الإطاحة
بالنظام السوري
هل
أصبحت قاب قوسين أو أدنى؟ وكيف؟
الطاهر
إبراهيم*
ما
يزال الغموض يكتنف نواحي كثيرة
مما يود المحلل للوضع السوري أن
يلقي الضوء عليها، في طريقه إلى
تمييز ما هو حقيقي عما هو أماني .
وهو ليس غموضا بناء، بل هو غموض
ملتبس من زوايا كثيرة يود
الدارس لو يقف فيها جميعها أو
أكثرها، ليصور منها الواقع
السوري من مختلف نقاط النظر.
فلم
يعد يمكننا القول أن الإدارة
الأمريكية حريصة على بقاء
النظام السوري كما كان الحال
منذ بداية الرعاية عند مجيء
الرئيس الراحل "حافظ الأسد"
إلى الحكم في عام 1970 . كما لا
يمكننا القول أن الإدارة قد
نفضت يدها نهائيا من هذا
النظام، سواء لاعتبار أن النظام
ما يزال له دور يمكن أن يلعبه
وترغب فيه واشنطن، أوخوفا من
بديل غير مرغوب فيه، وهو ما يجعل
موقفها من النظام يصدق عليه
المثل السوري "عيني فيه، وتفو
عليه".
وإذا
كانت واشنطن لم تنفض يدها بعد من
نظام دمشق، فما هو مؤكد أن الشعب
السوري قد نفض يده نهائيا من
صلاحية هذا النظام للبقاء في
السلطة، ليس في عهد الرئيس بشار
الأسد فحسب، بل منذ الأيام
الأولى لاستلام حزب البعث
الحكم،لأنه نظام قمعي وفاسد
أولا، ولأنه لا يمتلك مقومات
النظام الذي يستطيع أن يدافع عن
مصالح الوطن ثانيا.
صحيح
أن الشعب السوري ما يزال يجهل
الأسلوب الناجع لطرد نظام البعث
من السلطة، ولكنه ما يزال يتطلع
إلى من يقوم بذلك. حتى إنه
،لفظاعة ما قاسى من قهر
واستبداد هذا النظام، أصبح قطاع
من هذا الشعب ليس بالقليل لا
يهمه من سيقوم أو يساعد على
الخلاص ، إذا تأكد له أن ذلك لن
يقترن بانتقاص في حقوقه وحقوق
الوطن. بل إن البعض لا يمانع أن
تفعل ذلك واشنطن، إذا التقت
مصالحها مع مصالحه. فهي ليست
هيئة إغاثة، ولا تعمل لوجه
الله، وإنما تعمل وفق مصالحها.
ولكن
ما هو ملاحظ على ساحة السعي
للإطاحة بنظام حزب البعث، أن
كثيرا من الكتاب والمعارضين
بدؤوا للتنظير فيمن سيخلف هذا
النظام سورية بعد رحيل حزب
البعث، وكأن الغطاء الأمريكي قد
رفع عنه فعلا، وأن سقوط نظام حزب
البعث أصبح مسألة وقت، وأن
المذيع بدأ في التدرب على إلقاء
البلاغ رقم "واحد" من
الإذاعة والتلفزيون،مع أن
المثل عند الفقهاء يقول "أثبت
العرش وبعدها انقش".
ومع أن
أخطاء رموز النظام السوري أخذت
تتراكم فوق بعضها لتشكل "حالة"
محسوسة في طريق انحدار هذا
النظام نحو المجهول، إلا أن
الحساب الصحيح يقتضي أن نأخذ
بجانب الحذر، وأن نبتعد عن
الجزم بأن ذلك كائن قولا واحدا.
بل الصحيح أننا نعيش ،في أحسن
الحالات، في مرحلة الشك التي
يتساوى فيها "نعم ولا" بدون
زيادة أو نقصان. لأن اللاعب
الرئيسي،وهو أمريكا، ما يزال
يعتقد أن نظام حزب البعث ما يزال
النظامَ الذي يستطيع أن "يدفع
أكثر"، فلماذا تغامر أو
تقامر؟ وإن كانت تحاول أن تظهر
خلاف ذلك.
ومع
وضوح هذه القضية أمام المحلل
السياسي، فإن مجرد الانسحاب
السوري من لبنان، والإشارة
بإصبع الاتهام إلى تورط النظام
السوري في اغتيال "الحريري"
بعد اعتقال كل الذين كانوا
يقودون الأمن في لبنان وكانوا
محسوبين على النظام السوري، جعل
الكثيرين يعتقدون أن الإطاحة
بنظام حزب البعث أصبحت قاب
قوسين أو أدنى.
ولذلك
فقد بادر بعض الطامحين إلى ركوب
موجة التغيير، ودخول بورصة من
سيستلم الحكم تاليا. فبدأنا
نشهد نشوء أحزاب سورية جديدة،
تكاثرت كما يتكاثر الفطر في يوم
شاتٍ كثير الضباب، خصوصا في
بلاد أوروبا وأمريكا. مع أن بعض
هذه الأحزاب لم يتجاوز أعضاؤه
أفراد أسرة رئيس الحزب فقط.
وبدلا
من أن تتداعى الأحزاب المعارضة
في داخل سورية وخارجها إلى
اللقاء والبحث في كيفية ضم
قواها إلى بعضها، في مسيرة
الإطاحة بنظام حزب البعث، كما
فعلت بعض قوى "إعلان دمشق"،
بدأنا نرى البعض يهمه معرفة اسم
البديل السياسي أكثر مما يهمه
حصول التغيير في سورية.
ابتداء،
لا يلام المواطن السوري ،وخصوصا
من اكتوى بظلم وقمع وتسلط أجهزة
الأمن، أن يقول في رموز النظام
السوري ما لم يقله مالك في الخمر.
فقد شرع الله تعالى ذلك فقال "لا
يحب الله الجهر بالسوء من القول
إلا من ظُلِم".وهذا المبدأ
يندرج على السيد "عبد الحليم
خدام" يوم كان رمزا فاعلا في
نظام "حافظ أسد"، حيث كان
مشروعا أن تبين إساءاته، كما
يندرج على كل الذين أساؤوا إلى
المواطنين وأفسدوا.
واستطرادا
فقد رأينا الجميع يسكت عن
إساءات رموز السلطة. فإذا ما
اعتزل هذا الرمز أو ذاك، أوأقصي
عن منصبه، فأراد أن يصحح مسيرته
من جديد، سلط عليه النظام
أبواقه قبل أن يبدأ بكشف مخازيه
مثلما حصل مع "عبد الحليم
خدام". وللأسف فالبعض قد
انطلت عليه حيلة النظام فانساق
وراءه، مع أن القرآن ينص ( إلا
الذين تابوا من قبل أن تقدروا
عليهم فاعلموا أن الله غفور
رحيم)(الآية 24 من سورة المائدة)،
والمروءة تقتضي أن نرحب بمن
تاب، بل ونعفو عنه، ما لم يكن
حقا شخصيا، فإن لصاحبه أن يطلبه
أمام القضاء.
واستطرادا
فالذين يدعون إلى تغيير النظام
في سورية، فإن استنكارهم قيام
جبهة أو أكثر مكونة من فصيلين أو
أكثر تتضافر جهودهم في السعي
للخلاص الوطني، ولو اختلفوا
معهم في الرأي، فإنه لا يعني إلا
إبقاء الجميع مشتتا، وهو ما
يريده النظام في دمشق.
فإذا
كانت رغبة الجميع هو إقصاء
النظام الاستبدادي عن سدة
الحكم، فينبغي أن نبارك أية
خطوة لضم جهود المعارضين في
سبيل إنهاء تفرد النظام الحالي
بالحكم وإعادة الأمر إلى الشعب
السوري ليقول كلمته بعد تغييب
له دام أكثر من أربعة عقود.
وفي
هذا السياق، فإن اللقاء الذي تم
في "بروكسل" يوم الجمعة 17
آذار "مارس" الحالي بين
المراقب العام لجماعة الإخوان
المسلمين في سورية المحامي "علي
صدر الدين البيانوني" وبين
"عبد الحليم خدام" نائب
الرئيس السوري السابق،وحضره
معارضون سوريون آخرون ،وأعلن
فيه تأسيس "جبهة الخلاص
الوطني"،إنما هو خطوة على
الطريق، يمكن لمعارضين آخرين أن
ينضموا إليها أو أن ينسجوا على
منوالها.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|