البعد
الطائفي عند الإخوان المسلمين
في سورية! ....
وهم
أم حقيقية؟
الطاهر
إبراهيم*
لا
يخرج أفراد الإخوان المسلمين في
سورية في مشاعرهم وانفعالاتهم
عما يطبع السوريين عموما من
عواطف وانفعالات يعبرون بها عما
يجيش في صدورهم كأفراد. فهم في
النتيجة جزء من النسيج السوري.لكنهم
كجماعة يدركون أنهم محكومون
بأدب التعايش بين مختلف مكونات
المجتمع السوري، فلا يتركون تلك
العواطف تؤثر سلبا على الدور
الذي عليهم أن يؤدوه في حركتهم
السياسية على الساحة السورية.
على أن
ثمة محفزا إضافيا لجماعة لإخوان
المسلمين في سورية يجعلها تتجنب
أن تقع في شرك الطائفية، حيث ما
تزال أحداث 1979 – 1982 الدامية
تلقي بظلالها عليهم، مع أن
دورهم كان هامشيا فيها قياسا
إلى دور النظام الفاعل في تلك
الأحداث.
وحتى
تتضح الصورة أكثر لا بد من
العودة في كل مرة -لإحاطة من لا
يعرف، أو لتذكير من نسي- إلى
حقيقة ما حدث. وفي كثير من
الأحيان قد يكون هناك إفادة في
الإعادة، إذا وضعت في سياقها
التاريخي. ونؤكد هنا أن التذكير
بما سبق ينبغي أن لايخرج القارئ
عن التأصيل التاريخي وخلطه
بالانتماء السياسي. فالسرد
التاريخي ،إذا أحسن سرده،
كتشخيص الطبيب، الغاية منه
معرفة المرض وليس تكريس المرض.
ففي
انقلاب "أديب الشيشكلي"
الثاني في عام 1950، أنيطت
بالراحل "أكرم الحوراني"
مهام وزارة الدفاع. ولم يبتعد
هذا التكليف عن البعد المناطقي
عند "الشيشكلي"، لكون
الاثنين من
مدينة واحد هي "حماة".
أما أكرم الحوراني فقد كانت
فرصة سانحة له لإدخال المئات من
البعثيين إلى الكلية الحربية
ليتخرجوا منها ضباطا، كان لهم
تأثير كبير على الانقلابات التي
حصلت في سورية قبل قيام الوحدة
مع مصر في عام 1958 . كما كان لهم
دور مفصلي في انقلاب آذار عام 1963
،الذي جاء بالبعثيين إلى الحكم.
فقد
عمد "صلاح جديد" الذي أصبح
مديرا لإدارة شئون الضباط -شديدة
التأثير في تنقلات وتسريح ضباط
القوات المسلحة- إلى تسريح كثير
من الضباط غير البعثيين، وإلى
استدعاء الكثيرين من الضباط
الاحتياط البعثيين ليكونوا
عناصر فاعلة في العهد الجديد.
وفي المقلب الآخر، فإن الذين
أعيدوا إلى الجيش بعد انقلاب 8
آذار 1963 كان معظمهم من
الأقليات، وكان أكثر هؤلاء من
العلويين.
وخلال
حركة الانقلابات والتصفيات
،التي نشطت في ستينيات القرن
العشرين، تم التخلص من معظم
ضباط الأقليات ،غير العلوية.
فتم التخلص من الضباط الدروز (
وزير الدفاع حمد عبيد، العقيد
فهد الشاعر الضابط الفعال في
انقلاب 1963 ، الرائد سليم حاطوم
الذي كان يقود كتيبة المغاوير
التي كانت تتمركز حول الإذاعة
والتلفزيون، وقد كان ثالث ثلاثة
قادوا انقلاب 23 شباط على
القيادة القومية البعثية). كما
تم التخلص من ضباط الطائفة
الإسماعيلية وكان أبرزهم "عبد
الكريم الجندي" الذي انتحر (أو
نحر) في عام 1968 . ولم يأت عام 1970
إلا وقد انحصرت قيادات الجيش في
الضباط العلويين.
وكانت
هذه التصفية إيذانا بأن الوقت
حان لتكون التصفية بين ضباط
الطائفة العلوية نفسها. فقد كان
"صلاح جديد" يقود الجناح
المدني في حزب البعث، وكان وزير
الدفاع حافظ أسد يقود الجناح
العسكري، حيث تمت الغلبة له،
وأُقصي "جديد" من المعادلة
الحزبية والمعادلة السياسية
على حد سواء، واعتقل هو وآخرون
في تشرين الثاني "نوفمبر"
عام 1970 ،ولم يخرج من السجن إلا
إلى القبر في عام 1994 .
أردنا
من هذه "النبذة التاريخية"،
التي استشهدنا فيها أكثر من مرة
في أكثر من مقال، أن نعيد القارئ
إلى الأجواء التي كانت سائدة،
حيث لم يكن يخلو الحديث بين
السوريين في ستينيات القرن
العشرين من إشارة إلى تسلط
العلويين على الجيش. أما ابتداء
من انقلاب حافظ أسد في نوفمبر
عام 1970 ،فقد شمل تسلطهم كل
مقدرات الدولة.
نستعجل
الأمر فنقول: إن الحقيقة لم تكن
تسلطا للطائفة العلوية على باقي
الطوائف، بل كان استغلالا من
النظام لأفراد من الطائفة
قايضوا ولاءهم بمكتسبات لهم
ولأولادهم.ولو استثنينا ما
تمتعت به ،من خدمات متميزة، بعض
المدن والقرى العلوية مثل "القرداحة"،
المدينة التي ولد ودفن فيها
حافظ أسد، فقد كانت أكثرية الذي
ينتمون للطائفة العلوية ،كما
باقي الطوائف ،مظلومة، دخل
الكثيرون منهم إلى سجون حافظ
أسد، حيث كان آخر معتقل سياسي
يطلق سراحه هو الدكتور "عبد
العزيز الخير" ،وهو من "القرداحة"،
أيضا منذ أقل من شهرين.وما يزال
الدكتور "عارف دليلة" يقبع
"رهين المحبسين"، سجنِه
وأمراضه.
وهكذا
ماإن أكمل حافظ أسد سيطرته على
الحكم بداية السبعينيات، حتى
كان النفوذ والثروة بيد قلة من
أبناء الطائفة، مُنحت لهم ثمنا
لولائهم، فكانوا حاضرين في
مؤسسات الدولة ووزاراتها أمام
أعين الأكثرية الساحقة للشعب
السوري من كل الطوائف، يرون
مقدرات الوطن لا سبيل لهم إليها
إلا من خلال هؤلاء أصحاب النفوذ.
وعلى هذه الخلفية التاريخية، لا
يستطيع أحد أن يلوم أبناء هذه
الأكثرية إذا قالوا إن الطائفة
العلوية تحكم سورية، فقد كان
ذلك واضحا لا يخفى على ذي عينين.
على أن
هذه الأسطر القليلة لايمكن أن
تعبّر حقيقة عن الاحتقان في
نفوس السوريين جميعا ،تجاه قلة
اتخذت "الأمن" وسيلة
لتدمير أمن المواطن، وأرست
الاستقرار بقسوة، ولكنه كان
استقرارا هدم السلم الأهلي، حتى
غدت سورية بين فريقين لا ثالث
لهما:فريقٍ مقموع سُلبت منه
حريته فهو أسير في وطنه، وفريق
القلة الذين اختطفوا سورية من
ملاكها الحقيقيين، لا ليمتصوا
خيراتها فحسب بل لتساوم القيادة
السياسية أيضا على أمن الوطن مع
القوى الدولية فتبيع فيها
وتشتري، كما هو حاصل مع أمريكا
على الحدود الشرقية مع العراق،
فتضمن بقاءها في السلطة، ولو
على حساب الاستقلال الحقيقي
لسورية.
بعد
هذا السرد التاريخي الممزوج
بتعليقات منثورة من هنا وهناك،
يستطيع المراقب أن يقرأ بوضوح
ملامح البعد الطائفي عند النظام
الذي تمثل دائما في تقريب رأس
النظام لقلة قليلة من رموز
أجهزة الأمن من الطائفة
المقربين له، ليعيثوا فسادا
وتدميرا ضد الطوائف كلها، بمن
فيها باقي العلويين.
واستطرادا،
فقد كان التنافس في سورية بين
أيديولوجيات إسلامية وقومية
ويسارية منذ عهد الاستقلال، ولم
يكن للطائفية أي دور فيها قبل
انقلاب آذار 1963 . فرأينا سورية
المستقلة ترسل الأستاذ "فارس
الخوري" ،وهو مسيحي، ليكون
مندوبا لها إلى مجلس الأمن في
عام 1945 وليقف في وجه المندوب
الفرنسي منددا بعدوان الجيش
الفرنسي على مبنى البرلمان
السوري في 29 أيار 1945 ، كما
اختارته رئيسا للوزراء في إحدى
الفترات.
ومنذ
استولى النظام الحالي على
الحكم، وجدناه يحاول أن يقفز
فوق الحقائق، فيتهم الإخوان
المسلمين بأنهم طائفيون
ويقتلون العلويين،مع أن كل
الشواهد تؤكد أنه لا يستطيع
إثبات ذلك .بل ثبت العكس كما جاء
على لسان الرئيس الراحل
"حافظ أسد" نفسه، عندما
قال مخاطبا الشباب في 23 آذار 1980 :
"إن الإخوان المسلمين ليسوا
من القتلة...."( انظر مقالنا
الذي نشر في هذا الموقع تحت
عنوان لماذا البيانوني ولماذا
خدام؟).
وما
يهمنا في هذه العجالة أن نفند ما
تردد أخيرا من استبعاد للعلويين
عن تكتلات بعض القوى التي
ائتلفت في مسعى للتغيير السلمي
لنظام الحكم في سورية. فقد لوحظ
أن قائمة الموقعين على "إعلان
دمشق" في أواخر شهر رمضان
الماضي، قد خلت من أسماء لرموز
المعارضة العلويين. وهذا ما
أثاره بعض المشككين، ولا يبعد
أن يكون ذلك من تسريبات لأجهزة
الأمن، التي تفوقت في كل شيء إلا
في السهر على أمن المواطن. ولا
نعتقد أن قوى "إعلان دمشق"
تحجب الوثيقة عن الموقعين، لأن
لها مصلحة في كثرة العدد .
مرة
أخرى نقول إنها اتهامات بعيدة
عن الصحة، حيث دعا الموقعون على
"إعلان دمشق" كل القوى
السياسية الفاعلة، لا يستثنون
من الدعوة أحدا حتى رموز حزب
البعث. والحقيقة على العكس من
ذلك تماما. فما نعرفه هو استنكاف
رموز المعارضة من العلويين
،لسبب أو لآخر، عن الانخراط في
تكتلات تستهدف تغيير نظام
الرئيس بشار الأسد.
وإلا
فما معنى أن لا ينضم داعية حقوق
الإنسان الأستاذ "أكثم نعيسة"،
وهو المشهود له بمواقفه المنددة
بالقمع الذي تمارسه أجهزة أمن
النظام السوري. بل ولا يزال يعيش
تحت تهديد سيف الملاحقة
القانونية أمام محاكم عسكرية
فاقدة للشرعية.
كما
أثيرت شبهات مماثلة حول خلو
تشكيلة "جبهة الخلاص الوطني"
-أعلنت يوم 17 آذار "مارس"
الجاري في "بروكسل"- من
أعضاء من الطائفة العلوية. وقد
كانت الأسباب المعلنة هنا هي
خوف المعارضين العلويين على
أهلهم في سورية، وهو خوف حقيقي.
فقد رأينا أن سلطة القمع في
النظام السوري تبطش بعنف عندما
يكون المعارض علويا. وقد رأينا
النظام يفرج عن معظم معتقلي "ربيع
دمشق" ويستثنى الدكتور "عارف
دليلة"، حيث تُرك في محبسه
يعاني من مجموعة الأمراض
المستعصية.
على أن
من يصيد في الماء العكر، لا يترك
حدثا إلا ويثير حوله الغبار. حتى
لو جاء هذا الحدث كما طلب أن
يكون لرأيناه يعترض لم كان على
هذه الصورة؟ وإذا كان انضمام
عبد الحليم خدام إلى جبهة
الخلاص الوطني ،جنبا إلى جنب مع
"البيانوني"، قد أثار
عاصفة من الغبار ما تزال ترمي
بغبارها على الطيف المعارض،
فينقسم بين مؤيد ومعارض، فقد
جاء من يسأل لماذا مد البيانوني
يده إلى خدام وقبضها عن "رفعت
أسد؟
ليس
هذا فحسب. فقد رأينا من نزل إلى
سورية مخالفا جمهور المعارضين
خارجها، كتب ينعي علي الائتلاف
الجديد بأنه شق صف المعارضة.
وكأن نزوله إلى سورية وبيده
جواز سفر أخذه من القنصلية ،وهو
حق له على كل حال، قد وحّد
جمهورَ المعارضين بنزوله هذا.
ولكم تمنينا لو أنه وجد عذرا
يلتمسه لهذا الائتلاف، بأنه قد
يضرب معولا في أساسات النظام
ربما تأتي على بنيانه من
القواعد.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|