي ينهب تلك
الثروات والموارد ويستغلّها
أبشع استغلالٍ في بناء حضارته
وبلاده، ويزيد تالياً من فقر
العالَم الإسلاميّ وشعوبه،
فيكرّس فيه حالة الضعف
والاستكانة والاستضعاف
والتبعية الكاملة، ويبقيها
قائمةً مستديمة، وهذا ما يضمن
استمرار الهيمنة الاستعمارية
الغربية على البلاد الإسلامية،
فيبقى الغرب مسيطراً على
المسلمين وعلى عوامل قوّتهم،
محقّقاً بذلك مصالح الدول
الغربية الصليبية، بطريقةٍ
استعماريةٍ مبتَكَرَةٍ جديدة،
هي هذه التي نشاهدها اليوم
ونعيشها في كل الأقطار
الإسلامية.. أي بإيجاز :
إنّ
عودة المسلمين إلى دِينهم
وأصالتهم الإسلامية، ستؤدي
أولاً: إلى عودة الحضارة
الإسلامية بكل ما تتضمنه من
استقلالٍ ووحدةٍ ونهضةٍ شاملةٍ
وقوّة، التي تحقق العدل
والمساواة بين البشر،
والعبودية لله عز وجل وحده لا
شريك له.. فتنسِف بذلك الركن
الأول من أركان الحضارة
الغربية، القائمة على
الاستغلال والتشريعات الوضعية
وعبودية البشر للبشر والظلم.. ثم
تؤدّي الحضارة الإسلامية
ثانياً : إلى تحقيق التوازن
الفطريّ الطبيعيّ للإنسان، بين
روحه وجسده.. فتنسِف بذلك الركن
الثاني والأخير للحضارة
الغربية، القائمة على الانحلال
الخُلُقيّ، والمادّية المفرطة
والخواء الروحيّ، والحرية
الزائفة المنفلتة.. وبهذا كله،
تشكّل الحضارة الإسلامية
المستقلة، بديلاً قوياً لا يمكن
مجابهته للحضارة الغربية،
فتنتهي هيمنتها، وتُشطَب
مخططاتها في استعمار البلاد
الإسلامية واستغلالها ونهبها
أولاً.. وتنتهي حالة التسلط
والانفلات في المجتمعات
الغربية نفسها ثانياً، فتعود
تلك المجتمعات إلى وَعْيِها
ورشدها، وتفكّر في عبادة إلهٍ
واحدٍ لا شريك له هو الله عز
وجل، وفي نبذ كل الأرباب
المزيَّفين من الحكومات
الرأسمالية الغربية، التي
تستغلّ شعوبها وتبقيهم في حالة
خواءٍ روحي، الأمر الذي ينسف
النظام الرأسماليّ، وينهي
سيطرة أساطينه المستغلِّين على
تلك المجتمعات الغربية،
والمستفيدين من غفلتها وخوائها
أعظم استفادة!..
فهذا
الذي يجري الآن من عدوانٍ سافرٍ
على ديننا وعقيدتنا ونبينا صلى
الله عليه وسلم، ينشأ من جذورٍ
متجذّرةٍ في عقلية الغرب المادي
العلماني الخاوي، وهو ينسجم
تماماً مع خلفية الحقد على
الإسلام، والعدوانية الأبدية
تجاه المسلمين.. ولنتأمل ملياً
في تصريحات أحد مسؤولي وزارة
الخارجية الفرنسية في عام 1952م،
ونتأكّد من صحة الحقائق التي
ذكرناها آنفاً، وبأفواه
الغربيين أنفسهم.. يقول المسؤول
الفرنسي: (لا تشكّل الشيوعية
خطراً على الغرب، فالخطر
الحقيقيّ الذي يهدد أوروبة هو
الخطر الإسلاميّ)!.. ويوضح
مسؤول الخارجية الفرنسية
تصريحه بالقول: (.. المسلمون
يملكون تراثهم الروحيّ،
ويتمتّعون بحضارةٍ تاريخيةٍ
ذات أصالة، لذلك فهم قادرون على
إقامة قواعد عالَمٍ جديد)!..
ويمضي المسؤول الفرنسي في
تصريحه محذِّراً الغرب.. إلى
القول: (.. فإذا ما تَهيّأت
الأسباب للمسلمين، فإنهم
سينطلقون إلى العالم حاملين
تراثهم الحضاريّ الثمين،
فَيُزيلون قواعد الحضارة
الغربية ويقذفون برسالتها إلى
متاحف التاريخ)!.. ثم يُنهي
تصريحه المثير موضِّحاً: (إنّ
العالَم الإسلاميّ عملاق مقيّد
لم يكتشف نفسه اكتشافاً تاماً،
فإن تحرر من قيود جهله وعجزه،
فإنه سيشكّل خطراً داهماً يُنهي
الحضارة الغربية، ويُنهي
وظيفتها في قيادة العالَم)!.. (جند
الله ص22) .
عند
فهم هذه الحقيقة بوضوح، يمكن
لنا أن نفسّر بسهولةٍ، كل
المواقف والإجراءات العدوانية
الإعلامية والصحافية والسياسية
والاقتصادية والعسكرية
والثقافية والفكرية، التي
يتّخذها الغرب العلماني
الصليبيّ ودُوَله ورجاله
وحكّامه وقادة مجتمعاته
ومثقفوه وإعلاميوه.. تجاه
الإسلام والعالَم الإسلاميّ!..
وغني
عن الذكر، ما يقوم به الكيان
الصهيوني الذي زرعه الغرب بين
ظهرانينا.. من تحريضٍ مستمرٍ على
الإسلام والمسلمين، ليتكامل
الدَوْران: الصهيوني، والغربي
الصليبي العلماني.. في العدوان
المستمر على ديننا الحنيف
وأمّتنا الإسلامية.. لذلك نجد
أنّ مقولة (حاييم هيرتزوغ) رئيس
الكيان الصهيونيّ الأسبق، التي
أطلقها من على منبر البرلمان
الأوروبيّ في أوائل التسعينيات
من القرن المنصرم: (إنّ
الأصولية الإسلامية هي أكبر
خطرٍ يواجه العالَم، وإنّ
إسرائيل تحمي قِيَم الغرب من
الصحوة الإسلامية).. نجد أنّ
هذه المقولة الخطيرة، هي صدىً
مباشر لمقولة (غلادستون) رئيس
الوزراء البريطانيّ الأسبق،
التي أطلقها قبل ذلك بعشرات
السنين: (ما دام هذا القرآن
موجوداً بين أيدي المسلمين، فلن
تستطيع أوروبة السيطرة على
الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في
أمان) .. الأمر الذي يجسّد
الحقيقة التي شرحناها آنفاً.. إذ
كيف يكون القرآن حائلاً بين
أوروبة والسيطرة على العالَم
الإسلاميّ؟!.. بل كيف يشكّل
القرآن تهديداً لمصالح أوروبة
نفسها كما يقول (غلادستون)؟!..
إنه الإسلام، وإنها الحضارة
الإسلامية التي تُبنى عليه،
وإنه القرآن الذي يشكّل منهج
الحياة الربانيّ الشامل،
الناظم لكل النهضة الإسلامية
المنشودة وحياتها!..
حقيقةً..
لا نستطيع الإحاطة بكل ما يُقال
في الغرب الاستعماريّ عن
الإسلام والمسلمين.. انطلاقاً
من ذلك التكوين النفسيّ
الاستعماريّ الحاقد، الذي
يُغذّي صراع الأديان، فيجعل
الغرب خائفاً من القضاء على
مصالحه المتمثّلة في: الاستعمار
والاستغلال ونهب الثروات
والظلم والسيطرة واستعباد
الناس.. لكن يمكن لنا أن نُدرج
بعض تلك التصريحات والمقولات
العدوانية، التي ينضح بها
مفكِّرو الغرب وساسته:
يقول
(جوفياني سبادوليني) رئيس مجلس
الشيوخ الإيطاليّ الأسبق: (إننا
نشارك "شامير" رئيس
الوزراء الإسرائيليّ قلقه
الشديد، من تزايد مخاطر
الأصولية الإسلامية داخل
إسرائيل، وفي الدول العربية، لا
سيما تلك المجاورة لإسرائيل)..
(إذاعة لندن بتاريخ 24/3/1992م).. أما
(جياني ديميليكس) وزير الخارجية
الإيطاليّ الأسبق، فيحذّر من
تنامي قوة الإسلاميين في دول
المغرب العربي (المغرب والجزائر
وتونس) قائلاً: (إنّ أمن
إيطالية وأوروبة، يرتبط
ارتباطاً وثيقاً، بإبعاد خطر
سيطرة الأصوليين المسلمين على
السلطة في شمالي إفريقية).. (صحيفة
الرباط الأردنية 12/3/1992م) .
بعد
استقلال الجزائر، ألقى أحد
المستشرقين الفرنسيين محاضرةً
في (مدريد) بعنوان: (لماذا حاولنا
البقاء في الجزائر؟..).. ومما
قاله في تلك المحاضرة: (.. لم
نرسل جنودنا إلى الجزائر من أجل
نبيذها أو صحاريها أو زيتونها..
فنحن حاربنا في الجزائر لأننا
نعتبر أنفسنا سُوراً يحمي
أوروبة من الإسلام)!.. (الأيام
1963م) . ويقول المستشرق الفرنسي (كيمون)
-قاتله الله- في كتابه
الاستفزازيّ العدوانيّ: (باثولوجيا
الإسلام): (أعتقد أنه من الواجب
إبادة خُمْس المسلمين، والحكم
على الباقين بالأشغال الشاقة،
وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمدٍ
وجثته في متحف اللوفر)!.. (الفكر
الإسلامي الحديث ص51) .
وتحذّر
مجلة (دير شبيغل) الألمانية
الغربَ، من الإسلام والجهاد
الذي يعتبره المسلمون فرضاً
عليهم، فتقول بشكلٍ مثير: (ليس
الجهاد إلا "صاعقاً"
لقنبلةٍ هيدروجينيةٍ من نوعٍ
جديد، اسمها: الإسلام)!.. وفي
نفس البحث تذكّر (دير شبيغل)
الغربيين ( بهزيمتهم في فلسطين
على أيدي المسلمين، بقيادة
القائد المسلم "صلاح الدين
الأيوبيّ"، الذي قوّض
مملكتهم الصليبية).. وتتابع (دير
شبيغل) واسعة الانتشار، بأنّ (انتقام
الغرب لتلك الهزيمة، لم يأتِ
إلا بعد عدة قرون، عندما تم
القضاء على الخلافة الإسلامية
العثمانية، بدعم "أتاتورك"
الذي أسّس المدارس الحديثة على
النمط الغربيّ، لتحلّ محلّ
مدارس "الشيوخ" المسلمين
الذين كانوا يدرّسون القرآن)..
وتنتهي المجلة الألمانية إلى
القول الذي يلخّص سياسة الغرب
تجاه الإسلام والمسلمين بشكلٍ
سافرٍ لا يخلو من التشفّي: (إنّ
الانتقام من المسلمين
ومحاربتهم، تم عبر ثلاثة محاور:
القضاء على الخلافة الإسلامية،
وتأسيس دولة إسرائيل، وتفتيت
الوطن العربيّ والإسلاميّ إلى
دويلاتٍ كثيرةٍ متنازعة)!.. (مجلة
"دير شبيغل" - العدد الثامن
لعام 1991م - الصفحات 142-149) .
نشرت
صحيفة (الإيكونوميست)
البريطانية، في عددها الصادر
بتاريخ 22/12/1991م، مقالاً بعنوان: (الإسلام
والغرب)، جاء فيه: ( بعد انهزام
الشيوعية، فإنّ المعركة
العالميّة العظيمة القادمة،
ستكون بين المسيحية والإسلام)!..
ونحن نقول: إنّ عدوانية الغرب
الصليبيّ تجاه الإسلام، لم تخمد
أو تتأثر في أي وقتٍ من الأوقات،
سواء بوجود الشيوعية أو
بانتهائها وزوالها!..
نشر
الكاتب البريطانيّ (فاي ويلدون)
كرّاساً قال فيه: ( لا يُعتبَر
القرآن شِعراً، ولا فكراً
منطقياً يمكن أن يقوم عليه
مجتمع سليم، فهو يقدّم القوّة
والسلاح للفكر البوليسيّ)!.. (الدستور
الأردنية 1/4/1997م) . ونشرت صحيفة (الديلي
إكسبرس) بقلم (كليروي سيلك)
مقالاً عدوانياً قال فيه: (إنّ
المسلمين رجعيون وشرّيرون
ومتأخّرون، وإذا كان من يصرّح
بهذا الكلام عنصرياً، فأنا أفخر
بعنصريّتي)!.. (المصدر السابق) .
أثناء
حرب الخليج الثانية لعام 1991م،
ظهرت شعارات عنصرية في
بريطانية، على جدران أحد
الأحياء الذي يسكنه مسلمون (حي
روشديل)، تقول: (سنقتل
طِفلَيْن مسلمَيْن، مقابل كل
جنديٍ بريطانيٍ يُقتَل في
العراق)!.. يقولون هذا، وهم
الذين يشنّون حرباً عدوانيةً في
العراق، ولا يهم إن كان
الانتقام يتم بطريقة قتل
الأطفال، مقابل جنودهم
المعتدين المستعمرين!.. فهل هناك
وحشية وعنصرية وعدوانية وحقد
دفين أشدّ من هذا ؟!..
ولا
يخفي الغربيون، عدوانيتهم تجاه
الإسلام والمسلمين في كل
مناسبةٍ أو حدثٍ يقع في العالَم
الإسلاميّ، وهم يعتبرون أن أي
تقدمٍ للإسلاميين في أي بقعةٍ
من الأرض، هو تقدّم للإسلام،
وبالتالي يتناقض مع مخطّطاتهم
وخبثهم.. فقد حذّرت صحيفة (الغارديان)
البريطانية، في عددها الصادر
بتاريخ 23/3/1991م، من الديمقراطية
في الوطن العربيّ، التي يمكن -برأيها-
أن تأتي بالإسلام إلى الحكم!..
وذكّرت الصحيفة في هذا المجال (بالفوز
الكبير الذي حققه الإسلاميون في
كلٍ من الجزائر والأردن)!..
محرّضةً الغرب على الإسلام
والإسلاميين لأنهم -كما تقول- (
يحملون برامج انتخابيةً
مُفزِعة)!.. طبعاً مُفزِعة
للغرب ومخططاته في السيطرة على
المسلمين .
أما
صحيفة (التايمز) البريطانية،
فتلخّص بكل وضوحٍ، الموقف
الغربيّ الصليبيّ الثابت من
الإسلام والمسلمين، بقولها في
عددها الصادر بتاريخ 16/6/1992م: (لا
يوجد فرق بين معتدلين
ومتشدّدين، فكلّهم مسلمون)!..
فيكفي أن تكونَ مسلماً، لتعاني
من عداوة الغرب الصليبيّ وحقده
الأعمى الدفين!..
لقد
أصدرت منظمة العلوم والثقافة (اليونسكو)،
التابعة للأمم المتحدة التي
يسيطر عليها الغرب العلماني
الصليبي وشذاذ الآفاق من اليهود
الصهاينة.. أصدرت موسوعةً باسم: (تاريخ
الجنس البشريّ وتقدّمه
الثقافيّ والعلميّ)، جاء فيها
في الفصل العاشر من المجلّد
الثالث ما يلي :
1- الإسلام خليط ملفّق
من المسيحية واليهودية
والوثنية العربية !..
2- القرآن كتاب عاديّ
ليس فيه بلاغة كما يزعم
المسلمون !..
3- الأحاديث النبوية
وضعها بعض الناس، الذين جاؤوا
بعد الرسول محمد (صلى الله عليه
وسلم) بفترةٍ طويلة، ونسبوها
إليه !..
4- الفقه الإسلاميّ
وضعه الفقهاء المسلمون،
بالاعتماد على القانون
الروماني والفارسي والتوراة
وقوانين الكنيسة !..
5- المرأة المسلمة ليس
لها أية قيمةٍ في المجتمع
الإسلاميّ !..
6- الإسلام كان ظالماً
بحق أهل الذمة، فقد أرهقهم
بالخراج والجزية !..
(مجلة
التمدّن الإسلامي - مجلد 44 - ع7 - ص508
- تموز 1977م) و(كتاب، قادة الغرب
يقولون : دمِّروا الإسلام ..
أبيدوا أهله - عبد الودود يوسف -
طبعة دار السلام - ص53 و54).
نعم،
هذه هي حقيقة أعلى هيئةٍ
ثقافيةٍ عالمية (اليونسكو)، ليس
لها من همٍّ إلا تزوير الحقائق،
وتزييف حقيقة الإسلام، وتشكيك
المسلمين بدينهم، وتشكيك غير
المسلمين بالإسلام حتى لا
يعتنقوه!..
إن
ما يقوم به قادة الغرب
وزبانيته، سواء بالإساءة
المباشرة للإسلام، أو غير
المباشرة بالدفاع عن السفهاء
بحجة حرية الرأي والتعبير.. إن
ذلك من أخطر العبث بمصير
العلاقات الإنسانية، لأن الأمر
لا يتوقف عند حدود الكراهية
والعنصرية التي يمارسها الغرب
علينا.. بل يتعدى ذلك إلى
العدوان السافر على أركان
عقيدتنا وديننا، وعلى المكوِّن
الأساس لحضارتنا، والأمر عندما
يكون كذلك.. فإنه سيُطيح
بالتعايش الإنسانيّ كله،
وسيُشعل حرباً دينيةً عالمية..
لن يكون الغرب في كل الأحوال هو
المنتصر فيها.. بل سيكون المهزوم
هزيمةً نكراء، لأنه ليس بمثل
هذه الحرب ما يستنهض الشعوب
الإسلامية من أقصى الأرض إلى
أقصاها، وليس بمثل الإسلام
والتضحية من أجله عند المسلمين..
ما يستجلب النصر، ويردّ الكيد
والمكر، ويدمّر جحور السفهاء
وأبناء السفاهات!..
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|