الإخوان
المسلمون والمشاركة السياسية
الدكتور
خالد الأحمد*
المشاركة السياسية
عكسها الشمولية ، وبضدها تعرف
الأشياء ، لذلك سنبدأ بالتعرف
على الشمولية في الحكم .
الحكم الشمولي : هو
أن يستلم حزب أو فئة معينة
مقاليد الحكم ، بانقلاب عسكري
غالباً ، يسيطر هذا الحزب على
البلاد كلها ، وعلى دفـة الحكم
والتخطيط والادارة والمـال ،
ناهيك عن الجيش والقوات المسلحة
، والتربية والإعلام ... وأفضل
مثال مافعله حزب البعث في سوريا
منذ (8/3/1963) ... حيث صار مدير
المدرسة بعثيـاً ، وهكذا وجدت
عشرات المدار س الثانوية تسلم
الإدارة فيها شاب تخرج منها قبل
أربع سنوات فقط ، ثم حصل على
الإجازة الجامعية ، وعين مديراً
لهذه الثانوية ، ومدرسوه الذين
علموه فيها خلال المرحلة
الثانوية صاروا من مرؤوسيه ...
لسبب واحد فقط وهو أنه بعثي ،
وأنهم يكابرون ولم ينخرطوا في
حزب البعث ... ولذلك وصل عدد
البعثيين إلى ( 2) مليون كما
يقولون ...
شمولية بعد الموت
واخترعت حالة جديدة
من الشمولية لم يسبق لها مثيل في
العالم على النحو التالي :
1-
احتكر حزب البعث السلطة ، من
أصغر إدارة في الدولة إلى رئاسة
الجمهورية ...
2-
في الخطوة الثانية سخر بعض
العلويين لتنفيذ مخطط الحكم
الشمولي ، وصار معظم القادة
العسكريين ، والأمنيين ، من
العلويين فقط .
3-
في المرحلة الثالثة انحصر
الحكم الشمولي في أسـرة الأسـد
، وأقاربهم وأصهارهم ، وأزلامهم
..
4-
وفي الخطوة الأخيرة العجيبة
، امتدت الشمولية إلبى مابعد
الموت ، فورث الحكم ، وانتقلت
السلطة بالوراثة ، إلى الابن
الذي لم يكن قد وصل إلى السن
القانونية لاستلام الرئاسة ،
وعندنئذ جُمـع
مجلس الشعب ـ على عجل ـ وخلال
دقائق عُـدل الدستور ليصبح :
رئيس الجمهورية يبلغ من العمر
أربعاً وثلاثين سنة وأربعة شهور
وأربعة عشر يوماً ....
هذا مثال واضح
للحكم الشمولي ، الذي بدأ
بالحزب ، وانتهى بأسرة حاكمة ،
حصر السلطة والحكم والإدارة
والمال بيدها وحدها ، مع
أصهارها وأنسبائها فقط ...
الحكـم عندهـم
غنيمـة :
وسبب ذلك أن هؤلاء
القوم ينظرون إلى الحكم على أنه
غـنـم ، مكاسب كبيرة جداً ، في
الدنيا ، أما الآخرة فقد حذفت من
حساباتهم ، أما في الدنيا فقد
وصل دخل رامي مخلوف وشريكه( .... )
من شركة الخليوي إلى ( 2)
مليون دولار يومياً ... ولم ولن
يتمكن رامي مخلوف من امتلاك هذه
الشركة لو لم يكن ( شريكه ) يملك
القرار ، ويعطل حصول شركة أخرى
منافسة لرامي مخلوف ، ويحرم
خزينة الدولة من (700) مليون دولار
( على ذمة نائب رئيس الجمهورية
السابق : السيد عبد الحليم خدام )
..
الحكم عند
الإسلاميين غـرم وليس غنمـاً
كانت فترة حكم
الخليفة الثاني عمر بن الخطاب
مزدهرة في تاريخ المسلمين ، وصل
الأمر إلى أن يخصص راتب لكل مسلم
في بيت المال ، حيث امتلأ بيت
المال مرات عديدة بالأموال التي
غنمها المسلمون خلال الفتوحات
التي قضت على أكبر امبراطوريتين
يومذاك ، وهم الفرس والروم . وفي
كل مرة يوزعه عمر على المسلمين
...
وكان عمر رضي الله
عنه مثالاً للحاكم العادل حتى
لقب ( الفاروق ) ، ولما طعـن رضي
الله عنه ، وحضرته
الوفاة اجتمع حوله كبار الصحابة
، وعرضوا عليه ترشيح ولـده
عبدالله بن عمر رضي الله عنه ،
للخلافة بعده ، وعبدالله معروف
عنه الفقه والورع والتقوى
وتقليد رسول الله صلى الله عليه
وسلم في سائر شؤون حياته ، ومع
ذلك قال عمر رضي الله عنه وهو
يرفض هذا الاقتراح :
ـ يكفي آل الخطاب أن
يحمل واحد منهم وزر هذه الأمـة
...
وكان عمر رضي الله
عنه يقول خلال صحته وقوته : لو أن
شـاة عثرت على شاطئ الفرات خشيت
أن يحاسبني الله عنها ؛ لِمَ لم
أمهد لها الطريق ... وكان عمر
يكرر القول : ليت التي ولدت عمر
دفنته منذ الصغر ، ويقول حبذا لو
خرجت منها ( الحكم ) ليس لي منها
ولا علي منها شيء ...
هذا هو فقـه
الإسلاميين نحو استلام الحكم ،
والنصوص كثيرة التي تحث على عدم
طلب الإمارة :
باب النهي عن طلب
الإمارة والحرص عليها
عن عبد الرحمن بن
سمرة قال قال رسول الله r [ ياعبد الرحمن لاتسأل الإمارة
فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت
إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة
أعنت عليها ]([1]) . وفي رواية [ إنا
والله لانولي على هذا العمل
أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه ]
.
يقول النووي : ( قال
العلماء والحكمة في أنه لايولي
من سأل الولاية أنه يوكل إليها
ولاتكون معه إعانة كما صرح به ،
وإذا لم تكن معه إعانة لم يكن
كفئاً ولايولي غير الكفء ولأن
فيه تهمة للطالب والحريص ) .
وفي صحيح البخاري
وضع ابن حجر باباً سماه
: باب من لم يسأل الإمارة
أعانه الله عليها
وأورد فيه الحديث
السابق ، وباب آخر عنوانه : باب
من سأل الإ مارة
وكل إليها ، وأورد فيه رواية
من روايات الحديث السابق .
ويقول ابن حجر في
الفتح ( كتاب الأحكام ) : ومعنى
الحديث أن من طلب الإمارة
فأعطيها تركت إعانته عليها من
أجل حرصـه ، ويستفاد منه أن طلب
ما يتعلق بالحكم مكروه ، فيدخل
فيه الإمارة والقضاء والحسبة
ونحو ذلك ، وأن من حرص على ذلك
لايعان ، ومن وكل إلى نفسـه هلك
، ومنه في الدعاء ( ولاتكلني إلى
نفسي ) ومن لم يكن له عون من الله
على عمله لايكون فيه كفاية لذلك
العمل فلاينبغي أن يجاب سؤاله ،
ومن المعلوم أن كل ولاية لاتخلو
من المشقة فمن لم يكن له عون من
الله تورط فيما دخل فيه وخسر
دنياه وعقباه ، فمن كان ذاعقل لم
يتعرض للطلب أصلاً ، بل إذا كان
كافياً وأعطيها من غير مسـألة
فقد وعده الصادق بالإعانة ،
وجاء تفسـير ذلك عن أنس رفعه [ من
طلب القضاء واستعان عليه
بالشفعاء وكل إلى نفسه ، ومن
أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً
يسدده ] .
وينبني على هذا أنه
لايجوز للمسلم أن يرشح نفسـه
للعمل العام ( كالمجلس النيابي
أو الوزارة وما شابهها ) ، وإنما
الجماعة أو الجمعية أو الحزب أو
أهل الحل والعقد أو بعضهم
يرشحونه عندما يرون أنه كفء
لذلك .
باب
كراهة الإمارة بغير ضرورة
عن
أبي ذر t قال قلت يارسول
الله ألا تستعملني ؟ قال فضرب
بيده على منكبي ثم قال [ يا أبا
ذر إنك ضعيف وإنها يوم القيامة
خزي وندامة إلا من أخذها بحقها
وأدى الذي عليه فيها ] .
وفي رواية [ يا
أباذر أراك ضعيفاً وإني أحب لك
ما أحب لنفسي لاتأمرن على اثنين
ولا تولين مال يتيم ] .
يقول النووي ( هذا
الحديث أصل عظيم في اجتناب
الولايات لاسيما لمن كان فيه
ضعف عن القيام بوظائف تلك
الولاية ، وأما الخزي والندامة
فهو في حق من لم يكن أهلاً لها ،
أو كان أهلاً ولم يعدل فيها
فيخزيه الله تعالى يوم القيامة
ويفضحه ويندم على مافرط ، وأما
من كان أهـلاً لها وعدل فيها فله
فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث
الصحيحة مثل [ سبعة يظلهم ...] [ ...والمقسطين
على منابر من نور ..] ، وغير ذلك
وإجماع المسلمين منعقد عليه ،
ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره r منها ، وكذا حذر العلماء
وامتنع منها خلائق من السلف
وصبروا على الأذى حين امتنعوا ) .
وكان فقهاء الصحابة
والتابعين يكرهون استلام
الإمارة ... ويخافون من أن
لايعانوا عليها فيهلكون فيها ...
فقـه الأخ محفوظ
النحناح يرحمه الله :
لن يقبل الإخوان
المسلمون في أي بلد عربي ، أن
يحكموا البلد وحدهم ، بمفردهم ،
لأنهم ينظرون إلى الحكم على أنه
غـرم وليس غنماً ، لذلك يريدون
أن يحمل هذا الغـرم كافة شرائح
الأمة ، وهذا هو بيت القصيد :
لقد عرض العميد
صدقي العطار عام (1962) أن يقوم
بانقلاب عسكري ويسلم الحكم
للإخوان المسلمين ، فرفض الأخ
عصام العطار ذلك ، وأكد أن
الإخوان ليسوا شموليين ،
ولايمكن أن يسـتلموا الحكم
بانقلاب عسكري ، ( كما فعل
البعثيون بعد ذلك بأسـابيع ) .
وفي عدة بلدان
عربية دخل الإخوان المسلمون
الانتخابات بجـزء من طاقتهـم ،
ولم يستخدموا طاقتهم كلها ،
لأنهم يريدون المشاركة فقط ،
ولايريدون الاستئثار بالحكم
وحدهم .
وفي التسعينات من
القرن الماضي ترشح الأخ محفوظ
النحناح أمير الإخوان المسلمين
الجزائريين لانتخابات الرئاسة
ضد الأمين زروال ، وقد سارع
الإخوان في المشرق إلى انتقاده
، فكيف يحكم الجزائر ، التي
تتكالب عليها أمريكا وفرنسا ،
وسط معادلات معقدة مستحيلة
الحـل .ويقول الإخوان
الجزائريون أنـه لولا التزوير
المؤكد لنجح محفوظ رئيساً
للجزائر .
وشـاء الله أن
ألقاه في موسم الحج ، ونقلت له
ما قاله الإخوان في المشرق
العربي ، وخلاصة ذلك عندما
سألته بصراحة : ماذا كنت ستفعل
لو نجحت في الانتخابات ، وأسندت
لك رئاسة الجزائر !!!؟ كيف تحكم
هذا البلد وسط معادلات مستحيلة
الحل !!!؟
قال يرحمه الله :
المشكلة في عقولنا
في العالم الثالث ، والعالم
الإسلامي و العربي ، أننا
لاننظر إلى الحكم إلا من زاويـة
واحدة فقط ، وهو الحكم الشمولي ،
أي أن الحاكم ، الفرد ، أو الحزب
، أو القبيلة ، يجب أن يكون وحده
، ولا أحد معـه . وسبب ذلك أن
العالم الثالث ينظر إلى الحكم
على أنه غنيمـة ، يريد أن يستأثر
بها وحده ، أو حزبه ، أو قبيلته
فقط . ولايسمح لأحد أن يسهم معـه
في اقتسام هذه الغنيمـة .
أما نحن معشر
الإسلاميين ، فالحكم عندنا مغرم
وليس مغنماً
، ومادام غرماً فلماذا
نتحملـه وحدنا ، لماذا لايحمل
معنا الآخرون ، وكما يقولون (
الحمل على المجموعة ريش ) أي
خفيف .
لماذا لانوزعـه على
الآخرين يحملونه معنا !!! لقد
قررنا في الحركة الإسلامية
الجزائرية في حالة استلام رئاسة
الجمهورية تطبيق هذه
الاستراتيجية ( المشاركة وليس
الشمولية ) ، وقد أقرها التنظيم
الدولي للإخوان منذ عهد قريب ،
ولم تنتشر بعد في عقول أعضاء
الإخوان ، وخاصة في المشرق .
قررنا أن نوزع الحقائب الوزارية
على القوى الوطنية الجزائرية ،
ونشـارك معهم ، وهكذا نوزع
الغرم على الجميع ، ونحن منهم ،
وهذه هي ( المشاركة وليس
الشمولية ) .
رحم الله الشيخ
محفوظ ، وأدركت عندها أن عقولنا
المشرقية مخربـة ، وقد حولنا
الاستبداد إلى شعب أصم أبكم ،
الحكم عندنا ماشاهدناه وما زلنا
نشاهده منذ أن خلقنا الله ، حزب
البعث هو الحزب القائد للدولة
والمجتمع ، مدير المدرسة يجب أن
يكون بعثياً ، ولو كان أساتذته
الذين درسوه مازالوا مدرسين في
هذه المدرسة . والجبهة الوطنية
التقدمية لايحق لها العمل بين
الطلاب والجيش ، ولايجوز لأي
حزب ـ غير البعث ـ أن يعمل
ويتكلم ويكتب و.... إلخ . هذه
الشمولية التي جثمت على صدورنا
وعقولنا وأكبادنا أكثر من أربعة
عقود خربت عقولنا ، فلم نعـد
نفهم الحكم إلا بصورته الشمولية
فقط . ويتساءل الآن كثيرون كيف
تستطيع المعارضة السورية تغيير
النظام السوري ، لماذا يتساءلون
لأنهم لم يروا في حياتهم كلها
تغييراً للحكم إلا من وراء
الدبابـة ، ثم البلاغ رقم (1) ،
أما تغيير ديموقراطي ، فمازال
هذا المصطلح غائماً في أذهاننا
، لأننا لم نره في بلادنا ، ولم
نسمع عنه إلا في أوربا ( رومانيا
، روسيا ، ألمانيا ، الولايات
المتحدة ، وغيرها )
.
وهذه حماس اليوم
تعرض وتلح في عرضها على ( فتح ) أن
تشاركها في تشكيل الحكومة ، مع
أن عدد المقاعد التي فازت بها (
حماس ) تكفي لتشكل الحكومة وحدها
...
وفي الختـام :
الإخوان المسلمون في سوريا ،
وفي العالم العربي ، وأينما
كانوا ، إسلامية
وطنية أصيلة ، تهمها مصلحة
الشعب كافة ، بجميع أطيافه
وفئاته وطوائفه ، وأعراقـه ،
هكذا كانوا في ماضيهم ، وهاهم
يؤكدون هذه المعاني في حاضرهم
اليوم . ولم يطلب منا ولامن
غيرنا أن نشق عن قلوب الناس حتى
نصدقهم ، نترك لهم الفرصة للعمل
، والواقـع هو الذي يصدق أو يكذب
مايقولون ، ونكرر لايريدون
الاستئثار بالسلطة بل المشاركة
فقط . وقد أكد التنظيم العالمي
للإخوان المسلمين هذا المبدأ
منذ منتصف التسعينات ، عندما
أصدر المشروع السياسي ، وأكد
الإخوان المسلمون السوريون هذا
المبدأ في مشروعهم السياسي (2004) .
والحمد لله رب
العالمين .
--------------
[1]
ـ وأخرجه البخاري في الأحكام في
عدة مواضع في كتاب الأحكام .
*كاتب
سوري في المنفى
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|